أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - فرج بيرقدار - ستة عشر يوما من الجمر















المزيد.....



ستة عشر يوما من الجمر


فرج بيرقدار
(Faraj Bayrakdar)


الحوار المتمدن-العدد: 875 - 2004 / 6 / 25 - 05:24
المحور: الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
    


" الشاعر الإرهابي " !
تقديم :
فرج بيرقدار أحد أبرز الأصوات الشعرية التي عرفها الشعر السوري المعاصر في سبعينيات القرن العشرين . وإذا كانت الجدران الصماء قد غيبته عن عشاق الشعر أربعة عشر عاما ، فإن الحمامة التي أطلقها من خلف القضبان في العام1997 عادت به إليهم مرة أخرى .. لكن على جناحين مثقلين بأصداء الهديل المسفوح فوق رمال الصحارى التدمرية .
منذ البداية حدد فرج بيرقدار موقفه العاري : ليس للمثقف خيار ثالث في أن يكون شاهدا على عصره أو طبلا في " عرس الديكتاتورية " وزمارا في جوقتها . ولأنه أبى أن يكون شاهد زور ، كان عليه أن يقتطع أربعة عشر عاما من عمره فدية عن شعب استدان حياته من شايلوك بفائدة مركبة .. تبتدئ بالصمت لكنها لا تنتهي إلا بالمسخ ! وكان عليه أن يسدد الفدية ثلاث مرات لثلاث عصابات امتهنت خطف حيوات الناس وأعمارهم بقوة السلاح .. ولا تزال . ففي العام 1978 سدد الفدية مرتين : إحداهما للمخابرات الجوية فداء لـ " الكراس الأدبي " الذي كان يصدره مع الراحل جميل حتمل والصديق بشير البكر وآخرين ، وثانيتهما للمخابرات العامة فداء عن انتمائه لرابطة العمل الشيوعي ، قبل أن يطويه التخفي أربع سنوات ليدفع بعدها فدية من أربعة عشر عاما للمخابرات العسكرية فداء لحزب العمل الشيوعي ، ولم ينته تسديدها إلا أواخر العام 2000 حين أطلق سراحه من مملكة الموت إلى مملكة الخراب .
أصدر فرج بيرقدار أربع مجموعات شعرية :
ـ وما أنت وحدك ، 1979 ؛
ـ جلسرين / رقصة جديدة في ساحة القلب ، 1981 . وهي مكرسة لروح الشاعر الإيراني الشهيد جلسرين الذي أعدمه جهاز السافاك البهلوي ؛
ـ حمامة مطلقة الجناحين ، 1997 . وقد هربت مخطوطتها من سجن صيدنايا على ورق السجائر لتنشر في خارج سورية ويترجمها فيما بعد إلى الفرنسية الشاعر المغربي عبد اللطيف اللعبي . ويعكف الآن شاعر أميركي على ترجمتها إلى الإنكليزية ، حيث ينتظر صدورها في الولايات المتحدة قريبا .
ـ تقاسيم آسيوية ،2001 عن دار حوران بدمشق .
أما مجموعة " أنقاض " فقد منعت نشرهافي سورية " شعبة المخابرات الثقافية " ، وهو الاسم الحركي لـ " اتحاد الكتاب العرب " الذي يرأسه " الجنرال المسرحي " علي عقلة عرسان. وكان هذا الشخص قد اتهم فرج بيرقدار بأنه إرهابي حين استفسرت منه إحدى المنظمات الدولية عن سبب اعتقال بيرقدار طيلة هذه الفترة !
حصل فرج بيرقدار في العام 1998على جائزة هيلمت / هامت التي تمنحها مؤسسة ثقافية أميركية ، تحمل الاسم نفسه ، بالتعاون مع منظمة Human Rights Watch لكتاب معتقلين على خلفية آرائهم ومعتقداتهم . وفي العام 1999 حصل على جائزة American Pen Center ، وهو الفرع الأميركي لاتحاد الكتاب العالمي المعروف باسم International Pen Club . وحصل الشهر الماضي على جائزة " الكلمة الحرة " الهولندية .
بالإضافة لأعماله الشعرية ، المخطوط منها والمطبوع ، كتب فرج بيرقدار عددا من الأعمال النثرية المخطوطةالتي تصور أبعاد التجربة الإنسانية في المعتقل ، لعل أبرزها " خيانات اللغة والصمت " الذي كتبه في سجن صيدنايا ونشر الملحق الثقافي لجريدة النهار اللبنانية أربعة فصول منه . وبناء على طلبي أرسل الصديق بيرقدار أحد فصول هذا المخطوط كمساهمة منه في ملف " الحوار المتمدن " عن تجربة السجن والاعتقال في العالم العربي . وهو بعنوان " ستتة عشر يوما من الجمر " ، و ينشر لأول مرة .
نزار نيوف




ستة عشر يوما من الجمر
( فرج بيرقدار )

مضت الأيام خائفة.. متلجلجة.. ونازفة. أن ترفع رأسك معناه أن ترفع نعشك وتستعد للسير في أول الجنازة. كنا نميز العساكر من أشكال أحذيتهم.
ـ ذو الحذاء الصغير الأسود اللامع ليس سيئاً.
ـ بل إنه يبدو أحياناً وكأنه متعاطف معنا.
ـ أما ذو الجزمة السميكة الوسخة فإنه بلا شك يتدرَّب الكاراتيه ويطبق تمارينه علينا بطريقة غبية. غبية وربما أكثر إيذاء مما يريد.
حقاً أصابع المرء ليست واحدة، فقد كان هناك عساكر في منتهى الطيبة، وبعضهم كان يتعاطف معنا إلى درجة لمعان الدمع في العيون. لا أستطيع أن أنسى ذلك السجان الذي كان، كلما أخذوني إلى التحقيق، يترك لي في المنفردة بعضاً من الحلوى أو الفاكهة. إحدى المرَّات كان هو الذي يرافقني إلى المنفردة بعد انتهائي من إحدى جولات التحقيق، وما إن فتح الباب حتى وقعت عيناي على قطعة كبيرة من "الهريسة".
يصعب أن تصدقوا ما تعنيه قطعة هريسة بالنسبة لسجين جديد، استنزف التحقيق من دمه وأعصابه وعرقه ما لا يستطيع احتماله أي كائن آخر غير الإنسان. التفتُّ إلى السجان مبتسماً، في الحقيقة كانت أعماقي تخفق بفرح طفولي غامر، وشكرته كما هي العادة. سألني عن مبرِّر ذلك، فأشرت بإصبعي إلى الهريسة.تغير لونه وارتبك قليلاً ليضيف:
ـ أنا لم أستطع أن أترك لك شيئاً هذا اليوم.
أغلق الباب، وما إن ابتعدت خطواته حتى وصلني صوت أحد الرفاق:
ـ هل أعجبتك الهريسة يا منفردة /13/ ؟
ـ هذا أنتم إذن؟ يا لتسرعي وضعف مبادهتي أيها الرفاق، لقد شكرت السجان عليها !!
أجل.. تمضي الأيام طائشة ومترنِّحة، بل غامضة ومتحفِّزة وموحشة وعمياء. صحراء تشهق رملاً ولا تزفر سراباً.
أرجوحة بين نصلين لامعين يتناوشانها ذهاباً وإياباً باسم الحياة والموت.
يا إلهكم !! هل يستقيم لكم أن تروا الحياة والموت على هيئة واحدة ؟!
ـ رئيس المهجع /18/.. إرم من الشرَّاقة أفضل بطانية عندك.
ـ من شان شو حضرة الرقيب ؟!
ـ من شان خرا بتمَّك يا شرموط.. من شان الخبز.

كان صوت العسكري، وربما أحد عناصر البلدية يلعلع في الباحة:
ـ رئيس المهجع /19/.. أفضل بطانية عندك../20-21-22-23-24/ أفضل بطانية عندك.
شهقات غريبة متقطِّعة !! انتبهنا إلى مصدر الصوت، فرأينا أحد الرفاق وهو يجاهد في خنق ضحكة غير مفهومة، ولكنه ما لبث أن استسلم تاركاً العنان لصوته وجسده وحركاته. تكلَّحت ملامح رئيس المهجع وهو يسأل عن سبب الضحك، فأجابه الرفيق وهو لا يزال تحت تأثير الحالة:
ـ لاشيء.. فقط أضحكتني نبرة العسكري وهو يلفظ كلمة: شرموط.
اكفهر وجه رئيس المهجع واحتقنت عيناه بدمع حجري مقهور:
ـ ولكنك لم تضحك يا رفيق عندما قالوا لك البارحة: يا منيوك !!
رَدَّ ثالث:
ـ في الحقيقة كلمة " شرموط" أخف وطأة من كلمة " منيوك ".
قال آخر:
ـ بالعكس.. فكلمة "شرموط " هي أقذع شتيمة ممكنة.
تدخَّل خامس ليقول بجديَّة تامة:
ـ أنا لا أعرف حقاً أي اللفظتين أسوأ، ولكن لا داعي لهذه المهاترة مادام بيننا اختصاصي لغة عربية، مشيرا إلّي.
أنقذني أحدهم وهو يعيد الدماء إلى مجاريها:
ـ ولك يا شباب شو صارلكم.. كلّه ألعن من بعضه.. الله يرحم خلافات أهل الكوفة والبصرة. يا سادة نحن الآن في تدمر، خلّونا نحل مشكلة البطَّانيات أولاً وبعدها لكل حادث حديث.
في كل يوم كنا نرمي أفضل بطانية لدينا، فيعود إلينا الخبز مع بطانية جرباء مهترئة، وحين ضغطنا على رئيس المهجع ليطرح المشكلة مع حضرة الرقيب، رضخ رئيس المهجع، ولكن رد الحضرة جاء عاصفاً.
وبعد ما صحونا اكتشفنا أن أربعة أو خمسة منَّا لا يسمعون !! وأن غشاء الطبل.. صفعة واحدة تكفي لثقبه أو تمزيقه.
بعد شهور نقلونا إلى المهجع /24/. قال لنا أحد الرقباء:
ـ هذا أفضل مهجع في السجن.. هواء وشمس ودلال.
كنَّا نسمي هذا الرقيب " الجرو".
في الحقيقة ما من رقيب إلاَّ ركّبنا له اسماً حركياً استوحيناه من شكله أو سلوكه أو صوته..إلخ.
الرقيب الأشقر النحيف الطويل أطلقنا عليه اسم "آسفين"، لأنه حين سألَنا عن سبب ارتفاع الصوت، قال له أحدنا:
ـ لم نكن نعتقد أن الصوت كان عالياً أكثر مما..
قاطعه على الفور:
ـ لا تناقشني.. قلت لك كان عالياً.
ـ حسناً حضرة الرقيب.. آسفين إذا كنت ترى الأمور كذلك.
ضيَّق الرقيب جفنيه بحركة ازدرائية:
ـ قلت لي آسفين آااا ؟! والله تاليتك بتاكل خرا وبتحكي نَحَوِي!!
بعد هذه الحادثة وجدنا أنفسنا حين نأتي على ذكر هذا الرقيب نسميه "آسفين".
أما العريف " شميدت"، فقد أعطيناه اسمه من شكله الألماني، وأعطينا الرقيب " الصرصور " اسمه من خلال تركيبة صدره وربما من خلال صوته، والرقيب "جمال" من أناقته وتهذيبه بشكل عام.
أما " الجرو" فلأنه كان في إحدى موجات التعذيب الدوري المنظَّم، يعوي أكثر ممَّا يعضّ، في حين كان الآخرون يعضّون أكثر ممَّا يعوون، وقد اختلفنا لاحقاً حول التسمية.
بعضنا اعتبرها مديحاً له، وبعضنا اعتبرها ذمَّاً لا يليق بسلوكه الذي ينم أحياناً عن ذكاء وتعاطف.
في أحد التنفسات كان " الجرو" يغنِّي واحدة من أغاني سميح شقير الشهيرة:
رجع الخيّ يا عين لا تدمعيلو فوق كتاف رفقاتو ومحبّينو
رجع الخي يا يمَّـا زغرديلو ها الشهيد دمَّاتو دين علينا.
ـ يا شباب أسمعتم ؟! ألم أقل لكم أن وراء تصرُّفات الجرو ما وراءها؟
كلُّكم سمعتم الأغنية التي غنَّاها.. ألا تعتقدون أن هذه الأغنية رسالة واضحة الدلالة؟
ـ نعم.. إنها تدل بوضوح على أننا سنرجع محمولين، ولكن ليس بالضرورة على أكتاف الأحباب والأصدقاء.
ذات يوم ساءت صحَّة أحد الرفاق، وحين فحصه طبيب السجن، قال إنه سيشرح للإدارة ضرورة نقله إلى مشفى تدمر.. وبالفعل نقلته الإدارة خلال ساعات.
ـ يا رفاق.. لو كانت حياتنا مهدورة لما نقلوا رفيقنا إلى المشفى، وما دامت حياتنا ليست مهدورة، فلماذا لا نفكر بمواجهة محدودة بغية تحسين شروط حياتنا ؟.
عقدنا اجتماعاً مطولاً وفي منتهى الدرامية، استطعنا في نهايته الوصول إلى إقرار مشروع إضراب عن الطعام احتجاجاً على سوء المعاملة وغياب الكتب والجرائد ونقص الطعام والأدوية وغير ذلك من تفاصيل حياتنا اليومية.
تحركت الإدارة بدينامية عالية عبر بعض الرقباء... ترهيب وترغيب وجس نبض..الخ. لاحقاً جاء المساعد ليخبرنا أن الإدارة لا تسمح بهذا السلوك أبداً.. ثم ما الداعي لهذا الجنون طالما أن الإدارة ستلبي طلباتنا قريباً بشكل طبيعي.. أم أننا ننوي استفزاز مدير السجن؟
ـ لا بأس يا رفاق سنكتفي بالإضراب ليوم واحد، فإن حققت الإدارة مطاليبنا كان خيراً، وإلا..فسنعود إلى الإضراب من جديد.
سنة وخمسة شهور والإدارة تماطل ونحن نحاول.. في الواقع حسَّنوا معاملتنا جزئياً.. صارت الإهانات الجسدية والمعنوية أقل، وأعطونا النشرة السياسية التي تصدرها إدارة التوجيه المعنوي للجيش.
ـ يا رفاق.. انتظرنا الإدارة أكثر مما ينبغي، وها قد مضى على اعتقالنا سنتان ونصف تقريباً بدون زيارات وبدون جرائد وكتب وبدون تنفس حر وبدون..
في 12 تشرين الأول 1989 بدأنا إضرابنا الثاني، وحددنا مطاليبنا بصورة أوضح وأوسع : الزيارات، المعاملة، الجرائد والكتب والأقلام ، باحة خاصة للتنفس طيلة النهار، الأدوية، الطعام..
كنا نقدر أن الإضراب سيستمر طويلاً وأن الإدارة ستلجأ إلى كسره بالقوة، ولهذا لم نعلن عنه إلا بعد مرور ثلاثة أيام، وذلك لوضع الإدارة أمام الأمر الواقع، وبالتالي إلغاء جدوى تفكيرها باستخدام العنف.
في البداية أعلنا أننا مضربون عن التنفس، وعند أول تصعيد من قبل الرقباء، أخبرناهم أننا مضربون عن الطعام أيضاً، وأنه قد مضى على إضرابنا ثلاثة أيام.
قامت قيامة السجن.. ربما هي المرة الأولى التي تشهد فيها إدارة سجن تدمر إضراباً من هذا النوع.
أخرجوا من بيننا أربعة رفاق لا على التعيين، ثم أغلقوا المهجع، لتبدأ جهنم في الخارج.
كان الرفاق الأربعة يترنحون تحت الضربات الطائشة لقبضات العساكر وأحذيتهم، والحارس الواقف على السطح يصرخ مهدداً بعد أن لقّم بندقيته وصوَّب باتجاههم.
- لن تخيفنا بصراخك... ها هي صدورنا عارية .. افتح النار إن كنت شجاعاً
كنا نرقبهم من ثقوب الباب ودماؤنا تغلي. صرخة مخطوفة أطلقها أحد الرفاق في الخارج، وهو يضع يده على خاصرته، ثم ما لبث أن هوى كشجرة قصفتها ضربة برق. لا ندري كيف استطاعت قبضاتنا أن تخلع الشرَّاقة، وقد اندلع المهجع بما يشبه الهستيريا.
صراخ مجروح وهتافات وحركات يائسة وطرق مجنون على الباب:
ـ يسقط القمع
ـ يسقط الإرهاب
ـ تسقط الديكتاتورية
ـ عاشت الحرية.
أسوار السجن وباحاته ومهاجعه صماء خرساء، وإن كانت تسمع وتردد أصداء صراخنا وهي ترتطم على جدرانها، متناثرةً شظايا في كل اتجاه.
ـ اهدؤوا لنتفاهم، قال الرقيب المسؤول.
ـ لن نهدأ قبل أن تدخلوا الرفاق الأربعة.
ـ اهدؤوا أولاً فندخلهم.
ـ أدخلوهم أولاً فنهدأ.
كنت أقف على الشرّاقة محاولاً قدر الإمكان ضبط انفعالاتي أثناء هذا الحوار، وتهدئة بعض الرفاق الذين فقدوا السيطرة على أعصابهم تماماً.
يبدو أن أحد العساكر ضاق ذرعاً بتلك المحاورة، فاندفع باتجاه الشرَّاقة مزبداً معربداً، وعندما وصل أمامي، أطلق صلية من الشتائم، ثم أتبعها ببصقة جعلتني أصحو وأفقد صوابي!!.
كان وجهه أمامي تماماً، فرددت له البصقة بأقصى ما أستطيع.
صمـــتَ المشــــــهد كامــــــــــلاً..
وقف العساكر مذهولين للحظات قبل أن يرفع الرقيب المسؤول يده علامة النهاية. فتحوا الباب.. دخل الرفاق الأربعة وانسحب العساكر تاركين في الباحة صمتاً متربصاً ينذر بكارثة.
أدان الرفاق سلوكي، واتخذوا الاستعدادات المطلوبة في حال تمَّ تفريقنا إلى الزنازين، بعد أن قرَّروا إنكار الواقعة أمام المساعد ومدير السجن، ومنعي من إعلان مسؤوليتي الشخصية عن البصقة.
ـ لا يارفيق.. البصقة هنا ليست مسؤولية شخصية.
ـ مسؤوليتك الشخصية قد تعني تصفيتك يارفيق..أما المسؤولية الجماعية فتبقى أقل وطأة.
بعد ساعات حضر المساعد وأثار حادثة البصقة مع شيء من التهديد، ولكنه سرعان ما تجاوزها إلى مناقشة الإضراب وضرورة إنهائه بالحسنى، غاضاً الطرف عن البصقة وهيصة الشعارات والدق على الباب.
ـ إن أكلتم شأنكم وإن صمتم شأنكم.. ستموتون جوعاً مثل الكلاب.
لقد كان مفاجئاً وغريباً أن الإدارة لم تلجأ إلى الانتقام من سلوكنا أو إلى العنف بغية كسر الإضراب.
أحد عشر يوماً والإدارة توحي لنا أنها غير مكترثة، وكأن الأمر لا يعنيها من قريب أو بعيد.. ولكنها في آخر اليوم الحادي عشر أبلغتنا عبر المساعد، أن نختار ممثِّلاً عنَّا لمقابلة مدير السجن. لم تطل المقابلة أكثر من ربع ساعة. قال المدير إنَّه موافق على جميع طلباتنا التي هي من صلاحيَّاته، موضِّحاً أن الزيارات والأقلام ليست من عنده، ثم حاول إنهاء المقابلة بنبرة أبويَّة:
ـ فكُّوا إضرابكم يا أبنائي.. ستتحسَّن المعاملة، وستصلكم الجريدة والكتب وغير ذلك ممَّا هو من صلاحيَّاتي، وسنضعكم في مهجع له باحة خاصَّة للتنفس طيلة النهار.
ـ حسناً.. عندما ستصبح هذه المسائل أمراً قائماً سنوقف إضرابنا.
أقسم العقيد أنه سيحقق كل ذلك خلال ستة أيام، فما الداعي لمواصلة الإضراب بلا مبرِّر؟!.
بالفعل نقلونا إلى الباحة الجديدة بعد ستة أيام، وبدأت الجريدة تصلنا، وسمحوا لنا باستعارة الكتب من المكتبة، ووافقوا لنا على شراء قاموس عربي وقاموس إنكليزي وبابوركاز.. الخ.
انتصار أنقى من الدمع، وأغلى من الدم.. فلنغسل جراحنا وعذاباتنا على مهل.. على مهل.. ولابأس أن نبكي قليلاً، ونحن نرقب نجمة الكرامة، تشق عباءة ليل طويل من الذل وترتفع.
لم يكد يمضي شهران أو ثلاثة حتى بدأت المعاملة تسوء بالتدريج. عاد الضرب والشتائم ولو بصورة متباعدة ومدروسة، وصارت انقطاعات الجريدة تطول، وتراجعت سوية الاهتمام الطبي والغذائي.
خلال عام واحد شهدنا ثلاثة تسمّمات جماعية بسبب فساد الطعام. أما الباحات الأخرى التي تضم الأخوان المسلمين وبعث العراق وبعض التهم المتفرقة، فقد كانت حالها أقسى وأكثر بؤساً وخطورة وتراجيدية..حال لم ينذر بها من قبلُ نبيّ ولا كتاب.
كنا بين فترة وأخرى نعلِم المساعد أن الإدارة تخرق ما تم الاتفاق عليه، ونلمح إلى أننا قد نضطر إلى استخدام سلاح لا نود استخدامه، وفيما لو حدث واضطررنا إلى استخدامه، فإننا نحمّل الإدارة مسؤولية دفعنا إليه.
تفهم الإدارة إشارتنا إلى سلاح الإضراب، فتتراجع قليلاً، ثم تعود ثانيةً إلى جولة جديدة من الترويض والمماطلة والالتفاف.
يوم /16/ شباط /1991/ أعلنا إضراباً ثالثاً مختلفاً هذه المرة. بعض الرفاق يريد الإضراب لتكريس وتحسين ما حققناه سابقاً، وبعضهم يريده من أجل الزيارات حصراً، فقد مضى على اعتقالنا أربع سنوات وزياراتنا لا تزال ممنوعة، وبعضهم يريد الإضراب لتحريك وضعنا بالمعنى السياسي، ليس أمام إدارة السجن وحسب، وإنما أمام شعبة المخابرات العسكرية أيضاً، وآخرون يرون في تحريك وضعنا على هذا النحو خرقاً لقرارات الحزب وتوجيهاته، وهناك من هو ضد الإضراب لأن دوافعه وأهدافه متباينة، والاستعداد الذاتي لنا كجماعة وكأفراد أضعف من أي فترة سابقة، بينما الإضراب المقترح أطول من سابقه بكثير، فالزمن الضمني المقترح يمتد إلى شهر، وثالثاً لأن الانعكاسات الصحية لمثل هذا الإضراب الطويل غير مأخوذة بالحسبان، لا سيما أن بيننا رفيقاً مريضاً مهددة حياته حتى بدون إضراب، وإذا تثلم سلاح الإضراب فإن وضعنا سيغدو أسوأ بكثير مما نتوقع، ثم أخيراً مسألة التوقيت.. فحرب الخليج الثانية في أوجها وكل أجهزة السلطة مشغولة بها.
جلسات متتالية...مداخلات...اقتراحات... اتهامات... في النهاية فاز قرار الإضراب، وأبلغنا الإدارة في اليوم نفسه.
كنا شبه موقنين أن الإدارة لن تتصرف بمحض إرادتها، فنحن عندها،كما قال مدير السجن والمساعد في مناسبات عديدة، وديعة لا أكثر، وأن المسؤول عنا هو الفرع الذي اعتقلنا.
كل ما فعلته الإدارة أنها أصرت على إدخال الطعام إلى المهجع كإجراء قانوني وبغض النظر أكلنا أم لم نأكل.
بعد بضعة أيام صاروا يكتفون بإدخال الطعام إلى الباحة. كان بعضنا يتساءل عما إذا كان الطعام في هذه الفترة طبيعياً ومن مطبخ السجن، أم أنهم يحضرون لنا وجبات خاصة من "ميريديان" تدمر، لإضعاف مقاومتنا؟!!
ـ عادي تماماً يا رفاق.. ألا تلاحظون أنهم بين فترة وأخرى يحسّنون الطعام ؟!
ـ تقول عادي !! ومتى كانت الفراريج تأتي محمّرة ومقمّرة ومكتّفة على هذا النحو الذي يحرق حتى قلب غاندي؟!
وجهات النظر لا تنتهي، في المسائل الكبيرة والصغيرة على حد سواء، بدءاً من انهيار المنظومة الاشتراكية وسقوط جدار برلين ورياح الديمقراطية القادمة من الغرب، مروراً باحتمالات استمرار الحزب أو تصفيته، وانتهاءاً فيما إذا كان الزيتون هو العيطون، والعجّور هو البطيخ الأصفر، أم أن كلاً منها فصيلة مستقلة. في اليوم السادس أو السابع تردّت صحة الرفيق المريض بصورة ملحوظة.
عقدنا اجتماعاً وناقشنا الأمر بمنتهى القلق والمرارة والمسؤولية، ومع ذلك فقد كانت نتيجة التصويت استمرار الإضراب.
الزمن يمضي رخواً وبليداً وزنخاً وركيكاً ورجراجاً. الوقت والمكان والأحلام والوسائد.. كلها من حجر سائل.
بالطبع توقفت الجريدة وسحبت الكتب، فاضطررنا إلى استنفار إمكانيات أخرى: سرد الأفلام والروايات والقصص والسير الشعبية والذكريات، وإعادة نقاش جدوى الإضراب ودوافع تجاهل الإدارة..إلخ .
بقينا على هذه الحال حتى اليوم الثالث عشر..إذ حضر المساعد وسألنا إن كنا لا نزال على موقفنا؟

ـ مادامت مطاليبنا لم تتحقق فنحن على موقفنا.
غاب المساعد قرابة الساعة وعاد مع مدير السجن وشخص آخر لم يسبق لنا أن رأيناه.. قال مدير السجن:
ـ معي سيادة العقيد من الشعبة، يريد أن يتحدث إليكم.
بدأ العقيد حديثه بطريقة تهديدية رخيصة موضحاً أنه قادم بتكليف من أعلى السلطات في هذا البلد، وأن قدومه ليس من أجل التفاوض كما قد يتبادر إلى ذهن البعض، ولكن من أجل أن يفهِمنا بأنه لا جدوى من هذا الإضراب الخسيس الذي يحاول استغلال انشغال الدولة بموضوع الحرب الدائرة.
فإما أن نفك الإضراب، وإما إلى جهنم التي سنراها فور مغادرته إن بقينا على عنادنا.
عقيد فظ وأخرق وضعيف الخبرة والمبادهة على ما بدا من خلال مناوراته الساذجة وأفكاره غير المترابطة. كأنه حفظ بصعوبة بعض الجمل التي يتوجّب عليه إيصالها إلينا.
كان يحرك يديه وكتفيه ورقبته الغليظة بالقدر الذي لا يساعده فيه لسانه على رصف الكلمات بصورة واضحة.
بقي معظمنا مستلقياً في مكانه كما لو انه غير معني بما يقول ضابط الشعبة، وغير مكترث بمقامه أو بمقام مدير السجن، ولا بما ستؤول إليه النتيجة.
أدرك الضابط أخيراً عناد الموقف، فغير من نبرته قليلاً، وقدَّم وعوداً عرقوبية بأنه سيساعدنا في تقريره إذا أنهينا الإضراب، وإلا فإنه سيقف ضدنا بكل ما يستطيع أمام المعلِّم. وحين بدا أنه يئس من إحراز أي تقدم في مهمته، ترك لنا تهديداً بالمقبرة ومضى.
في المساء عاد المساعد ليسأل من منا لا يزال قادراً على المشي، فانبرى خمسة أو ستة رفاق..
ـ طيب.. تفضلوا معي.
كانت نبرته التهكمية والشامتة تقول إنهم ذاهبون إلى المنفردات حتماً..
وهكذا أمضينا الليل ونحن نتبادل الرأي حول الخطوات اللاحقة.
صرخة يائسة مدمَّاة أطلقها الرفيق المريض:
ـ آااااااخ... داخل عليكم يا رفاق... إني أموت.
بعضنا وضع رأسه بين يديه، وآخرون اتسعت عيونهم ذهولاً وهي تنزف دموع العجز والخيبة والانكسار.
أحدنا بادر باقتراح إيقاف الإضراب أياً تكن النتائج، فصحة الرفيق المريض والأوضاع الصحية للرفاق الآخرين في المنفردات لا تستطيع المقاومة.
نقاشات ومداخلات ومهاترات.. وعند التصويت سقط الاقتراح بإيقاف الإضراب، وكان الرفيق المريض أول من صوّت ضد الاقتراح!!
ـ إذن فلنتابع.. قال رئيس الجلسة، وانفضّ الاجتماع.
لم تمض دقائق حتى عاد صراخ الرفيق المريض يعلو من جديد!!
ـ يا رفيق ألم تصوت ضد وقف الإضراب؟!
ـ نعم.. لا أستطيع أن أصوت على وقفه، ولا أستطيع تحمّل آلامي.. أرجوكم يا رفاق.. داخل عليكم أنقذوني.
ـ أنقذْنا أنت.. قلنا لك من البداية أن لا تشارك في الإضراب، فوضعك الصحي سيء وسيضعِف مقوّمات صمودنا.. ومع ذلك الجميع الآن يتفهمون موقفك فيما لو أنهيت إضرابك منفرداً.
ـ لا أستطيع.. داخل عليكم.. سأموت.. أنا فداكم يا رفاق..
في اليوم السادس عشر أعادوا لنا أحد رفاق المنفردات. راحت الأسئلة تنهمر على الرفيق رشاً ودراكاً .
ـ تمهلوا.. تمهلوا.. أعادني المساعد..
ـ لماذا أعادك منفرداً ؟!
ـ لا أدري بالضبط.
ـ ماذا قال لك قبل أن يعيدك ؟
ـ سألني عما سيكون عليه موقفي إذا أعادني.
ـ وبماذا أجبته ؟
ـ قلت له إنني فرد وإن أي موقف جديد هو من شأن المجموعة.
ـ وماذا أيضاً؟
ـ لم أعده بشيء، ولكنه هددني بأنه سيعيدني إلى المنفردات إذا لم يتوقف الإضراب .
ـ هل تعتقد أنه أعادك لتشرح لنا ظروف المنفردات؟
ـ هو لم يطلب ذلك صراحةً، ولكنكم تعرفون أن الظروف هناك أقسى من أن تحتمل، ومع ذلك أنا ملتزم بكل ما ترونه وجاهز للعودة إلى المنفردة.
ـ يا رفاق نحن الآن في الخط الأخير.. ودوافع المساعد من إعادة الرفيق لا تغير شيئاً في الأمر.. ينبغي الاعتراف بفشل الإضراب والهزيمة.
ـ لم يفشل الإضراب ولم ننهزم، وما زال بإمكاننا المناورة والمساومة.
ـ لا مناورة ولا مساومة.. وضع الرفاق الآن أهم من كل الأهداف والنتائج التي تراهنون عليها.
ـ وما هي الصورة التي سننهي الإضراب على أساسها أمام الإدارة؟
ـ ليس مهماً.. وتستطيع أن تقول الاستسلام.
ـ بل مهم جداً.. صحيح أنني مقتنع الآن بضرورة إنهاء الإضراب، ولكن لا يجوز أن ننهيه قبل أن يعيدوا الرفاق من المنفردات.
ـ أنا أفكر أن أهم شيء يا رفاق هو البحث عن تخريجة لإنهاء الإضراب، تحفظ لنا حداً أدنى من ماء الوجه، وإلا فإن حياتنا ستصبح..
ـ إذا قررتم إنهاء الإضراب، ويبدو لي أن هذا الميل بات واضحاً، فيجب ألا تفرِّطوا فيما راكمناه خلال ستة عشر يوماً، فهذه الأيام يبقى لها شيء من الوزن حتى لو فشل الإضراب، وبالتالي يجب عدم الاستسلام دفعة واحدة وكيفما اتفق.. يمكنكم مثلاً أن تطلبوا من الإدارة ورقة وقلماً، أو تكتبوا بالحبر الذي صنعناه إن شئتم، وترفعوا إلى مدير السجن بياناً توضحون فيه أننا إذا كنا سننهي الإضراب، فلكي نبيّن أن لا علاقة لتوقيته بموضوع العراق والكويت والحرب الدائرة.
إن لنا حقوقاً كنا ولا نزال نعتبرها بديهية بالنسبة إلينا كمعتقلين سياسيين، وسنواصل العمل على تحقيقها بكل السبل الممكنة، وينبغي، في خاتمة البيان، التأكيد على أنه إذا كان قرارنا الأولي هو وقف الإضراب، فإن بدء التنفيذ لن يكون قبل عودة جميع الرفاق الذين هم في المنفردات الآن.
انتهت المداخلات، وهكذا..
أجل لابد من الاعتراف أن الهزيمة كانت مؤلمة ومريرة وربما فادحة، ولكنها في الحساب الأخير، استطاعت أن تسجل ستة عشر يوماً من الجمر، في مواجهة هذا الرماد الطاغي، الذي يغطي روزناما كاملة من القهر واللعنة والخذلان.



#فرج_بيرقدار (هاشتاغ)       Faraj_Bayrakdar#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- الهجمة الإسرائيلية المؤجلة على إيران
- بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ...
- أصولها عربية.. من هي رئيسة جامعة كولومبيا بنيويورك التي وشت ...
- مصدر التهديد بحرب شاملة: سياسة إسرائيل الإجرامية وإفلاتها من ...
- الشرطة الفرنسية تستدعي نائبة يسارية على خلفية تحقيق بشأن -تم ...
- السيناتور ساندرز يحاول حجب مليارات عن إسرائيل بعد لقائه بايد ...
- إعادة افتتاح متحف كانط في الذكرى الـ300 لميلاد الفيلسوف في ك ...
- محكمة بجاية (الجزائر): النيابة العامة تطالب بخمسة عشر شهرا ح ...
- تركيا تعلن تحييد 19 عنصرا من حزب العمال الكردستاني ووحدات حم ...
- طقوس العالم بالاحتفال بيوم الأرض.. رقص وحملات شعبية وعروض أز ...


المزيد.....

- سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول / ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
- سلام عادل -سیرة مناضل- / ثمینة یوسف
- سلام عادل- سيرة مناضل / ثمينة ناجي يوسف
- قناديل مندائية / فائز الحيدر
- قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني / خالد حسين سلطان
- الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين ... / نعيم ناصر
- حياة شرارة الثائرة الصامتة / خالد حسين سلطان
- ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري ... / خالد حسين سلطان
- قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول / خالد حسين سلطان
- نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف / سعيد العليمى


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - فرج بيرقدار - ستة عشر يوما من الجمر