أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - إبراهيم جركس - الإسلام والإرهاب الفكري... ابن الوراق















المزيد.....

الإسلام والإرهاب الفكري... ابن الوراق


إبراهيم جركس

الحوار المتمدن-العدد: 2874 - 2009 / 12 / 31 - 09:05
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


العمامات التي تمّ فرضها على العقل تنكر ولا تسمح بقيام أي اشتباك فكري أو نقدي مع الإسلام.

عرّف ألدوس هكسلي في إحدى المرات الشخص المفكّر بأنه هو الذي وجد شيئاً ما في الحياة أهم بكثير من الجنس: تعريف فكاهي وظريف لكنه غير كافٍ، بما أنّه سيجعل جميع الرجال العنينين والنساء الفاترات مفكّرين. التعريف الأنسب سيكون بأنه المفكّر الحر، ليس بمعنى ضيّق أو ذاك الشخص الذي لن يتقبّل دوغما الديانة السائدة، بل هو من منظور أوسع الشخص الذي يمتلك إرادة المعرفة والاستكشاف والتقصي، الذي تظهر عنده معالم الشك العقلي حول الأزياء الثقافية السائدة، والذي لا يخاف تطبيق مناهج الفكر النقدي على أي موضوع. فإذا كان المفكّر ملتزماً بحق ومخلصاً لفكرة الحقيقة والبحث الحر، عندها لا يمكنه أو لا يمكنها أن يوقف العقل المتسائل على أعتاب أي دين من الأديان، وليس الإسلام فقط. ورغم ذلك، هذا بالضبط ما حدث في الإسلام، فتوجيه النقد في مناخنا الفكري الحالي هو من التابوهات المحرّمة.
وهناك الكثير من الأسباب المختلفة في استمرار الكثيرين من المثقفين والمفكّرين بالتعامل مع الإسلام على أنه من المحرّمات، ومن ضمنها:
1) الإصلاح السياسي يقود إلى إصلاح إسلامي.
2) الخوف على الأقليات المسلمة في الغرب من الضرر على أيدي العنصريين والرجعيين.
3) دوافع اقتصادية أو تجارية.
4) مشاعر الذنب التي تنتاب مفكري ما بعد الاستعمار (حيث أنّ جميع مشاكل الكوكب تنسب إلى نوايا الغرب الشريرة).
5) بسبب الخوف الطبيعي، حيث أن الخوف والقلق من الطبيعة الإنسانية.
6) والإرهاب الفكري للكتاب. مثل إدوارد سعيد أنموذجاً.

ارتكب إدوارد سعيد خطاً جسيماً وهو أنه علّم جيلاً كاملاً من الشباب العرب فنّ الشفقة على النفس ورثاء الذات (لولا هؤلاء الصهاينة، والإمبرياليين والمستعمرين، لو أنهم تركونا وشأننا، لكنّا الآن عظماء، ولما كنّا مهانين، أو متخلفين) لكنّه أفزع المفكّرين الأكاديميين الغربيين الضعفاء، وحتى الذين يميلون نحو اليسار، بأنّ أي نقد للإسلام سيواجه على أنه استشراق Orientalism، وبذلك فهو عاجز.
ولكن واجب المفكّرين الرئيسي هو قول الحقيقة وإعلانها أمام الملأ. إلا أنّ الحقيقة ليست هي الموضة الشائعة في عصر ما بعد الحداثة، عندما انتقلت العدوى إلى المفكّرين القارّيّين الأنغلوـ أمريكيين النصّابين بفكرة أنّ المعرفة الموضوعية ليست فقط غير مرغوبة، بل لا يمكن تحصيلها. أعتقد أنّه هجر فكرة الحقيقة لا يؤدي ذلك إلى الفاشية السياسية فحسب، بل يمنع ويقضي على أي نوع من أنواع التساؤل والتقصّي الفكري. كما أنّ التخلّي عن فكرة الحقيقة يعني أننا نبتعد عن الهدف الأساسي من عملية اكتساب المعرفة. لكنّ "الإنسان" _كما وصفه أرسطو، ميال بطبيعته إلى أن يعرف.
الحقيقة، العلم، التساؤل الفكري، والتفكير العقلاني جميعها مترابطة مع بعضها البعض بشكلٍ معقد. أمّا بالنسبة للنسبية Relativism ووليدتها غير الشرعية، تعدّدية الثقافات Multiculturalism، لا تؤيّد عملية التقصّي النقدي للإسلام.
وضع سعيد كتاباً حوارياً "الاستشراق" (1978) وكان له تأثير خبيث وسام ما زال يلبّد حتى الآن كل أقسام الدراسات الإسلامية، حيث أنّ أي نقاش نقدي يتناول الإسلام يمكن الحكم عليه مسبقاً.
يرى سعيد أنّ المستشرقين مشتركون في مؤامرة شريرة لتشويه سمعة الإسلام، لإبقاء أتباعه في حالة من الخضوع التام، وهم بمثابة تهديد لمستقبل الإسلام. هؤلاء المستشرقين يسعون وراء معرفة الشرقيين لكي يسيطروا عليهم، وأغلبهم يعملون لصالح الإمبريالية.
المشكلة أنّ المفكّرين الغربيين قد امتصّوا أطروحة سعيد بكاملها، بما أنها تنسجم تماماً مع الكره العميق للغرب الكامن في دواخلهم. وتظهر هذه النزعة بشكل متكرّر في كتابات سعيد، كما جاء في تعليقه في مجلة Guardian بعد أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر. التهرّب والمراوغة الأخلاقية المدروسة، والقسوة الخبيئة والسيئة في مقالة سعيد، ورفضه إدانة تلك الهجمات الإرهابية على أمريكا وإظهار أي نوع من التعاطف مع الضحايا الأمريكان، ترك طعماً سيئاً في فم أي شخص لم تتصلّب أحاسيسه بعد جرّاء التصويب السياسي والإسلامي. وبالرغم من كافة الأدلة، ما زال سعيد [كتبت هذه المقالة أثناء فترة حياة إدوارد سعيد] يجادل أنّ السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط وفي كل مكان آخر هي السبب الرئيسي لتلك الهجمات على أمريكا.
في الوقت الحالي، البروفيسور والعالم جوزيف فان إس، والذي تعدّ أعماله جوهرية ومحورية في دراسة علم اللاهوت الإسلامي، توقف عن أبحاثه خوفاً من معارضة وإرهاب الإسلام السني. غانتر لولينغ تمّ طرده من مهنته في جميع الجامعات الألمانية لأنه قدّم أطروحة جذرية خطيرة تنصّ بأنّ ثلث القرآن كان موجوداً أصلاً قبل ظهوره الإسلامي: تراتيل مسيحية، لذلك فهو ليس له أية علاقة مع بمحمد.
يقول أحد العرب الألمان أنّ الأكاديميين الآن يرتدون "عمامات على عقولهم"، ويقدّمون "دراسات إسلامية" أكثر من كونهم يقدّمون "دراسات عن الإسلام". في الوقت الذي باتت فيه الدراسات النقدية الإنجيلية جداً متقدّمة منذ القرن السادس عشر عندما شرح سبينوزا أنّ أسفار موسى الخمسة لا يمكن أن تكون مكتوبة على يد موسى نفسه، أمّا القرآن فهو مجهول عملياً كوثيقة إنسانية قابلة للتحليل باستخدام أدوات وتقنيات النقد التوراتي.
الحاجة الماسة للنقد القرآني الموضوعي
يدلّ إصلاح الإسلام على التعديلات والتكييفات التي طرأت على ما هو بالأساس تركيب أو بنية لاهوتية، وهو _إن تمّ تطبيق الإصلاحات_ سيؤدي إلى الشيء اللاهوتي نفسه الذي حكم المجتمع. ما نحن بحاجةٍ إليه فعلاً هو حركة استنارة شاملة في العالم الإسلامي، في الأوساط الإسلامية والفكر والإسلامي. حيث أنّ التنوير يظهر الخطوة الأكثر إثارة نحو علمنة وعقلنة التاريخ الأوروبي، وكان له التأثير نفسه على كافة أرجاء العالم.
كانت عملية النهضة والإصلاح ناقصة وغير مكتملة. وبالمقابل، يكتب جوناثان إسرائيل في كتابه: التنوير الراديكالي "التنوير الأوروبي والعالمي لم يقدم فقط على مهاجمة وقطع جذور الثقافة الأوروبية التقليدية في المقدّسات والسحر والملكية والهرمية، معلمناً جميع المؤسسات والأفكار، بل _ثقافياً وعملياً إلى حدٍ ما_ دمّر بشكلٍ فعّال شرعية النظام الملكي، والأرستقراطية، خضوع المرأة للرجل، السلطة الإكليروسية، والعبودية، ووضع بدلاً عنها مبادئ العالمية، المساواة، والديمقراطية".
يقول إسرائيل أيضاً: "في الواقع كان سبيوزا ومذهبه العمود الفقري الفكري للتنوير الأوروبي الراديكالي في كلّ مكان، وليس فقط في هولندا، ألمانيا، فرنسا، إيطاليا، واسكندنافيا، بل أيضاً في بريطانيا وإيرلندا". والعمل الذي كان له الدور الرئيس أكثر من غيره في جلب هذه الثورة العميقة في التاريخ الإنساني كان "رسالة سبينوزا في اللاهوت والسياسة Tractatus Theologico-politicus" التي تمّ نشرها بشكل سرّي في بداية الأمر، ولكن بفضل شجاعة ناشر ألماني يدعى جان ريفيرتز [1616- 1687] في مدينة أمستردام عام 1670. فقد كان الإنجيل بالنسبة لسبينوزا عملاً إنسانياً بحتاً ونص دنيوي، فعلم اللاهوت ليس مصدراً مستقلاً للحقيقة.
النقد القرآني من ناحية أخرى، تلكّأ جداً حتى صار متخلّفاً. ولكن بالطبع إن المسلمين وغير المسلمين لهم الحق لفحص المصادر بطريقة نقدية، والتدقيق في التاريخ، وعقيدة الإسلام. فحق النقد هو الحق الذي يستعمله المسلمون أثناء شجبهم المتكرّر للثقافة الغربية، حتى أنها تتخذ طابعاً عنصرياً، استعمارياً، أو إمبريالياً، وبأنه تمّ توجيهه ضد الإسلام بتحريض من الأوروبيين. فبدون النقد سيظلّ الإسلام محمياً وحصيناً داخل قلعته القروسطية الدوغمائية المتعصّبة: غير متسامح، استبدادي، ومعظّم. وسيواصل بخنق الفكر الحر، وحقوق الإنسان، الفردية، الأصالة، والحقيقة. أمّا بالنسبة للمفكّرين الغربيين والباحثين الإسلاميين فقد فشلوا فشلاً ذريعاً في واجباتهم كمفكّرين. لقد خانوا ندائهم من خلال تخليهم عن مقدراتهم النقدوية فيما يتعلق بالإسلام.
ختاماً، يجب على المفكّرين الغربيين الدفاع بشراسة عن حقنا في فحص الإسلام وتسليط الضوء عليه، لتفسير عملية ظهوره وسقوطه من خلال الآليات الطبيعية للتاريخ البشري، ووفق المقاييس الموضوعية لعلم المنهج التاريخي. تقوم الديمقراطية بشكل أساسي على الحرية الفكرية والنقاش الحر. إنها انحراف لأجهزة الإعلام الغربية لرثاء قلّة الإصلاحات الإسلامية والتجاهل المتعمّد والعنيد للكثير من الأعمال ككتاب أنور شيخ الإسلام: "الإمبريالية العربية". أو "لماذا لستُ مسلماً، ابن الورّاق". كيف يعتقدون أن الإصلاح سيأتي إذا لم يكن عن طريق النقد البنّاء؟ فإذا أخمدنا النقاش والتساؤل العقلاني للإسلام، ستكون النتيجة ظهور ذلك الشيء الذي تحاول الحكومات تفاديه قدر المستطاع: التحزّبات العنصرية والفتاكة القائمة على البغضاء والكره. وإذا كان هناك المزيد من الأعمال الإرهابية عندها ستكون الزينوفوبيا [أو الخوف الشديد من الآخر أو المغاير] غير المبرّرة هي الوسيلة الوحيدة المتوفرة للتعبير عمّا يجول في النفوس. نحن أيضاً لا نستطيع السماح للمسلمين شخصياً أن يقرّروا الذي الشرائع التي "تحرّض على الكراهية الدينية"، بما أنّ أي عملية نقد شرعي للإسلام بعد ذلك سيتم كبحها ككراهية دينية. فقط في النظام الديمقراطي حيث حرية التساؤل تصون عملية التقدّم العلمي. أمّا القوانين المحمولة بعجالة فهي تخاطر بخنق الخيط الذهبي للعقلانية التي تسود الحضارة الغربية.

في 31 كانون الأول 2009
وكل يوم وأنتم بألف خير




#إبراهيم_جركس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحور العين، وما أدراك ما الحور العين؟!... ابن الورّاق
- العار في الإسلام: نزع حجاب الدموع... ابن الوراق
- تهافت المقال: مقالة محمد علي السلمي أنموذجاً
- الحوار المتمدن... إلى أين؟
- منكر ونكير: ملكان أم شيطانان ساديان؟!!
- هل علم النفس -علم-؟
- الدر المعين في معرفة أحوال الشياطين!!!؟
- نظرية النشوء والتطور (الحلقة الرابعة)
- نظرية النشوء والتطور (الحلقة الثالثة)
- نظرية النشوء والتطور (الحلقة الثانية)
- هذا هو ردي
- ما العدمية؟
- دكتور عالم أم شيخ مفتي؟!!
- نظرية النشوء والتطور (الحلقة الأولى)
- أوديب: بطل على مفترق طرق
- الشواش: العلم الجديد
- سيكولوجية الخضوع 2
- سيكولوجية الخضوع والطاعة (1/2)


المزيد.....




- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن استهداف قاعدة -عوفدا- الجو ...
- معرض روسي مصري في دار الإفتاء المصرية
- -مستمرون في عملياتنا-.. -المقاومة الإسلامية في العراق- تعلن ...
- تونس: إلغاء الاحتفال السنوي لليهود في جربة بسبب الحرب في غزة ...
- اليهود الإيرانيون في إسرائيل.. مشاعر مختلطة وسط التوتر
- تونس تلغي الاحتفال السنوي لليهود لهذا العام
- تونس: إلغاء الاحتفالات اليهودية بجزيرة جربة بسبب الحرب على غ ...
- المسلمون.. الغائب الأكبر في الانتخابات الهندية
- نزل قناة mbc3 الجديدة 2024 على النايل سات وعرب سات واستمتع ب ...
- “محتوى إسلامي هادف لأطفالك” إليكم تردد قنوات الأطفال الإسلام ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - إبراهيم جركس - الإسلام والإرهاب الفكري... ابن الوراق