أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مسعود عكو - الكلامُ في سُكرِ السرابِ














المزيد.....

الكلامُ في سُكرِ السرابِ


مسعود عكو

الحوار المتمدن-العدد: 2883 - 2010 / 1 / 9 - 14:15
المحور: الادب والفن
    


كانت دقائق عدة تفصلني عن منتصف الليل، هاتفي يرن وتبدو مكالمة بعيدة، صوت أشبه بأنين قيثارة، بدأت أذني تسكر من عذوبته، سنة جديدة مليئة بالحب، وكل عام وأنت بخير، قالت لي وأقفلت هاتفها بعد أن تمنيت لها بالمثل. كانت رقة صوتها واضحاً بالرغم من بعد المسافة بيننا، إنها تقنية غريبة وجميلة. بعيداً عن الهاتف، وباتجاه سطحي منزلي، سرت فشاهدت الكثير من المفرقعات ذات الأضواء، وأصواتها القوية كانت تخيفني أحياناً، تمنيت وباتجاه النجوم نظرت، لو أن نظراتي تلتقي بنظراتها في السماء هذا المساء.

في ذلك المساء، تذكرت أنه لم تمر الأيام كما كان ظني بها، فلا نسيت ولا هي نست، الكلام الذي قلناه لبعضنا تناقلته الرياح، وأرسلت عبرها كل أسرارنا التي بحنا بها في ليلة سكر، إلى القمر الذي كانت تجاوره نجوم كثيرة جداً، النجوم عندنا ليست كما عندها، إن نجومنا أكثر، وأجمل، وربما أصدق في بعض الأحيان، وتحفظ الكثير من الأٍسرار، ولو سألت أيما عاشق لقال لك بيني وبين النجوم سير وروايات وأسرار.

في ذلك المساء، الزمن الذي قطعته تلك الكلمات لتصل إلي كانت أقصر من غمضة عين، فكلماتها هي نفسها، وأحلامها ظلت كما كانت ترويها لي، إنها أحلام يقظة حتى ولو كانت تراودها في المنام، فالأحلام أجمل من أن تنام، إنها تظل يقظة طوال الليل، لتداعب آهاتنا وآلامنا، بل وتجعل من تعاستنا سعادة أحياناً كثيرة.

في ذلك المساء، الصوت الذي رافق الكلمات، لحن قيثارة، عزف لناي حزين، وأنشودة مطر تحمل مع حباتها كلام يذوب السكر في سرابه، السراب الذي راودني عندما رمقتها في الجوار، السراب المغادر بعد الغروب، وذيل النهار يذوب في حلكة ليل الأحلام، السراب انتقل للعيش في مكان أكثر رقياً أو ربما أكثر دفئاً من قلبي البارد، القلب الذي هجره الحب بعيداً، ربما القلب ليس ببارد، بل الحب صقع من جليد الحياة.

في ذلك المساء، سكرت العصافير كلها، حتى الهدهد كان موجوداً، هجرت السنونو، ولم يبق في الجوار إلا بعض عصافير الدوري التي تختبئ بين أغصان شجرة بدون أوراق، بالكاد ترى الدوري وهو يزقزق، حتى الدوري نسي صوته هذه الأيام، وإن حن الذكور للإناث، فلا حب في لقاءهم، إنهم يتناسلون فقط. السنونو وحده يعلم كيف يحب ويعشق، إنه يطير بعيداً عله يجد حبيباً جديداً.

في ذلك المساء، بدأ نجم يغازل نجمة، فقرر أن يحرق نفسه من أجلها، بدأ بالسقوط إلى الأرض ليري حبيبته شهاباً نارياً يلمع. كان النجم يدنو من الأرض، ولهيب الشوق في داخله يحرقه، يسيل من الحب، إنه يري حبيبته كم هو جميل وشجاع، إنه يضحي بحياته كي يرى البهجة في وجه نجمته التي عشقها منذ ولادته، انطفئ النجم ومات ولم يصل الأرض، أما النجمة فكانت منشغلة كباقي النجوم في رؤية خسوف القمر.

في ذلك المساء، سرق الغراب لحناً من صندوق الأغاني القديم، بدأ ينعق ويقرأ قصيدة شاعر أعمى، القصيدة تتكلم عن الحب والغزل، كان الغراب جائعاً يشتهي في رأس السنة قطعة لحم مشوي، مع كأس من النبيذ الأحمر، أو ربما كسرة خبز مع القليل من دبس البندورة. لا يهم فقط الأكل كان يشغل بال الغراب.

في ذلك المساء، بدأت الغيوم تبكي على بعضها البعض، كان البعض منه يغادر بعيداً، فتذرف الأخريات دموعاً تنهمر من السماء، ثملت الغيوم وبدأت تحكي قصة حبها للسماء، الحب الذي يبدأ بقطرة وينتهي بقطرة، قطعت غيمة وعداً على نفسها، بأن لا تعشق طيلة حياتها، بعد أن غادرها حبيبيها من أجل سحابة صيف.

انتهى الليل من كلامه، وعادت النجوم إلى ثغورها، ودار القمر ظهره وغادر إلى مكان أخر في المجرة، وحدها السماء ظلت كما هي، سوداء تتخللها بعض البقع البيضاء، قالوا لنا أنها بقايا نجوم احترقت، منها من أحبت ومنها من كرهت، كلها ذهبت بعيداً، حتى الحب بين النجوم لا يدوم كما بين البشر.

رفع الليل نخب هدوئه، وسكرت أنثى السراب من كلام العشاق في ذلك المساء، كل تمنى لحبيبه حباً جديداً، إلا الليل، لم يتمن له أحد شيئاً، ظل يحب كل من حوله، ظل وحده حزيناً في نهاية العام، كما لو أنه لم يعشق أبداً، بالرغم من كل النجوم والأقمار التي تضيء سواده، ما زال الليل يسكر وحيداً، وبعيداً هناك في السماء.



#مسعود_عكو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ميلاد مجيد يا أنور البني
- في شأن محاكمة رجال القانون وحماة العدالة
- تركيا والمواجهة الكردية المفتوحة
- هل تتجه تركيا لحل القضية الكردية؟
- في شأن الحب والموسيقى وأحلام كثيرة
- عندما تبث سانا أخبارها بالتركية
- كم الأفواه.. تراجيديا يومية في سورية
- هل يطلق سراح رياض سيف لأسباب إنسانية؟
- عندما تودع أغنية.. إلى آرام تيكران
- الحب في زمن الأنفلونزا
- الرحيل إلى ضفة الألم ... إلى فارس مراد
- عندما تَعشق سلمى.. تُقتل
- النوفرة
- الثورة على الثورة
- الكرد في سوريا أزمة حاضر وغياب مستقبل
- مشروع قانون الأحوال الشخصية السورية..استمرار الانتهاكات في ظ ...
- عندما تعشق البيريفانة
- آذار بهار
- في عيدها العالمي ما تزال المرأة أسيرة الاضطهاد بكافة أشكاله
- إنما الخيانة في آبائك الكرد


المزيد.....




- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مسعود عكو - الكلامُ في سُكرِ السرابِ