|
-حب .. و بطاقة تعريف- للقاص عبد السميع بنصابر جواز مرور نحو مستقبل قصصي واعد
مصطفى لغتيري
الحوار المتمدن-العدد: 2882 - 2010 / 1 / 8 - 22:54
المحور:
الادب والفن
نظرا للمكانة الاعتبارية التي أضحت تتمتع بها القصة القصيرة في المغرب ، بفضل المجهودات المتواصلة لكتابها المتحمسين و الجادين ، و على رأس هؤلاء الكاتب المتميز أحمد بوزفور ، أصبح هذا الجنس الأدبي قبلة مفضلة ، تجتذب إليها- تباعا -عددا من الأقلام الشابة ، التي تفاجئ المتتبعين بجودة نصوصها القصصية ، و لعل ذلك مما يبرر الاطمئنان على مستقبل هذا الجنس في بلادنا.
ومن الأقلام الشابة التي التي تثير انتباه المتتبع بنصوصها القصصية ، المتميزة بقدر كبير من النضج ، من الصعب أن يتحقق لأديب شاب ، أذكر القاص عبد السميع بنصابر ، الذي أصدر- في المدة الأخير- مجموعته القصصية الأولى ، والتي اختار لها كعنوان" حب.. و بطاقة تعريف" ، والمطلع على هذه المجموعة سيشعر- لا محالة- أنها تؤشر على ولادة قاص واعد ، يمتلك من المؤهلات ، ما يبوئه مكانة محترمة ضمن الجيل القصصي الجديد ،الذي أطلت علينا نصوصه الأولى مع بداية القرن الواحد و العشرين ، و الذي من المنتظر أن يفرض نفسه بقوة في ما سيأتي من أيام ، و من هؤلاء أذكر كل من محمد أيت حنا و حنان كوتاري و مصطفى الدقاري و عبد الغفور خوى و غيرهم كثير.
و لعل أول ملاحظة تفرض نفسها على قارئ هذه المجموعة القصصية تتعلق بأسلوب الكتابة القصصية ، الذي ارتضاه القاص لنفسه ، و الذي يتميز بكثير من الرصانة و الدقة و التلقائية ، فالنصوص تنبني عند الكاتب بشكل هادئ ،مستفيدا -في ذلك- من تقنيات القصة القصيرة، كما تقدم نفسها لدى رواد هذا الفن القصصي الجميل ، محاولا بذلك الاقتضاء بالنصوص الكلاسيكية ، التي تراهن على تقديم الأحداث بشكل متنام ، يراعي التسلسل المنطقي و الكرونولوجي ، مع الاهتمام برسم الشخصيات بملامحها النفسية و الفزيولوجية ،حتى توهم المتلقي بواقعيتها ، و قد وظفت قصص بنصابر لبلوغ غايتها هاته لغة قصصية ، تحترم إلى حد كبير النسق الفصيح و علامات الترقيم ، وهي لغة تعظ بالنواجد على سلاستها و فصاحتها، مانحة بذلك النصوص جمالية خاصة ، تميز بشكل عام النثر الفني ، بإيقاعه الداخلي ، الذي يشعربه كل من أصاخ السمح للنصوص بكثير من التروي و العشق.
و تنتقي قصص المجموعة تيماتها من المحيط الذي يحيا بين أحضانه القاص ، مسجلا بذلك حضور الحي و المقهى و الشارع و المدرسة ، هذه الأخيرة التي يطغى حضورها على كثير من النصوص ، و ليس ذلك مستغربا ، إذا عرفنا أن القاص عبدالسميع بنصابر يمارس مهنة التدريس . يقول السارد في قصة " فوق السرير" : " خيل إلي أنني حطمت إثرها ، جسد المدير.. لا بد أن الحقير يقف كالعادة ، بجسمه القصير الممتلئ أمام باب المركزية ، وعيناه تطلان على عقارب ساعة الكوارتز التي تخنق يده ، من وراء نظارته الطبية ، وهي تكاد تبتلع نصف وجهه ، الذي - بالمناسبة- أراه أقبح وجه آدمي على البسيطة".
و كما هو الشأن بالنسبة لكل كاتب شاب ، فالعلاقات العاطفية حاضرة بمقدار ،حيث نجد المرأة محور بعض القصص ، بل وتعد عاملا محفزا على الاستمرار في الحكي، رغم أن هذا الحضور يتميز في نصوص المجموعة بكثير من المرارة و الخيبة ، و قد عبر عن ذلك الكاتب في أكثر من قصة بأشكال مختلفة ، يقول السارد في قصة " لقاء خيالي" :
" و في اليوم الموالي ، عند الغروب ، كنت أجلس وحيدا مفترشا رمال الشاطئ الفسيحة..
كانت يدي تمسك وردة ، بدأت تذبل بطول الانتظار.."
و بعد هذه الوقفة العجلى عند المجموعة القصصية "حب .. و بطاقة تعريف "، و التي هي أبعد من أن توفيها حقها ، يطيب لي أن أختم بخلاصة مفادها: إن الخصائص المميزة لأسلوب القاص عبدالسميع بنصابر ، و التي أشرت إلى بعضها في هذا المقال، وخاصة تعاطيه مع مكونات جنس القصة القصيرة بشكلها الكلاسيكي ، لهي -في رأيي - المؤشر الأكثر دلالة و قوة على أن مستقبل هذا القاص سيكون ماطرا و غنيا ، لأن الكاتب الذي ينطلق من تمكنه من أسس الجنس ، من خلال تمرسه على ممارستها ، كما تجلت عند الرواد من أمثال تشيخوف و موباسان ومنذور و يوسف إدريس ، لهو- في اعتقادي- القاص الذي يمكنه أن يتجاوز في يوم من الأيام هذه الطريقة في الكتابة، لينتقل إلى أسلوب أكثر حداثة من خلال تعميق الرؤيا ، و الحفر عميقا و عموديا في كل مكون على حدة، بعد أن يكون قد أسس مشروعه الكتابي على أسس صلبة و متينة ، تخول له التوغل عميقا في مفاوز القص و دهاليزه.
#مصطفى_لغتيري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بين الأدب والتاريخ*
-
استثمار اليومي ضمان لأصالة الكاتب
-
الحوار المتمدن صرح حضاري شامخ
-
ملامح السخرية في المجموعة القصصية -الخلفية - للعربي بنجلون.*
-
رسالة مفتوحة إلى الشاعر حسن نجمي
-
هل -بيداغوجيا الكفايات - طريقة ملتوية لتطبيق شبكة التنقيط؟
-
حنان كوتاري تنقش اسمها بالحناء في مدونة القصة المغربية
-
بلاغة الغموض في - أشرب و ميض الحبر - للقاص اسماعيل البويحياو
...
-
ليلة إفريقية رواية جديدة للكاتب مصطفى لغتيري
-
رواية -عائشة القديسة- أو الوجه الآخر لمجتمع يصارع الانفصام
-
حوار مع مصطفى لغتيري حول الرواية المغربية
-
حضور الذات حقيقة و مجازا في ديوان - بقايا إنسان- لكريمة دليا
...
-
وقع امتداده.. و رحل- مجموعة قصصية جديدة للقاصة السعدية باحدة
-
أنماط الرواية العربية الجديدة
-
على أعتاب المكاشفة
-
رسائل إلى أديب ناشئ
-
الإبداع القصصي عند يوسف إدريس
-
أنطولوجيا القصة المغربية
-
تسونامي - قصص قصيرة جدا - الكتاب كاملا-
-
الكرسي -مسرحية من فصل واحد-
المزيد.....
-
منها متحف اللوفر..نظرة على المشهد الفني والثقافي المزدهر في
...
-
مصر.. الفنانة غادة عبد الرازق تصدم مذيعة على الهواء: أنا مري
...
-
شاهد: فيل هارب من السيرك يعرقل حركة المرور في ولاية مونتانا
...
-
تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O
...
-
مايكل دوغلاس يطلب قتله في فيلم -الرجل النملة والدبور: كوانتم
...
-
تسارع وتيرة محاكمة ترمب في قضية -الممثلة الإباحية-
-
فيديو يحبس الأنفاس لفيل ضخم هارب من السيرك يتجول بشوارع إحدى
...
-
بعد تكذيب الرواية الإسرائيلية.. ماذا نعرف عن الطفلة الفلسطين
...
-
ترامب يثير جدلا بطلب غير عادى في قضية الممثلة الإباحية
-
فنان مصري مشهور ينفعل على شخص في عزاء شيرين سيف النصر
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|