أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - نجيب الخنيزي - المسار التاريخي لظهور وتبلور مفهوم المجتمع المدني ( 1 )















المزيد.....

المسار التاريخي لظهور وتبلور مفهوم المجتمع المدني ( 1 )


نجيب الخنيزي

الحوار المتمدن-العدد: 2878 - 2010 / 1 / 4 - 20:49
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    



مفهوم المجتمع المدني ارتبط تاريخيا بنشوء المجتمع البرجوازي في أوروبا منذ القرن السابع عشر .غير ان استخدامه كمصطلح وتداوله في الدراسات والعلوم الاجتماعية (السيسيولوجية) العربية، و تعاطي النخب الثقافية والسياسية العربية معه، يعتبر حديثا ويعود إلى قرابة العقدين من الزمن. هذا المفهوم كبقية المفاهيم والمصطلحات في حقل العلوم والنظريات الاجتماعية المستوحاة أو منشأها الغرب أثارت التباسات وتباينات متناقضة في التعاطي معها، على غرار ما حدث إزاء مفاهيم أخرى، كالليبرالية ،الديمقراطية، العلمانية، وحقوق الإنسان. .الخ حيث ينظر اليها إما بأعتبارها أفكار تغريبية مستوردة تستهدف النيل من أصالة وخصوصية وقيم الأمة وبالتالي ترفض جملة وتفصيلا، وإما أن يؤخذ هذا المفهوم بمعزل عن المسار التاريخي لأوربا والغرب عموما، وظروفه الموضوعية، حيث يجري اسقاط هذا المفهوم بصورة تعسفية (ميكانيكية) دون الأخذ بعين الاعتبار السياقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية المختلفة . وما بين هذا وذاك فأن معظم المجتمعات العربية لاتزال تراوح مكانها وتعيش مرحلة تخلف وتشوه بنيوي في أوضاعها العامة وعلى كافة الصعد، بل إنها تتراجع إلى الوراء و إلى ما دون مرحلة الاستقلال والتحرر الوطني عن نظام السيطرة الاستعماري، والتشكل الوطني وظهور الدولة العربية الحديثة، حيث نلحظ ونلمس انتعاش وصعود الانتماءات والعصبيات الفرعية التقليدية، مثل القبلية ،العشائرية ،المناطقية ،الطائفية التي تغذيها فشل المشروع العربي النهضوي، وارتكاس بناء الدولة العربية المدنية، و تخلخل البناء الوطني، بفعل الاستبداد وانتفاء دولة القانون والمؤسسات، و انعدام مقومات التنمية المستدامة، و غياب معايير العدالة والمساواة في الداخل، والوقوع في شرنقة الهيمنة و التبعية للخارج، وبكلمة تجد الشعوب العربية نفسها واقعة بين مطرقة الاستبداد في الداخل وسندان التبعية للخارج
هذا التوصيف العام للمجتمعات العربية قد يكون مدخلا إلى تناول مفهوم المجتمع المدني في موضع نشأته الأولى ( أوروبا )وعبر مراحله المختلفة.
شهدت الساحة الأوروبية في الفترة ما بين القرنين السابع عشر والثامن عشر، توترات سياسية واجتماعية وفكرية اتصفت بالراديكالية، وتمثلت أساسا بقيام الثورة الفرنسية في 1789م، وما أفرزته من منظومة افكار وقيم تمثلت في ترسيخ فكرة المواطنة ومبادئ الحرية والعدالة والمساواة، وضمن هذا السياق نشير الى ثورة الاستقلال الأمريكي عام 1776م . ويبرز هنا الفيلسوف الأمريكي آدم فريستون في كتابه «مقال في تاريخ المجتمع المدني» الصادر عام 1767م باعتباره الأكثر تمثيلا للحظة التحول هذه بين نمطين أو نموذجين، فهو يحتفظ بالمعنى التقليدي الذي لا يفرق بين الدولة والمجتمع المدني، ولكنه يطرح أسئلة حول تمركز السلطة السياسية، معتقدا ان الحركة الجماهيرية ( المدنية ) المستقلة هي النسق الأفضل للدفاع ضد مخاطر الاستبداد السياسي. والأطروحة المركزية لفريستون تتلخص بالاعتقاد بوجود مسار حضاري طبيعي يتجلى بحركية الانتقال من الأشكال الخشنة للحياة الوحشية والبربرية نحو مجتمع متحضر. هذه التحضرية مقرونة بملحوظة انتشار المبررات التجارية وفي مبدأ تقسيم العمل، حرف وصناعات يدوية وكذلك التخصص العسكري الذي هو مكمن آلية العملية الحضرية، ولكن هذه الحركة تحمل في طياتها مخاطر ذوبان الفكر والممارسات المدنية التي ميزت حياة المواطنين في الممالك القديمة، والجمهورية الرومانية اللتان تعتبران في نظر فريستون نموذج المجتمع المدني المحكوم بالقوانين مع المشاركة النشطة للمواطنين
السؤال الآخر المطروح من قبل فريستون هو: كيف تم تحول المسار التحضري إلى طغيان وجبروت؟ وكيف يحمي المجتمع المدني نفسه من عسكرة وتغوّل نظامه السياسي؟ وكان الحل المطروح بالنسبة له هو: يكمن في مضاعفة جماعات المواطنين في كل مجالات الحياة الاجتماعية. يجب الأخذ بعين الاعتبار بان هذه الدراسة كتبت قبل تبلور وانتصار الثورات الديمقراطية ( البرجوازية ) ، الثورة الفرنسية تحديدا وثورة الاستقلال الأمريكية، حيث بدأت في الواقع ثورة ثقافية حقيقية أصبح ينظر فيها إلى الإنسان كذات وكينونة مجردة،و هذا المفهوم هو الأساس لما يسمى بالحداثة، فأعطى للإنسان مكانة مميزة كبشر في نظام العالم ولكن لم تستطع أن تبلور مسألة الإنسان الفرد.
المفصل الثاني في هذا السياق هو عند الفيلسوف الأنجلوسكسوني «توماس بين» في كتابه المعنون «حقوق الإنسان» الصادر عام 1791م، حيث كان يرى ويؤمن بوجود حقوق طبيعية للإنسان، وضرورة تقليص هيمنة الدولة لصالح المجتمع المدني الذي يجب أن يدبر أموره الداخلية، و أن لا يترك للدولة سوى القليل من المهمات. إذ يدافع عن مبدأ حكومة بسيطة ومحدودة الوظائف وغبر مُكلفة بجني الضرائب الباهظة من المواطنين والتي جسدها في كتابه «المدينة الفاضلة».
أما المفصل الثالث الذي عرفه المجتمع المدني فقد كان في ألمانيا، التي كانت بلدا متخلفا نسبيا مقارنة مع فرنسا وبريطانيا، حيث نشر هيجل كتابه المعنون «مبادئ فلسفة الحقوق» سنة 1891م.وقد كان له مفهوم مختلف تماما عن، «توماس بين «، للدولة والمجتمع المدني نتيجة لتأخر وتخلف وتقسيم ألمانيا، وضعف البرجوازية فيها، ووجود الامتيازات الأرستقراطية والإقطاعية البروسية، إلى جانب الدور المركزي الذي يراه في ضرورة العمل على توحيد الكيانات المقسمة والمجزأة. لذا كان يرى ان للدولة الألمانية المركزية دورا حاسما لفرض سياساتها التنموية على جميع السكان الألمان، وكان يطالب بدولة ألمانية قوية تتموضع فوق المجتمع المدني، وهو لم يكن يعتقد بان المجتمع المدني لديه حقوق طبيعية، إنما هي لحظة التطور التاريخي المتميزة بالتناحر في المصالح الفردية طبقا لطبيعة الاقتصاد البرجوازي. ويبرز المجتمع المدني هنا كدائرة اخلاقية من دوائر الحياة التي تقع بين الشكل البسيط للعائلة الأبوية والدولة المتميزة بأخلاق عالية.
وانطلاقا من اعتقاده بأنه لا يوجد اتجاه لدى البرجوازية في تطوير هيكل المجتمع المدني، و للتصرف عفويا كمواطنين، لذا ينادي بضرورة وجود الدولة القوية المتموضعة فوقه، وتتحرك بطريقة مستقلة لفرض النظام والتعددية. وبالطبع كان هذا يجري في إطار مرحلة نشوء الدولة الألمانية المركزية على خلاف وجود ورسوخ الدولة المركزية القائمة والمتحققة في فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية.
موقف ماركس كان قريبا من موقف هيجل في مسألة مشتركة. الاثنان يعتبران المجتمع المدني نظام مواجهات بين المصالح الاقتصادية طبقا للأخلاقية البرجوازية. ومن هنا فإن المجتمع المدني لدى ماركس هو ميدان أو فضاء للصراع الطبقي، غير أن تركيز الماركسيين على وجه العموم كان منصبا على مفهوم حرب المواقع، بمعنى إحلال مفهوم الصراع الطبقي، وحسم موضوع السلطة عن طريق الثورة البروليتارية.
من عام 1850 حتى 1920م اختفت مقولة المجتمع المدني تماما من الخطاب الغربي في الحياة السياسية، وذلك نتيجة للاضطرابات و الصراعات السياسية والثورات التي سادت القارة، ولم يجر إعادة استعمالها إلا في نهاية الحرب العالمية الأولى، وتحديدا في ايطاليا من خلال انطونيو غرامشي وهي مرتبطة بالاسلوب ( التكتيك ) الجديد للحركة العمالية الغربية بعد انتصار البلاشفة في روسيا.
السؤال المركزي الذي طرحه غرامشي منذ عام 1920 في " الأمير " و " دفاتر السجن " و ما بعدهما هو التالي: إلى أي مدى يمكن أن تتلاءم استراتيجية الاستيلاء على السلطة من قبل الطبقة العاملة مع الظروف والممارسات السائدة في المجتمعات الغربية، حيث تسود الديمقراطية الليبرالية الغربية، وحيث ان هناك نوعاً من التصالح والتسوية بين الدولة والمجتمع، كما ان هناك مستوى متطوراً للمجتمع المدني خلافا لما هو عليه الوضع المتخلف في روسيا آنذاك. كان غرامشي يعتقد بمحدودية تأثير الاقتصاد في دراسة السلوك السياسي والفكري. من هنا أكد على ان المجتمع المدني ليس فضاء للتنافس الاقتصادي مثلما يعتقد هيجل وماركس، بل أيضا مجالا للتنافس الإيديولوجي، وبالتالي فان استراتيجية الطبقة العاملة في المجتمعات الديمقراطية في الدول الغربية على عكس حال المجتمع الروسي، فليس للثورة جدوى في تغيير علاقات الإنتاج والبني التحتية عن طريق الثورة، وإنما من خلال ظاهرة الهيمنة الإيديولوجية ، مميزا بين مفهوم الدولة وبين الهيمنة الطبقية ( البرجوازية ( ازاء الفئات أخرى.
فالمقولة الغرامشية لمفهوم المجتمع المدني لا تأخذ معناها الحقيقي إلا في علاقتها مع مقولة المجتمع السياسي «الدولة». فإذا كان للدولة أو المجتمع السياسي فضاء للهيمنة عن طريق القوة أو التهديد بها، فإن المجتمع المدني يمتلك القدرة أو الإمكانية لاستبطان الهيمنة الأيديولوجية، ووظيفة الهيمنة هنا، هي وظيفة توجيهية للسلطة الرمزية الموازية التي تمارس بوسائل التنظيمات التي تدعي إنها خاصة مثل الكنيسة والنقابات والاحزاب والمدارس، وتتمحور حول جملة من المفاهيم مثل: الهيمنة والكتلة التاريخية والمثقف العضوي.



#نجيب_الخنيزي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحداثة والأزمة الحضارية 2 - 2
- الحداثة وانسداد الأفق التاريخي ( 1 )
- القمة الخليجية في ظل التحديات والاستحقاقات المشتركة
- الاحتفاء بالشخصية الوطنية البارزة ميرزا الخنيزي
- إيران: بين ولاية الفقيه والدولة المدنية
- الديمقراطية على الطريقة الإيرانية
- كل يوم عاشوراء وكل أرض كربلاء.. ميثلوجيا الحزن والثورة
- كارثة سيول جدة.. هل تكون محركا لاجتثاث الفساد ؟
- تقرير منظمة الشفافية العالمية عن الفساد
- مبادئ حقوق الإنسان.. بين النظرية والتطبيق
- التجديد الديني والإصلاح الوطني.. ضرورة الراهن ( 13 )
- التجديد والإصلاح الديني.. ضرورة الراهن ( 12 )
- دور الأنظمة العربية والغرب في إعادة بعث -الأصولوية الإسلاموي ...
- التكفير والعنف منهجان متلازمان ( 10 )
- - الأصولوية الإسلاموية -.. بين التقية والعنف ( 9 )
- نشوء -الأصولوية الإسلاموية- ( 8 )
- من الأصولية إلى الأصولوية الإسلاموية ( 7 )
- نشأة الأصولية الإسلامية المعاصرة.. العوامل والمقدمات ( 6 )
- لماذا انتكس مشروع التنوير؟ ( 5 )
- الرافد الثاني في مشروع النهضة ( 4 )


المزيد.....




- رئيس وزراء فرنسا: حكومتي قاضت طالبة اتهمت مديرها بإجبارها عل ...
- انتخاب جراح فلسطيني كرئيس لجامعة غلاسكو الا?سكتلندية
- بوتين يحذر حلفاء أوكرانيا الغربيين من توفير قواعد جوية في بل ...
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 680 عسكريا أوكرانيا وإسقاط 13 ...
- رئيس جنوب إفريقيا يعزي بوتين في ضحايا اعتداء -كروكوس- الإرها ...
- مصر تعلن عن خطة جديدة في سيناء.. وإسرائيل تترقب
- رئيس الحكومة الفلسطينية المكلف محمد مصطفى يقدم تشكيلته الوزا ...
- عمّان.. تظاهرات حاشدة قرب سفارة إسرائيل
- شويغو يقلّد قائد قوات -المركز- أرفع وسام في روسيا (فيديو)
- بيل كلينتون وأوباما يشاركان في جمع التبرعات لحملة بايدن الان ...


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - نجيب الخنيزي - المسار التاريخي لظهور وتبلور مفهوم المجتمع المدني ( 1 )