أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامى لبيب - ثقافة النفاق والوصولية .















المزيد.....

ثقافة النفاق والوصولية .


سامى لبيب

الحوار المتمدن-العدد: 2880 - 2010 / 1 / 6 - 00:26
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


كان هناك حدث ما فى حياتى مازال تاركاً بصمة واضحة على تضاريس وجودى ليلقى دائما بمزيد من التأملات والخواطر ..يأتى ذكره ليس من باب سرد تجارب شخصية ذاتية لا يوجد ما يعيب سردها , ولكن تأتى فى لحمة وصلب الرؤية التى نحن بصددها .

كان هذا الأمر فى الخامسة عشر من عمرى حيث كتبت بيدى أول سطور هويتى لتصبح أفكارى متحدية ومستعدة أن تتلقى الضربات والنجاحات .
الوالد كان حريصا على أن يجمعنا فى صلاة صباحية قبل الذهاب إلى المدرسة ليقرأ لنا جزءاً من الكتاب المقدس ثم يليها صلوات مكررة ورتيبة تتكرر كل يوم بنفس العبارات والحركات .
لم أكن سعيداً بهذه الحالة بل على العكس كنت أصاب بالملل الشديد والضجر ..كنت مستاء من هذا التكرار الممل وكأننى شريط كاسيت يفرغ محتواه كل يوم بما فيه برتابة شديدة ..لم أكن أركز لحظة واحدة فى الصلاة ..دائما ما كان ذهنى شارداً ..دائما ما تراودنى أفكار كثيرة وأمور عدة فأفكر فى شئون المدرسة والأصدقاء والحبيبة المنتظرة..كان كل ما يهمنى أن تنتهى هذه الصلاة بسرعة حتى أطلق ساقى للريح لأقابل محبوبتى عند ناصية الشارع فيكون يومى وحياتى رائعة .

لم أرتاح أن أكون كالببغاء ولم أكن سعيداً بحالة اللاصدق التى تعترينى , فأنا لا أفكر فى أمر الله بالرغم من أننى أصلى له , وأقول فى داخلى : هل الله يقبل مثل تلك صلاة بلهاء مصمته ليس لها معنى ولا إحساس ولا تفكير .
أحسست أننى أصلى من أجل أبى وأمى لأرضيهم ..ولكنى غير راضى عن نفسى ..لقد أصبحت مزيفاً ومتقولباً .

لن أصلى بعد اليوم ..قرار إتخذته ولن أرجع فيه مهما كانت النتائج ..
الأب يوقظنى فى اليوم التالى لأقوم للصلاة المعتادة ..أحاول بخبث أن أظهر أننى نائم حتى يحل عن سمائى , ولكنه مصر ولا يتورع أن يدخل لمسامعى حكمته السوداء : قم يا بنى ..فغدا قد ننام للأبد ولن ينفعنا إلا صلواتنا وأعمالنا الصالحة .
اللعنة ..بدلا من أن أستيقظ على أمال حلوة لشاب فى مهد شبابه يذكرنى بالموت والفناء , أصر أن لا أقوم ويصر هو على إلحاحه فلم يكن منى إلا أن إنفجرت فى وجهه : أبى لن أصلى ..لن أصلى بعد اليوم .
تجهم أبى وتعقد لسانه من هول المفاجأة , وسادت حالة من السكون ليقطعها ويسألنى لماذا ؟
قلت له لأننى أحس بأننى كالببغاء كشريط كاسيت ,لا أحس بشئ فى الصلاة , بل يعترينى الملل والشرود , لا أعتقد أن الله سيقبل مثل تلك صلاة ؟
كان تعقيبه : أنت لا تتكلم بل الشيطان يتكلم بلسانك .!!

تركته وتركنى ومن يومها لم أصلى بالرغم من كل محاولات أمى اللحوحة والأهل وكاهن الكنيسة ..لم أصلى ..ورغماً عن حصارأبى لى ماديا لى فلم أصلى .

أحسست براحة هائلة تسرى فى وجدانى..هل لأننى كنت صادقا مع نفسى؟..هل لأننى تحديت أمراً كنت أتمناه ؟..هل لأننى أمتنعت عن ممارسة فعلاً بدون رغبتى ؟..أشياء كثيرة تداخلت لتعطينى حالة من الراحة وكأننى تخلصت من حمل ثقيل .

ولكن مقولة أبى عن الشيطان إستوقفتنى ليس لإعتقادى قى الشيطان الذى يوسوس فى صدور الناس ..فالطريف أننى كنت أنفى قبلها وجود الشيطان لقناعاتى التامة بعدم وجوده , نعم كنت واثقاً من عدم وجوده بالرغم من أن الله كان حاضرا فى داخلى بمنظور الألوهيين .
كنت أرى الشيطان هو الشماعة الذى نعلق عليه سيئاتنا وجهلنا والتى لا نريد الإعتراف بها .!!

ولكن هل أنا مختلف عن الأخرين .؟
قمت بمحاولة إستقصاء رأى وسط أصدقائى من مسلمين ومسيحيين ,عن حالتهم النفسية والذهنية أثناء الصلاة ..كانت صداقتنا تسمح بمثل هكذا أسئلة
وجدت أن أصدقائى يبوحون لى أنهم لايختلفون عنى وأن الخواطر والشرود تنتابهم أثناء الصلاة بالرغم من أن ألسنتهم وأجسادهم لا تكف عن الحركة والترديد .

قد يكون الإنسان معذورا من حالة الشرود التى تعتريه فهو يوجه صلواته لكائن غير معروف الملامح والهوية , إنه يصلى لفكرة وكلمة ولغة .
هل قضية الشرود فى عقلية المصلى تكون طارئة أم حتمية ..أستطيع القول بكل ثقة حتى لو أغضبت وأثارت دهشة الكثيرين ..بأنه لا يوجد مصلى وإلا لابد أن يشرد بذهنه خارج الصلاة .!!

فكيف لى هذا الإدعاء؟ ..
تعالوا نتأمل الفكر البشرى أولا ..

الإنسان كائن مفكر ...لا تمر لحظة وإلا يكون ذهنه فى حركة دائمة ..لايهم بماذا نفكر ونتأمل وهل هو عميق أم تافه , المهم أن دماغنا لا يتوقف عن النبض لحظة واحدة .
أى فكرة فى الدماغ لا تكون إلا تجميع وخلط ومزج صور مادية مستقاة من الواقع , مهما تعقدت وتطورت أفكارنا فهى فى تحليلها النهائى صور مادية لها وجود حقيقى فى الطبيعة .
لا توجد أى صورة فى الدماغ إلا تكون هى من نتاج الوجود الذى نعيشه , ولا توجد أى فكرة أيضاً إلا وتكون مكوناتها صور مادية .

عندما يقال عن الله أنه كيان غير مادى وليس له مثيل ..هنا الدماغ فى ألياته لا يعرف كيف يتعامل مع مثل تلك مقولات .
فنحن نفكر فيما يتراءى لنا ومن خلال خبرتنا مع الصور والمشاهدات المختزنة فى أرشيف دماغنا ..فلا نعرف كيف نرسم ونستحضر صورة الإله الغير مرئى والغير مادى والغير محدود أثناء الصلاة !!! .

عندما يفكر الإنسان فى أمر ما يخص زميل له , فيستحضر صورة هذا الزميل وكل المشاهدات التى تحيط به أثناء التفكير ..
فكيف الحال عند الصلاة التى يقال أنها خاشعة متضرعة ؟..كيف يمكن التركيز والتواصل مع كائن ليس له صورة فى الدماغ ؟..كيف يمكن صياغة اللامادة واللامثيل واللامحدود فى ذهنية الإنسان وهو يصلى ؟!.
كيف تكون هناك صورة للتواصل مع الله أثناء الصلاة فى عدم وجود أيه ملامح للصورة كونها غير مادية وغير محدودة وليس لها مثيل .؟!
ماذا يفكر المؤمن عندما يقول الله أكبر ..هل يستدعى صور لأحجام معينة من الألهة ويكون الله هو الأكبر !!..أم أنه يقر ويردد شيئا إعتاد عليه .
ماذا يكون تفكير المصلى عندما يقول سمع الله لمن حمد ..هل يستدعى صورة فى ذهنه لهذا المشهد !! ..أم أنه يردد كلمات وعبارات فقط .

الأمور لا تكون سوى تريد كلمات وعبارات محددة مع ما سيتبعها بذهنية شاردة ستستدعى بالضرورة صور ومشاهد أخرى بحكم أن الدماغ لا يتوقف عن التفكير ...وهنا يكون الشرود

هكذا تكون الأمور ..وهكذا أبرر شرود المصلين أثناء الصلاة وليست القضية هى إنحرافى أنا أو أصدقائى ..فنحن لدينا الشجاعة أن نعترف بشرودنا أثناء الصلاة ولا نعزى هذا الأمر لوجود مخلوق خرافى إسمه الشيطان يشتت تفكيرنا وتركيزنا عن الصلاة .
فالله يكون فكرة ليس لها ملامح مادية نستطيع أن نتواصل معها وهى الالية الوحيدة للفهم والفكر .

نجد بعدا خطيرا يظهر من فكرة الصلاة الببغائية تلك ..أننا عندما نمارس الصلاة كواجب وفرض ننجزه , فلم نعد حينها كائنات ببغائية فحسب ..لقد أصبحنا منافقون من الطراز الأول ..أصبحنا إنتهازيون ووصوليون .!!

نفعل فعلا روتينياً بدون تركيز وبدون حالة صوفية من أجل رضى الإله القابع فى السموات حتى يرضى علينا ويمنحنا جناته ونعمه .
لا توجد حالة من الإتصال الصوفى والروحى بين الإنسان والله ..بل حالة برمجية محددة تهدف إلى النفاق للوصول لأهداف ومرامي محددة..فهاهى الصلاة التى تريدها ..وها أنا أتلوها لك كل يوم وأقوم بتلك الحركات البلهاء حتى ترضى عنى وتبعد مصائبك وشرورك عنى .

المؤمنون يتربون على مثل هكذا سلوك ..النفاق والوصولية والإنتهازية ..يعتادون على هكذا ممارسات ولا يجدون غضاضة أن يفعلوا سلوكا إيمانيا بدون تفكير ولا رغبة ..المهم أن يؤدوه ليكسبوا ود القابع فى العالم اللاورائى .

من خلال هذا المنظور الذى يطلب منك أن تؤدى حركات محددة وتتلوا كلمات معينة كالببغاء بغية أن تحقق رغبة الإله فى العبادة والخضوع حتى لو تمت تلك الأمور بشرود وعدم تركيز فلا يهم ..المهم أن هذا الكائن اللاورائى يقبل ويريد ذلك .
نتعلم منذ نعومة الأظافر أن نمارس أموراً مبرمجين عليها ..ونتلو كلمات تخرج من أفواهنا لا تمثل وعياً بها أكثر من أنها تنال رضا الإله ...هذا يكون هو النفاق .

ولكن تكون الإشكالية عندما يمد هذا السلوك والمنهجية بأجنحته على كافة مناحى الحياة فقد تعلمنا ألف باء نفاق وكيف نفعل ونردد أشياء ليس لها صدى ووعى داخلنا , فنمارس بكل سهولة منافقة رؤسائنا فى العمل , ونتعلم كيف نردد العبارات الممجوجة لزعمائنا ..كيف ننافق طوب الأرض طالما أن هناك مصلحة ما ..كيف نغنى ونسجد لحكامنا حتى يرضوا عنا ...نتعلم كيف نردد ألفاظ وعبارات لا نحس بها ولا نكون صادقين فى ترديدها

لن تجد فى عالم تخلص من تركة الموروث الدينى تأليه لحكامه وحرق بخور النفاق تحت أقدامهم ..لن تجد هذا سوى فى عالمنا المتمرغ فى صلواته الجوفاء التى خرج من رحمها كل دروس النفاق .
من ثقافة النفاق التى تربينا عليها من نعومة أظافرنا صنعنا ألهتنا وعبدنا حكامنا من عبد الناصر إلى الأسد إلى صدام .




#سامى_لبيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أحلامنا المكسورة .
- مناورة العقل الدينى .
- ثقافة العبيد .
- العروسة والمسدس


المزيد.....




- صلاة الجمعة الثالثة من شهر رمضان.. الاحتلال يعيق وصول المواط ...
- السعودية.. الأمن العام يوجه دعوة للمواطنين والمقيمين بشأن ال ...
- صلاة راهبة مسيحية في لبنان من أجل مقاتلي حزب الله تٌثير ضجة ...
- الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول فيديو إمام مسجد يتفحّص هاتفه ...
- كيف يؤثر التهديد الإرهابي المتزايد لتنظيم الدولة الإسلامية ع ...
- دولة إسلامية تفتتح مسجدا للمتحولين جنسيا
- فيديو البابا فرانسيس يغسل أقدام سيدات فقط ويكسر تقاليد طقوس ...
- السريان-الأرثوذكس ـ طائفة تتعبد بـ-لغة المسيح- في ألمانيا!
- قائد الثورة الإسلامية يؤكد انتصار المقاومة وشعب غزة، والمقاو ...
- سلي عيالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على النايل سات ولا يفو ...


المزيد.....

- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامى لبيب - ثقافة النفاق والوصولية .