أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مصطفى العوزي - قبلة و أغنية حزينة














المزيد.....

قبلة و أغنية حزينة


مصطفى العوزي

الحوار المتمدن-العدد: 2880 - 2010 / 1 / 6 - 01:27
المحور: الادب والفن
    


كتب الشاعر التشيلي الكبير بابلوا نيرودا قصيدة شهيرة اختر لها عنوان " أغنية حزينة "
و القصيدة في مجملها تعبير صريح من شاعر عاش الكثير و عانى الكثير ، عن حالة من التمرد ضد الأعراف النفسية و الاجتماعية التي تربى عليها الناس و صاروا على نهجها و جعلوها الهادي و القنديل في حياتهم البسيطة . تحكي القصيدة حكاية رجل بسيط قضى ليال عمره دون أن تشغله أشياء هذه الدنيا و محسوساتها ، رغم أنه كان دوما على موعد مع حسابات خاصة يقوم بها و يتلهف نحوها ، غير أنه لا يفصح عنها و يستأثر بها لمفرده ، و تنتهي القصيدة و لا يفصح الشاعر عن حساباته الخاصة لتظل كل القراءات ممكنة ، و تصبح هذه الحسابات الخاصة هي حسابات كل إنسان على وجه الأرض ، فمن منا لا تشغله مواضيع معينة يقضي أياما و ليال يفكر فيها و يبحث فيها و يحسب لها ألف حساب و حساب . في القصيدة يقدم بابلوا نيرودا استغناءه عن المال و الأملاك الخاصة و التي يعيش الكثير لحظات تهافت كبير عليها ، فهي بالنسبة له لا تشكل هاجسا يشغله ، بل أكثر من ذالك هي أشياء غائبة من خانة تفكيره البتة ، و هو ما تدل عليه عبارة " لا " التي تتكرر عند نهاية كل مقطع أكثر من مرة فيقول :
أمضيت ليالي حياتي كلها
وأنا أحسب، لكن في حساباتي
ما كنت أدرج لا أبقارا
ولا جنيهات إسترلينية
ولا فرنكات
ولا دولارات
لا لا ، لا شيء من هذا
...
أيضا يعبر الشاعر عن رفضه لحياة اللذة الجنسية و لشريكاته في هذه الحياة ، حيث يقول :
أمضيت ليالي حياتي كلها
وأنا أحسب، لكن في حساباتي
لم أكن أدرج لا الأسرة
ولا القبل
ولا الخطيبات
لا لا ..
هذا الإعلان هو بمثابة تقمص لشخصية رجل الدين المهوس بحياة العبادة و ترك الدنيا والانصراف عنها ، و الميل إلى تزكية الروح ، و تبقى بذالك ميوله الصوفية هي أسمى ما يطمح إليه ، و هي الهاجس المسيطر على فكره و عقله و وجدانه ، في حين كل ما سواها مسائل ثانوية أو هامشية لن يكلف نفسه عناء التفكير فيها و شغل باله بها .
بعد استغناء بابلوا نيرودا عن المادي و استغناءه عن الوجداني من الحياة يستغني في مقطع أخر عن العقلي أو بالأحرى ما من شأنه أن ينمي ملكاته و قدراته العقلية ، و يجعل منه أداة للتفكير و الاستدلال ، يتجلى هذا في الأبيات التالية :

أمضيت ليالي حياتي كلها
وأنا أحسب، لكن في حساباتي
ما كنت أدرج لا الكتب
ولا الأرقام
لا..

قصيدة أغنية حزينة هي إحدى أجمل القصائد التي كتبها بابلوا نيرودا ، و ما هي إلا انعكاس مباشر للأحداث التراجيدية الكثيرة التي طبعت حياة الشاعر منذ ولادته سنة 1904 بقرية " بارال " الواقعة وسط التشيلي ، حيث توفيت والدته و هو لازال رضيعا في شهره الثاني ، فتربى في حضن زوجة أبيه و التي يكن لها الشاعر احتراما و تقديرا كبيرا ، و بين طفولة صعبة و شباب حماسي - حيث كان ضمن المشاركين في المظاهرات الثورية التي عاشتها البلاد في العشرينات من القرن الماضي - عاش الشاعر أفراحا و أحزانا كثيرا ، ستبصم فيما بعد دواوينه الشعرية و أشهرها ، " عشرون قصيدة حب و أغنية يائسة " . عمل بابلوا سفيرا لبلاده في العديد من الدول ، و رغم ذالك إلا أنه لم ينزح أبدا عن خياره القائم على اعتبار الشيوعية خلاصا لكل المعضلات الاجتماعية ، في سنة 1968 أصيب بابلوا نيرودا بمرض أقعده ، و كان ذالك اكبر امتحان للقدرات الشعرية عند الشاعر حيث كانت كتابة قصيدة في تلك الفترة هي اختبار عسير و تحدي لوضعه الصحي المتأزم ، بعدها و في سنة 1971 اخترت أكاديمية نوبل في السويد تتويج مسار الشاعر العظيم بمنحه جائزة نوبل للآداب ، و لدى عودته إلى التشيلي حظي باستقبال كبير في " ستاد سانتياغو " عبر فيه المواطنون عن حبهم لهذا الهرم الأدبي الكبير الذي ميز تاريخ التشيلي و تاريخ أميركا اللاتينية أدبيا .
بابلوا نيرودا الذي قال صراحة عندما قتل الرئيس التشيلي " سلفادور أليندي " في الانقلاب الذي قاده الجنرال " بينوتشيه " ، و اقتحم الجنود بيت الشاعر باحثين عن السلاح ، أن الشعر هو سلاحه الوحيد ...
، هو أكثر شعراء القرن العشرين شهرة و تميزا و إبداعا ، كيف لا و سلاحه هو الشعر .... فما أعظم سلاحك يا بابلوا.



#مصطفى_العوزي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غابرييل غارسيا ماركيز ... و ريح شقاء ايرينديرا
- جامعة ... و دورة إستدراكية
- الهجرة الى أين ؟
- جمعية قدماء تلاميذ ثانوية الفقيه داود التأهيلية بالمضيق و رس ...
- الاسلام و ظواهر المجتمع ( 4 )
- الاسلام و ظواهر المجتمع ( 3 )
- الاسلام و ظواهر المجتمع ( 2 )
- الاسلام و ظواهر المجتمع ( 1 )
- موسم الهجرة الى أصيلة
- غابرييل غارسيا ماركيز ... على خطى الرواية و التقشف
- جنون و حرائق و سهول
- العالم الثالث و فن الانتقام
- العربية ... اللغة و العصر
- لماذا تقدم الغرب و تاخر الشرق
- سيجارة مارلبورو
- الحلوة دي في قفص العولمة
- هل نحن مجتمع قارئ ؟
- المرأة : الضحية الاولى للعولمة
- ستظل الخطيبي في الذاكرة موشوما
- لصوص دون كيشوت و انتهاكات حقوق الانسان


المزيد.....




- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...
- رسميًا.. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مصطفى العوزي - قبلة و أغنية حزينة