أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جمال بنورة - في المستشفى















المزيد.....

في المستشفى


جمال بنورة

الحوار المتمدن-العدد: 2870 - 2009 / 12 / 27 - 23:21
المحور: الادب والفن
    



ألحّ علي الطبيب _الذي تربطني به صداقة قديمة_ بالذهاب إلى المستشفى، مشفعاً ذلك بقوله:
-حالتك تستدعي النوم في المستشفى، وربما تحتاج إلى عملية.. لا أستطيع أن أجزم!.. ولكننا سنعرف ذلك بعد إجراء الفحوصات اللازمة.
قلت محاولاً التملص:
-ألا يمكن معالجتي خارج المستشفى؟
قال:-الفحوصات التي ستعملها مكلفة.. عدا عن الأدوية التي ستحتاجها.. وأنت لديك تأمين.. أم أن نقودك فائضة عن الحاجة!؟
وإذ لم أنبس بكلمة، عاد يقول:
-على أي حال، هذا عائد لك.. ولكن في المستشفى، ستكون تحت المراقبة أربعاً وعشرين ساعة في اليوم.. وهذا شيء لصالحك..
قالت زوجتي متدخلة:
-أعتقد أن عليك أن تسمع نصيحة الطبيب.
***
في الآونة الأخيرة، كثرت الاشتباكات على الحواجز، فكان المستشفى مكتظاً بالجرحى، لذلك قلت:
-هل تظن أن هناك متسعاً في المستشفى؟
رمقني بنظرة تساؤل، فأكملت:
-أعلم أن المستشفى مليء بجرحى الانتفاضة!
قال:-لا تخف!.. سنجد لك مكاناً.
قلت في محاولة أخيرة للتملص:
-ولكن هم أحق مني بالرعاية.. وهذا ما يجعلني أتردد..
قال مستغرباً:-لماذا هم أحق منك؟
-هم يعرضون حياتهم للخطر.. فمن حقهم الحصول على الرعاية أكثر من غيرهم!..
نظر إلي طويلاً، ثم قال:
-نحن أصدقاء.. أليس كذلك؟
قلت مستغرباً سؤاله:-طبعاً!
قال:-سأقولها لك بصراحة.. لا تزاود على الجرحى.. وخاصة أمامي..
ثم أضاف بعد قليل:
-نحن نولي كل مريض العناية التي يستحقها..
-ليس هذا ما قصدت!
-ماذا قصدت إذن؟
-إنما هو إحساس، بأنني سأحتل سريراً.. ربما كان هناك جريح بحاجة إليه..
وهو يحدق إلي بنظرة ساخرة:
-وأنت أيضاً بحاجة إلى سرير!
ثم أضاف:-هيا استعد للذهاب!
كان الوقت مساءً، فقلت:
-ألا يمكن تأجيل ذلك إلى الغد؟
قال:-كل تأخير ليس في صالحك..
وبعد أن كتب التقرير، قال:
-لمزيد من الاطمئنان.. سأذهب معك..
***
في غرفة الطوارئ بمستشفى الحسين، فحصني الطبيب المناوب، بعد أن قرأ التقرير الذي كتبه صديقي الطبيب. وتهامس معه باللغة الانجليزية، ثم ألقى علي بعض الأسئلة عن حالتي الصحية، فأجبت عن تساؤلاته، ثم قلت:
-هل تعتقد أن حالتي تستدعي النوم في المستشفى؟
شعرت على التو، أنني تسرعت في السؤال، فقد بدا الامتعاض على وجه صديقي، ونظر الآخر إلي باستهجان، وقال:
-لماذا جئت إذن؟ ألا تثق برأي طبيبك؟
قلت بلهجة اعتذار:
-توقعت أن يكون المستشفى مليئاً بالجرحى.. ولم أشأ أن آخذ مكان واحد منهم..
قال:-أنت لا تأخذ مكان أحد.. المستشفى للجميع..
قال صديقي موجهاً حديثه للطبيب الآخر:
-لا تؤاخذه.. إنه يحب أن يتدلل!
ردّ عليه قائلاً:-هذا ليس مكاناً للدلال..!
غادرني صديقي، وهو يقول:-سأراك غداً!
خرج الطبيب الآخر وراءه. دخل ممرض. قاس ضغط الدم والحرارة، ثم ربط عضدي بحبل من المطاط. غرز إبرة وأخذ عينة من دمي. بعد ذلك زرع إبرة تحت جلدة ظاهر كفي لتغذيتي من خلالها بجرعات الدواء.
ثم ناولني ممرض آخر أوراق دخولي المستشفى، وطلب مني الصعود إلى الطابق الثاني.
وصعد معي زوجتي، وابني الذي أحضرني بسيارته.
توجهنا إلى غرفة التمريض.. ناولت أوراقي للممرض المناوب. أخذ يتفحصها، وهو ينظر إلي في ضيق، كأن عبئاً جديداً أُضيف إلى أعبائه الكثيرة. قال:
-لم أستلم إلا الآن.. ولا أدري إذا كان هناك سرير خالٍ في المستشفى.. عليك أن تنتظر قليلاً..
وأشار إلى الردهة المقابلة.
طال انتظاري لأكثر من ساعتين. خلالها كان الممرض يخرج من غرفة التمريض لشأن ما ثم يعود.. أو يطالع أوراقاً على مكتبه، ويشير بقلم في يده عليها.. أو يراجع ملفات المرضى ويحضّر الدواء لهم.
وكلما راجعته يقول لي:-اصبر قليلاً.. لا أدري ماذا أعمل لك.. ليس لدينا سرير شاغر حتى الآن..
ثم قام بجولة على غرف المرضى، وعاد ليقول لي:
-كنا نتوقع أن يخلو أحد الأسرة، ولكن.. للأسف..
قلت بلهفة:-لماذا؟
قال بلهجة لامبالية:-الطبيب المسؤول عن المريض لم يأت.. طلب أن نبقيه حتى الغد.
قلت بشيء من الغيظ:
-ولماذا جعلتموني أنتظر طوال هذه المدة؟
-ليس ذنبي!
-ماذا أفعل الآن؟
قال:-في الصباح سينقل بعض الجرحى إلى الجمعية.. لاستكمال العلاج، وستخلو بعض الأسرة عندنا..
عاودني الإحساس بالخجل، وكأنني جئت إلى هنا لأحتل مكان أحد الجرحى، فقلت بشيء من الفرح:
-إذن لم يبق إلا أن أعود إلى البيت!
قال بإصرار:-لا يمكنك الخروج الآن.. فأنت دخلت المستشفى.. لا أستطيع أن أخرجك على مسئوليتي..
قلت:-ما العمل إذن؟
قال:-تعال معي!..
أخذني إلى الغرفة الملاصقة لغرفة التمريض، تستعمل غالباً لاستراحة الممرضين، وبها خزانة كبيرة لحفظ الأدوية، والمستلزمات الطبية، وبها سريران خاليان من كل شيء ما عدا الفرشة. قال الممرض:
-هذا كل ما لدينا..!
قلت مستهجناً:-هل سأنام هنا؟
-نعم!
-ليس هناك مخدة أو غطاء..!!
-أنت لست أول واحد.. دبر حالك!
كنت أهم بالعودة إلى البيت، فراحت زوجتي تقنعني بالبقاء.. لأنني قد أعود غداً فلا أجد سريراً أنام فيه.. قالت معزية:-هذا أفضل من لا شيء!
بينما توجه ابني إلى البيت، ورجع يحمل معه أغطية ومخدات وشراشف.
سهرا معي لبعض الوقت.. حتى جاء الممرض يعلمهما بانتهاء الزيارة.
***
الساعة العاشرة مساءً. لم أكن قد نمت بعد.
سمعت ضوضاء في الردهة الخارجية. نهضت من الفراش. خرجت إلى الردهة. رأيت عدداً من الشبان المسلحين.. سألت أحدهم:-ما الأمر؟
أدار وجهه عني في غير اكتراث..
عدت إلى السرير. بعد قليل جاء الممرض. قلت وهو يحقنني بالدواء من خلال الإبرة المغروزة في يدي:
-يبدو أن الوضع غير طبيعي!.. ماذا هنالك؟
-لا تقلق نفسك بما يجري!.. حاول أن تأخذ قسطاً من الراحة.. فقد لا تغفو هذه الليلة!
-لماذا؟؟
-هناك حشودات عسكرية في منطقة جيلو ورأس بيت جالا.
أصغيت في اهتمام وتنبه، فأردف قائلاً:
-يتحدثون عن اشتباكات ستحدث خلال الليل.. وربما هجوم إسرائيلي على المنطقة.
***
هدأت الضوضاء في المستشفى.. وبدا لي أنني سهوت قليلاً، عندما صك سمعي صوت إطلاق نار.
بعد لحظات، كان أزيز الرشاشات الثقيلة يكاد يصم الآذان.. تخلله دوي قذائف صاروخية في الأحياء المجاورة للمستشفى.
العديد من الطلقات المنهمرة كالمطر أصابت جدران المستشفى، وزجاج النوافذ، مما تطلب الاتصال بالارتباط العسكري لمنع ذلك.
سمعت لغطاً يدور في الردهة الخارجية، فقد قامت الضوضاء من جديد، وسمعت أبواق سيارات الإسعاف، وهي تغدو وتروح إلى غرفة الطوارئ.
***
في ساعة متأخرة من الليل، أُحضر أحد الجرحى إلى السرير المجاور بعد إجراء الإسعافات اللازمة له في غرفة الطوارئ.
كان مصاباً بعدة شظايا في مواضع مختلفة من جسمه. وكان يصدر عنه أنين خافت طوال الليل.. ومع الضوضاء القائمة في المستشفى، وصوت إطلاق النار والقذائف بين الحين والآخر، لم يغمض لي جفن في تلك الليلة.
***
في الصباح الباكر جاءت عاملة التنظيف.. إذ رأتني محملقاً في اتجاه الباب، ألقت تحية الصباح، وشرعت تمسح بلاط الغرفة، وهي تنظر بين الحين والآخر في اتجاه الجريح كأنها تريد أن تطمئن عليه، ثم همست:
-هل هو نائم؟
وأنا أنظر إليه:-أعتقد ذلك!
-هل عرفت عن حالته؟
-قيل أنه مصاب بعدة شظايا من صاروخ انفجر غير بعيد عنه..
-هل علمت كم حالته خطرة؟
-لا.. لا أدري..
ثم أردفتُ:
-اخفضي صوتك!
وخفضت صوتها قائلة:
-ألم تقل أنه نائم..؟
-نعم..
وعندما اقتربت من سريري، سألتها هامساً:
-ولكن ما أدراك عن حالته؟
بصوت لا يكاد يُسمع:
-يقولون أن هناك شظية قريبة من القلب.. لم يتمكنوا من انتزاعها.. يخشون أن تتحرك، فتقضي عليه..
وتململ الجريح في فراشه، وكأنه سمع ما يدور بيننا، فتوقفت عن الكلام.
دخل الممرض. حقنني بإبرة جديدة في يدي..ووضع إبرة جلوكوز في يد الجريح.. كان قد بدأ يستيقظ.. قال له الممرض:-الحمد لله على السلامة.
رد عليه بغمغمة غير مفهومة، وهو يستدير بوجهه إلينا كأنما يتعرف على من بالغرفة.
سأله الممرض:-هل تشعر بألم؟
-في.. كل.. جسمي..
قال الممرض:-لا تتحرك، فذلك يخفف عنك الألم.. هناك الكثير من الشظايا لم تُنتزع بعد..
سأله الشاب باهتمام:-هل استشهد أحد من الإخوة؟
-لم أسمع عن ذلك.. ولكن هناك إصابات كثيرة.. ستعرف الأخبار فيما بعد.. عليك أن تهتم الآن بصحتك فقط!
***
جاءت عاملة تجر عربة محملة بالطعام.
أطلت من باب الغرفة وسألت:
-تريد أن تفطر؟
فكرت للحظة ثم قلت:
-ماذا لديك؟
اقتربت من السرير. نظرت إلى ما تحمله على الصينية.. بيضة، وشريحة جبن، وقطعة خبز جافة. قلت:
-سأكتفي بكوب من الشاي الساخن.
-هات كاسة!
-ليس لدي!
-ونحن ليس لدينا..
واستدارت لتخرج. قلت:
-انتظري!..
خرجت من الغرفة للبحث عن كوب. وجدت لدى أحد المرضى عدداً من كاسات البلاستيك. قال لي:
-خذ ما تشاء!
أخذت كوبين. ملأتهما بالشاي، وعدت إلى غرفتي.
وضعت أحد الكوبين على خزانة صغيرة بجانب سريري. وناولت الكوب الآخر للجريح، بعد أن رفعت رأسه على مخدة إضافية أحضرتها عن سريري.. ليتمكن من شرب الشاي.
***
بعد جولة الأطباء الصباحية، كنت أشعر بتحسن.. فقد طمأنني الطبيب -عندما سألته- بأنني قد لا أحتاج إلى عملية في الوقت الحاضر، وأن إقامتي لن تطول في المستشفى..
***
قبل موعد الزيارة بكثير، امتلأت الغرفة بالزائرين.. الكل يسأل عن الجريح.. رؤساء وأعضاء بلديات ومؤسسات، وضباط من الأمن الوطني، وأعضاء من المجلس التشريعي، وأناس عاديون... تقع أنظارهم علي فيدركون على الفور، أنني لست هو، ثم يديرون وجوههم إلى الجريح، دون أن يكلف أحد نفسه بالسؤال عني.. ففكرت بمغادرة الغرفة حتى ينقطع سيل الزائرين..
شعرت بشيء من الصغار أمام كل هذا الاهتمام الذي يحظى به الجريح.. لدرجة تمنيت أن أكون مكانه.. وفكرت: "لماذا لا أذهب إلى الحاجز، فأتلقى رصاصة في جسمي.. بشرط ألا تكون مميتة!.. ثم يجيئون بي إلى هنا، ويأتي كل هؤلاء الناس ليسألوا عني، ويظهروا لي كل هذا الحب والاهتمام والمؤازرة..
وشعرت كأنني أحسده على إصابته.. ولكن ذلك لم يدم طويلاً.
***
حوالي الظهر جاءت زوجتي –وهم يوزعون الغداء على المرضى- وتفاجأت بالعدد الكبير من الناس الذي يتدفق إلى الغرفة.. خافت علي، فقد ظنت أن مكروهاً أصابني.. فأفهمتها أنهم يزورون جريحاً أصيب خلال القصف في الليلة الفائتة.
قالت:-قلقنا عليك.. عندما سمعنا إطلاق الرصاص، ودوي الانفجارات.
قلت لها:-انني لم أنم في الليلة الماضية.. وربما أعود إلى البيت اليوم أو غداً.
وضعت الممرضة صينية الغداء أمامي.. خجلت من تناول الطعام أمام كل هذا الحشد من الناس.
كان الغداء: شوربة وقطعة صغيرة من الدجاج وقليلاً من الأرز. سألت باستغراب:
-أليس هناك ملعقة؟
قالت زوجتي، وهي تنظر باشمئزاز:
-هل ستأكل من هذا؟.. أنا أحضرت لك طعاماً من البيت!
قبل أن أتناول شيئاً، قامت فوضى حول الجريح _وركض بعضهم لاستدعاء الطبيب- فقد أصيب بدوخة وغُشي عليه. جاء الطبيب لفحصه، يصحبه بعض الممرضين، ثم تبعه آخرون.
أخرجوا الزوار من الغرفة، وقال الطبيب للممرضين:
-يجب أن تمنعوا الزوار من الدخول عليه.. إنه بحاجة ماسة إلى الهواء والراحة.
خرجت زوجتي أيضاً. أغلقوا الباب. رفعوا ثيابه.. وبدأوا بمعاينته.. ومحاولة إسعافه ليفيق من غشيته.
أخذ الأطباء يتبادلون الحديث باللغة الإنجليزية..
بعد قليل أحضروا نقالة. وضعوه عليها وأخذوه إلى غرفة العمليات، لإجراء عملية مستعجلة.. وغابوا به لفترة طويلة.. لم ينقطع خلالها سيل الزوار عن المجيء والسؤال عنه.
***
عندما أحضروه في المساء، كان لا يزال تحت تأثير المخدر.
ظل بعض أقاربه يسهرون حوله حتى ساعة متأخرة، ثم خرجوا إلى الردهة الخارجية لينالوا قسطاً من الراحة.
بعد انصرافهم حاولت أن أنام.. كان يصدر عنه أحياناً توجع أو أنين أو آهة قصيرة ثم يسود الهدوء ثانية.
ظننت أن بإمكاني أن أنام الآن.. ولا أدري إذا كنت غفوت أم لا.. شعرت وكأن شيئاً يستحثني للنهوض.. كأنما خُيل لي أنني سمعت صرخة، أو شهقة طويلة، أو صوت استغاثة.. أو شخرة قوية.. لست متأكداً.. ثم خيم سكون تام. رفعت رأسي عن المخدة. نظرت في اتجاه الجريح.. شيء ما في هيئته أقلقني.. تحاملت على نفسي وذهبت لأرى إلى حالته.. فكان ساكناً لا تصدر عنه نأمة..
داهمني خوف مفاجئ.. أسرعت إلى غرفة التمريض..
جاء الممرض مسرعاً، وأوصى آخر بإبلاغ الطبيب المناوب. تجمهر أقاربه عند باب الغرفة يتساءلون عما حدث، فطلب منهم الممرض الانتظار في الخارج ليعرف أن يقوم بعمله. فتح عيني الجريح. نظر فيهما، وجسّ نبضه أسفل ذقنه.. فاختلف لونه، وظهر عليه الخوف، وصرخ منادياً على الطبيب، الذي قدم مسرعاً يتبعه طبيب آخر وعدد من الممرضين.. يحاولون إعادة الحياة إليه بشتى الوسائل حتى باستعمال الصدمة الكهربائية.
ركنت إلى سريري وأنا أسترق النظر في خوف وترقب، وهم يحيطون به فلا يبدو منه شيء.
حاولوا كل ما في وسعهم لإفاقته، وإعادة النبض إلى قلبه على غير طائل..
كان سهم القدر قد نفذ.
أخرجوا شهيداً من غرفتي، وبقيت وحدي..
***
طار النعاس من عيني.. ولم يعرف النوم سبيله إلى عيني في تلك الليلة أيضاً.. كنت أستغرب كيف استطاع الموت أن يخطف الشاب بهذه السهولة.. وكأنني لا أريد أن أصدق أن ذلك حدث أمام عيني..! وكيف لم أستطع أن أمنعه.. وكأنه كان بإمكاني أن أفعل شيئاً.. ولكنني لم أفعله..! ما كدت أتعرف عليه بعد، حتى خطفه الموت.. ولم يبق لدي أي رغبة في البقاء في المستشفى ليلة أخرى مهما كانت نتيجة ذلك.
وما صدقت أن أرى نور النهار. وقلت للطبيب أثناء جولة الصباح:
-ماذا قررتم بشأني؟.. هل ترى حاجة لبقائي في المستشفى؟
فرد قائلاً بعد أن فحصني واطلع على ملفي:
-على كل حال.. يمكن شفاؤك بدون عملية في الوقت الحاضر.. ولكن، عليك أن تواظب على الدواء الذي سأكتبه لك باستمرار.. راجعنا بعد شهر..
ثم كتب لي وصفة طبية، لأصرفها من صيدلية المستشفى.
بعد أن تهيأت للرواح، مضيت إلى غرفة التمريض. أخذت ما يخصني من أوراق، وذهبت إلى صيدلية المستشفى. أعطاني الصيدلي المسؤول نوعاً من الدواء الرخيص، وأخبرني أن بقية الدواء غير متوفر عندهم، وعلي شراؤه من حسابي الخاص.
عدت إلى البيت، ومنظر الشاب وهو مسجى على سرير المستشفى، لا يفارق مخيلتي..
الساعة الواحدة ظهراً، كنت أسير في جنازة الشهيد.
***






#جمال_بنورة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- موعد مع الموت
- الموت خلف الأبواب - قصة قصيرة
- لقمة العيش - قصة قصيرة
- القبر - قصة قصيرة
- موت الفقراء - قصة قصيرة
- الدرس الأخير - قصة قصيرة


المزيد.....




- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟
- “جميع ترددات قنوات النايل سات 2024” أفلام ومسلسلات وبرامج ور ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جمال بنورة - في المستشفى