أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاتن واصل - لقمة القاضى السخنة














المزيد.....

لقمة القاضى السخنة


فاتن واصل

الحوار المتمدن-العدد: 2883 - 2010 / 1 / 9 - 02:29
المحور: الادب والفن
    


رائحة العشب الذى روى لتوه واختلاطها مع رائحة الذرة المشوى .. صوت فرقعات اللهب وتطايره فى الهواء بفعل المروحة الريش فى يد البائع .. لزوجة الجو من الرطوبة العالقة فى مسامه, عادة ما تفتح بابا تتداعى منه الذكريات خاصة مع بدايات الصيف، وتجسد أمامى صورة الحديقة العامة بميدان كوبرى القبة بأضوائها البيضاء الخافتة ونحن نتقافز ممسكين بيد أمى فى طريقنا إلى بيت الخالة .. فرحين برشرشات النافورة الرخامية الكائنة وسط الحديقة ..ذكريات هذه المشاهد عادة ما يجتاحنى بعدها نوبة من الحنين لا أستطيع التخلص منها .. العودة للطفولة, وحضن الأم الآمن الذى حرمت منه مبكراً ..أمي كانت رغم جديتها الملحوظة كمدرّسة, تتحول الي شخص آخر بين أخواتها. لا تتوقف عن الضحك والتريقة حتي علي نفسها, وكانت الخالات يتحولقن حولها بمجرد حضورها يستمعن لآخر فصولها ويضحكن كما لو كان العالم كله قد انحصر وتمركز في جلستهن هذه.
كنت أحب الذهاب إلي زيارات الخالات فلقد كنت طفلة وحيدة, و كان أبناء الخالات وبناتهن يمثلن أخوة لي مع تفاوت الأعمار، وتوفيت الوالدة وحملت الهموم مبكرا وأصبحت لا أرى الخالات وأبنائهن إلا فيما ندر فقط فى المناسبات الحزينة.. فدنيانا قد تغيرت, وكنا قد كبرنا وأصبح منا الطبيب والمهندس والصيدلي والمحاسب وتزوج كل منا وانشغلنا بالكد اليومي.
بانخفاض الشمس بدأ الحر ينكسر , وهبت نسمة طرية ألقت بالحنين الي قلبي الوحيد, واشتقت لذلك المنزل الذى كانت تعيش فيه خالتي الكبرى .. كان المنزل لازال علي حاله, يقاوم الغابات الإسمنتية التي أحاطته من كل جانب, فأصبح مثل المنور السماوى الذى تتوسطه حديقة مهملة، بها شجر ذو أوراق خفيفة يسرب ضوء الشمس ويلقى ببعض الظلال التى تتراقص مع أى نسمة بحيث كنا نتخيل صور أشباح وعفاريت وخصوصا إذا طالت الزيارة حتى نزول الليل وتسرب ضوء القمر من خلال الأوراق.
تتسابق داخلى ذكريات الطفولة .. جلسات الخالات .. ضحكهن على مواقف بسيطة مثل تصرف لصغير منا يدل على تخابثه .. أو حماقة تقصها إحداهن عن زوجها .. أو تصرف ساذج لخادمة .. تلاعب بائع .. مغازلة جار أو عابر طريق .. الى آخره وكن يضحكن من أعماق قلوبهن .. أما نحن الصغار فقد كانت فرصة لنا للانطلاق والضحك والصراخ لأبسط الأشياء .. بين حين وآخر كان يذهب أحدنا ليتفقد الجلسة الحميمة بين الخالات ويتأكد بأن أمه مستقرة ولا تنظر فى ساعتها معلنة الرحيل بسبب عودة الزوج أو توقع ضيف يتوجب إعداد شئ ما لاستقباله .. أو تلميع أثاث الشقة استعدادا لزيارة .. وحين يطمئن.. يعود قفزا يبدل أرجله .. صائحا " هييه هييه ..ماما قاعدة .." وسط صراخ وتهليل وهتاف الباقين فرحين بالخبر.. ثم نبدأ سريعا فى التخطيط للعبة التالية.
كان عمى عبد المجيد زوج الخالة المضيفة مشهورا بالعبوس .. لذلك عندما كان يهل بسيارته الفولكس عتيقة الطراز ذات اللون الرمادى الكالح وبذاته ذات الألوان الكلاسيكية البنى والرمادى و الكحلى ..كنا نختفي عن ناظره فى الحديقة نرقبه وهو يحتل جزءا منها كمكان انتظار لسيارته نكتم ضحكاتنا, ثم نعاود الجري مستخدمين مكان العربة للاختباء .. بعد وصوله بدقائق تقف الخالة أمام باب المنزل معلنة بحسم انتهاء اللعب والدخول للاغتسال الفورى وتناول الطعام. كان لخالتى ندبة على جبينها تبدو بسببها كما لو كانت فظة شريرة، ولكني عرفت بعدما كبرت أن هذه الندبة كانت بسبب جرح حدث لها فى الصغر ولم يكن وقتها متاحا إجراء عمليات للتجميل. عندما اقتربت منها عقب وفاة أمى اكتشفت أنها خفيفه الظل لا تترك فرصة دون استغلالها في الضحك والابتسام وإضفاء السعادة علي من حولها وبطيبة ليس لها نظير.
داهمتنى الفكرة عندما وضعوا أمامي طبق البطيخ الأحمر .. تذكرت خالتي وفاكهة الصيف وضحكات الطفولة وقررت أن أستعيدها. لقد رحلت الخالات ولكن الأبناء لازالوا ..كتبت رسالة عبر البريد الألكتروني أدعوهم فيها للحضور والتجمع بهدف إحياء الذكريات ..أرسلتها لكل من أبناء وبنات خالاتى رفقاء الصبا طالبة أن يحضروا لزيارتى بدون زوجاتهم وأزواجهن, ظنا منى أنى أستطيع بهذا الجمع إعادة الماضى والضحك والتهليل كما كنا فى السابق ..أرفقت قائمة الطعام التي تشمل بعض الأكلات البسيطة على رأسها المحشى والكفتة اللتان اشتهرت بهما الخالة, والمشروبات والعصائر وحرصت أن أضمِنها لقمة القاضى التى كنا نصرخ فرحا حين تنادينا من وسط اللعب لتناولها ساخنة، وفاكهة الصيف البطيخ والمانجو والتي كنا نأكلها في مصيف العائلة بعد خروجنا من البحر.
كانت قد مرت حوالي عشر سنوات على آخر لقاء بينى وبين معظمهم, حين تجمعنا لحضور مراسم دفن خال لنا, اتفقنا فى هذا اليوم أن نلتقى دون أن ننتظر موت أحد أفراد العائلة، ولكن هذا لم يحدث أبداً .. فالحياة تسحب أيامنا من بين أيدينا, ولا نكاد نقوم بالتزماتنا الأساسية.. وللحقيقة لم يكن بيننا نموذجا غير جاد فقد كانت أعمالنا جميعا تتسم بالإلتزام والأهمية وكنا ناجحين ..ولكننا قد تغيرنا أيضا ولم يكن هناك سبب للتمسك بذكريات الطفولة.
صباح يوم المقابلة عندما تفقدت بريدى الإلكتروني, وجدت رسائل اعتذار من أغلبهم لسبب أو آخر إلا أبيه مجدى .. لقد قرر أن يحضر في الميعاد من ألمانيا التي هاجر إليها منذ أكثر من عشرين سنة فقد كتب لي .. وحشتني لقمة القاضي السخنة .. في المطار تجمعنا في انتظاره .. الجميع .. وعندما هل من صالة الوصول كان البعض يقفز ويقول " هيه هيه مجدى جه " .. والتأم الشمل لدقائق, وبدأنا نخطط للعبة جديدة ..شكرا يا أبيه.



#فاتن_واصل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سافرة ..ولا زلت
- هو الذى هو..
- حشو عصب
- أطواق
- قبعة
- إنسحاب ..
- أماكن
- كانت قصة قصيرة


المزيد.....




- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاتن واصل - لقمة القاضى السخنة