أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طارق قديس - فيلسوف في المنفى














المزيد.....

فيلسوف في المنفى


طارق قديس

الحوار المتمدن-العدد: 2873 - 2009 / 12 / 30 - 09:14
المحور: الادب والفن
    


نظر إلى ساعته ، كانت تشير إلى الثانية عشرة ليلاً إلا خمس عشرة دقيقة، تنهد بعمق ، ونفث بقوة ما تجمع في صدره من هواء فاسد إلى الخارج ، والكآبة تُخَيِّمُ على وجهه.

قال في نفسه : يا الله ! لقد بقيت ربع ساعة فقط على السنة الجديدة.

تذكر للحظة أنه في الغربة بعيداً عن أهله . تذكر كيف أخذته لقمة العيش بعيداً عنهم ، وبعيداً عن خطيبته السابقة . تذكر لقاءه الأخير معها عندما رسم على ظاهر يدها قبلةٌ دافئة ، فيما هي تَهُمُّ لخلع الخاتم من إصبعها ، كي تدفنه في باطن كفه إلى غير رجعه.

تذكر ، وتذكر ، لكنه سرعان ما عاد إلى حيث هو.

نظر إلى صديقه ، رآه سعيداً وهو يقلب بالروموت كونترول القنوات الفضائية بحثاً عن أغنية هابطة ، فيديو كليب راقص ، قبلة طائشة في مشهدٍ عاطفي مبتذل ، وذلك دون كلل أو ملل ، فيما يده الأخرى تلقم إلى فمه رقائق الشيبس من على الطاولة واحدة تلو الأخرى.

تناول الريموت كونترول من يده ، أدار على نشرة الأخبار ، لم يكن فيها سوى الأخبار الآتية من الشرق الأوسط : قتلى في العراق ، جرحى في فلسطين ، اعتصام في لبنان ، موجة من الصقيع تجتاح الأردن ، مذابح جديدة في جنوب السودان ، اجتماع طارئ لأمانة جامعة الدول العربية ....!

عاد ونظر إلى ساعته ، أشارت العقارب إلى الساعة الثانية عشرة إلا خمس دقائق ، فاستأذن من صديقه لدخول الحمام.

نبهه صديقه إلى الدقائق الخمس ، إنها ليلة رأس السنة ، لكنه طَمْأَنَهُ بأنه سيخرج في الوقت المحدد!

دخل الحمام ، مرت الدقائق الخمس ، بدأت الاحتفالات في الخارج تتوالى ، وأصوات المفرقعات تعلو ، وإضاءات الألعاب النارية تنتشر على امتداد السماء ، لكنه لم يخرج .

دخل العام الجديد إلى حيز الوجود ، لكنه لم يخرج ، بدأ القلق يتسرب إلى صدر صديقه ، مرت خمس دقائق أخرى ، وإذ به يخرج بعدها من الحمام سليماً معافى.

عاتبه صديقه على تأخيره ، أطال العتاب ، وأخذ يعيد عليه شريط ما لم يره منذ قليل ، حتـى انتهى الأمر بعتاب الأحباء ، وضمه إلى صدره بحرارة ، وقبله قبلةً عنيفة لهذه المناسبة السعيدة.

بعدها ، عاد الاثنان إلى مكانهما ، بدأ الصديق بطرح أسئلة متتالية عليه : ما هي توقعات للعام الجديد؟ هل سيتحسن الوضع السياسي في العالم ؟ هل تراها تتحقق تنبؤات العرافين والعرافات هل ..؟ وهل .. ؟ وهل .. ؟ فيما هو صامتٌ كأبي الهول.

واستمر في طرح الأسئلة ، طرح الأسئلة والإجابة على بعضها في آنٍ واحد ، إلا أنه لم يغب عنه في نهاية هذه السلسلة أن يسأله بتهكم قائلاً : بالحق ، لماذا تأخرت كل هذا الوقت في الحمام ؟ لقد قلقت عليك ، خمس دقائق قبل رأس السنة ، خمس دقائق بعد رأس السنة ، لماذا كل هذا الوقت ؟

عندئذ خرج عن صمته ، وأجابه قائلاً بعد أن أخذ نفساً عميقاً من سيجارته المارلبورو: صدق أو لا تصدق إن شئت ، أنا لم أكن في حالة تستدعي قضاء حاجة ، ولكني دخلت إلى الحمام لأبول على العام الماضي بكل ما فيه ، وأطلق صرخة احتجاجٍ من إنسانٍ مقهور على طريقتي الخاصة ، فأدركني الوقت ، ودخلت في العام الجديد ، فوجدتها فرصة مناسبة لأبول عليه هو الآخر ، فهو - يا سيدي الفاضل - لن يكون بأية حال من الأحوال أفضل من العام الذي سبقه ، وكما يقول المثل الشعبي : "الجواب باين من عنوانه" !

فدهش صديقه لهذا الجواب ، وقد أطلق ضحكة عفوية لما سمعه ، ثم قال له والبسمة تلف تقاسيم وجهه : ما هذا ؟ أرى أنك فيلسوف ! ... فبادله الابتسام وقال : أجل . فيلسوف في المنفى!

وانتهى بهما الأمر إلى الضحك معاً ، ضحكاً متواصلاً ، بينما الألعاب النارية في الخارج تزداد رقعتها اتساعاً في الفضاء البعيد ، ومآسي العالم العربي تزداد اتساعاً هي الأخرى ، ولكن في الفضاء القريب.






#طارق_قديس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- متاهة الأعراب في برامج الأحزاب
- يا أوباما .. إنما الأعمالُ بالنيّات!
- دليل الحيران إلى مسلسلات رمضان
- رُبى
- دُكَّان حسن شحاته
- ليلة سقوط الأقنعة في لبنان
- قبل وبعد
- قراءة في حج الحَبْر الأعظم
- الرقص مع محور الشر
- فوبيا إنفلونزا الخنازير
- العروق المفتوحة لأمريكا اللاتينية
- عزازيل
- إسرائيل بين حماس وشاليط
- التُرابي والمحكمة الجنائية الدولية
- جريمة في خان الخليلي
- في انتظار مروان البرغوثي !
- اختطاف الشارع الفلسطيني
- هل أردوغان زوبعة في فنجان؟
- باي باي غوانتنامو !
- فواتير الحرب والسلام


المزيد.....




- أحمد عز ومحمد إمام.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وأفضل الأعم ...
- تيلور سويفت تفاجئ الجمهور بألبومها الجديد
- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...
- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طارق قديس - فيلسوف في المنفى