أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نبيل عودة - نبيل عودة يروي قصص الديوك















المزيد.....



نبيل عودة يروي قصص الديوك


نبيل عودة
كاتب وباحث

(Nabeel Oudeh)


الحوار المتمدن-العدد: 2874 - 2009 / 12 / 31 - 11:40
المحور: الادب والفن
    


( تظهر الديوك في الحياة بأشكال متعددة ،أحيانا تظن نفسها أقرب للبشر ، وأحيانا اقرب للضباع )


القصة الأولى : يوم في حياة ديك


مع تسلل أولى خيوط الفجر .. انطق صياح الديك ، كعادته منذ صار شاعر القوم ، معلنا بدء يوم جديد .
كان للديك ، مثل كل مثقف وشاعر كبير ، فلسفته الحياتية الخاصة .وهي تتشكل من منظومة من التصورات والأفكارالأدبية والدينية ، يحاول بها ان يخضع جماهيره البياضة الى نشوة الفجر الجديد ليبدأ الجميع نهارهم بنشاط وهمة . وكان يصاب بالغضب الشديد حين تتماطل بعض الدجاجات فوق بيضاتهن ، ويرى بذلك خضوعا لألاعيب الجن واغراءاته ، فيزداد صراخه حدة مهددا بلغة شعرية موزونة واضحة ، انه لن يقرب الدجاجات المتكاسلة عقابا على تماطلهن ..ولن يسمح لديوك الجيران بالأقتراب من مملكته الدجاجية ، أولا صونا للعرض ، وثانيا منعا للإختلاط غير المشروع .وثالثا حفاظا عى حقوقه غير القابلة للنقض والنقل.
كانت تشغل الديك مسألة فلسفية كبرى : وماذا بعد .. هل من تطور الى مرحلة جديدة أرقى من ملك متوج على خم دجاج ؟
وكثيرا ما يغرق في البحث بمعلوماته المعرفية . ولكنها معلومات لا تتعدى بعض النزوات مع دجاجات الجيران .. حقأ أمدته بشعور من التعالي على ما عداه من جنس الطيور . ولكنه شاهد مرة أوزة في حديقة الجيران ، حاول الوصول اليها فهاجمتة بمنقار حاد ولم يكرر المحاولة . كان دائما يفكر ، ماذا لو صار ديك أوز ؟ يملك من القوة والقدرة ان يملأ فراغ خم دجاجات الجارة الفارغ من الديوك ، بعد ان نفق ديكها الشرس ، الذي كان له معه جولات من المناوشات الدموية ، وقد هجاه بقصيدة عصماء ما زال يسمعها للديوك الصغيرة حتى لا تتوهم انها أصبحت كواسرا متوجة على عشيرة من قليلات العقل ؟ وان تظل مهما ارتفعت قيمتها ، ذليلة امام عرشه .
كان الديك ، بمفهوم ما فيلسوفا ... ولو استطاع صاحب الخم ان يحول صياحه الى كلمات ، لتسجل في كتاب جينيس كأول فيلسوف بين الأصناف غير البشرية ، ولنقلت "الجزيرة" أحاديثه وقصائده وحكايات عن تجاربه الفكرية ، وخاصة جملته الشهيرة بعد ان اعلن مقاطعة ساحة الجيران حيت تعيش الأوزة الشرسة مع صغارها ، اذ قال : " ماذا تظن هذه الأوزة نفسها ، انها مجرد قليلة عقل مثل كل اناث الطيور ، وان شراستها تتحول حين يحضر ديك أوز الى استسلام مشين . انها تمارس البغاء بنت الكلب مع كل ديك أوز غريب تلتقي به ، عكس دجاجاته ، القنوعات الملتزمات بديكهن ."
كان الديك يغضب عندما يحضر تجار من السوق يتمايزون دجاجاته ، ويجسون بطونها وأفخاذها ، وقد حاول تنظيم مقاومة دجاجية ، بأن تبدأ الدجاجات بعفر التراب فور اطلال وجه غريب صونا للعرض من هذا التعدي الفاحش . ولكن الأمر لم يكن يساعد كثيرا .. فيدخل " أولاد الأيه ..؟" بين الدجاجات ويبدأون بالقاء القبض على أفضلهن جمالا وسمنة ، وهن اللواتي يفضلهن بعد قيلولة الظهر .. وقد فوجئ مرة ، وأصيب بكآبة حين نظر اليه تاجر شره المنظر ، وسال :
- بكم تبيعني هذا الديك ؟
- انه ليس للبيع .
- أتمنى ان أراه محشوا فوق مائدتي...
وحاول ان يقتنصه ، فانتفض الى سقف الخم وتوجه مثل الصاروخ نحو قمة رأس هذ الشره مشغلا منقاره الحاد في جلدة رأس التاجر الشره ، الذي سرعان ما صرخ وخرج راكضا من خمه .. ناسيا وجبته الفاخرة بديك محشو على مائدته ، وسره ان صاحب الخم ضحك سعادة ، وخرج سريعا وراء التاجر ليعالج له جلدة رأسه المنقورة ، وهو يقول ضاحكا :
- هل ما زلت تصر على تناوله محشوا على مائدتك ؟
- سأشتريه عندما تقرر بيعه حتى لو كان لحمه غير صالح لأكل البشر ... سأقطعه وأطعم لحمه للكلاب ..
وانطلقت الضحكات وكأنهم يتحدثون عن ديك لا قيمة لرأيه ، مما جعله يفكر بطريقة ما للتخلص من هذا الخم والبحث عن فضاء أوسع من الحرية وعدم التعرض الدائم لخطف دجاجاته وتعريض أمنه الشخصي لخطر الذبح والحشي والالتهام ، وكأنه مجرد وجبة دسمة لا أكثر ، وهو الفيلسوف الشاعر الذي ينق جلدة رأس كل من يطمع به ويستهتر بمكانته .
في زاوية بعيدة جلست بضع دجاجات ينظرن اليه مبتسمات ، وكأن مصير ديكهن لا يهمهن .. او اكتشفن انه في طريقه مثلهن ، للموائد والالتهام .
ازداد غضبه :
- ما الذي يثير ضحككن يا عاهرات ؟
قالت الأولى:
- لأول مرة اكتشفنا ان خطر الموت من نصيبك أيضا ، فلا تتعالى علينا بعد اليوم .
قالت الثانية :
- ايضا انت صالح للحشو والطبيخ مثلنا تماما ، بل يفضلونك عنا .
قالت الثالثة :
- الخوف من الموت لم يعد من نصيبنا فقط .. فلا تتباهى علينا يا ابن العرص .. كفانا شعارات وتباه .
قالت الرابعة :
- كنا نظن الديك ملكا ، فاذا هو مجرد ظاهرة صوتية بين الدجاجات .
احتقن وجهه غضبا ، وتوقع ان تكون وسائل اعلام معادية قد حرضت دجاجاته ، وليس مجرد تاجر عبر عن شراهته بالتهامه محشيا. وقد يكون وصل للدجاجات معلومات سرية لا يفصحن عنها ، وسيعرف كيف يجعلهن يقررن امام سريرة بكل ما يعرفن من أسرار ، والا حرمهن من المتعة التي يتنافسن عليها أمامه ، قبل أن ينفقن محشوات على موائد المشترين. وبعد تأمل فلسفي ، واستعراض الدجاجات الضاحكات الوقحات بعينية ، قال:
- هل تعلمن يا فاجرات انه يوجد ما هو أسوأ من الموت؟
- أسوأ من الموت ، ما هو يا ديكنا المتباهي ؟
- هل قضيتن مرة اسبوعا كاملا دون أن الاطفكن وتتمسحن بجناحاتي و... ؟
نظرت الدجاجات بعيني بعضهن البعض ، وظهرت ابتسامة خبيثة على وجوههن ، وقلن بصوت واحد :
- سنرى .. من ينهزم أولا .
وتمايلن وتقصعن وهززن اردافهم بشكل أثار شهوته ، وانضممن لسائر الدجاجات وهن يتسائلن :
- هل يصمد هذا المدعي امام سحرنا ؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

القصة الثانية : كيف صار الديك فيلسوفا ؟


انطلق صوت الديك عاليا معلنا فجرا جديدا . احتجت احدى الدجاجات ان الوقت ما زال مبكرا على الصياح ، وان ساعة نوم قبل صعود الفجر أفضل من نوم الليل كله.
ولكن ما أخرس ألسنة الاحتجاج كان االلمعان الغريب في عيني الديك ، فأيقنت المتثائبات انهن أمام حدث كبير.
ولم تتأخر المفاجأة .
قال الديك ، بعد ان اتخذ مكانا مرتفعا يرى منه كل دجاجاته:
- أمس ، وأنتن نيام لا تدرين من أمور دنياكن شيئا ، دعيت الى اجتماع قمة طارئ عقد في خم جارتنا ام كميل .. حضره الأشقاء ديوك الجيران من المشرق والمغرب ، لبحث موضوع أشغل تفكيرنا . والهدف هو الوصول الى موقف ديكي مشترك واتفاقية تعاون مشتركة ، نطرح فيها المصالح الاستراتيجية لنا جميعا ، بحيث لا نبقى مستبعدين من مراكز القرار ومستهدفين من شعراء ديوك غرباء ، لا هم لهم الا نتف ريشنا الملون والجميل. وكان موضوع البحث يتعلق بالفكرة التي خطط بها الله جسم الطيور.. وخاصة نحن معشر الديوك ، المسؤولين عن تحسين النسل واكثاره لنشبع البطون الجائعة .. لنضع خطة تحمي ريشنا الجميل.
وتوقف الديك مستعرضا بنظره جمهور الدجاجات ، متذكرا وقفة ابن جلا في العراق...
همرت بعض الدجاجات احتجاجا .. وتجرأت الدجاجة الغبراء المعروفة بلسانها الطويل ، وقالت :
- ولكن يا سيدي لحومكم انتم معشر الديوك مطلوبة دائما على موائد الطعام .. بل والبعض يفضلها عن لحومنا.
- اخرسي .. انت مجرد وجبة دسمة ، وبدوننا لن يكون وفرة في انتاج الفراخ ....لا تقاطعنني والا أشغلت منقاري بكن ، القصة يا سيداتي المبجلات أن الله كرس فكرا كبيرا في تصميمنا. ووصلنا الى قناعة انه مهندس ماكينات.. انظرن المفاصل التي زودنا بها كيف تعمل بليونة وبدون تعقيد ( وعرض حركة ساقيه ) .. ولكن ديك خم ام كميل أصر ان الله مهندس الكترونيكا، اذ زودنا بأجهزة أعصاب مع الاف الوصلات المعقدة. وهذا كان موضوع بحثنا ودراستنا ، وأخيرا اتفقنا انه يحمل شهادتين ، الأولى بالهندسة الميكانيكية ، والثانية بالهندسة الألكترونية . وهكذا انتهى اجتماعنا وجئت لأبلغكم بالقرارات الجديدة لتعرفوا مبنى هياكلكم ومن وهبكم اياها . لذلك أطلقت صياحي أبكر من المعتاد كي لا يسرقني النوم ، وتبدأن نهاركن وانتن على استمرار بجهلكن بحقيقة خالقكن ودوركن في هذه الفانية.
- وبماذا سيفيدنا هذا الاكتشاف .. اذا اختارونا لوجبة اليوم أو غدا أو بعد غد ؟ همهمت الدجاجات بغير اهتمام للإكتشاف الجديد .. ابحثوا كيف تمنعوا ذبحنا ومعطنا وسلقنا وشوينا .. ذلك أفضل . قمتكم تشبه قمم العرب .. كلها خلافات وتراجعات وبيانات تضامن واتفاق.
- ولكن قبل ذبحكن يا جاهلات يذكرون اسم الله .. فذبحكن اذن شرعي من ناحية الدين .
قالت الغبراء محتجة :
- لا نريد هذه الشرعية الدينية .. نقدمها لك ولسائر الديوك على صحن من ذهب. . لتذبح انت ولنبق نحن ، حتى بلا دين .. وبلا فلسفة الديوك .
غضب الديك من الاهانة المباشرة التي وجهت له . وخاصة من الغبراء أم لسان طويل ، وصاح :
- انتن قليلات عقل وقليلات دين.. ومصيركن الحرق..
قهقهت الدجاجات .. بغير اكثراث من هذه التهم الخطيرة . وعلت أصواتهن :
- وماذا ينفعنا عقلنا وديننا بعد ذبحنا والتهامنا ؟
- وهل من مصير آخر في عالم يسيطر عليه الديوك ؟
وتحينت الغبراء ام لسان طويل ، الفرصة لترمي بقنبلتها .
- ونسيت أن أقول لك انكم يا معشر الديوك مغرورون ومخطئون في اكتشافكم .
- هذه دراسة وجهد تفكير طال لأيام .
- طز بهكذا تفكير ، يجعلنا ما دون مستوى الديوك وينتقص من حقنا في الحياة.
وقام الضجيج ، والديك يحاول اخراس المحتجات والمعلقات بغضب. ولكن الحبل قد فلت . ولولا دجاجة تجلس في القرنة ترفض ان تترك بيضاتها ، لوقع ما لا تحمد عقباه ولتمرمغت عنجهية الديك بالتراب. قالت الدجاجة بصوتها الرخيم والهادئ :
- بحثكم يا ديكنا العزيز يثبت كم انتم بلا علم وذكور مغرورون .. لو استعنتم بمعلوماتنا ( نحن المتهمات بقلة العقل ) لتغيرت نتيجة قراركم .
- نستعين بالدجاجات ؟
صرخ الديك مذهولا من المفاجأة .
- أجل أيها مدعي .. الا تعرف ان الله مهندس شبكات ، من يستطيع ان يخلق جسما مثل الماسورة ، يدخل شيئا من جهة ويخرجه من الجهة الأخرى مختلفا ؟ .. حتى شهوتك يا مغرور تدخل الى مواسيرنا فنخرجها بيضا وفراخا ... فأي مهندس هو اذن ؟
وفهم الديك انه هزم .. ولكنها أنقذته من غضب الدجاجات . كيف لم يفكروا بهذا الأمر الأساسي؟ وهو الآن ، رغم فشله يشعر بالسعادة والانتصار ، اذ قوي يقينه انه سيصير فيلسوف ديوك الحارة وكبيرهم عقلا وتأثيرا. وسيدعو الليلة أصحاب الفخامة والجلالة الديوك الى اجتماع قمة طارئ جديد ، يبلغهم فيه انه بعد تفكير فلسفي استغرقه ساعات يومه ، دون أن يقرب أي دجاجة اليه حتى لا تتفركش أفكاره ، توصل الى الحقيقة بأن الله هو مهندس شبكات وليس مهندس ميكانيكيات أو الكترونيكا .. كما يدعي الضالون. ويكلف شاعر القمة ، ديك خم أم يوسف ، بصياغة اتفاق جديد بلغة الشعر حتى يرسخ في عقول قليلات العقل أيضا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


القصة الثالثة : الديك يبني ارشيفاته الثقافية



لم يكن الديك يثق بأحد من حوله ، ولا حتى بأكثر الدجاجات تمسحا بجناحيه وتوددا امام مجلسه وخضوعا لرغباته ونزواته . كانت شكوكه عظيمة بأن مؤامرة تجري لاستبداله ، وقد أقلقه التفكير بالمؤامرة ، ومشكلة عدم وضوح أبعاد هذه المؤامرة ، او اتضاح بعض تفاصيلها وغياب تفاصيل أخرى . وكان أشد ما يخافه من المؤامرة تحويله الى وجبة يلتهمها رواد المطاعم . وقد يكون التذلل والتودد من حوله خداعا مخططا من قوى تتحين الفرصة لاسقاطه وغزو مملكته التي تكاثر دجاجها في السنة الأخيرة بمعدلات فاقت التوقعات ، مما رفع قيمة خمه في البورصة الدجاجية .. ورغم ذلك .. السياسة مليئة بالمطبات الخطيرة .. والمفاجئات غير المتوقعة ، ولا تحكمها الأخلاق .. وتغيب عنها القيم . السياسة أضحت تجارة بيع وشراء ، مطبات ومؤامرات ، يضحكون بوجهك لإلهاءك عما يطبخون ، وديك بمثل مقامه ، مثقف ، شاعر ، مفكر ، فيلسوف ، قائد عسكري ، رجل دولة ، وراعي شؤون الخم وفحله ، تتكاثر حوله المؤامرات والأطماع والدسائس الداخلية والخارجية .. طمعا بانتاجه الدجاجي ، الذي يوازي اليوم الانتاج النفطي في أهميته الاستراتيجية ، والرغبة في التهامه واكتساب صفاته الفكرية والفحلية عبر وجبة شهية تتعاظم ، وتُشغل السياسة الدولية ...
كان أمنه الشخصي يقلقه أكثر من أمن مملكته . لأن نفوقه هو نهاية للتاريخ ونفوق لملك لا يظهر مثله في التاريخ الا كل قرن كامل ، أو عدة قرون . وكان الديك يحب ان يؤكد ، حتى لا يلتبس المعنى على قليلي العقل ، انه يقصد بالقرن مائة سنة وليس تلك الموزة الصلبة التي تنمو في أعلى رأس وحيد القرن.
من سيصدح صوته صباحا مجلجلا بشعر ثوري تعادل قوة القصيدة فيه ما يتجاوز حتى قوة الصواريخ البلاستية عابرة القارات ..؟ من قادر مثله ان يُخضع أكثر الدجاجات استعلاءا وتمخترا بجمالهن لأوامره ورغباته ؟ من يروي شبق هذا الجيش الدجاجي قليل العقل والدين .. ؟
المسؤوليات جسام . وهو خلق لتحمل هذه المسؤوليات الأرضية ، وايجاد الحلول لمسائل الأمن الحارقة في جمهوريتة الدجاجية ، الأفلاطونية بتنظيمها .
حقا ، هل تتصورون ما قيمة المملكة اذا نفق ديكها ، والى ما يمكن أن تؤول الية التطورات من اشكاليات تنظيمية وانتاجية ؟ .. وتأثير ذلك السلبي على استقرار الاقتصاد العالمي ؟ وهل ستصمد البورصات امام أزمة غير متوقعة مثل نفوق الديك ؟!
مضطرا ، قام الديك بخطوات أمنية حاسمة مستعينا بخبرة ديوك الجيران الأشقاء .. فعين بعض الدجاجات ليعملن كعيون في مملكتة ، أسوة بممالك الأشقاء السابقين له في الخبرة .. وأطلق على هذه المجموعة أسم " ثقافة الأمر بالحسنى ".. ولكن هذا الأمر حسب ارشادات ديك ام كميل يبقى ناقصا ويحتمل نسبة خطأ كبيرة . والحل تعيين عيون من دجاجات أخرى ليعملن كعيون على العيون من المجموعة الأولى . وسمى المجموعة الثانية " هيئة النهوض بشؤون الشعر الفصيح " ليعطي انطباعا ان خمه يعنى بشؤون الثقافة والتربية والتعليم ، كيف لا ورجل الدولة الأبرز في الخم ، هو الديك الفصيح ... رغم ان نسبة الأمية تكاد تكون مطلقة.. لكن المعطيات التي توزع على الاعلام تصاغ في ادارة الخم حسب رغبات الديك ، وهذا لا يعتبر تزويرا انما تيمنا بما سيكون عليه المستقبل .
ولكن يبدو ان هذا الهرم الأمني يبقى ناقصا في فاعليته، كما أشار الأشقاء في آخر مؤتمر قمة جمعهم في خم أبي العلاء . حيث أكد الأشقاء على ضرورة اقامة مكتب أمني سري لا يعلم به الا الديك نفسه ويسمى ب " أرشيف الديك الثقافي " ، تكون مهمته مراقبة المقربين والمتحذلقين حوله . ومكتب آخر صلته غير مؤكدة بأعمال الأمن .. سمي " مكتب الاستثمارات " يتخذ شكلا دوليا للمشاريع العمرانية مما يسهل تجنيد الدعم الخارجي ، ولكنه عمليا ينفذ سياسة أمنية مشددة جدا ، ويمول سائر أجهزة الأمن ، وليذهب العمران الى الجحيم بعد أمن الديك وسلامته .. ويقول بعض العالمين بلغة الديوك وتصرفاتها انه أقيمت مع الوقت فئة عيون أخرى لم ينشر اسم رسمي لها مما جعل الهيئات المشتغلة بالأمن الشخصي للديك تزداد الى أربعة تنظيمات أو خمسة ، والعلم بالعدد الحقيقي ،عند الله جل جلاله .. ولكن تسربت معلومات ذكرتها " الجزيرة " دون أن تفضح مصادرها ، ان الديك أنشأ هيئة هي " المكتبة القومية" حيت يحتفظ بملف عن كل طير دجاج داخل خمه ، منذ خرج من قشرة البيضة وحتى لحظته الأخيرة داخل الخم .
وباتت مملكة الديك مكتظة بالعيون المختلفة ، ثلاثة منها( وربما أربع ؟) معروفة بأسمائها، وواحدة سرية ( وربما اثنتان؟ ) قائمة بالتأكيد . وآخرى سرية معروف وجودها ومجهول اختصاصها ، وغير ملموس نشاطها في مجال العمران اطلاقا رغم اسمها ، ورغم تدفق الأموال النفطية اليها.... ووصل عدد العيون على العيون على العيون الى نصف سكان الخم والبعض يقول ربما أكثر اذا علمنا عدد المشتغلين بالأجهزة السرية من مختلف الهيئات .. واذا أنزلنا من حسابنا الفراخ الصغيرة التي لتوها قد خرجت من قشرة البيضة ، يكون قد عين عينا لكل دجاجتين أو ثلاث وعليهن عين أخرى تراقبهن وتراقب كل همسة او حركة غير واردة في الحركات المسموح بها للدجاجات ، بما في ذلك تسجيل عدد المرات التي تحرك فيها الدجاجة أجنحتها ، وعدد المرات التي تقترب من وعاء الماء ، وعدد المرات التي تعملها فوق الارض بلا حياء.. وبالحساب الأخير يمكن ان نفترض بدون خطأ كبير انه يوجد عين لكل دجاجة ونصف الدجاجة تقريبا ، حسب معلومات تؤكدها أيضا معاهد الدراسات العسكرية التي يديرها ديوك شعراء مرهوبو الجانب تجيئهم المعلومات من عيونهم المنتشرة حول الكرة الأرضية . والهدف طبعا ، أن يبقى أمن الديك مضمونا ، وينام نومته السلطانية بعد تأدية واجباته العائلية والأمنية وقضاء شهوته اليومية من دجاجاته .
المستهجن ان هذه المملكة تسمى خما في لغة الضاد . يا لها من لغة قاصرة ، وأول المتضررين منها هم شعراء الخم وعلى رأسهم الديك .. لأن كلمة خم تفتقد للوزن الشعري وتعني الرائحة النتنة، فهل يستقيم الشعر مع هذا الوضع ؟!
بالطبع ، ان لتخصيص العيون في المملكة الخمية تبريرها المنطقي. اذ ان الخطر الداهم على مكانة الديك ورفعته وعدم المساس به ، هي من ضرورات بقاء الديك الزعيم الأوحد في مملكته. وصاحب الصوت الأقوى في الخم . وصاحب الفراع الأحمر الوحيد النابت مثل التاج الملكي عل قمة رأسه.. والناصع الريش بألوانه التي تسحر أجمل طير خلقة الله ..
من وظائف العيون في مملكة الديك الابلاغ عن كل فقس جديد وعدد الديوك المتوقع في الفقس الجديد ، وتنمية خبرة العيون في التمييز بين البيضة التي سيخرج منها ديك والبيضة التي ستسفر عن دجاجة. وضرورة سحب البيضات الديكية من تحت الدجاجات ليلتهمها أو يبيعها صاحب الخم ، حتى لا يبلغن مرحلة التفقيس وتبتلي المملكة بمنافسين من فصيلة الديكة . . فتعم الفوضى نظام الخم وقد ينهار النظام أو ويسوء ، وينهار أمن الدجاجات وفراخهن ..
وغني عن القول انه لولا هذا التنظيم العبقري لسادت الفوضى ولشكلت كل دجاجتين حزبا مستقلا ولقامت المظاهرات التي تطالب بحصص أكبر من معاشرة الديك ، الأمر الذي سيربك النظام ويستنزف قدرات الديك .. ولعمت الفوضى الاجتماعية داخل الخم .. ولأقيمت النقابات الهدامة ، وتعطلت مشاريع الانتاج البيضي والفراخي ولأقام كل فرخ دجاجي مجلة ثقافية لينشر فيها شعرا مقاوما لسلطة الديك .. ، وقد يكون أحد الديكة الناشئين جني فيقوم العراك ويسيل الدم .. ، وتصبح حال ديكنا مثل حال الدجاجات، مجرد وجبة دسمة على مائدة في أحد المطاعم.. ويصبح المرحوم ، أو السابق ، بعد ان يحل محله فحل جديد !!
وفي الحقيقة انه وقعت أخطاء عدة في الاستدلال على البيضات الديكية .. أخرجت بيضات بريئة ... وظلت بيضات تـآمرية .. ومع كل ذلك بقي الديك صاحيا ، متيقظا لعملاء الاستعمار والصهيونية ، حتى لا يجند عملائهم بعض الفراخ الديكة ويحرضونهم على المنكر وطريق الشر ، وتصبح حياة الخم قتالا وصراعا ونتف ريش ودما، ولا بد مهما بلغت مكانة الديك اليوم ، أن يجيء يوم أسود ، كما حدث مع الديك السابق الذي نفق في القتال مع ديكنا الحاكم الأوحد اليوم . . وكان الديك على قناعة انه لا يمكن ان يكون في الخم ديك زعيم سابق. بل ديك زعيم أوحد، والزعيم السابق مرحوم او نافق.
حسنا ، سيجيء اليوم الذي يختار الديك وريثه في التتويج على الخم ، من أحدى أجمل الدجاجات.. ولكن الآن كل شيء سابق لأوانه.. فها هو بقوة الفحل .. يحرت بلا كلل وبمتعة .. ولا يقصر بواجباته .. ومتنبه بواسطة العيون على كل ما يجري تحت الفراخ من فقس جديد. ويعرف كل التحركات ، وحتى يعرف الوقت الدقيق بالثواني ،الذي تقضي فيه كل دجاجة حاجتها فوق أرض الخم ..
غير ان الرياح لا تجري كما تشتهي السفن.
أطل صاحب الخم فجر أحد الأيام ، ليعلف دجاجاته ، وأدخل للخم ديكا جديدا جمال ريشه يأخذ العيون ، وفتوته بارزة مما جعل الدجاجات يتضاحكن ويهرولن لملامسته واثارته .. دون حياء ودون أخلاق .. وكأن الزعيم الأوحد لم يرو شبقهن ليلة أمس .
الديك الفتي وقف يتأمل الديك الملك ببعض النظرات التي تثير الغضب.. ودون أن يكلف خاطره لتقديم صكوك الطاعة. كان من المتوقع ان يفهم هذا الغبي انه لم يدخل للخم لينصب ملكا او وريثا. وأن القرار بالتنصيب يعود لمجلس الدجاج البرلماني المشكل بأكثريته المطلقة من الدجاجات العيون على اختلاف هيئاتهم الثقافية ( الجاسوسية) .. والدجاجات أصحاب الحظوة في أمسيات الديك اللاهبة.
قرر الديك ان يكلف دجاجة بملاحقة هذا الوافد الجديد ، الذي دخل ليستملك الأرض والبيت والعرض .. بينما صاحب الشأن حي يرزق .
ولكنه لا حظ ان المعلومات التي تصله من الدجاجة العين لا تشمل الكثير من التفاصيل ، فهل تظن ابنة الزنا انه غافل عما يدور في خمه..؟ وهل تظن انها الوحيدة التي تراقب الوافد الجديد ؟ والا تعرف ان كل الحركات تصله من عدة مصادر على الأقل ، حيث تقارن المعلومات وتصنف في الأرشيف الثقافي ؟
وفي ليلة قمراء ، قرر ان يفرض حظر التجول،ليقبض على الوافد والخائنة بالجرم المشهود . فأعلن الأحكام العرفية التي أقرت بلا مشاكل في مجلس الدجاج البرلماني . وأبلغ الديك الدجاجات بان يلزمن مواقعهن لأنه يعتقد ان مؤامرة كبرى تحاك ضد أمن الدجاجات ورفاهيتهن .. وحبهن المطلق لزعيمهن الأوحد ديك الديوك .
خمدت الدجاجات فوق بيضاتهن بوجل ، بانتظار ما قد يسفر عنه نظام الطوارئ .. ومضت الساعات متوترة ثقيلة. وفجأة سمع صوتا يتأوه ..وصوت يأمر بأن " أصمتي .. لا تفضحينا "
فأطل على الزاوية التي تسرب منها الصوت ، ويا لهول ما كشف . كانت الدجاجة العين التي كلفت بمراقبة الديك الجديد تتأوه تحته بلا حياء ..وهو يطالبها بتكرار بالصمت .
صاح الديك غاضبا: انها خيانة!!
جفل الديك الفتي : وقال بحياء : انا أمارس حقوقي.
- لا حقوق في خمنا الا باذن مني
- ولكنك مثلنا كلنا .. انت عابر أيضا .
- ما هذه الوقاحة .. انا الملك أيها الحقير !
صاح بقوة وغضب متفجر ، متحفزا للإنقضاض بمنقاره على رأس هذا المعتوه المغرور.
ولكنه تريث اذ فكر بأن غضب صاحب الخم أشد بأسا من نظامه الديكي ، اذ انه يملك وسائل قمع وقتل رهيبة لا يمكن تجاهلها في اقرار النهج الديكي . وقال:
- في خمنا لا يوجد ملكان .. بل ملك واحد .. وكل ملك آخر هو مرحوم أو لم يخلق بعد.
- يا سيدي أحضروني الى هنا لأقوم بواجبي القومي.. الاكثار من الدجاج والبيض...
- اخرس .. انت عميل وستجري محاكمتك . يا عيون القوا القبض عليه ,,,
وبعد تفكير قال :
- وعليها ايضا التي باعت كرامتها وتنازلت عن ثقتنا بها مقابل شهوتها.
انتفض الديك الفتي وانقض بمنقاره على رأس دجاجة من العيون حاولت تقييد جناحيه ، فتزعفلت ألما بالتراب وما هي الا لحظات حتى نفقت.وما هي الا لحظة أخرى او بعضها والا والديك الملك ينقض على الديك الدخيل بمنقاره وينتف ريش رقبته وبعضا من جلد رقبته ليزعق الغبي بألم ويتأوه من نزيف دمه ، وليفهم مرة والى الأبد ، من هو الملك هنا . وقال بلهجة التهديد :
- بقصد لم الحقك بالدجاجة الميتة .. اعتبر هذا انذارا !!
في فجر اليوم التالي تفاجأ صاحب الخم بالدجاجة الميتة . وقد شاهد ضربة المنقار في أعلى راسها.
قذف الدجاجة لكلب الحراسة الذي سارع يقطعها بأنيابه الحادة ويلتهمها . تأمل الديكين بغضب.. وشاهد آثار المعركة بينهما . ولكنه أيقن ان العقاب لن يكون لصالح ازدياد انتاجية الخم .. و ان الضحية ربما كانت ضرورية لتنظيم العمل الديكي داخل الخم .. المهم ما ستكون عليه النتائج خلال الشهر كله .. ان ديكين أفضل للخم من ديك واحد .. وسيفهم الغبيان هذا الأمر او ينفق أحدهما... وهذا يقاس لمن لا يعلم بعدد البيضات ، طبعا الديك معفي من البيض .. ولكن تقول الأساطير ان بعض الديكة لها بيضة واحدة نادرة .. تسمى " بيضة الديك " ، يرزق ربنا من يجدها بأحلى أمانيه!!
ترى هل ديكنا من أصحاب البيضة النادرة ؟
او ربما لسد العجز المتوقع قد يصير ديكنا بياضا !!


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


القصة الرابعة : لم يخلق الديوك للصياح فجرا فقط !!



كثيرا ما ادعى الديك بقدرته على التمييز بين الخواص ذات القيمة والخواص الطارئة. طرح على عموم الدجاجات تفسيرا قريبا لما طرحه الفيلسوف الأغريقي أرسطو عن نفس الموضوع.والحق يقال ان الديك لم يسمع بأرسطو ، وأرسطو لم يفكر ان ديكا ما قد يصير فيلسوفا في زمن قادم .
ذكاء الديك أصبح حديث الدجاجات في جميع الخممة ( جمع خم ) المصدرة للبيض والفراخ .صحيح ان بعض الدجاجات استهترن بعقل الديك واتهمنه بالهذيان .غير ان دجاجات اخريات أصبن بذهول من ان يكون وراء ما يبدو انه ذكاء ، علما جديدا قد يغير نظام الخممة.. فيذهبن هباء بعد مجهوداتهن الكبيرة في رفع انتاجية البيض الى أكثر من بيضة واحدة يوميا ، بل وأحيانا ثلاث او أربع بيضات .
كان الديك يشرح بلا ملل رؤاه الفلسفية ، وفحوى فكرته الجديدة ،وبلغة دجاجية بسيطة.
كان يقف في مكان مرتفع ، ويجيل نظراته بين دجاجات خمه ، قبل أن يبدأ حديثه المنمق ، ويقول: ان الخواص القيمة هي التي لا يمكن ان يوجد الشيء بما هو عليه بدونها. ويسال :
- مفهوم ..؟
ويرد الشعب مهموما من الجهل :
- مفهوم !!
والشعب الدجاجي لم يفهم بالتأكيد. ولكنه موقف احتياطي حتى لا يتورطن بالتحقيقات الجنائية والسياسية ويتهمن بالعمالة لأعداء الوطن . ويواصل:
- اما الخواص الطارئة فهي التي تقرر كيف يكون الشيء وليس ما هو الشيء.
وينظر بحدة بعيني دجاجاته منذرا من اللغط المتزايد دون ان ينبس ببنت شفة ، ويمشي الخيلاء دائرا حول نفسه.. عارضا ريشه المميز بألوانه الزاهية . وعندما يسود الصمت الكامل يقف مسلطا نظراته القاسية ويسأل :
- الشرح واضح ؟
- واضح واضح ...
همهمت الدجاجات بببغاوية غير داريات من كلام الديك حرفا واحدا. ولكنهن لا ينسين للحظة واحدة ان الطاعة واجبة لمن يولى عليهن.
حتى صاحب الخم الذي وقف دون أن يراه الديك متأملا مقاقاته وذهول الدجاجات امام شموخه ، أصابته الحيرة في تصرفات ديكه الغريبة .. وهو قد عبرت عليه مئات الديوك ، ولكن مثل هذا الديك لم يشهد في حياته . والحق يقال انه يدير الخم بانضباط شديد ولا يقصر بالواجبات التي كلف بها، والا لصار لحمه وجبة فاخرة ولصارت عظامة طعاما للكلاب.
صحيح انه في الشهر الأخير قصر في واجباته بسبب ضغط الموضوع الجديد على دماغه. ولكن ديك جارته ام يوسف سد بعض العجز في خمه ، ومنحه تبعا لذلك شهادة تقدير مشيدا بدورة الوطني في خدمة القضية العادلة.. بل وأوعز لمجلس الأمة ان يمنحه شهادة دكتوراة فخرية .. وقد راقته هذه الفكرة ، وتوقع ان يمنح هو بالمقابل لقب بروفسور من مجلس خم ديك اؤلئك الجيران . وهذا ما كان فعلا. فصار الديك بروفسور شرف وملك وشاعر، أدامه الله .. وأدام عزه وسطوته على دجاجاته !!
بعد مشاورات بالخفاء عن الديك ، وارضاء لديكهن قررت الدجاجات أن يكررن أقوال ديكهن ، لدرجة ان احدا لا يعرف هل كان التكرار عن فهم واستيعاب ، أم عن مراضاة لولي الأمر ؟ أم هو استسلام طبعن عليه كسائر اناث العرب ؟! والى جانب ذلك الخضوع البارز ، أشدن الدجاجات ، بمناسبة وبلا مناسبة ، بفكر الديك العظيم . بل وقامت بعض الدجاجات الثرثارات بكتابة دراسات معمقة وطويله عن فلسفة الديك ، جرى نشرها في الخممة .. ووصل بعضها الى أقنان اوروربا ، محدثة ثورة في العلوم الفكرية بين الدجاج الأوروربي ، لدرجة ظن بعض اطباء البيطرة ان الدجاج أصيب بجنون البقر المشهور.أو ربما انفلونزا الخنازير ...
في الواقع ان صاحب الخم تحرك محتارا بديك خمه ودخل ليجمع بعض البيض ، وظل الديك منتصبا في مكانه وكأنه يستعرض جحافله المقاتلة .. مع ان الخم فارغ من وسائل القتال .. وفكر صاحب الخم ان يجري السكين على رقبة هذا الثرثار.. ليرى كيف تصير حاله مع فلسفته.. ولكن السؤال الأساسي كان عن مدى الارتباط العاطفي بين الدجاجات والديك ؟ وخوفه ان يسبب نكسة لهن ، فيخسر أكثر مما يربح. وبذلك بدل ان ينقذ دجاجاته من مدعي فلسفة وشاعر جاهل بمفردات لغته واملائها الصحيح ، ولا يعرف عاميتها من فصحتها ، يعرضهن لحزن شديد وطويل يدخل الفوضى والتسيب الى الخم ..
وكان قراره ان يعلم الديوك الوارثين لهذا الخم في المستقبل ، ان الفلسفة والشعر ليست لهم ، انما لها أصحابها من البشر وليس من الديوك حتى لو علت رؤوسهم التيجان الحمراء . وأن أصواتهم الصداحة لا تطلع الفجر ، بل الفجر يحرك غريزتهم فيصدحون بلا عقل . " اما انتم فقد خلقكم ربكم للحرث والدرس لبطرس " قال لنفسه.
وتمنى صاحب الخم لو يفهم لغة الطيور مثل سليمان الحكيم ، ليلقن هذا الفيلسوف درسا لا ينساه ، يجعله يتحسس رقبته كلما وقف فوق منصته متمخترا في خيلاء.. عارضا فصعته البارزة بريشها الملون .
ولكن ما العمل والزعماء على كل أشكالهم في الخممة وغير الخممة ، وحتى لو سموها اسما شاعريا أكثر ، أقنان مثلا .. لا يرون الا ريشهم وألوانه الزاهية ؟ ولا ينتظرون من جماهيرهم أكثر من عقل دجاجي واستجابة بلا تردد للآمر الناهي صاحب النعمة والمناضل الكبير من أجل أمنه وراحته وسطوته ونشر شعره ، وجعل اسمه يتردد بالرضا عليه ، على لسان كل من يعشق وجبة بيض مقلية بزيت الزيتون على الفطور .
وتسائل صاحب الخم :
- لماذا يخلق الله الديوك ؟ .. هل للصياح فجرا فقط ؟ كل وسائل الراحة مؤمنه لهم ..اذ رغم ارتفاع أسعار العلف في بورصة نيويورك وبورصات الشرق الأوسط والأقصى ،الا ان الوجبات لم تنخفض كما ونوعا . فلماذا هو مشغول دائما مثل ام العروس ، لا شيء يعمله الا القفز على الدجاجات واطلاق صوته المزعج فجرا ، في أحسن ساعات النوم ؟
كان الديك يتأمل صاحب الخم وهو يجمع البيضات .. ويقول لنفسه : " آه ما أتفهكم أيها البشر.. هذا ما يشغلكم كل نهاركم .. كم بيضة سنجمع اليوم وكم غدا .. وما هي الوسائل التكنلوجية الحديثة لجعل الدجاجات يرفعن عدد بيضاتهن اليومية ، بحيث صارت الدجاجة مصنعا صغيرا متحركا للبيض ." وفكر :"ربما يجري الاستغناء قريبا عن دور الديوك في عملية الفقس ، عندها لن ينفع الديوك شعرها ، ولا فلسفتها ولا درجاتها العلمية المقدمة تقديرا لمكانتهم وحكمتهم من خممة الأمم الدجاجية ."
هذه الأفكار أشعرته بالخوف .
وقال الديك لنفسه أيضا : " اما أن تفكروا أيها البشر، وتتخذوني نموذجا لكم ، وتستعملوا دماغكم ، فهذا مرهق للعقل. ربما حان الوقت يا الهي لتتغير الأدوار. هم في الخم ونحن طلقاء .. ولكن هل يبيض البشر ؟.. ترى ماذا يبيضون في بيوتهم ؟ بيضهم مثل بيضنا؟ ومن يأكل بيضهم ؟ كم أتمنى ان اشاهد شكل بيضهم وأتذوقه ."
في فجر أحد الأيام وصلهم ان أعتداء آثم وقع على خم أبو علاء من ذئاب داشرة .. على أثره جرت اتصالات عاجلة بين الديوك للتشاور ، وقد قر رأي الأكثرية على عقد مؤتمر قمة طارئ.. رغم ان التشاور لم يقد الى موقف واضح بين الديوك.
وجرت الاستعدادات لاستقبال الديوك الأشقاء في خم ديكنا ، الفيلسوف ، والحائز على لقب بروفسور شرف من خم الجيران .
نبه على دجاجته بلهجة تحذيرية بأن لا يظهرن أمام الديوك الغرباء الوافدين لحضور القمة ، منعا لوقوع المحظور. وان التي تتهاون بتحذيره سينتف ريشها وينقر راسها ، وينسب نفوقها للذئاب.
تجمع الأشقاء لتدارس الوضع .. ورغم أهمية الحدث الا ان عيونهم لم تتوقف عن البصبصة شمالا ويمينا.. لعل وعسى تظهر لهم حورية من خم الفيلسوف ، ربما لها طعم مختلف عما اعتادوا عليه ، الأمر الذي جعل ديك هذا الخم شاعرا وفيلسوفا في دنيا الدجاج ، شهرته عمت الشرق والغرب ..
افتتح الديك الفيلسوف المؤتمر داعيا الجميع لادانة العدوان واعلان التضامن والأسى الشديد على الديك النافق .. والترحم على الدجاجات النافقات بسبب الهجوم الوحشي .. وذلك تنفيذا لأبسط بنود اتفاق الدفاع المشترك . واعلمهم انه توصل لرؤية فلسفية جديدة تماما في هذا الظرف الماساوي ، وقبل ان يسمع أي تعليق بدأ يشرح فلسفته رغم زيغان عيون الأشقاء وراء مؤخرات دجاجاته ، اللواتي أخفين وجوههن حسب تنبيهاته .. .وقال شارحا ، والله أعلم اذا نصتوا لحديثه :
- الخواص ذات القيمة هي التي تجعلني انا نفسي الديك الذي أمامكم . صاحب الفكر والقدرات الصوتية والشعرية. اخواني ، بدون عقلي لن أكون أنا نفسي. لو نزعتم ريشي الزاهي الجميل ، لن يتغير الواقع ، سأظل انا نفسي بريش منزوع . أما الخواص غير ذات القيمة فهي تتعلق بالشكل والحالة. من هنا اعتداء الذئاب على خم الجيران الأشقاء لم يغير مضمون الدجاج والديوك في الحارة كلها . ظل مضموننا سليما.. ما تغير هو الشكل والكم وهذا نتجاوزه بزيادة جهودنا المشتركة مع جماهيرنا الدجاجية. قتل الذئاب 70 دجاجة ، الله لا يعطيهم عافية ، ولكن ، وهذا المهم والجوهري .. فقست الدجاجات الناجيات من الذئاب في نفس الخم ، وفي نفس ليلة الاعتداء الاجرامي الغاشم ، أكثر من 180 بيضة أسفرت عن 180 فرخا جميلا يفرح قلوبنا جميعا .. لذا نحن لم ننهزم . بل انتصرنا على الذئاب، لأن القيمة الأساسية لم تتغير ولم تسقط . بل ازدادت.
وقام كوكوكوكو عاصف تأييدا لهذا الموقف القومي الجريء.
هذه الفلسفة المستحدثة في القمة الطارئة أرضت جميع الديوك .. لدرجة ان عيونهم لم تعد تبصبص شمالا ويمينا. فقد وجد الديك الفيلسوف الكلمات الدقيقة للتعبير عن الموقف الطارئ وايجاد التعابير التي تلائم الموقف المسؤول . ومن لم يفهم صمت خوفا من فضح جهالته وقصر نظره !!
واعلنت الديوك انها مساهمة في تعميق هزيمة الذئاب سيبدأ الأخوة الديوك باعادة بناء ما تهدم من الخم ..
وتسائلت دجاجة تبدو عليها الوقاحة والجرأة ، ويبدو انها مراسلة لاحدى الفضائيات :
- واذا هوجم الخم مرة أخرى .. ما هي خطط المستقبل ؟
- سنعيد البناء مرات حتى تفهم الذئاب اننا لن نتخلى عن الأشقاء.
- ولكن ريشكم لا يمعط مثل ريش الدجاجات وعظامكم لا تكسر مثل عظامها ، وانتم معشر الديوك لا تتعرضون لأي خطر في ملاجئكم التحت أرضية؟
- وهل تظنين يا سيدتي ان الانتصار يتحقق بدون تضحية ؟ واذا تعرضنا للخطر من سيعقد حسب رأيك مؤتمر القمة القادم ؟
- وهل التضحية هي نصيب الدجاجات لوحدها في هذه الحياة؟
- الله أكبر.. هناك من يستهتر بالشهادة ؟ .. هذا كفر.. هذه عمالة للذئاب ..
صرخت الديوك صرخة واحدة. ولكن الدجاجة المراسلة أصرت متشجعة من تأييد بنات جنسها :
- ما رأيكم ان تختبئ الدجاجات ونترككم يا أعزائي الديوك تعاركون الذئاب؟ الستم أولي الأمر الأقوياء والشرسين ذوي المناقير الجارحة والقاتلة ؟
- وقاحة .. خيانة قومية ..
صرخ المؤتمرون الديوك . ولكن الديك الفيلسوف انتظر حتى هدأ غضب الديوك . وقف متأملا جرأة المراسلة الجميلة ومفكرا ، ترى لو نط عليها كيف ستصير حالها ، كم هي مغرية في جرأتها ومثيرة ، وقال :
- سيدتي الأنيقة .. قلوبنا تبكي على الدجاجات .. وسنصدر وعدا لهن بالجنة وسنمنحهن كل ما يتطلبة تجديد وزيادة عدد الفراخ .. واذا احتاج خمهم لديك آخر .. سنقوم بالمهمة بالتناوب حتى ايجاد بديل للأخ العظيم الديك النافق . فلماذا هذا التوتر.. ؟ مثل هذه التضحية لن تجدوها في أقنان الغرب الفاسدة . لذا نحن لا نتشبه بهم . الا تعلمين سيدتي ان للشهداء جنان لا يدخلها الا معشر الصالحين ؟ اني أدعوك لنشر هذا الموقف وضمان آخرتك انت ايضا مع أبناء جنسك . .
- يا سيدي انت تتحدث من الصبح ولم نفهم الا ان موت الدجاجات انتصارات.. ولكن الدجاجات يقلن انهن يردن صيصانهن تحت أجنحتهن وضمانة ان لا يتكرر غزو خمهن وقهرهن من جديد ، فهل هذا مستحيل ؟
فغضب ديك ام كميل وصرخ :
- هذا استهتار بالنصر التاريخي .. هذه اهانة للنافقين الشجعان .. هذا استهتار بانتصاراتنا القادمة ..
- كوكوكوكو ... لا تستهتري يالانتصار.. يجب طردك من الخممة .. اذهبي لخم اوروبي يا ملعونة .. اسحبوا ترخيصها هذه المغرورة .. لنها تعمل لصالح العدو ..
علت الأصوات تشجيعا لديك ام كميل. واستنكارا لأسئلة الدجاجة الصحفية الاستفزازية.
وانتهى مؤتمر القمة بقرارات حاسمة. . وعلى رأسها قرار لا يقبل التأخير.. استنكار وشجب العدوان الذئبي ، والاستعداد لاستقبال دجاجات الخم المنتصر في ضيافة ديوك الخممة .. ويستحسن ان يكن من الجيل الجديد لضمان جودة الانتاج الدجاجي ، وبذلك يستفيد دجاج الخم ويكرس الديوك الأشقاء طاقات يومهم ونهارهم في انشاء جيل جديد يسير على الدرب البطولي الذي شقه الآباء والأجداد النافقين .
وكلف الديك بصياغة نشيد قومي يعبر عن المرحلة الجديدة من التضامن الدجاجي، والتآخي الديكي !!

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

القصة الخامسة : الديك الفصيح لم يعد يصيح

بدأ الديك الذي صار اسمه مرادفاً للفصاحة الخطابية وللفلسفة ولنظم الشعر ، يشعر بثقل الالتزام بمسؤوليته ، وكثيراً ما خضع للنوم القاهر ، رغم سطوع الشمس واحمرار قرصها، فتوقفت الساعات وتجمدت الدقائق وكادت تقع مصيبة للبشر، بأن يكون يوماً "مفركشاً" لأن الديك لم يَصْدَح صوته استقبالا للفجر الجديد.
ولكن تاريخ الديك المجيد في رئاسة مجلس الدجاج البلدي، حرك همم الرفاق الديوك من الحارة القريبة، وحتى من حارات بعيدة، لم يعرفوا الديك شخصياً، إنما وصلتهم أخباره وفصاحته الخطابية ، فبدأوا يتقاطرون أفرادا وجماعات لِشَدَّ أزره ولتخفيف مسؤولياته داخل الخم حتى لا يحدث المكروه، فينقص إنتاج البيض ويجوع أولاد صاحب الخم، وعندها ، حتى لو تدخلت الأمم المتحدة، لن تحل المشكلة. وقد يواجه الديك الفصيح، خطر الذبح حسب الشرع، إذا انفضح عجزه وصار عالة على الخم. كانت المشكلة في إيجاد من يحل محله في رئاسة المجلس البلدي ألدجاجي، بحيث يرتاح الديك من التزامات المسؤولية وأثقالها ، ويقوم بالمهمة ديك نشيط، تحت اسم وإشراف الديك الفصيح، الذي يبقى متمدداً بين الصحو والنوم . ولا يظهر إلا ساعات الشدة، مثل المنقذين العظام في التاريخ البشري.
زيارة الديوك ساعدت، وعززت مكانة الديك الفصيح، فألقى قصيدة بنت ساعتها مرحبا بالزوار الديوك، الذين هبوا لمناصرته في محنته الصعبة، وأثبتوا أن الديوك لبعضها وقت الشدة ، حتى الخلافات والمشاكسات أجلت من أجل المصلحة القومية والشخصية ، وألقيت الخطب والتصريحات ، وتكاتف الديوك في دبكة وطنية أمام الجماهير التي تصفق مغلوبة على أمرها ، خوفا من عيون المراقبين وعقاب المتخلفين عن إظهار السعادة والرضاء والشكر للديوك والرب الخالق على هباته الكريمة .. وهكذا استقر الوضع واستتب النظام !!
الديك الشاب يعمل ولا يقصر، والبيض يتزايد...وصاحب الخم على آخر انبساط، فصحن البيض المقلي بزيت الزيتون صباح كل يوم..هو الوجبة المفضلة لديه ولدى أبنائه الصبيان. أما بناته، فعقلهن افتل مثل أمهن، لا يتنازلن عن صحن الزعتر واللبنة المكدرة بزيت الزيتون.
لم يحدث خلل في إدارة الخم، ولم يؤثر قضاء الديك الفصيح ليله ونهاره ممددا مرهقا أو دائخا ، وحتى لو تكاسل عن مهمته الاسمية ، بإعلان ظهور فجر يوم جديد، فالديك الشاب متنبه لكل التفاصيل ، ويقوم بالمهمة مقلداً صوت الديك الفصيح وحركاته، حتى لا يميز احد من الجيران أو من ديوك الجيران، أن الصوت ليس صوت الديك الفصيح بل صوت الديك البديل الوارث الموعود لمسؤوليات الخم بعد عمر طويل .
الراحة جعلت الديك الفصيح يتنشط، خاصة وهو يرى الفراخ الجديدة بألوانها الزاهية، وتغنجها في مشيتها. وبدأ ديكنا الفصيح يشعر بالملل. فانشد مطلع قصيدة يتذكرها من أيام شبابه وإبداعاته الشعرية التي صارت حديث الخممة في الشرق والغرب:
- تطاول هذا الليل واسود جانبه
وارقني أن لا خليل ألاعبه.
دَبَّت الحماسة في الديك الفصيح لأن يبدأ باستعادة مجده الغابر ولو في السطو على الدجاجات المتغنجات. أعلن ذلك في اجتماع الخم البلدي. وكاد أن يقع الخلاف مع الديك الوريث الشاب، الذي شعر أن مكانته تتهدد وحقوقه تنتقص ولكن الفصيح أعلن أن المسألة اصغر من الرغبة في العودة إلى الصدارة بمفهومها العملي التطبيقي، فهو عاف هذا العمل. وكل ما يطلبه بعض الملذات التي لا يمكن للحياة أن تستمر بدونها، واستذكر أقوالا تراثية تقول "إن النكاح مثل الجهاد"!!
كان النقاش حاداً.. واستمر حتى ساعات الفجر، لدرجة ان الديك الشاب أطلق صوته، آمراً الشمس بالظهور، فلا خوف عليها. وهنا نظر الديك الفصيح حوله، وكتب بطاقة دفعها إلى الديك الشاب يطمئنه بها على مكانته. جاء فيها بيت شعر يقول:
- إن الإناث رياحين خُلِقنَ لنا
وكلنا يشتهى شم الرياحين.
واتبع بيت الشعر جملة تقول :
- فما الداعي لهذا القلق من نزوة في آخر العمر؟!
فقال الديك الشاب:
- هذه حلها عندي.
فانفرجت الأسارير، وذاب التوتر.
عرضوا على الديك الفصيح دجاجة يتسترون عليها في الخم لجمال ريشها، كي لا تصاب بالعين، وكي لا تقع سكين صاحب الخم الشره عليها شهوة للحمها. كانت يافعة، متناسقة الألوان. وكأن رساماً موهوباً رسمها بريشته السحرية... تمشي مشية غنج، تثير الشهوة. فسر الديك الفصيح بما عرضوا عليه. وشعر بان فتوَّته تعود إليه.
وهمست دجاجة فصيحة:
- إنها رشوة!!
ولكن الخوف لجم الألسن. ونفقت الدجاجة الفصيحة من مرض مجهول.
اختلى الديك الفصيح، الذي طعن في السن، مع دجاجته الفتيه، التي أسكرته بدون خمره.
حاول الليل بطوله حتى أرهقه التعب، فغط في شخيره. هذه الحالة تكررت خلال الشهر الأول، حتى بدأت الدجاجة تشكو همها وتنفر من ملازمته .
طلب الديك الفصيح فوراً عقد مجلس استشاري سري، يمنع حضوره إلا لزعماء الخممة ذوي التجربة.
انعقد المجلس بناء على الطلب الطارئ للديك الفصيح. وقف الديك متردداً، ثم قال:
- أعزائي، نحن في الهم إخوة، وما يفشل فيه احدنا يسجل ضدنا جميعاً. كما تعلمون تزوجت من دجاجة فتية ساحرة، نفسي بها ولكني لم انجح بإيصالها إلى قمة اللذة، فتكاثرت شكواها، وهذا الأمر يثقل على حياتي معها. وأخاف أن يثقل على ضميري ... فما العمل يا إخواني الديوك؟!
بعد مشاورة سريعة، قال رئيس الجلسة :
- عليك أيها الأخ العزيز، وبما انك طعنت في السن، وحتى لا يحدث المكروه، أن تجند ديكاً شاباً، تماما كما جندت واحدا لرئاسة الخم .. يقف فوقكما إثناء احتضانك لدجاجتك، ويحرك جناحيه، ليتحرك الهواء ويلطف الاحتضان. وعندها يحصل ما تتمناه".
وهذا ما كان. عاد إلى الخم، واختار احد الديوك الشباب، الكثيف ريش الجناحين. وفسر له مهمته، ووعده بان يجعله مستقبلاً من الوارثين له. وبذلك ارتفع عدد الموعودين بالزعامة إلى اثنين !!
تحمس الديك المجند، ووقف من المساء حتى صباح اليوم التالي وهو يحرك جناحيه فوق الديك الفصيح والدجاجة التي تنوَء بثقل الديك الفصيح وتبكي نصيبها الأسود!!
ولكن الحالة لم تتغير...
عاد الديك الفصيح شاكيا همه وباكيا حظه العاثر إلى المجلس الاستشاري، طالباً حلا مع دجاجته النضرة.
طالت المشاورة، وعندما انتهت قالوا له:
- لا تجزع لكل مشكلة حل. الآن يجب تغيير الأدوار. الديك الشاب الذي جندته ينام مع دجاجتك النضرة. وأنت تقف فوق رأسيهما ملوحاً بجناحيك، ولنرى ما يحدث؟!
بصعوبة ، ومغلوبا على أمره ، نفذ الديك الفصيح وصية المجلس الاستشاري. الديك الشاب اخذ الدجاجة النضرة بين أحضانه، والديك الفصيح وقف فوق رأسيهما يلوح بجناحيه ويحملق بعينيه رافضاً أن يصدق، ولكنه ملتزم بقرار المجلس الاستشاري.
كانت الدجاجة النضرة تتأوه بلذة، وتقرقر فرحة حتى سمعها الخم كله.
- يا للفضيحة . قال الديك الفصيح لنفسه .
واصل الديك الفصيح التلويح بجناحيه، كان يلوح متوتراً هائجاً تعباً. وعندما انتهى الديك الشاب من مهمته الرسمية واستلقى على يساره دائخا من اللذة ، والدجاجة النضرة استكانت بلا حركة محملقةً في السماء السابعة، نظر الديك الفصيح شذراً للديك الشاب وصرخ به:
- يا ابن القحبة، أنت لم تلوح بجناحيك بشكل صحيح، كان يجب أن تلوح مثلي هكذا.
وانطلق الديك الفصيح يلوح بجناحيه...وإذا بضحك الدجاجات يفجر الصمت في الخم.



القصة السادسة : الديك في عالم السياسة


صحيح انه من الصعب فهم مسار أفكار الديوك ، الملاحظ الذي لا يختلف عليه اثنان انها متيقظة الذهن ، سريعة البديهة ، حادة الرؤية ، وجاهزة دائما للدفاع عن نفسها بمنقارها الحاد ، لذا ليس بالصدفة انها تدير خممها ( جمع خم ) أفضل من أي جهاز حكومي لبني آدم . لدرجة ان البعض يروج ان أفلاطون العظيم تأثر بممكلة الدجاج لصياغة فكرته العبقرية عن جمهوريتة وتقسيمها الاجتماعي والطبقي بين حكام ، هم الديوك المتسلطون ، والحراس ، من الديوك الناشئة ، والشغيلة من عنصر الدجاجات .. كأفضل نظام لتأسيس جمهورية بلا قلاقل وتمردات وثورات وانقلابات وأحزاب سياسية ونقابات وبرلمانات ، يتبادل فيها النواب الديوك من جميع أصناف المخلوقات الحوار بالأيدي ، أو المناقير ... بدل اللسان ، وكل ما يمت بصلة من مؤسسات دولة فسادها مضمون في بداية طريقها.

في أحد الخممة ، عاش ديك صيغت حوله قصص وحكايات مثيرة بسبب تميزه وذكائه وسطوته على دجاجات خمه ، وتعاليه على ديوك سائر الخممة في محيط بلده .
كان صوته الأقوى فجرا والمميز بين الأصوات ، منذ تولى مهامه الخمية ، ولكنه لم يكن مجرد ظاهرة صوتية ، وقد توصل الديك بعد تفكير الى رؤية ثاقبة بأن ما يجري داخل الخممة أكثر قيمة من مجرد علاقة بين دجاج وديوك . والموضوع لا ينحصر بالمميزات البيولوجية بين الدجاج والديوك .انما الموضوع هو فن تسييس الدجاجات من ديوكها. والتاريخ ينقل أحداثا عن ثورات دجاجية ، أعملت فيها الدجاجات مناقيرها معطا ونقرا بديوكها حتى نفقت. لذا الموضوع ينحصر في فن السياسة .. وفن الممكن مع الدجاج .. أي كيف تسيس دجاجاتك ؟ تماما كما يجري في عالم البشر.. حيث ان الحكومة الناجحة ، ليست بسبب عدلها واهتمامها بحياة الناس ، انما بحسن تسييسها للناس ، وحتى لو عدت عليهم انفاسهم .. وأذاقتهم الويلات ...
لشدة ذكاء ديكنا أطلق عليه لقب "ديك الجن" تيمنا بشاعر قديم .. مما يميزه عن غيره من ديوك البلد . وكان ديك الجن يصر ان التسمية الخاصة أيضا سياسة ، وأن هذا التعبير ( تسييس وسياسة ) ليس وقفا بالأصل على ابناء البشر ، لأنه تعبير نشأ أصلا من تسييس الحمير والخيل ... والتسييس من أصل السياسة ، والمسيس ( بكسر الياء ) صار سياسيا. والمسيس ( بفتح الياء ) ظل على حاله من الخضوع . فصار تسييس البشر من الضرورات في المجتمعات الحديثة ، ليخضعوا لأولي الأمر الذين بيدهم الحل والربط ، كما أقر ذلك أفلاطون في جمهوريته أيضا . وهنا لا بد من اشارة الى أن تعابير " الحل والربط " التي هي من صفات السياسيين ، هو تعبير جاء من عالم الدواب ، عالم الخيول والحمير والبغال والبقر والجمال . كان أصحابها يسيسونها ويتحكمون بحلها وربطها ، ولو خبطت ولبطت ضد قيودها من الفجر وحتى المغيب ، قرار حلها وربطها ليس بيدها ، انما بيد مسيسها الذي صار في عصرنا الحديث سياسيا يسوس الناس.. ويحل ويربط على ذوقه ، تحت غطاء الكلمة السحرية " سياسة " .
سبحان الله .. كيف غاب عن ذهن الديوك ، في مؤتمرات قمتهم المتعددة ، ان السياسة هي حاجة ضرورية ليبقى الحل والربط في جمهوريات الديوك ملك أيمانهم .. بدون تدخل من أصحاب الخممة التابعين لمختلف الأحزاب ، والمختلفين دائما حول من دجاجته ألذ على الموائد ، ولماذا يفضل أصحاب الحل والربط في الحزب وجبة فاخرة من دجاجاته عن دجاجات جاره. ولكن الحقيقة انهم يرفعون من قيمة دجاجات الذي يفرد لهم المائدة ، أي ان كل أصحاب الخممة يحصل كل منهم على بدوره على تقييم يثلج الصدر للحوم دجاجاته. وهذا فتح جبهة نقاش وخلاف بين أصحاب الخممة . ويقول البعض ان هذا الخلاف حول وجبات الدجاج هو من ضمن سياسات الحل والربط التي يتحكم بها أصحاب المراتب العليا في الأحزاب ، مهما تعددت أشكالها وألوانها !!
الديك كان على قناعة انه لولا السياسة وتسييس التابعين ، لقامت الفوضى في عالم البشر أيضا . وأن السياسيين في عالم البشر استفادوا من خبرات ساسة الحمير والخيل والبغال والجمال والبقر واساليب تسييسها وترويضها لخدمة احتياجات أصحابها ورفع مكانتهم الاجتماعية والاقتصادية ، وفي بعض الحالات مكانتهم الثقافية أيضا ... وما شابه !!
كانت مشكلة الديك جهله بلغة البشر . ولو فهمها لفوجئ ان تعابير سياسة الدواب المذكورة ، هي نفسها تعابير رجال السياسة في بلدنا ، وربما في كل اللغات التي أوجدها الله لاستعمال البشر..
مثلا من بعض التعابير التي تستعمل بالسر أحيانا وبالعلن أحيانا أخرى ، سجلنا هذه الجمل : " هذا لا يسلك الا بالعصا ... فلان مربوط في خان الزعيم في الحزب ... هذا البغل لا ينفع لتمثيل الجماهير... مجموعة فلان لا تنفع لغير الحرث والركوب ... اللي عند الحمار دلاه .. فلان حصان ،ولكنه شديد الرفس يجب لجمه جيدا... التحالف بين البغل والحمار يجعل السياسة كارخانة.. اولئك لا ينفعون الا في النهيق والصهيل... قوته قوة بغل يحمل الزعيم لوحده دون تعب .. يريد منصبا ؟ اعلفوه بكمشة قمح ... خطاب منافسي مثل نهيق الحمير ... لا تخبط وتلبط بقدميك ، قراري نهائي... من أجل ان تتقدم عليك بصبر أبي صابر... وصوتوا لفلان الذي يعرف كيف يلجم الأعداء... نحن جمالك يا زعيم ودائما نسير وراءك ... "

كانت النتيجة التي توصل اليها الديك بعد تفكير وبحث مضن ، انه يجب ان يكون شديد الفخر بحسن بديهته ، وسرعة فهمه واستيعابه لأهمية السياسة في التعامل مع الدجاج أيضا ، وجعل التسييس ضمن خطط القيادات الديكية . وربما في التعامل مع أصحاب الخممة المسيسين مثل الدجاج في خدمه أوامر ونزوات زعيمهم . وبالتلخيص ما حدا أحسن من حدا . الدجاج يخضع للديوك ، وأصحاب الخم يخضعون لزعيم بشري مكانته في حزبه بمكانة الديك في خمه . وهكذا دواليك دجاج وديكة مهما اختلفت التسميات والأصناف ، حتى أعلى منصب في الدولة ... وبنفس الوقت كان الديك أشطر من أن يتورط بمواجهة مع صاحب خمه بسبب ان الربط والحل في الخم بيده. أي يتحكم بسياسة الخم بشكل عام . تاركا للديك تسييس الشؤون اليومية الطارئة ، والحفاظ على النظام الأفلاطوني ... وكان الديك يسمي صاحب الخم ب " البغل الغبي ".. ويضطر للترحيب به رافعا عقيرته .. ولكنه في داخله يضمر له العداوة لأن دينه يختلف عن دين الديوك .. وبطنه لا تعرف الشبع ، ولولا نجاعة الانتاج لصار جميع مواطني خمة وجبات على موائد البغل ، ولأقفل الخم أبوابه من وقت طويل!!
كان حضور البغل يثير الرعب في اوساط الدجاجات والديوك من فصيلة الحراس . . ويُشغل حتى الديك عن متابعة سياسة الخم .
الأمر الذي كان يقلق الديك هو لون ريشه ... الذي يميل أكثر للألوان الغامقة .وهي الوان تحتاج الى ضوء قوي لتنعكس في أعين البغل صاحب الخم المسيس من ديك حزبه .
كان الأمر الذي يرعب الديك ، ان يتوهم البغل ، صاحب الخم ، انه صار زعيما مثل مسيسه الحزبي، ويجرب الحل والربط بمواطني الخم ، فيخرب النظام السياسي الذي يديره الديك باتقان وموهبة فطرية تجعل حضوره بارزا في كل وقت . وأيقن طبقا للمعطيات الاساسية التي لمسها ، انه عليه مهمة عظيمة ، بتغيير لون ريشه بالوان زاهية أكثر ، تتوهج حتى في الضوء الخافت.. عندها سيبرز بمكانته ويشد الأبصار بجمال ريشه وترتفع قيمته في بورصة السياسة .وقد لاحظ ان بعض دجاجاته ، يتمتعن بريش يتلألأ في الضوء الخافت ، ولا يكف عن اللمعان حتى في الظلمة. كيف رزق الله اؤلئك الغبيات ، بهذا الريش المتوهج الذي يليق بمكانة الديوك فقط ؟ حقا ان طرق الرب غير مفهومة للديك . واستقر رأي الديك أن يجري عملية تجميل شاملة لنفسه ، ليصبح مقامه أعظم وأكثر لياقة في عالم السياسة والسياسيين المتحكمين بالحل والربط ، واتخاذ القرارات المصيرية بحق الحمير والخيل واالبغال والبشر ، وهو مصمم ان يجعل للديوك مكانا محترما في سلسلة رجال السياسة ، بحيث يضاف الدجاج الى الحمير والبغال والخيل والبشر ، المسيسين من رجال السياسة ، وسيكون ذلك انقلابا سياسيا تاريخيا ، عندما يصير الديك ضمن السياسيين المتحكمين بالصغيرة والكبيرة في هذا العالم .. يحل ويربط على ذوقه . ولم لا ..؟ .. وهو ديك لا تنقصه الفصاحة ولا البلاغة ، وربما لو جرى امتحان لغوي باشراف الداهية في اللغة العربية " أبو العلاء شمشم" لاحتل الديك المكان الأول في الاملاء سابقا حتى السياسيين الرجال الذين يسقطون في الاملاء لأنهم مجرد نهاقين لا يقرأون ولا يكتبون .
وعليه ، اعتمد الديك على الله وعلى ذكائه ، وقرر تنفيذ مشروع لتغيير ريشه ، باستبداله بريش براق يزين أجنحة دجاجاته ، ويليق بأن يكون لون ريشه ليبهر الجميع بما فيهم البغل صاحب الخم.
كانت خطته بسيطة ، وكان الديك يعرف ان البساطة هي العبقرية بذاتها ، وقد تجعله أبرز رجال السياسة والتسييس ، صراخا وعقلا وشكلا.
كانت خطته ان يقتلع كل ليلة بضع ريشات من احدى الدجاجات ، حين تكون دائخة في أحضانه ، فلا تشعر بالألم وهي في قمة لذتها ، ويبقى الموضوع مستورا .
كان تقديره ان الموضوع يحتاج الى شهر قمري كامل ، يجمع فيه الريشات ويستبدل ريشه ، ويظهر بشكله الجديد الزاهي الذي يخطف البصر والألباب ، محققا معجزة ديكية لم يذكر التاريخ السياسي او تاريخ التسييس ، او تاريخ الخممة أو أفلاطون في جمهوريته ... مثيلا لها .
وانتهت المهمة السرية على أكمل وجه .وفي فجر مشرق أصيبت الدجاجات بالذهول وهن يستمعن لصياح ديكهن بالوانه الزاهية الجديدة. ولولا معرفتهن لصوته لأنكرنه .. ولكن لصغر عقولهن ، أسوة بسائر الاناث ، جعلهن لا يفهمن كيف صار الديك زاهي الألوان بين ليلة وضحاها؟
هل يكون قد عاد زمن استجابة الرب لطلبات أولي الأمر من الساهرين على الدين والنظام ؟!
غير ان الرياح تجري بما لا تشتهي السفن .
في فجر اليوم التالي جاء البغل صاحب الخم لجمع البيض واختيار دجاجة لتحضير وجبة مدعو لها زعيم حزبه وحاشيته من المصفقين ذوي الأهمية في الحزب .
نظر البغل حوله وانقض على الديك زاهي الألوان ، وعبثا ذهب صياح الديك لينبه صاحب الخم انه ديك الجن نفسه سائس الخم .. كانت السكين الحادة أسرع .. وعندما تزعفل الديك بدمه تطاير ريشه الجديد الزاهي كاشفا ريشه القديم ، فخبط صاحب الخم على رأسه بأسى متأوها:
- آه يا ديكي العزيز ... سامحني .. لم أعرفك بهيئتك الجديدة !!




القصة السابعة :كيف صار الديك استا ؟!
يقولون في عالم البشر ، أن الحاجة أم الإختراع .في هذا القول لا اعجاز علمي ولا تجديد. انما السؤال الذي يتسلل الى ذهني من تجربتي في التعامل مع أصناف مختلفة من الديوك ،وبعضها ديوك بشرية ... ومنذ عهد بعيد ، هل وصل عالم الديوك الدجاجية، الى أفكار اعجازية كما هو الحال في عالم الديوك البشرية ؟ .. بحيث تختفي الحدود الفاصلة بين عالم الديوك الدجاجية وعالم الديوك البشرية ؟ وغني عن القول ان بعض الديوك من عالم الطيور ، لا تقبل مقارنتها مع بعض الديوك من عالم الإنسان ..
ففي قضايا النظام والتنظيم مثلا ، راقبوا الخممة (أي الأقنان - حتى لا أتهم بجهل اللغة من شاعر لا يعرف مفردات اللغة ) . هل يمكن اكتشاف تغيير جذري على نظامها اليومي ، أو الأسبوعي أو الشهري أو السنوي ، أو مدى العمر منذ ادخل الدجاج في نظام التدجين ؟
المجتمع الدجاجي مستقر ، كل يعرف دوره ومهمته ، بينما مجتمعات الانسان فوضى محيرة ، نظامها الاجتماعي متقلب ، لا أحد يعرف دوره الا بلغة الفرض والقانون ، اختلاف اللون لا يغير واقع النظام في الخممة ، واختلاف اللون يحدث مذابح في مجتمع البشر ، والويل اذا اختلفت العقائد والأفكار.. الديوك البشرية تريدنا في مسار فكري واحد ، ضمانا لراحتها وتربعها على قمة التحكم بالرقاب تحت صيغة القيادة . الخروج عن فكر الديك الكبير جريمة تقود الى المقصلة . والسبب ان الديوك البشرية ، أو بعضها .. لم تستوعب بعد ان المخ البشري اجتاز مرحلة من الرقي والتطور ، بحيث لم تعد الغريزة التي تتحكم بعالم الطيور تصلح للتحكم بعالم البشر ، ولكن من يقنع أصحاب الفخامة والجلالة من فصيلة الديوك البشرية ، وخاصة الشرقية منها ، بأن غيرها أيضا من البشر يملكون عقلا مفكرا وقادرا عى التمييز والاختيار ؟
ولكن لا بد من تساؤل هام : هل سبب استتاب النظام في الخممة ، هو العزل القسري السائد بين الخممة ؟ أو عقلية الديوك التي ترفض صوتا آخر غير صوتها ؟ وهل العزل يقف حاجزا أمام تطوير رؤية ديكية اجتماعية مختلفة لدى الطيور ؟ أوطرح رؤية مختلفة لأنظمة الخممة ؟ أو قيام حركات تصحيحية في عالم الخممة ؟ أو انقلابات على النظام المتسلط مثلا ؟
أسئلة هامة كثيرة تتبادر الى الذهن .. لدرجة أن بعضها يمكن ان يلائم عالم بعض البشر ، حيث الديوك هي كل شيء .. !
صحيح اني لا أكتب مقالا فكريا .. كما قد يتوهم بعض القراء الأفاضل ، انما شدتني الأفكار الى عالم الديوك الدجاجية لشدة مطابقتها للجتمعات التي لا تسمع الا لصوت ديكها.
هذه بعض الأفكار التي راودت ديكنا بعد ان أنجز مهمته الصياحية الصباحية ، محركا الكرة الأرضية بإتجاه الشمس ليبدأ يوم جديد!!
قال لنفسه : " الديوك عادة تعمل مع أكثر من عشرين دجاجة بالمعدل ، ويستحق الديك مقابل هذا الجهد ان يحرر في الطبيعة ، حين يصبح ثقيل الهمة ، وغير قادر على تثبيت نفسه فوق ظهر دجاجة."
وبعد تفكير أضاف : " ربما لتحريره في الطبيعة فوائد جمة تجنى ، بأن يكون سفيرا فوق العادة ، وداعية في مديح نظام الخممة وأصحابها ، والتستر على جشعهم ، مما قد يحول الخممة الى مطلب نفوس الكثير من الديوك البرية التي يشتهي لحمها الانسان ، فتكون الفائدة مضاعفة ، في اللحوم ، وفي ادخال جينات جديدة وتحسين النوع الدجاجي وانعكاس ذلك على نوعية البيض وحجمه وطعمه وكميته ، ورفع القيمة الغذائية للحم الدجاج ، وارتفاع اسهم الدجاج في بورصة اللحوم ".
المهم ان يقتنع أصحاب الخممة بأن تحرير الديوك الى الطبيعة ، بعد استنفاذ قواها ، سيكون تفكيرا سياسيا ابداعيا ضمن رؤية مستقبلية سليمة ، وقد يطرح الموضوع للتصويت في الهيئة التشريعية ، ضمانا للتنفيذ ، وعدم ابقاء الموضوع ضمن الأخلاقيات المتقلبة لأصحاب الخممة .
هذا سيرفع من معنويات الديوك . يزيد ثقتها بنفسها . ينزل عنها حلم السكين المرعب .ولا يرتجف قلب الديوك كلما فتح باب الخم لاختيار وجبة لشخصية مرموقة ، حيث لحم الديوك أوجب للتقديم على مائدة صاحب الخم ، للزعيم الضيف !!
التحرير في الطبيعة اقتراح عبقري . كان الديك الفصيح راضيا عن أفكاره . مثلا تستطيع الديوك المحررة ان تغري ديك النيص بهجر مغارته واللجوء الى خم دجاج . واغراء ديوك البط البري .. وديوك الحبش البري ... وتخيلوا هذه الحركة المباركة ، تتقدم الديوك للإنضمام للخممة ، وتجر وراءها قوافل من الأناث قليلات العقل ، اللواتي سيصير لحمهن فخر الموائد ، وبيضهن وجبة افطار دسمة .. وتكثر دعوات الطعام مما يسهل تقدم أصحاب الخممة والمقربين اليهم في المناصب البلدية والحزبية ووظائف الدولة ، وربما يصبح أحدهم ، مع انه حمار .. رئيسا لتحرير صحيفة أوحاملا لعصا الزعيم ، والمسألة هنا لا تتعلق بالعقل والذكاء والقدرات ، انما بموهبة معرفة رغبات الزعيم أو القابض على كيس المال ، والنقاط الحساسة في جسد الأعداء والمنافسين.
"الفائدة هنا عظيمة " ، قال الديك الفصيح لنفسه. وأضاف : " أهم ما فيها ان الديوك تصبح معفية من التعرض للذبح والمعط والطبخ والألتهام ".
بعض الدجاجات كن يتهامسن ان الديك الفصيح منذ بان عجزه ، ازدادت فلسفته وثرثرته . وواحدة تجرأت وقالت بعدم اكتراث انه : " يغطي على قصوره بطول لسانه " وأخرى قالت : " وضع مكانه ديك شاب يحرث ويدرس لبطرس ... يقوم بكل أشغاله وتسجل باسم الديك الفصيح ". وقالت واحدة تبدو من اللعوبات : " ديوك الجيران تتطاول على دجاجاته ، ويظن صاحب الخم ان الديك بألف خير .. ما شاء الله ".
ورغم قصورات الديك الفصيح ، الا انه لا يفوت مؤتمر قمة ، يعقد كلما طرأ طارئ على ديوك الحارة ، ويشارك في المنافسة على رئاسة مجلس الديوك ، ودائما يتلقى الدعم من ديوك حلفاء ،يأتون جماعات جماعات لمبايعته والتقاط الصور بقربه حتى لا تبقى زلاتهم السابقة عالقة بهم مدى الحياة. رغم انه معروف للجميع ، بان الديك الفصيح سينتدب من يحل محله في رئاسة مجلس الديوك أيضا . وعقبت دجاجة وقحة انها تتوقع ان: " ينافس الديك الفصيح على منصب سكرتير عام الأمم المتحدة واذا فاز به يعين من يدير بإسمه شؤون ديوك العالم البشرية .. وليس شؤون الديوك الدجاجية فقط " !!
تلك الدجاجة الوقحة كسّرت ساقها بحادثة عمل فسارع صاحب الخم الى ذبحها قبل ان تنفق .
كان الديك ، الى جانب ما يشغل وقته القليل ، اذا أخذنا بالحساب ساعات اليقظة ، هو اقرار مسودة قرار تؤكد مكانته ، وبذهنه أن هذه المكانة لا تقل عن مكانة أي صاحب فخامة أو جلالة. بصراحة ليس أقل من صفة ملك . وهذا يمنع ان يتعالى علية القواريط أو يعترضون على رغباته التي بدونها : " هو لن يكون هو نفسه ". وبالتالي يا ويل الجماهير التي تقاقي ، عندها لن تنفعها حتى مقاقاتها . كان ، مثل كل ُمتوج ، يريد الطاعة والإخلاص لتعاليمه . كانت الديوك الشابة فخورة بديكها
الفصيح وتسحج وهي تصفق بجناحيها مولدة تيارات هوائية منعشة للديك الفصيح انه علمها :" ان الديوك لا تبيض .. وأن البيض هو واجب وطني للدجاج لمنع انتشار الجوع ".

في عصر أحد الأيام ، وعلى غير العادة ... حدثت حركة حول مهجع الديك ، في ساعات كان من المفروض ان يقضيها نائما . "استيقظ الديك " انطلق صوت بعض الدجاجات .. منبها الى ضرورة الاستعداد لاستقبال الديك بما يليق بمكانته . ولكن الديك جلس مثقلا من الإرهاق في مكانه ، رغم ان "تعبه من كثرة الراحة " كما همست دجاجة ملثمة حتى لا يصير فيها ما صار بغيرها من حوادث عمل أو نفوق لأسباب مجهولة . وبسرعة وقف الى جانبه المفوض بادارة الخم باسمه .
أجال الديك الفصيح ببصره في وجوه الدجاجات والديوك الصغار حوله وسألهم بدون مقدمات :
- هل تعرفون من هو الملك الحقيقي في الخم ؟
- انت هو الملك .. انت يا ديك الديوك ..
كان الرد جماعيا وبصوت واحد. ولكنه لم يهتز، ولم يتأثر . فهو يعرف مكانته .قال لهم مستاء:
- السؤال ليس شخصيا يا غبيات متغنجات ...
- اذن ما القصد يا رئيسنا؟
تنحنح . أمسكته قحة قوية ، كادت تكتم أنفاسه .. الدجاجات انتظرن بفارغ الصبر خروج روحه والتخلص من هذا الموقف الحرج أمامه وأمام أسئلته الغريبة. . ولكنه أخذ نفسا طويلا وواصل:
- قصدي من هو الملك في أجسادنا يا شاطرات ؟
قلن بتردد وببعض الحياء :
- الملك هو ما يملكه الديوك ونفتقده نحن الدجاجات؟
ضحك بسعادة مما خفف وطأة التوتر وعلت الابتسامات الفرحة على وجوه الدجاجات .
- ايضا تملكن ما نشتهيه نحن الديوك ولا تطيب لنا الحياة بدونه ؟
- اذن تساوينا !!
سارعت الى القول دجاجة نضرة .
- ُطب القنينة على ُتمها بتطلع الدجاجة لأمها ... يعني غبية بنت غبية .
فاصيبت المسكينة بالصدمة والرعب على مصيرها.. والندم لتسرعها بالإفصاح عما فهمته . وشعر الدجاج انه أمام معضلة صعبة ، قد تكلف المتفوهين أو المتفوهات بما لا يتلاءم مع فكر الديك الرئيس ثمنا رهيبا . حتى منفذ أعمال الرئيس آثر الصمت ورسم ابتسامة مدعي الفهم على شفتيه ، و"هو مش فاهم أيضا " همست دجاجة لصاحبتها .
- يا سيداتي اللواتي لا تنفعن الا للركوب والبيض ، في جسم كل منا ، ذكور واناث لا فرق ، ملك لا يمكن معارضته .
- وهل يوجد ملك غير سعادتك ؟
وانطلق صوت منفذ أعمال الرئيس على غير عادته :
- أبدا .. أبدا .. أبدا
- أصمت .. انت أيضا لا تفهم شيئا !!هل تريد ان أصنفك مع قليلات العقل ؟!
وساد صمت ثقيل. كسرته دجاجة بخوف وتردد:
- اذن يا رئيسنا هل يوجد في جسمي ملك ؟!
ضحك الديك الفصيح وقح :
- بالطبع هناك ملك .. ولدى كل دجاجة وديك ملك ولدى صاحب الخم ملك ولدى زعيم الحزب ملك .. وحتى لو كانت دجاجة مشوهة لديها ملك ...
- كيف يجوز ذلك .. لم نسمع ان في الدجاجات ملوكا ؟
- سأشرح الموضوع ... لكل دجاجة أو ديك أو بشر .. رأس فيه عقل .. وفيه عينان وفيه فم وأنف وكلها حيوية لكل واحد منا .. ولكل منا قلب ينبض ، ورئات تضخ الهواء ومعدة تهضم واست تفرغ ...فمن هو الملك من بين الأعضاء التي ذكرتها؟
وتعالت الاجابات بحماس :
- الرأس هو الملك
- العقل هو الملك
- القلب هو الملك
- العينان هما الملك
- المعدة هي الملك
- الرئتين هما الملك
ورفع الديك الفصيح يده باشارة أعادت الصمت . وأعطى لكل مجموعة ان تفسر لماذا تعتقد ان الطرف الذي اختارته هو الملك .. والديك الفصيح يستمع بصمت ويبتسم من غباء دجاجاته . اشاربيده فصمتن.وقال بهدوء :
- الإست هي الملك !!
وارتفعت الضحكات وصرخات الإحتجاج
- الإست ؟!
- أجل الإست هو الملك !!
- انه أقذر عضو فينا يا رئيسنا ؟
- ومع ذلك هو الملك .
تجرأت دجاجة وهتفت :
- كيف يمكن أن نقبل بذلك .. نرفض ان نعترف بالإست ملكا.
- لنفرض انه الآن وقت الطعام .. عقلكم يستوعب ان أجسامكم تحتاج للطعام ولا يعترض . قلبكم لا دخل له .. ينبض بالحياة .. ورغم قيمته العليا في الجسم الدجاجي أو البشري ، الا انه ليس الملك . والمعدة تتلقى ما تلتهمون .. وتهضمه .. تأخذ ما يفيد أجسامكم .. وماذا بعد ؟!
- الإست تخرج الفضلات !!
- لنفرض أن الاست أضربت ولن تخرج الفضلات ...
- لايمكن .. سننفجر ..
- اذن الاست لن تخرج الفضلات حتى تحصل على اعترافكم انها الملك ...؟
- ...
- لماذا سيطر الصمت عليكن يا ثرثارات ؟
- الإست ؟!.. هذا أمر غير معقول.
- هل باستطاعتكن الصوم لكل الحياة .. لا يمكن .. ستأكلون ، ولكن الإست أغلقت بابها بالمفتاح ولن تخرج حتى حبة رمل .. الا بعد ان تعترفوا انها الملك ... ما العمل ؟
أجابوا بأصوات مهمومة ومتألمة :
- سنعترف صاغرين انها الملك ..
- اذن الإست هي الملك .. وانا است هذا الخم .. هل تفهمون معنى كلامي؟
وانطلقت الدبكة باشارة من منفذ أعمال الرئيس:
- عاش الإست .. عاش الملك !!



نبيل عودة – كاتب وناقد واعلامي فلسطيني – الناصرة
[email protected]



#نبيل_عودة (هاشتاغ)       Nabeel_Oudeh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أذواق سيئة وأذواق جيدة
- الكتورة وفاء سلطان تحاور الكاتب نبيل عودة
- سهرة من العمر مع فن محمد عبد الوهاب الخالد
- الجسر
- المعارضة من الداخل ...لعبة سياسية قديمة لحكومات اسرائيل !
- امسية نوسطالجيا (حنين) مع موسيقار الاجيال محمد عبد الوهاب في ...
- العودة الى عالم العقل !
- قصة : خطايا البلدية
- رؤية واقعية...؟
- حسام يبحث عن الحب
- المقامرة الباسكالية
- السيدة المحترمة نجوى
- فرقة الموسيقى العربية لا تتنازل عن طابعها الطربي ، والموسيقى ...
- حتى يهديهما الله ...
- انجاح الإضراب هام ، وفشله سينعكس سلبا على مستقبل نضالنا
- باقون في الفلسفة...!! ( قصة )
- رجل الأعمال الصالحة ..؟!(قصة)
- قصة : الحكمة ...
- الخبر السيء ( قصة )
- أمباتيا


المزيد.....




- في شهر الاحتفاء بثقافة الضاد.. الكتاب العربي يزهر في كندا
- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نبيل عودة - نبيل عودة يروي قصص الديوك