أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ملف : ظاهرة البغاء والمتاجرة بالجنس - صالح الطائي - ظاهرة البغاء بين الدينية والعلمانية















المزيد.....



ظاهرة البغاء بين الدينية والعلمانية


صالح الطائي

الحوار المتمدن-العدد: 2870 - 2009 / 12 / 27 - 22:11
المحور: ملف : ظاهرة البغاء والمتاجرة بالجنس
    


بغــــــداد 2009
تمهيــد
قد يبدو مستغربا أن أفتتح بحثي بجملة اقتبستها من مداخلة للأستاذ الدكتور حسين حامد حسين على موضوع للكاتب العلماني العفيف الأخضر بعنوان "لماذا إصلاح الإسلام" نشرته الحوار المتمدن في موقعها يوم 10/ 12 / 2009 يقول فيها: (فأنا وبرحمة الله وفضله إنسان مؤمن ومتدين , لكن ذلك لا اعتقده يتعارض مع وجوب التضامن مع بعضنا البعض من اجل إغاثة إنساننا التائه في رعب الموت الذي يترصده ربما في كل لحظة . إنساننا ألغارق في أحزانه وفقره ومرضه والتشوه الحاصل لهويته ووجوده بما يعتقده العالم عنا ظلما.)
أنا بدوري رغم أن ما سأقوله في هذا البحث لا يلتقي مع نهج المؤسسة العلماني إلا أني أقول حسنا فعلت مؤسسة الحوار المتمدن العلمانية في إثارتها موضوعا بهذا القدر الكبير من الأهمية بغض النظر عن صيغة طرحها للدعوة أو مقاصدها ولاسيما أن هناك ـ وأنا منهم ـ من يرى أن الدعوة لم تأت لتجنيب الشباب والشابات مخاطر الوقوع في هذا المنزلق الخطير بقدر ما تبدو وكأنها دعوة لتحريم المتاجرة بالجنس من جانب مجتمعي كونها مهنة حقيرة ولكونها تخضع للقوانين التجارية والعرض والطلب وما في ذلك من استغلال واستلاب، وليس لأنها مخالفة دينية عقيدية باعتبار أنها تخالف النواهي التشريعية للأديان، أو كونها مخالفة أخلاقية لأنها تخالف منظومات الأخلاق العامة للمجتمعات. إذ يبدو أن ممارسة الجنس غير التجاري في رأي القائمين على المؤسسة أمر طبيعي مشروع استنادا إلى مباديء الحرية الشخصية إذا ما مورس طبعا بالتراضي القائم على نوع من المعرفة المسبقة بين الجنسين أو الطرفين حتى ولو كانا متماثلين ومن جنس واحد.
قد ترى المؤسسة نفسها محقة باتخاذ هذا الموقف من مسألة فيها الكثير من التفرعات لأنها مؤسسة يسارية علمانية تطرح ما يتوافق مع رؤاها العقائدية التي تتناغم عادة مع التوجه العالمي، لكن هذا لا يمنع أن يساير الفكر العلماني سنن المجتمع الذي يعيش فيه إذا ما كانت هذه السنن قد أثبتت صلاحيتها من قبل، كما أن من الواجب عليه وهو يطمح لتأسيس هويته أن يحترم عقائد الآخرين ورؤاهم إذا ما أراد منهم احترام عقيدته. وهو ما أشار له صموئيل هنتنغتن في كتابه "من نحن" بالقول : (يستطيع الناس أن يطمحوا إلى هوية ما ، ولكن لا يمكنهم تحقيقها إلا إذا رحب بهم هؤلاء الذين يملكونها بالأصل.) وعليه يبدو طرح المؤسسة للموضوع من جانب واحد مشتملا على قدر كبير من المثالية البعيدة عن الواقع، فلو قمنا على سبيل المثال بسؤال أي علماني فيما إذا كان يرضى لأخته أو لابنته أو لأمه أو قريبته أن ترتمي في أحضان رجل غريب سواء كان صديقا لها أو عابر سبيل أو بسبب علاقة صداقة أو زمالة عمل لتشبع رغبتها الجنسية منه بدون مقابل مالي، أي بعيدا عما يوصف بالتجارة الجنسية؟ أم أنه سيثور ويعربد ويهدد ويتوعد وربما يرتكب جريمة تندرج في سجل جرائم غسل العار المخزية التي نسمع عنها اليوم بكثرة، إذا ما رآها على هذه الحال؟ الغاية من سؤالي ليست للتقليل من أهمية حملة الفكر العلماني أو للتشهير بهم فأنا أحترم الرأي الآخر، وأحترم شجاعة هذه المؤسسة بالذات، وإنما لأبين أن الإنسان الذي يعيش في مجتمع ما يتأثر حتما بالسلوكيات المعمول بها في ذلك المجتمع حتى لو تعارضت مع معتقده الفكري أو السياسي في بعض جوانبها! وهذا يعني أننا نقف أمام ازدواجية قد تكون مصطنعة بقصدية وتعمد.
إن كل عمل جنسي يمارس خارج المؤسسة الزوجية سواء سمي تجارة الجنس أو تجارة الرقيق الأبيض أو الدعارة أو الزنى أو العلاقة الحميمة أو ممارسة الحب أو الانحراف الجنسي أو الهوى أو أي تسمية أخرى تطلق على هذه العملية إنما المقصود بها: البغاء، ولذا علينا أن نعرف رأي اللغة العربية بهذه الكلمة لكي ننطلق من خلاله إلى رحاب تعامل المجتمعات معها ومع ممارستها. وليس شرطا أن نتكلم عن بلد عربي أو مسلم بالتحديد بل كل المجتمعات العربية والإسلامية تقع ضمن سلطة حديثنا كمحصلة، فمع أن الخصوصيات المجتمعية متميزة لكل مجتمع ومختصة به إلا أن المجتمع العربي من شماله إلى جنوبه يبدو للعيان وحدة واحدة في أنماط السلوك والتصرف والاعتقاد من حيث الكلية وليس الجزئية طبعا. ولذا تجد النموذج الموضوع تحت البحث والمراقبة من مجتمع في الشمال الأفريقي العربي مشابها أو قريب شبه بالنموذج المأخوذ من شبه جزيرة العرب في كثير من جوانبه. بل أنك لو أخذت أنموذجا من دول الجوار الإسلامي غير العربية مثل تركيا وإيران ستجد المشتركات بينهم وبين المجتمعات العربية واضحة جلية. كما أن النماذج العالمية تتقارب أوجهها مع هذه النماذج بشكل أو بآخر.

البغاء خدمة للبيع
جاء في مختار الصحاح (ص 58ـ59) في معنى البغاء : ب غ ى :البغي: التعدي، وبغى عليه استطال، وكل مجاوزة وإفراط على المقدار الذي هو حد الشيء. وبغى ضالته يبغيها أي طلبها. وتباغوا أي بغى بعضهم على بعض.
ولما كانت اللغة مقياسا أو ميزانا معياريا لواقع مجتمعها الإنساني الذي يتحدث بها فمعنى ذلك أننا نقف أمام مصطلح استنبطه الإنسان العربي الأول ليدلل من خلاله على العدوانية والتعدي على الحقوق الذي يترتب على عملية ممارسة البغاء، والخروج على القيم والمخالفة بكل ما في هذه الكلمة من معنى. ولذا تجد انه مصطلح صيغ من جنس معناه ليدل على فعل غير سوي. ولكي أبعد تصور العلمانيين عن محاولة ربط هذا الاستنتاج بالمسألة الإسلامية أقول: أن المصطلح بمعناه المتداول الآن كان شائعا قبل الإسلام أي أنه ليس من مخترعات الفكر الإسلامي. وكأن المجتمع الجاهلي مع ما كان عليه من تحلل ومن سيء العادات، بما فيها إجبار نسائهم على البغاء أو إجبار زوجاتهم على قضاء ليلة حمراء مع وجيه من وجهاء المجتمع ليحمل الابن نتاج هذه العلاقة صفاته الوراثية، لم يكن ليستريح لفعل العاهرات فأطلق عليهن اسم البغايا أو الباغيات ومفردها: بغي. أي التي تتعدى حدود السنن. وفي هذا الاسم رمزية يغفلها عادة من يتناول موضوع البغاء من أحد جوانبه فقط دون البحث فيه كوحدة متكاملة، وتأتي رمزيتها من كونها تعد البغاء خروجا على النواميس والسنن والأخلاق سواء كان مقابل ثمن (تجارة) أو كان لإشباع رغبة (الجنس الحر)، أو خضوعا لأعراف بالية، أو بحكم صداقة بين جنسين أو بين طرفين من جنس واحد.!
تاريخيا ورد ذكر البغاء في تاريخ العراق القديم، وورد في مسلة حمو رابي وفي قصة الطوفان كذلك، بل أن قصة كلكامش "قلقميش" أعطت للبغاء معناه الخلقي وأشارت لتأثيراته الجانبية الحقيقية يوم نسبت إليه سلب براءة وعذرية وقوة وشجاعة البطل (أوتونابشتم) الذي خسر قوته الهائلة بعد أن عاشر البغي التي خدعته وأوقعته في حبائلها . وكأن قصة الطوفان أو الغضب الإلهي أرادت أن تنسب التخريب النفسي والجسدي للبغاء تحديدا.وأرادت التأكيد أن البغاء طالما أستخدم من قبل الأشرار لتلويث فطرة الناس وترويضهم وأستغلالهم!
الكتب المقدسة من جانبها لم تخل من إشارات وقصص وحكايات عن البغاء، حيث لم تخل كتب الديانات الرئيسية (اليهودية / المسيحية / الإسلامية) من إشارات للبغاء صريحة مرة، وبالتلميح أخرى.فالتوراة اتهمت أحد أنبياء اليهود السابقين لموسى أنه بغى ببناته، وتحدثت عن أحد أنبيائهم الذي أمر جيشه الغازي بممارسة الجنس مع نساء العدو، وفي مطاوي التوراة المتداولة حاليا عشرات القصص الجنسية وبالأخص منها قصص البغاء. الإنجيل من جانبه فيه إشارات صريحة للبغاء منها ما نقله القرآن عن قولهم لمريم أم النبي عيسى يوم جاءتهم تحمله (ما كان أبوك إمرء سوء وما كانت أمك بغيا) وفي القرآن صور مختلفة للبغاء سواء من حيث فعله أو إجبار النساء على ارتكابه أو التشهير به وبمرتكبه، وتوعد مرتكبيه بالعذاب والخسران.
على مستوى التفكير الجمعي ارتبط جزء من البغاء تاريخيا بمفهوم المقايضة التجارية أو البيع (بيع خدمة مقابل ثمن) وأصبح المفهوم مرادفا لمعنى بيع الخدمة وشرائها وما يترتب على ذلك من استغلال إنساني، حيث ارتبط فعل البغاء بالثمن،وليس طبعا الثمن الذي تقبضه بائعة الهوى فقط بل الثمن الذي يقبضه الوسيط أو القائم بتنسيق العملية أيضا. وقد قال نزار قباني في قصيدته التي ألقاها في مهرجان المربد الشعري عام 1985:
(مواطنون دونما وطن
مطاردون كالعصافير على خرائط الزمن
مسافرون دون أوراق ..وموتى دونما كفن
نحن بغايا العصر
كل حاكم يبيعنا ويقبض الثمن)
ومنه نستدل أن البغاء فعل رافق الوجود الإنساني منذ عصره الأول كعمل غريزي أولا، ثم تحول بعضه أو غالبيته إلى الجانب التجاري بعد أن عرف الإنسان التجارة، ثم أن بعض المجتمعات تخلت عنه أو امتنعت من ممارسته تبعا للقوانين الرسالية والوضعية التي كانت تقودها، وبالمقابل تأصل في شعوب مخصوصة أخرى دون سواها، أو فشا فيها بشكل كبير وتقلص في غيرها، ومن الأماكن التي أنتشر وتوسع البغاء فيها دول العالم الغربي عموما، ليس لأنها دول مسيحية بالتأكيد وإنما بسبب الطباع والسلوكيات المجتمعية الموروثة البعيدة عن الدين، وأستمر على سعته وانتشاره لحد الآن كواحد من المواريث الأخلاقية. أما أن يدعي بعض الكتاب أنه ظاهرة حديثة الانتشار في الغرب لأسباب بعضها عقائدية والأخرى نظمية نتيجة تأثير الرأسمالية في سلوك المجتمعات، أو كما يقول الكاتب عبد الله مشختي (ففي المجتمعات الغربية أمست هذه الظاهرة عادية بعد عصر الثورة الصناعية وتقدم المدنية والمجتمعات الديمقراطية الغربية التي كفلت دساتيرها الحريات الفردية وخرجت من تحت طائلة الالتزام بالتعليمات الدينية الكنسية) فهذا نقيض الحقيقة التاريخية التي وردت الإشارة لها في كتاب أدب الرحلات لأديب صعيبي في حديثه عن رحلة ابن فضلان، الوزير الذي أرسله الخليفة العباسي بسفارة إلى مملكة البلغار وهي عبارة عن قول للسفير روى فيه مشاهدته ومفادها: وأشد ما جلب انتباهي وأدهشني أني وجدت نساءهم ورجالهم يسبحون عراة من كل شيء في البحر سوية لا يستتر أحدهم من الآخر. ومعنى هذا أن تجارة البغاء في الغرب لم تكن من نتاج الثورة الصناعية أو التقدم والديمقراطية والحريات الفردية أو بفعل الرأسمالية. نعم الشكل القبيح الذي أخذته كان بتأثير حراك جشع الرأسمالية الذي يحاول تسخير كل المتاحات لتحقيق المكاسب وهذا أمر لا يمكن إنكاره لكن من المؤكد أن البغاء لم يصبح سلعة خاضعة لقانون العرض والطلب بسبب الأفكار الرأسمالية كما في قول محمد البدري في محاولة للتدليل على مساوئها: (ولان النظام الرأسمالي وحسب قانون تعظيم الربح يعجز عن الوفاء بتشغيل كل طاقة العمل في السوق (رغم أنها سلعة حسب المفهوم الرأسمالي) بكونها قابلة للتداول وللاستغلال إلا أن هناك فائضا لا يملكه احد من طاقات العمل المعطلة سوي الغير قادرين علي استغلاله. هنا ظهر مبدأ تسليع الجنس لدي الإناث كبديل عن بيع طاقتها العضلية او الفكرية او الذهنية في سوق العمل الطبيعي.) لأن تجارة الجنس كانت موجودة حتى في المجتمعات الصيدية والرعوية الأولى ومراحل تجارة المقايضة أي قبل أن يعرف الإنسان قيمة الرأسمال الحقيقية ومفاهيم التجارة. كما أن الكاتب ناقض نفسه عندما ادعى أن العرب والمسلمين الذين لم يكونوا يفهمون شيئا في قوانين رأس المال استنبطوا (الدعارة المجانية "الجواري والإماء" التي كانت حكرا على الملاك وأصحاب العمل) ومع غرابة وعدم واقعية هذا الرأي المتحيز إلا أنه لا يمكن أن يعني أن الرأسمالية بمفهومها المعاصر هي المسئولة عن تأسيس مشاريع الزواج الرسمي أو تجارة الجنس ثم يعود الكاتب ليناقض نفسه من جديد فيقول: (تجري قيمة المتعة الجنسية في السوق بيعا وشراءا عندما لا تجد المالكة للمتعة من سيد يحوزها لصالحه حصرا. هنا انتقلت معها مفهوم التسليع مهرا ونفقة ومتعة إلي الزواج ولم يجد الرجل غضاضة فهو المشتري وصاحب راس المال لاي سلعة يمكن تواجدها في السوق. فكلها تترجم باموال. فالزواج علي طريقة العرب والمسلمين هي أقرب لتسويات نظام بيع المتعة.) وفي خلط متعمد للمفاهيم وتشويه للحقيقة التي أدركتها حتى الحيوانات يوم وجدت في العائلة موئلا للاستقرار فتزاوجت وأنشأت عائلات وأخلصت بعضها للبعض الآخر طوال عمرها، قال السيد البدري في حديثه عن المرأة الزوجة: ( تتحول الي صاحبة راس مال جسدي يمكن استغلاله في سوق بيع المتعة والي تحولها لبيت دعارة متحرك طالما وجد القادرين علي الشراء حتي ولو كان المسمي زواجا علي سنة الله ورسوله. اليس كلا الفعلين يتما عبر صكوك مالية وعقود ممهورة وشهود لتبرير الشرعية؟!) [[ لم أجر التصليحات اللغوية للأخطاء الكثيرة الواردة في النص]]
وهذا الرأي الذي يمثل وجهة نظر علمانية بحتة ـ حتى لو لم يكن ممثلا لرأي المؤسسة ـ يضعنا أمام معادلة منطقية تقول: أننا كأفراد ومجتمعات إما أن نكون نؤمن بواحدة من الديانات الثلاث وبقوانينها وبذلك نكون ملزمون بالرضوخ لسننها ومنها سنة الزواج التي يسميها الكاتب (بيت دعارة متنقل)، أو أننا لا نؤمن بأي منها وبذلك نسقطها من المعادلة ومن حساباتنا فيتحول موضوع الجنس برمته سواء مورس عن طريق الزواج الرسمي أو عن طريق العلاقات الأخرى بكل أشكالها إلى مجرد حراك إنساني لا علاقة له بالسماء وبالروحانيات، وإذا كنا من مناصري الخط الأول فمعناه أنه غير مسموح لنا الاجتهاد مقابل النصوص التشريعية التي تناولت الزواج الرسمي والبغاء سواء كانت هذه النصوص ( تتفق مع / أو تفترق عن) القانون البشري الذي نؤمن به، وكما معروف هي سنن يؤمن ويعمل ويلتزم بها مليارات البشر، وهذا العدد له ثقله في ميزان الإحصاء السكاني. وحتى لو كان المؤمنون بها قلة يعدون على أصابع اليد الواحدة فإن قوانين الحريات الشخصية الوضعية لا تسمح للآخر بالتعرض لمعتقدهم بالنقد الجارح تبعا لمبدأ المعاملة بالمثل. أما إذا رفضنا الأخذ بهذه الفرضية الثابتة فمعناه أننا لا نؤمن بوجود الأديان أو لا نؤمن بصحة عقائدها وبالتالي نصبح على طرفي نقيض معها نحكم بقوانيننا ونحتكم إليها دون أن يكون للعقائد الدينية علينا من سلطان. وفي كلتا الحالتين نحن ملزمون باحترام رأيها واحترام معتنقيه ولا يحق لنا بموجب قوانيننا نفسها أن نتطاول أو نعترض أو نعيب أو نشكك بهذه القوانين وبالمؤمنين بها. وعلينا إذا ما أردنا التحدث عن أمر لها رأي خاص به أن نشير لرأيها باحترام ومسئولية علمية دون تطاول أو تشهير أو نقد جارح أو خروج على الآداب العامة للنقاش. أليس هذا ما تقوله قوانين العلمانية أم أن هناك انتقائية كيفية يتم التعامل بموجبها مع ما يؤمن به الآخرون؟ وقد يكون مبدأ الانتقائية هو من يقف وراء كاتب مشارك آخر هو حامد حمودي عباس الذي قال مستهزئا بالفكر الديني ومدعيا أن الشرائع السماوية هي السبب في نكبة المجتمعات الإنسانية: (إن من دواعي الشعور بالشفقة على أمتنا المنكوبة بشرائعها وأعرافها ، وما تعيشه من إنتكاسة في هويتها ، هو إصرارها عند أهم مفاصل تلك الانتكاسة على تجنب الخوض فيما تعتبره خروجا عن الذوق وتعرض مشين للسمعة العامه) لأن النص كما هو واضح يدل على جهل الكاتب بالأمور الدينية، فمن نظريات الدين المشهورة قولهم (لا حياء في الدين) أي لا يجوز أن يستحي المؤمن من طرح سؤال ما يخص أمرا جنسيا ويبقى نتيجة حيائه جاهلا للحكم الشرعي الخاص به، لأن جهله لا يعفيه من المسائلة يوم الحساب.ولا يقف الكاتب عند هذا الحد بل يتهم حملة الفكر الديني بأنهم (حملة الفكر المتخاذل) وهو عين ما ذهب إلية حسن عجمية في موضوعه المعنون (الحب في دخول المرأة نظام الاعتبارات الإنسانية) حيث قال: (عندما يتحرر الوعي من القيود الفكرية وأنماط الجمود والعزلة والابتعاد عن القواعد السلفية في طريقة تحديد الأدوار المرتبطة بالجنس البشري)
هنا يجب أن لا ننسى أن موضوع العلاقة الجنسية بشقيه المباح والممنوع (القانوني/ وغير القانوني) أكبر من أن يحد بقانون أو نظام أو سنة وأكبر من أن يؤخذ من أحد جوانبه وتترك جوانبه الأخرى وأكبر من أن يحكم عليه بآراء شخصية، لأنه وحدة مترابطة في بنيويتها لازمت الإنسان غريزيا وعقيديا منذ وجوده الأول. ومع ذلك لا ينكر أن العقائد الدينية نجحت في تقنين العلاقة الجنسية بشكل فيه الكثير من الدقة والمسئولية والضبط. ومن المجحف حقا أن ينكر دورها هذا. كذلك يجب أن لا ننسى أن كل المجتمعات الإنسانية تعاملت مع هذه الظاهرة بطرائق فيها الكثير من التقارب فباستثناء بعض المجتمعات التي أباحت البغاء ومنها اليوم بواقي في الهند والصين(حيث تبيح بعض الديانات البغاء)، ولذا يتزوج شباب العائلة كلهم من فتاة واحدة تصبح زوجة لهم جميعا أو يسمحون لبناتهم بممارسة الجنس بلا قيود، أو يجبرونهن على بيع أنفسهن، صاغت المجتمعات الأخرى قوانين لتقييد العلاقة الجنسية ضمن قنوات محددة وواضحة، وهو نفس ما ذهب إليه عبد الله مشختي في قوله: (هذه الظاهرة موجودة منذ وجود المجتمعات ولكن في كل زمن كان هناك ضوابط وأعراف وقيود دينية أو أعراف اجتماعية أو قوانين وضعية كانت تتحكم بالسماح أو الرفض لهذه الظاهرة وخاصة البغاء أي ممارسة الجنس بشكله الواسع في بيوت خاصة أو أمكنة مخصصة لهذا الغرض) وربما تكون الأعراف ذاتها هي التي دفعت العالم الغربي لتصنيع الجنس وتحويله من ممارسة تخضع إلى كثير من الاعتبارات النفسية والجسدية والأخلاقية إلى مجال تجاري يدر مليارات الدولارات توظف فيه الأجساد البشرية للذكور والإناث بشكل مهين لتحقيق مكاسب ضخمة للقائمين على هذا التصنيع. ويبقى الانفتاح والانفلات والتساهل في شأن الممارسات الجنسية تحت ذرائع الحريات وفصل الدين عن الدولة من أهم الأمور التي يسرت لمصنعي الجنس مهنتهم وهو ما أشار إليه ريتشارد بولان بقوله: (تستتبع العولمة الرأسمالية اليوم مستوى من «التحويل إلى سلعة» غير مسبوق في تاريخ البشرية. و منذ ثلاثين سنة، تمثل التغيير المأساوي للتجارة الجنسية في تصنيعها وابتذالها ونشرها على نطاق واسع على الصعيد العالمي)

انتشار الظاهرة
في جانب آخر أقول: لو قدر لباحث أن يحصي كل ما كتب عن البغاء والجنس على مر التاريخ لوجده يتماهى كثيرا مع سعة انتشار هذه الظاهرة في العالم كله وقدمها الموغل في التاريخ الإنساني. لكن الحوار المتمدن أشار لهذه الظاهرة بنوع من التخصيص والتحديد فقال في دعوته: (تؤكد المعطيات المتوفرة دولياً إلى واقع اتساع كبير لظاهرة البغاء والمتاجرة بالجنس في جميع دول الشرق الأوسط دون استثناء ) وتأتي خصوصية رأيهم كمحاولة لربط سعة انتشار تداول الجنس التجاري بالشرق الأوسط دون سواه من المناطق الأخرى، بينما تؤكد المعطيات الدولية على انتشار الظاهرة في العالم كله وليس في الشرق وحده، وإذا كانت في الشرق لا تزال على عبثيتها واعتباطيتها، فإنها في الغرب خضعت للتنظيم المؤسساتي. الغريب أن هناك من الباحثين من تأثر برأي مؤسسة الحوار الانتقائي حيث جاء في موضوع الأستاذة صبيحة شبر قولها: (تدل الدراسات العديدة التي تجرى على واقع الحياة، في بلدان الشرق الأوسط،على اتساع ظاهرة البغاء والمتاجرة بالجنس)
ولذا قد لا نأتي بجديد في كتابتنا عن الجنس بشكل عام والبغاء بشكل خاص، وقد يبدو ما نطرحه وكأنه اجترار لما قاله السابقون والمعاصرون، وسيرد في آرائنا الكثير من التناص مع آرائهم. ولكن لا بأس من الحديث في الأقل للتذكير والتصحيح، وبالأخص تذكير أولئك الذين يعيبون على البغاء خضوعه للتسليع والتسعير ولا يعيبون حرية تداوله وممارسته بشكل حيواني فيه الكثير من التعدي على حقوق الطرف الآخر.أو الذين يعتقدون أنه يأتي فقط على حساب كرامة المرأة حيث نوهت مؤسسة الحوار إلى أن ظاهرة البغاء والمتاجرة بالجنس تأتي على حساب (المرأة وعائلتها وكرامتها وصحتها ومستقبلها) والذي أعتقده أنها نظرة أحادية الجانب وبعيدة جدا عن تأثير جوانبه المدمرة الأخرى سواء في مخالفته للتشريعات السماوية أو القانونية أو الأخلاقية أو الصحية.
وإذا كانت المؤسسة قد تبنت هذا الطرح لأن القائمين عليها يقولون: (ندرك بان ليس هناك من يحق له فرض الرقابة على حرية الإنسان وحقه في التصرف بجسده) فهو رأي خاص بهم وبعيد كليا عن الواقع، لأن هناك في أكثر المجتمعات انفلاتا وتحررا وإباحية من يملك حق فرض الرقابة على حرية الإنسان، كما لا يوجد نص قانوني في أي دولة من دول العالم يبيح للإنسان حرية مطلقة يتصرف بموجبها في جسده كيف يشاء، لأن معنى الإطلاق هنا: أنه يباح للإنسان كذلك أن ينتحر متى يشاء أو يمارس الجنس مع زوجة صديقه على منصة الأستاذ الجامعي وهو يلقي محاضرته عن الأخلاق والمجتمع.
من جانب آخر أرى أن البغاء لا يعتبر مشكلة بخلفيات اقتصادية وسياسية واجتماعية فقط كما يريد الحوار أن يدعي في قوله ( هذه المشكلة ذات الخلفية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وذات النتائج السلبية على المرأة والعائلة والمجتمع.) البغاء مشكلة أخلاقية تؤثر فيها تداعيات المجتمع والدين والإرهاب والطبقية والفن والسياسة والاقتصاد وعلم النفس والديموغرافيا أيضا . ونتائجها السلبية تعم المجتمع كله وليس المرأة وحدها، وينتقل تأثيرها السلبي إلى الأجيال القادمة. وهناك في الأقل أكثر من مؤشر يؤكد أن ليس الجانب المالي أو الاقتصادي وحده المسئول عن ظاهرة المتاجرة بالجنس إذ قال (مارك لاجون) وهو سفير أمريكي ومستشار بارز في قضايا الاتجار بالبشر: ( من المخيب للآمال على نحو خاص أن الكثير من البلدان الثرية في الشرق الأدنى لا تفتقر إلى الموارد التي تمكنها من إحراز تقدم ومع ذلك ورد اسمها في التقرير الذي أعدته وزارة الخارجية الأمريكية عن الدول (الصديقة) لها والتي تتاجر بالبشر عام 2008 مثل السعودية التي ورد اسمها في الشريحة الثالثة للعام الثالث على التوالي)
إن طرح مؤسسة الحوار المتمدن للموضوع ضمن حدود رؤاها الفكرية جعله يبدو قريب الشبه بدعوتها إلغاء عقوبة الإعدام تحت ذريعة أنه(ليس من حق الدولة أو أي فرد آخر سلب حياة إنسان آخر ارتكب جريمة مهما كانت بشعة, بل ربما يحتاج المتهم إلى معالجة طبية أو إلى عقوبة رادعة كالسجن المؤبد أو أي عقوبة أخرى مناسبة غير الإعدام وإعادة تربيته, أي معاقبته بالصيغة التي تسمح باستمرار بقائه على قيد الحياة والتعلم من الجريمة التي ارتكبها.)
ولا أدري لماذا لا يعامل مرتكب الجريمة البشعة بالعقوبة التي تتناسب مع حجم جريمته، ثم هل أن العقوبة الرادعة (السجن المؤبد) التي يطالب بها المركز سوف تصلح هذه الشخص وتعيد له اتزانه على الأقل داخل سجنه المؤبد؟ وهل من المعقول أن نعيد تربية شخص بعد بلوغه الأربعين مثلا على أن يقضي حياته الصالحة في السجن المؤبد؟ فإذا لم تنجح التربية بتقويمه كل هذه السنين ما يدريك أنه سينصلح بجهودك وماذا سيتعلم من الجريمة التي ارتكبها ؟ ربما يتعلم أن تكون جرائمه المستقبلية أقل بشاعة ولا شيء آخر. وأخيرا هل منع رفع عقوبة الإعدام في بعض المجتمعات الغربية الجريمة أن تقع أم أن معدلاتها وبشاعتها زادت عما كانت عليه من قبل؟ إن دعوة تحريم البغاء التجاري تتقارب كثيرا مع هذه الدعوة وتتماهى معها وتؤكد أن للمركز خطا فكريا يبغي تسييده على الفكر الآخر مهما كان مصدره!
المشكلة أن المؤسسات الدولية لم تهتم كثيرا بالجانب الأخلاقي للظاهرة بل بما يتوافق مع رؤاها وعليه نجد في العصر الحاضر أن الاتفاقيات الدولية نصت على تحريم الاتجار بالرقيق الأبيض ليس بسبب جانبه الأخلاقي طبعا وإنما لكونه عملا قسريا يمثل استغلالا للبشر كما ورد في الاتفاق الدولي الصادر في 18 /5/1904 والذي تم تعديله بموجب بروتوكول ألأمم المتحدة في 3 /12/ 1948 ومع ذلك لا يخلو بلد أجنبي أو إسلامي أو عربي من الدعارة مطلقا ومن وجود دور للدعارة المعلنة أو المستترة.
والمشكلة الأكبر أن أغلب الذين كتبوا عن الظاهرة عزوها إلى الجانب الاقتصادي كسبب رئيس واعتبروا الحاجة والإعسار المالي أحد أهم وأكبر الدوافع لتجارة الجنس لكن الدراسات الميدانية التي أجريت في بعض البلدان العربية أثبتت خطل هذا الاعتقاد وقد جاء في تقرير بعنوان "مدن الخطايا" نشره العربية نت يوم 17/9/2009 (أن مدنًا سياحية معروفة مثل العاصمة الروسية موسكو، والعاصمة الهولندية أمستردام، ولاس فيغاس الأمريكية، وجزيرة بتايا التايلندية التي جاءت على رأس القائمة. هي مدن للخطايا) وإذا كانت العاصمة الروسية أو المدينة التايلندية من المدن الفقيرة نسبيا وهي ليست كذلك طبعا فإن أمستردام ولاس فيغاس من أغنى مدن العالم!
وجاء في التقرير أن البحرين تقع بالمركز الثامن من أصل المدن العشر التي ذكرها التقرير والتي تشير إحصاءات الإدارة العامة للجنسية والجوازات والإقامة البحرينية أن 160 ألف خليجي يزورونها سنويا وهو رقم يكاد يكون ثابتًا طوال العام،
البحرين غنية ودول الخليج التي يحج سكانها إلى البحرين طلبا للمتعة الجنسية غنية فهل يعتبر الفقر هو الدافع وراء تجارة الجنس في البحرين أم السياسات الخاطئة للحكام الجهلة الذين ابتلت بهم الدول الشرق أوسطية؟ والدليل أن البحرين التي بلغ تعداد نفوسها بحدود المليون أكثر من نصفهم مجنسون أجانب لا تطلب أو تعمل على تسهيل تجنس العرب أو المسلمين بينما نجد أنها جددت في يوليو 2008، حق حصول رعايا 35 دولة منها الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا والهند على تأشيرة إقامة مؤقتة قابلة للتجديد من مطار البحرين الدولي بدون طلب مسبق، شرط تقديم تذكرة عودة وحجز فندق، أو تقديم بيانات لأحد أفراد العائلة القاطنين في البحرين،
التقرير نفسه تكلم أيضا عن تجارة البغاء في بلد فقير ولكنه من أكثر البلدان تشددا وتأثرا بظاهرة التطرف العنفي الديني وهو أفغانستان الذي تشهد تجارة الجنس فيه ازدهاراً غير مسبوق، حيث يباع الجنس بشكل واضح في بيوت دعارة مكتظة بنساء من الصين، يخدمن زبائن أفغان وأجانب، أما فتيات الهوى الأفغانيات فيعملن سراً في مجتمع يتظاهر بأنهن غير موجودات. وقد قال كبير المحققين في قسم جرائم الجنس في وزارة الداخلية الأفغانية ضياء الحق إن الشرطة تقوم أسبوعياً باعتقال عاهرتين أو ثلاثة، هن في أكثر الأحيان ضحايا ثلاثة عقود من الحرب الطاحنة والفقر المدقع الذي يجبر معظم الشعب الأفغاني للعيش بأقل من دولار واحد في اليوم.
دولة أخرى هي اليمن التي حافظت على تقاليدها الموروثة فلم تدخلها الحضارة إلا مؤخرا لم تشفع لها تقاليدها بتجنب ظاهرة تجارة البغاء حيث أكدت دراسة ميدانية لمنظمة ملتقي المرأة للدراسات والتدريب أن تجارة الجنس في مدينتين تقعان في جنوب اليمن "تعز وعدن" ، كشفت أن 1.41 % ممن تتراوح أعمارهن بين 18 : 23 سنة يلقين قبولا كبيرا في تجارة الجنس.كما أن العازبات في مدينة تعز شكلن نسبة كبيرة ممن يدخلن ميدان تجارة الجنس تليهن المتزوجات والأرامل والمطلقات علي التوالي ونقلت الدراسة عن مسئول كبير في مكتب التشغيل بعدن أن نسبة كبيرة من بائعات الهوى في المدينة هن من جنسيات عربية وأجنبية لم يحددها، حيث يتم تشغيلهن بواسطة عقود عمل علي أساس أنهن "فنانات" وتبقي تفاصيل ما يقمن به من منادمة للشرب أو مجالسة الزبائن للاتفاق عليها بين "الفنانة" ورب العمل.
بل أن بلدا غنيا مثل السعودية التي تمثل أيضا مركزا دينيا فريدا لا يمكن أن تتوقع وجود تجارة الجنس فيه أثبتت الدراسات خلاف ذلك حيث لم يشفع المركز المالي أو المركز الديني في تجنيب البلاد شرور هذه الظاهرة حيث حذرت دراسة أجراها متطوعون في المركز السعودي لدراسات حقوق الإنسان في جدة من ازدياد تجارة الجنس في المدينة الساحلية وتعاظم نفوذ مجموعات مروجة لاستغلال النساء، خاصة أنهم يمارسون تجارتهم بحرية حيث لا يمكن للأنظمة السعودية إيقافهم بسبب وضعهم الاجتماعي كرجال أعمال . وتوضح الدراسة أن إغراء الإيرادات الضخمة من تجارة البغاء زاد من انتشار هذه التجارة وشجع البعض على جلب الفتيات من دول عربية مختلفة أغلبهن من المغرب تحت ستار العمرة
وتوضح الدراسة أن الأماكن المفضلة لممارسة البغاء هي فنادق معينة ومناطق محمية في منطقة "أبحر" لا يمكن للشرطة أو هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الدخول إليها كما تنقل بعض الفتيات لأحياء سهرات خاصة إلى الرياض في بعض القصور أو بيوت كبيرة في حي دبلوماسي غرب الرياض.
وتجد في بعض الدول الأوربية ازدهارا لجوانب أخرى من هذه التجارة حيث أفادت صحيفة الاندبندنت أن تقرير(يو بي آي)، أفاد بأن المملكة المتحدة تشكل نقطة مرور رئيسية للأطفال الذين يستعملون في تجارة الجنس. وجاء في التقرير الذي أعد بناء علي طلب مؤسسة "جوزف راونتري" وهي منظمة أبحاث اجتماعية غير ربحية أن أطفالاً لا تتعدي أعمارهم الخامسة يستغلون جنسياً إما في تجارة الجنس أو في العمل المنزلي. وذكر تقرير بأن أكثر من 5 آلاف طفل يعملون في تجارة الجنس في بريطانيا. والمملكة المتحدة كما هو معروف ليست من البلدان الفقيرة وتمتاز بكونها من البلدان المستقرة والمتقدمة وفيها قانون رعاية اجتماعية فائق التطور
إن الإحصاءات التي أوردها "ريتشارد بولان" في موضوعه المعنون "عولمة تجارة الجنس" تؤكد أن ظاهرة المتاجرة بالجنس خرجت من طورها التقليدي الموروث الذي كان عماده التدني الاقتصادي والفقر لتدخل مرحلة العولمة وخرجت بالتالي من كل صورها القديمة وتشكلت بصورة جديدة كليا تلغي كل التصورات السابقة عنها حيث جاء عنه قوله: (تجري المتاجرة بالنساء و بالأطفال بكثافة على المستوى العالمي. وتشكل نساء وأطفال بلدان جنوب آسيا وجنوب شرق آسيا اكبر المجموعات: تُقدر هذه المتاجرة بـ 400000 شخص سنويا.وتشكل روسيا ودول الاتحاد السوفيتي سابقا ثاني اكبر المجموعات (175000 شخص كل سنة). و تليها بلدان أمريكا اللاتينية و جزر الكاريبي (حوالي 100000 شخص) و بلدان أفريقيا (50000 شخص). ويقدر عدد المومسات المستقرات في اليابان والقادمات من الفلبين و تايوان و تايلاند و روسيا بـ150000 . وتذهب كل سنة 50000 من نساء دومينيك للدعارة في الخارج، لاسيما في هولندا، حيث يشكلن 70 % من عاهرات الواجهات الزجاجية الأربع مائة بأمستردام .ويقدر أن 15000 عاهرة من روسيا أو من أوربا الشرقية يوجدن في أحياء الدعارة في ألمانيا، مع العلم أن 75% من عاهرات هذا البلد أجنبيات.و 40 % من عاهرات زوريخ جئن من بلدان العالم الثالث. وتمارس 500000 امرأة من أوربا الشرقية و 200000 امرأة من بلدان الاتحاد السوفيتي سابقا البغاء في أوربا الغربية. و يقدرعدد الوافدات سنويا لتزويد شبكات الدعارة بالولايات المتحدة الأمريكية بـ 50000 امرأة أجنبية.)
أسباب الظاهرة
ذكرت مؤسسة الحوار مجموعة عوامل باعتبار أنها المسئولة عن تفشي الظاهرة ولكنها أغفلت جوانب أخرى أكثر منها أهمية، فالفقر والبطالة والإكراه في الزواج والعزوف عن الزواج ووجود العصابات المنظمة والتهجير ألقسري ليست الأسباب الوحيدة، فهناك أسباب أخرى منها ضعف الوازع الديني وضعف رقابة الدولة على مصادر الترويج للدعارة وقلة الاهتمام بأهمية قيمة الهوية حيث يتأثر الشباب بالمظاهر الغربية، والسياسات الخاطئة للحكام وضعف الرقابة العائلية وعدم اهتمام الإعلام وضعف دوره الرقابي، وسوء توزيع الثروات وعدم قيام الحكومات بواجباتها الرسمية مثل تأمين العمل أو معونة البطالة، وهناك سبب ديموغرافي يتعلق باختلال نسبة الجندر "gender" بحيث يكون عدد الرجال أكثر من عدد النساء أو العكس كما هو اليوم في العراق بعد أن أخلت بهذه الموازنة الطبيعية سياسات الحكام الغبية التي أدخلت البلد في حروب مدمرة قتل خلالها صفوة الشباب وتعرض القسم الآخر للعوق الكلي أو الجزئي. والعوامل النفسية التي نتجت عن الانفتاح والتحرر مع فقدان المراقبة والمسائلة، وأهم من ذلك كله تبدل القيم والمفاهيم المجتمعية الذي أحدثته سيرورة العولمة.
وقد تناغمت أقول الكتاب المشاركين مع توجه المؤسسة حيث أشارت الكاتبة المشاركة صبيحة شبر لذلك بقولها:( لعل أهم الأسباب تكمن في انتشار ظاهرة الفقر، وعجز النساء غير المتعلمات عن إيجاد عمل يحفظ الكرامة ،ويوفر الحاجات الأساسية لبني البشر ، وتنامي مشكلة الفقر محليا وعالميا) وقد تكون الكاتبة المشاركة سمية عريشة محقة بإشارتها إلى أن (الظاهرة منتشرة فى بلدان الشرق الأوسط ، بسبب عدم العدل والهوة الكبيرة فى نسب توزيع الدخل بين شرائح قليلة ثرية جدا ومعظم شعوب العالم الثالث وتحديدا الشرق الأوسط معدوموا الدخول أو المندرجون تحت خط الفقر) [لم أجري التصحيح اللغوي على النص] ولكنها لم تدعم موقفها هذا بل سارعت للتخلي عنه والسير مع الآخرين في طريق المحاباة لموقف المؤسسة فعزت أسباب البغاء إلى (التمييز ضد المرأة سواء كان فى الميراث او الحرمان منه او فى اقتسام الثروة بين الزوجين فى حال الطلاق ، وفى ظل القوانين التى تحرم النساء من اطفالهن فى حال الزواج من رجل غير أبو الأطفال بعد الطلاق ، وأيضا التمييز بين أجور الرجال وأجور النساء من الطبقات الدنيا وألعمالة البسيطة أو اليدوية لغير صالح النساء .... وأيضا فى حالات كثيرة تختلط فرص العمل للنساء بضرورة ممارسة الجنس مع أصحاب الأعمال والا فقدت عملها لأسباب يتم اختراعها ، وأيضا فى ظل تنامي العرض للمغريات الأستهلاكية فيسيل لعاب الشباب والشابات لتلبية الرغبة فى مجاراة ذلك الأستهلاك مما يدفع بهن لسوق البغاء أيضا حالة الحرمان من الجنس فى المجتمعات العربية نتيجة العديد من الاسباب اهمها الفقر وخاصة لجموع الشباب والشابات برغم أنهم فى السن التى تكون الرغبة الجنسية لديهم فى قمتها ، مما يمثل عبئا وضغطا على اعصابهم وعلى سلامة تفكيرهم ، وانفعالهم وردود افعالهم ، وقبل كل شيئ يؤثر الكبت الجنسي على سلامة التفكير لدى اى انسان ، فما بال الشباب اللى فى عز صحته ورغبته) [[هنا أيضا لم أتدخل لتصحيح الأخطاء اللغوية]]
ولا أدري ما علاقة البغاء بالتمييز في الإرث أو في عدم إعطاء الأطفال للأم المطلقة التي تتزوج ثانية برجل غير والدهم. كما لا اعرف إذا ما كان العرف العلماني يبيح ممارسة البغاء للحفاظ على العمل أو لمجاراة الاستهلاك لتلبية الرغبة أو لتفريغ الكبت النفسي؟ فإذا كان الجواب نعم، فذلك يعني أيضا أن نفس القانون يبيح لهذه النماذج السرقة أو القتل أو الابتزاز أو النصب أو الرشوة أو تعاطي المخدرات لأن هذه الأعمال كلها تدخل مع البغاء في نطاق مخالفتها للقانونين الديني والأخلاقي وإذا كان قانون ما يبيح واحدا منها فالإباحة تمتد إلى باقيها بنفس رخصة الإباحة ونفس الترخيص. والظاهر أن هذا الرأي هو الذي دفعها للوقوع بوهم ازدواجية المعايير حيث قالت: (فالكل يعلم ان الانسان وخاصة الشباب لا يستطيع الحياة بدون حب او جنس 00وان هكذا خلقه الله ، ولعل لذلك قيل ان الزواج نصف الدين 000وللاسف ذلك الاجرام المجتمعى فى حق الشباب يتم فى المجتمعات التى تصدع رؤس مواطنيها فى كل وسائل الاعلام المرئية والمسموعة وفى المواصلات عن الحلال والحرام 00 لكنهم ايدهم فى الميه الباردة لأن معظم اولو الامر عواجيز ورغبتهم الجنسية راحت عليها او اتحققت من زمان ، واولادهم مفيش مشكلة مادية تمنع 00 يعنى كل هذا المنع والقهر منصب بالاساس على النساء والرجال الفقراء 00 يعنى ما يقرب من 85% من الشعوب العربية مفروض انهم لا يمارسون الجنس يا حول الله )
نستشف من هذه النصوص المقتبسة من المواضيع المشاركة في الملف أن كل كاتب يعزو ظاهرة البغاء التجاري إلى مؤثرات تختلف عن تلك التي يشير إليها غيره. أما ألأسباب الحقيقية فيكادون يغفلونها ربما عن قصد وتعمد وربما تبعا لخطهم الفكري، وربما أن البغاء في بلدانهم أو مناطقهم وبيئاتهم يتأثر بالعوامل التي يشيرون لها دون غيرها.لكن بالتأكيد لا يمكن أن نحصر أسباب انتشار الظاهرة بما أشار له المشاركون في الملف، وهناك حتما الكثير من الأسباب التي لم يشيروا إليها ومنها عملية تصنيع الجنس التي وصلت في الغرب إلى مراحل متقدمة وأصبحت تشكل أهم مصادر مداخيل بعض البلدان وهو ما أشار إليه بولان بقوله: (أن الدعارة أصبحت استراتيجية تنمية لدى بعض الدول) أما حقيقة هذا القول فتؤكدها المداخيل العالية التي تؤمنها الصناعات الجنسية للكثير من البلدان حيث أورد بولان إحصائية تقول: (: ففي سنة 1995 ُقدر أن مداخيل الدعارة في تايلاند تشكل ما بين 59% و60% من ميزانية الحكومة. و في سنة 1998 قدرت منظمة العمل الدولية أن الدعارة تشكل بين 2% و14 % من مجموع الأنشطة الاقتصادية بتايلاند و إندونيسيا و ماليزيا و الفلبين. وحسب دراسة قام بها بيشون وروبنسون تجلب الصناعة السياحية 4 مليار دولار سنويا في تايلاند.)
كما أن تطوير صناعة السياحة والتسلية يعد واحدا من أسباب تنامي حجم التجارة الجنسية في بلدان المغرب العربي ودول أمريكا اللاتينية وأفريقيا، وتنامي قدرات الشركات الغربية واستعدادها لدفع مبالغ مغرية دفع الكثير من الباحثات والباحثين عن الثراء السريع لولوج عالم تجارة الجنس دون أن يكونوا معوزين أو يشكون من ضائقة مالية يؤيد ذلك ما نقل عن معدل سن ولوج الفتيان والفتيات إلى عالم البغاء في الولايات المتحدة الأمريكية الذي لا يزيد عن (14) سنة، وهي فترة المراهقة المنفلتة التي خدعتها مظاهر الثراء وساعدها انشغال الأهل بأمور أخرى ليس من بينها رعاية أبنائهم، وحمتها القوانين التي تقود المجتمع تحت ستار الحرية الكاملة التي أسماها "الحوار" ( ليس هناك من يحق له فرض الرقابة على حرية الإنسان وحقه في التصرف بجسده) هذا وقد أوردت قناة (بي بي سي) خبرا مفاده أن (ممارسة الجنس في سن مبكرة قد يضاعف من مخاطر الإصابة بسرطان الرحم، حسبما جاء في دراسة أجريت على 20 ألف امرأة لمعرفة العوامل التي تجعل من النساء الفقيرات الأكثر عرضة للإصابة بهذا الصنف من السرطان. وتبين للباحثين أن سبب ذلك قد يكون ممارسة الجنس في وقت أبكر بحوالي أربع سنوات مقارنة مع باقي النساء. ما اكتشفه المشاركون في هذه الدراسة هو أن انطلاق الحياة الجنسية للنساء الفقيرات في وقت مبكر يفسر في حالات كثيرة الأسباب الكامنة وراء الإصابة.)
ولا يمكن تصور الخطر الكامن وراء انتشار تجارة الجنس إلا بمعرفة عدد الأطفال من الجنسين الذين يزج بهم في هذه المهنة القذرة سنويا حيث قدرت منظمة اليونيسيف عدد الأطفال الذين يدخلون في صناعة التجارة الجنسية كل سنة بمليون طفل وتستغل صناعة دعارة الأطفال 400000 طفل في الهند و 75000 في الفلبين و800000 في تايلاند و 100000 في تايوان و200000 في النيبال ومن 100000 إلى300000 طفل في الولايات المتحدة الأمريكية( ترتفع الأرقام إلى 2,4 مليون بإضافة مجموع صناعة الجنس)، و 500000 طفل في أمريكا اللاتينية. و يقدر عدد الأطفال البغايا في الصين بـ 200000 إلى 500000 طفل. وتتراوح التقديرات في البرازيل بين 500000 و 2 مليون و تقل أعمار 30% من العاهرات في كامبودج عن 17سنة و ترى بعض الدراسات أن طفلا بغيا يبيع خدماته الجنسية لـ 2000 شخص كل سنة. وكما أسلفت تمثل هذه الأرقام عدد الأطفال الذين يزج بهم سنويا أما عددهم الكلي التراكمي فيبلغ أضعاف هذه الأرقام
كما تركت العوامل النفسية أثرها الكبير على بعض شرائح المجتمع بما جعلها جاهزة للانخراط في هذا العمل حيث جاء في الإحصاءات أن 75 % إلى80 % من البغايا تعرضن لاستغلال جنسي في مرحلة طفولتهن وقد أثبتت دراسة حول عاهرات الشارع في إنجلترا أن 87 % من العاهرات كن ضحايا عنف خلال اثني عشر شهرا الأخيرة، و43 % منهن كن قد عانين من اعتداء جسدي خطير. وبينت دراسة أمريكية أن 78 % من المومسات كن ضحايا الاغتصاب من قوادين و زبائن بمعدل 49 مرة في السنة، وأن 49 % منهن كن ضحايا اختطاف وترحيل من دولة إلى أخرى و27% منهن تعرضن لتشويه جسدي.

علاج الظاهرة:
معنى هذا أن بحثهم عن علاج للظاهرة سيقتصر "على / وينبع من" تلك الأسباب المحددة التي أشاروا لها دون سواها، يؤكد ذلك طلبهم إيجاد السبل التي توقف أو تمنع البغاء الناتج عن الحاجة الاقتصادية أو المعيشية الماسة، أو بفعل العصابات الإجرامية التي تتاجر بجسد المرأة، أو بتفعيل رقابة الدول الشرقية على الظاهرة وتقنينها، أو بممارسة المرأة لحقوقها الكاملة والمتساوية ومنع التمييز عنها بما يساعدها على تجنب المزالق المحتملة في حياتها ولصالح بناء مستقبلها.
وكم تمنيت أن أقرأ عن حلول شاملة لكن للآسف كانت أغلب آراء المشاركين قد تأثرت بهذا الحث، حيث جاء عن المشاركة صبيحة شبر قولها: (كيف يمكن معالجة هذه الآفة الخطرة ، أو التخفيف من وخامة نتائجها على المرأة والمجتمع ؟ لابد أن تتضافر الجهود لانتشال فتياتنا الصغيرات من العمليات الإجرامية ، وان تتعاون منظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام والمدرسة والأسرة على كيفية تنشئة الفتيات تنشئة صحية يجب أن تربى الفتاة العربية تربية تحترم فيها الإنسان ، وتغرس في نفسها قيم الكرامة، يجب ان نسعى إلى إصدار قوانين تنصف المرأة ، وتنظر إليها ككائن إنساني، وهذا يستوجب تعليم الفتاة، وتأهيلها للقيام بالأعمال التي تدر عليها فائدة مادية ومعنوية ، كما إن توفير الحرية للفتاة، لاختيار الزوج المناسب الذي يشبع الحاجات المتعددة للإنسان، العاطفية والجسدية والفكرية، والحاجة الى الأمان ، والقدرة على التطليق، إن عجز الزواج من تحقيق نوع من الحياة مرغوب فيه )
أما المشارك عبد الله شمختي فيرى(الباحثين والمهتمين بالدراسات الاجتماعية يصيغون حلولا ومقترحات لمعالجة هذه الظاهرة ولكن اعتقد بان محاولة السيطرة على هذه الظاهرة وفى هذا العصر الذى اصبح العالم كقرية واحدة من الصعب جدا بل ومن غير الممكن معالجة هذه الظاهرة واصبحت ظاهرة ملازمة ومتلاصقة بهذا العصر) ويضيف قائلا:( نعم يمكن الحد من ظاهرة الاتجار بالجنس فى مناطقنا لو كانت الحكومات جادة فى هذا الجانب ويمكن وضع اليات محكمة وقوانين واجراءات صارمة لمن يمارسون هذه التجارة ،اما ظاهرة البغاء وممارسة الجنس فلايمكن ردعها والقضاء عليها فى الامد القريب لوجود مبررات الدخول الى ذلك العالم بعد)
قد تكون دعوة المشاركة سمية عريشة مقبولة حيث طالبت بـ (تحويل 80% من أموال الزكاة لبناء شقق صغيرة وتأجيرها للمتزوجين حديثا وباثبات عقد القران000 وفى حال الطلاق يصبح المنزل لمن سيتولى رعاية الأطفال منهما) ودعوتها إلى(- تمكين الشاب والفتاة بعد الزواج مباشرة بمشروع مشترك عن طريق مؤسسات المجتمع المدنى الوسيطة ضمن القروض المتوسطة والصغيرة للعمل به معا كتشجيع للزواج للطرفين) ولكن هل أن القيام بهذه الأعمال وحدها ممكن أن يساهم في حل المشكلة؟ ألم يسعى الغرب إلى توفير السكن لأغلب مواطنيه عزابا ومتزوجين ذكورا وإناث؟ فلماذا هذا الحجم الكبير للبغاء عندهم إذا؟ ثم أن الكاتبة لم تكن مقتنعة بالأساس بما جاءت به ولذا اعتقدت وظنت أن الخروج على القيم السماوية قد يساهم في معالجة الظاهرة كما في قولها: (تغيير الثقافة السائدة التى تعتبر شرف الفتاة مجرد غشاء بكارة يدفعانها الى الهروب او الغش باصطناع غشاء بمساعدة الأطباء والتكنولوجيا المستوردة فذلك أمر مرفوض إن قبله العلماني لا يقبله الديني أو غيلا العلماني بل حتى الناس العاديين في المجتمعات الدينية ممن لا يأبهون للدين يعترضون على هثل هذا الطرح) بل أن الكاتبة في سبيل إيجاد حل للمشكلة دعت إلى تطبيق النموذج الغربي في المعاشرة قبل الزواج للتجريب والتعلم فإن نجحت التجربة يتم إكمال باقي إجراءات الزواج الرسمي وألا فعلى الفتى والفتاة البحث عن شركاء جدد للتجريب مرة ثانية وثالثة وعاشرة إلى أن يتم الاتفاق حيث قالت:(مما يجعل تلك العلاقات المتوفر فيها شرط القبول والأيجاب برغم أنها بدون عقد ورقى مكتوب تتوفر فيها مناخ الزواج خاصة بقبول المجتمع لأقامة المحبين فى بيت واحد قبل الزواج ، مما يدعم تلك العلاقات ويعطيها فرصة النجاح أو التراجع فى حال اكتشاف تنافر الصفات بين الطرفين الرجل والمرأة 000مما يعطى الزواج الرسمى جدية كبيرة خاصة أن الطرف المتسبب فى الطلاق يخسر نصف ثروته لصالح الطرف المضار من ألانفال) ولا أدري فيما إذا كانت تهدف من وراء قولها هذا تبرئة الغرب من تجارة الجنس المزدهرة فيه الآن مع وجود المعاشرة التجريبية وكل أنواع المعاشرة الأخرى، أم ماذا!
المشارك حامد حمودي عباس من جانبه يدعي أن المجتمع الإنساني المريض هو الملام لأنه يقف بوجه معالجة الظاهرة ويساهم في تنميتها فيدعي:( جميع النساء اللواتي يمارسن البغاء طاهرات في صميم نفوسهن ويكرهن هذه المهنة الرخيصه ، وجميعهن ينزعن الى أي باب للخلاص من هذه العبودية المقيته ، غير أن المجتمع المريض أصلا لا يدعها تستعيد عافيتها وتتراجع عن مسارها الغير مريح.)
ويرى المشارك حسن عجمية أن علاج الظاهرة يتم عن طريق إلغاء مفهوم قوانين الجنس (ذكر / أنثى) "gender" من الحياة العامة ويقول (اعتبار الكائن الأنثوي كائن إنساني بإلغاء كل تعريف مرتبط بالجنس هو ما يؤدي إلى وصول التوافق والبناء المشترك لجميع العناصر المرتبطة بالحياة الإنسانية فالمهام والوظائف المؤهلة للقيادة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية يجب أن تكون مشتركة ومتوازنة – رئيس دولة إلى جانب رئيسة للدولة –رئيس وزراء ورئيسة وزراء – قاضي وقاضية – مدير ومديرة ..إلخ عندها يمكن أن نصل إلى الوحدة الإنسانية في المشاركة السياسية والاقتصادية وكل فعالية تندرج ضمن المهام الإنسانية) وهذا مخالف لأبسط مفاهيم التقسيم والتوظيف الجنسي والإمكانيات التركيبية والفسيولوجية التي تلائم جنسا ولا تلائم الجنس الآخر، ثم أن العالم الغربي ألغى منذ زمن بعيد أغلب الفوارق بين الجنسين ولكن ذلك كما هو معروف لم ينجح بإلغاء تجارة الجنس ولم يحد من انتشار البغاء بكل صوره بل حول الجنس إلى مشكلة كبيرة تهدد المجتمع بالانهيار الكلي، وهو ما سيحدث فعلا إذا لم تتم العودة إلى تطبيق العلاقات الإنسانية السوية في المجتمعات الغربية.
وهكذا نجد أن قانون النسبية يلعب لعبته بخصوص طرائق معالجة الظاهرة فكما هو معروف أن الأمم تتمايز في نظرتها للمعايير التي تحدد الصح والخطأ لكثير من السلوكيات والتصرفات وتبعا لذلك قد يبدو ما هو صحيح ومباح عندك خطأ وغير مباح عند الآخر وسنجد بالتالي منظومة متباينة من السبل التي يعتمدها كل مجتمع لمكافحة الظواهر الشاذة أو الخاطئة من وجهة نظره وليس من وجهة نظر الآخرين، وعليه قد لا تبدو الظاهرة حتى بمنظورها التجاري مشينة عند بعض الأمم، وتبدو عند غيرهم مشينة إذا كانت لأغراض تجارية ولكنها مباحة لأسباب أخرى، وتبدو عند طرف ثالث محرمة سواء كانت للتنفيس أو للتجارة ما دامت تمارس خارج قنواتها الفقهية والأخلاقية. هذه النسبية تعني أن علاج الظاهرة يعتمد على مدى تقييم المجتمع لها وفهمه لموجباتها.ومع ذلك لا يمكن حلها بالتجزئة والتقسيم أي أن يحاول كل باحث حل جانب معين منها يتعلق بالأسباب التي يعتقد أنها المفضية للتجارة الجنسية دون سواها، ومن الأمثلة على هذه الانتقائية آراء الكتاب المشاركين في ملف مؤسسة الحوار التي فيها الكثير من التماهي مع وجهة نظر المؤسسة، والتي تنبع عادة من رغبة جامحة للخروج على المألوف، والخروج على القيم الدينية والمثل المجتمعية الموروثة حسنها وقبيحها، وهي عادة تتطابق مع الأسباب التي عزا الكاتب المشارك ظاهرة البغاء إليها، فالكاتبة صبيحة شبر تقول: (ان الحرص على الفضيلة يجب ألا ينبع من الخوف والخشية من العقاب ، إنما من إرادة قوية وتصميم فعال على عدم التفريط بالكرامة ، فبداية البغاء قد تكون، في محاولة تحدي الأوامر الصارمة، التي تجد في الفتاة سبيلا الى المحافظة، على الشرف العائلي ... وحين تجد الفتاة امتناع أسرتها عن تحقيق رغبتها، تندفع إلى عمل يحمل إلى تلك الأسرة ما تكرهها، فقد تهرب من واقعها ظنا منها ان هروبها سوف يأتي بالحل الناجع) لقد مارست الطبقة الغنية في المجتمع العربي المغربي هذه التجربة بحث من الفرانكفونية وتخلت عن تشددها في موضوع غشاء البكارة ولم تعد تحاسب بناتها عليه، لكن ماذا كانت النتيجة؟ وتجيبنا الإحصاءات المغربية نفسها عن النتيجة في قولها أن الأعم الأغلب من بنات هذه الطبقة يمارسن البغاء وتحول بعضهن لممارسته تجاريا!
أما الكاتب عبد الله مشختي فيرى أن: (اطلاق الحريات العامة والشخصية فى ظل النظام الجديد المسمى بالعهد الديمقراطى والتى كانت ولازالت ديمقراطية مريضة وغير سالمة لافتقار العراقيين الالمام بهذه العملية اولا ولرغبة القوى السياسية العراقية والتى فى اغلبها هى اما دينية او قومية فى فصلها على مقاساتهم ومزاجياتهم بعيدا عن الاطر الحقيقية للنظام الديمقراطى او الدستورى) كتاب آخرون من المشاركين بالملف لهم آراء مقاربة منهم سمية عريشة التي تقول: ( تعرض فتيات ونساء للأغتصاب ، مما يصيبهن بحالات نفسية ورفض من المجتمع بتحميلهن السبب سواء ملبسهن أو طريقة سيرهن أو كشف شعورههن مما يشكل ضغطا يدفع بهن لبيع انفسهن لأول رجل طالب زواج ويفشلن بعد ذلك أو بالأنخراط فى تجارة الجنس مقابل المال كأنتقام من المجتمع أو لليأس من أمكانية ان يقبلهن المجتمع وأن يوافق شاب على الزواج بها برغم تعرضها للأغتصاب) والكاتب محمد البدري يرى أن: (المراة في هذه المنظومة العرب / اسلامية ضحية مزدوجه. فهي من جهة قوة عمل يمكن استغلالها مثلما يستغل الرجال وايضا حاملة للمتعة التي ما اسهل تحويلها لسلعة.)
فهل يعني هذا أن المرأة الغريبة ليست ضحية مزدوجة؟ إن الرأسمالية حولت المرأة إلى أداة دعائية مسلوبة الكرامة، والسينما الغربية حولتها إلى مجرد كائن مثير للغرائز، ومواقع الأفلام الإباحية أو ما يعرف بأفلام الراشدين حولتها إلى فأر تجارب حقير يستجيب لكل ما يطلبه الذكر منه بكل ما يسحق الكرامة من امتهان وازدراء، وحتى المنظومة الاشتراكية التي استغلت قوة عمل المرأة فقد كان الاستغلال لصالح الطبقة المتنفذة والمجتمع ألذكوري أكثر منه فائدة للمرأة نفسها. ألم يحولها كل هذا الفعل الهمجي إلى كائن يساهم في بث الفوضى الجنسية في العالم بدوافع شتى؟ وهو ما عابه حسين عجمية بقوله: (فالحقيقة العلمية تؤكد أن الفوضى الجنسية وعدم الوعي التام والدقيق لهذه العلاقات ، لا يمكن أن تخلق غير إنسان مسلوب العواطف والقيم الأخلاقية مما يجعل جميع الروابط القائمة على هذه العلاقات هامشيةٌ وبعيدة عن الوعي والمسؤولية ، ويصل فيها الإنسان لدرجة الحرمان من جميع الإمكانيات القادرة لتحقيق غايات اكبر وأوسع، وتصبح علاقة الإنسان بالإنسان مبنية على مجموعة من القواعد المنحرفة ألتي تؤدي إلى توسيع دائرة الرعب الداخلي للإنسان، وتشكيل خطراً حقيقياً على بنائه الداخلي ( النفسي والعقلي ) وتفقده إمكانيات العطاء الحر والإنساني.) أليست هذه هي النتيجة الحتمية لما وصلت إليه المرأة في المجتمع الغربي والتي وصفها الكاتب حسين عجمية وصفا لطيفا في موضوعه المعنون ( الجنس في واقع ما بعد الأديان) حيث قال: (وبدأت بالمقابل تنتشر مجموعة من الممارسات الانحلالية الناتجة عن التطور المغلوط للحضارة وعملية تأثيرها على واقع الإنسان المعاصر)
الذي أراه أن مسألة علاج ظاهرة تجارة الجنس باتت أمرا صعب التحقيق بعد أن ارتبطت بتجارة الجنس مجموعة كبيرة من الصناعات المكملة الأخرى التي تزدهر مبيعاتها مع ازدهار تجارة الجنس، فالجنس لم يعد عملا جسديا مشتركا بين اثنين وإنما تدخلت فيه مجموعة كبيرة جدا من العوامل التي خلقت صناعات تابعة وهو ما يقول عنة ريتشارد بولان: والصناعات الجنسية التابعة لها- الحانات ونوادي الراقصات والمواخير وصالونات التدليك ودور إنتاج الخلاعة ،الـخ – على اقتصاد خفي ضخم يراقبه قوادون مرتبطون بالجريمة المنظمة وتستفيد منها قوى الأمن الفاسدة. كما تنتفع المجموعات الفندقية الدولية وشركات الطيران والصناعة السياحية، بشكل واسع من صناعة التجارة الجنسية. بل حتى الحكومات مستفيدة منها: ففي سنة 1995 قدر أن مداخيل الدعارة في تايلاند تشكل ما بين 59 % و60% من ميزانية الحكومة. و في سنة 1998 قدرت منظمة العمل الدولية أن الدعارة تشكل بين 2% و14 % من مجموع الأنشطة الاقتصادية بتايلاند و إندونيسيا و ماليزيا و الفلبين .وحسب دراسة قام بها "بيشون وروبنسون" تجلب الصناعة السياحية 4 مليار دولار سنويا في تايلاند
لقد استعصى علاج ظاهرة البغاء يوم كانت أعداد الباغيات محدودة والعملية برمتها كانت تمثل هامشا مجتمعيا يكاد لا يذكر فهل من الممكن معالجتها اليوم وقد تطورت الأعداد وتضخمت حتى بات مجرد إحصائها صعبا؟ يكفي أن نطلع على إحصائية أوردها "بولان " لنعرف حجم المأساة التي تهدد المجتمع الإنساني كله حيث قال: يقدر عدد البغايا في تايلاند بـ 2 مليون وفي الفلبين 300000 وفي إندونيسيا 500000 و زهاء 8 مليون في الهند منهن 200000 من النيبال و 1 إلى 2 مليون في كوريا و 142000 في ماليزيا وبين 60000 و 200000 في فيتنام ومليون في الولايات المتحدة الأمريكية، وما بين 50000 إلى 70000 في إيطاليا و 25000 في هولندا وما بين 50000 وفي ألمانيا 400000
دعوة للبغاء الرسمي:
ورغم ما تقدم، ورغم بريق الشعارات المرفوعة، تصدر في بعض الأحيان عن أصحاب الشعارات أنفسهم دعوات غريبة تتعارض مع الخط العام للحياة كلها وليس مع تلك الشعارات فقط كأن يدعو الحوار وبعض من شارك في الكتابة عن ظاهرة المتاجرة بالجنس إلى "البغاء الرسمي" عن طريق تأسيس مواخير لممارسة البغاء لكي تتم السيطرة من خلالها على الأمراض الجنسية حيث قالت المؤسسة: (ومما يزيد الأمر خطورة هو احتمال نقل الأمراض المعدية عبر الجنس إلى المزيد من لناس, خاصة وأن ليست هناك دور خاصة لممارسة الجنس ومراقبة الدولة وأجهزتها الصحية على من يمارسن الجنس التجاري في الشوارع والأزقة وهو في كل الأحوال غير مراقب)
أي أن مؤسسة الحوار التي رفعت شعار محاربة تجارة الجنس تطالب بتأسيس مواخير خاصة للبغاء التجاري في البلدان الشرق أوسطية بحجة أن حصر البغايا في مكان واحد محكم الرقابة الصحية يمنع انتشار الأمراض الجنسية الكثيرة ومنها وأكثرها خطرا مرض نقص المناعة المكتسبة (الإيدز) فيما يبدو وكأنه خروج على نهج العلمانية الداعي لمنع المتاجرة بالجنس الذي تتبناه المؤسسة، وقد أثر هذا التعارض على المشاركين أنفسهم فذهب بعضهم إلى تجويز فتح المواخير وأعترض آخرون.
ومن المعارضين لهذه الدعوة الكاتب عبد الله شمختي الذي نسب ظاهرة تحديد دور خاصة في مناطق خاصة لممارسة البغاء إلى الاستعمار الرأسمالي فقال:( فى العراق ومنذ العهد الملكى كانت هذه الظاهرة موجودة ولكن بحدود ضيقة جدا وفى محلات خاصة ومجازة من قبل السلطات وهذا ايضا كان من نتاج الاستعمار البريطانى الطويل للعراق الذى امتد من سنوات الحرب العالمية الاولى والى بداية ثلاثينيات القرن الماضى فعليا والى نهاية الخمسيات بصورة غير مباشرة .) أي أنه يرفض ضمنيا تخصيص مناطق وأماكن خاصة لممارسة البغاء لأن ذلك من مخلفات الاستعمار ومساويء الرأسمالية.
والمشارك الكاتب حامد حمودي وضح اعتراضه في قوله: (لقد ظهرت في السابق دعوات منكره لحصر نطاق من يمارسن البغاء من النساء في أحياء بعينها تحددها عناوين مختاره تشير الى أنها أحياء لبيع الهوى ، وتمادى الحريصون على سلامة المجتمع ، الى حدود إقتراح شمول هذه الاحياء بالرعاية الصحية خوفا من انتقال الامراض المعديه .. وكأنهم يضعون بذلك تشريعا قانونيا لهذه الظاهره ، ويساهمون في إذلال كيانات بشرية مقابل توفير عوامل الأنس لكيانات أخرى)
لكن الكاتبة سمية عريشة أيدت رأي مؤسسة الحوار ودعت إلى:(الترخيص بممارسة الدعارة لتكون تحت اشراف وزارة الصحة وتكون برخصة وكشف طبى دورى وبطاقة مهنة دعارة ويدفع العاملون والعاملات فيها الضرائب والأشراف القانونى)
كذلك الكاتبة سعاد الفضلي التي جاء في بحثها ما يؤيد فكرة إقامة المواخير حيث قالت:(المدافعون عن تنظيم الدعارة في إطار قانوني يرون انها موجودة في كل الاحوال، ولن تتوقف سواء نظمتها الدولة أو تجاهلتها، غير ان تنظيمها سيعود بالنفع على الحكومة التي ستحصل ايرادات ضريبية كبيرة، وعلى العاملين بصناعة الجنس الذين سيتم حمايتهم من اخطار صحية واجتماعية كثيرة.)
أنا من جانبي أرى أن مجرد دعوة المؤسسة لتخصيص مثل هذه الأماكن وحصر الباغيات فيها يعني أنها لا تعترض على مشروع المتاجرة بالجنس بل تشجعه وتحث عليه، على أن يكون ضمن نطاق العمل المؤسساتي وخاضعا لقانون الضرائب، أي أنها تريد مأسسة تجارة الجنس، وألا كيف نفسر قيام المرأة بالمغامرة والدخول إلى مثل هذه الأماكن لإشباع رغبتها الجنسية ما دامت قادرة على إشباعها مجانا في أماكن أخرى،هذا يعني أنها تأتيها بائعة (متاجرة) تعرض جسدها للبيع على من يقصد مثل هذه المناطق بحثا عن السلع المعروضة فيها للشراء، ومتى ما تم البيع والشراء تحولت العملية إلى متاجرة. أما الدول التي أنشأت مواخير للدعارة الرسمية من اليونان إلى تركيا وهولندا وإيطاليا وألمانيا وأغلب جمهوريات الإتحاد السوفيتي السابق فإنها متى ما شعرت بنقص أعداد العاملات فيها تدفع عملائها للذهاب إلى البلدان الأوربية والآسيوية والأفريقية الفقيرة لجلب عشرات الفتيات الباحثات عن الشهرة والمال للعمل، أو اللواتي سحقهن الفقر والحاجة في هذه المواخير وسد حاجتها
فكيف توفق المؤسسة بين هذه المتناقضات؟ وإذا كانت تحمل مثل هذا التوجه هل من حقها الطعن بزواج المتعة أو زواج المسيار مثلا؟

المتعة والمسيار:
ولم يقف الأمر عند هذا الحد من التعارض وإنما تضاربت آراء الباحثين في مواضيع أخرى لها علاقة حسب رأيهم بالبغاء مثل زواج المتعة والمسيار وما شابهها من الزيجات الحديثة التي فرضتها حركة التاريخ حيث دعت سمية عريشة إلى إباحة هذه الزيجات فقالت(سن القوانين وتفعيلها لحماية العلاقات الشخصية ونشر ثقافة تدعمها فى المجتمع00 وعدم تجريم العلاقة الشخصية مجتمعيا تقنين حق الشباب فى الحياة الشخصية ، ومن ثم قبول الزواج العرفي مع توعية الشباب من خلال وسائل الاعلام سرية الانتشار والتأثير لضرورة منع الحمل فى تلك المرحلة000ومنع تجريمة او مهاجمته من قبل رجال الدين المتشددين الذين يغلقون الامل فى وجه الشباب بينما هم يتزوجون مثني وثلاث ورباع)
عبد الله مشختي لا يتفق مع الكاتبة فيما ذهبت إليه ويقول:( ان مجتمعاتنا اليوم انقسمت الى طرفين بين الرضى بوجود هذه الظاهرة اى البغاء وبين الرافضين لها وحتى الرافضين لها قد قاموا بخلق وسائل وعملوا على اصدار فتاوى تفتح الباب لهذه الظاهرة مثل زواج المتعة والمسيار والبينة وغيرها من انواع الزواج التى لو دققت فيها لتحول الى نوع من ظاهرة البغاء وممارسة الجنس الغير المشروع .وانه هناك انظمة ودول وجهات رسمية ودينية تقف وراء الترويج لهذه الانواع من الزواج وفتحت لهذا الغرض مكاتب خاصة للقيام بالمطلوب لهذه العمليات الجنسية التى يسمونها المشروعة فى مجتمعنا الشرقى الاسلامى خاصة) [ طبعا كالعادة لم أقم بإجراء التصحيحات اللغوية] فهل يوجد بغاء مشروع بعرف هذا الكاتب لكي يكون زواج المتعة والمسيار غير مشروع؟ وما هي الجهة التي تشرعن أنواع البغاء؟ وهل المشروعية الصادرة عنها فقهية أم أخلاقية أم ماذا؟
عبده جميل أللهبي يختلف مع الاثنين في بحثه الموسوم ( الجنس في الديانات ... من البغاء المقدس إلى مجتمعات المشاع) لأنه لا يرفض فقط هذه الأنواع من الزيجات وإنما يعتبر كل أنواع الزواج الرسمي وغير الرسمي، الدائم والمنقطع أنماطا للمجتمعات المتخلفة واحتكارا ذاتيا للذة الأنانية ولذا قال: (أن الزواج الانجابي يمثل احد انماط المجتمعات المتخلفة وليس له دور غير ضخ المزيد من كرات الهيدروكربون الى جيوش البطالة واتساع رقعة الفقر وتجلي الاحتكار الذاتي والذة الانانية ....ان القيم الجنسية الذكورية والانثوية للثقافات والاديان هي انعكاس للهيمنة الاقتصادية والاجتماعية لأحدهما وسيطرته على الاخر... الامر الذي يجعل من الاهمية بمكان المساوات بين الجنسين في الحقوق والواجبات لاقامة ثقافة انسانية عادلة وقيمه على انقاض الثقافات المتحيزة من قبيل "اضربوهن ضربا غير مبرح) [[هنا أيضا لم أتدخل لإجراء التصحيحات اللغوية]] ولكني أريد القول للأخ الكاتب: أنه لا ينكر أن إسرائيل ولأسباب كثيرة لا مجال للخوض فيها أعطت للمرأة كامل حقوقها تقريبا لكن ماذا كانت النتيجة؟ أن التقرير الذي أعدته لجنة التحقيق البرلمانية برئاسة عضو الكنيست الإسرائيلي "زهافا جعلون" رئيسة لجنة التحقيق أفاد بأن حجم الاتجار بالنساء في إسرائيل يبلغ قرابة المليار شيكل (235 مليون دولار) في العام الواحد. وانه جرى خلال السنوات الماضية تهريب ما بين 3000 إلى 5000 امرأة من الخارج إلى إسرائيل لغرض تشغيلهم بالدعارة. وتباع الواحدة منهن بمبلغ يتراوح بين ثمانية إلى عشرة آلاف دولار. وهؤلاء النساء يعملن سبعة أيام في الأسبوع من14 إلى 18 ساعة يوميا. وتبين من معطيات التقرير انه توجد في إسرائيل حاليا أكثر من عشرة آلاف فتاة من اللواتي جرى تهريبهن إليها للعمل في الدعارة، وهن يعملن في 400 بيت دعارة.

جواب وأمنية
ما أريد قوله بعد هذا الإسهاب والإطالة أن محاربة كافة أنواع البغاء يجب أن تحضى بعناية المصلحين واهتمامهم وليس تجارة الجنس وحدها، فممارسة الجنس المنفلت باتت تشكل اليوم خطرا حقيقيا على العالم كله ولذا بادر المصلحون والمفكرون إلى تحذير مجتمعاتهم من خطر القنبلة الجنسية التي يقول عنها (جيمس رستون): (إن خطر الطاقة الجنسية قد يكون في نهاية الأمر أكبر من خطر الطاقة الذرية) أو كما هو رأي (جورج بالوشي) الوارد في كتابه: ( الثورة الجنسية ): (لا يفتقر العالم إلى عناصر بشرية تقلق الأهمية المتزايدة التي يكتسبها الجنس في حياتنا اليومية وتشعر بالخطر إذ تري موجة العري وغارات الجنس لا تنقطع ينشغل هؤلاء الناس انشغالاً جاداً بالقوة الهائلة التي يمكن أن تصل إليها الحاجة الجنسية إذا لم يحدها الخوف من الجحيم، أو الأمراض السارية، والحمل. وفى رأيهم أن أطناناً من القنابل الجنسية تتفجر كل يوم، وتترتب عليها آثار تدعو إلى القلق، قد لا يجعل أطفالنا وحوشاً أخلاقية فحسب بل قد تشوه مجتمعات بأسرها)
ومن يتابع معركة البشرية الدائرة اليوم ضد البغاء يجد أن التساهل في أمر ممارستها منذ البداية وعدم وضع الدول لقوانين تنظم ممارستها ومساراتها هو سبب المشكلة الكبرى، وأن تجارة الجنس إنما هي مجرد ناتج عرضي لهذه الإباحة غير المحمودة وواحد من تداعيات الانفلات ولذا لا يمكن بأي حال من الأحوال محاربة تجارة البغاء وحدها أو الاكتفاء بإدانتها دون سواها من أشكال البغاء الأخرى.
أخيرا لا بأس أن نجيب على أسئلة المؤسسة ، فالمؤسسة وجهت مجموعة من الأسئلة وكانت تأمل بالباحثين الكتابة في مضمونها ولكن أغلب المواضيع لم تتناغم مع هذه الدعوة، وهذه الأسئلة هي:
1. كيف يمكن منع البغاء الناتج عن الحاجة الاقتصادية أو المعيشية الماسة التي لا تجد المرأة سوى درب البغاء لتوفير لقمة العيش؟
ج. ما دامت الجوانب الأخرى للبغاء متاحة ومعمول بها وتلقى قبولا من المجتمع والمؤسسات لا يمكن منع تجارة الجنس. وما دام التوزيع غير العادل للثروات قائم لا يمكن منع تجارة الجنس، وما دام الحراك الطائفي والتهجير والتدمير والتفجير قائم لا يمكن القضاء على تجارة الجنس، وما دام كل حزب وفئة ومجموعة ومؤسسة تعمل على تطبيق أيديولوجيتها وإبطال كل الإيديولوجيات الأخرى لا يمكن القضاء على تجارة الجنس، وما دام الحكام مشغولون بحماية أنفسهم للبقاء على الكرسي أطول مدة ممكنة دون أن يلتفتوا لمعاناة شعوبهم لا يمكن القضاء على تجارة الجنس، وما دامت الأفكار الوضعية تجاهد لتسقيط الفكر الديني لن يتم القضاء على تجارة الجنس، بل أن الهجمة ضد الدين يرافقها عادة زيادة في نسب ممارسة البغاء بأنواعه!
2. كيف يمكن "منع" (كلمة منع وردت في الأصل خطا) محاربة العصابات الإجرامية التي تتاجر بجسد المرأة وتحولها إلى أداة لكسب المال وبالرغم منها وتأمين الضمان الاجتماعي لها؟
ج. عندما ننجح بالقضاء على العصابات الإرهابية الطائفية ونقيم دولة القانون التي يقف أمامها الشعب بالتساوي وتتاح الفرص للجميع بالتساوي ويحترم كل منا الآخر وفكره وعقيدته!
3. كيف يمكن حماية النساء وأبناء شعوب المنطقة من الإصابة بالأمراض المعدية وخاصة مرض نقص المناعة (الأدز) وعواقبه الوخيمة؟
ج. عندما نبني قواعد سلوكية إيمانية قائمة على احترام حق الإنسان بالعيش الكريم بعيدا عن كل أنواع الاستغلال بما فية الاستغلال الجنسي، ونبني ثقافة مجتمعية يعرف من خلالها المواطن حقوقه وواجباته!
4. كيف يمكن لدول الشرق الوسط أن تمارس رقابتها على مثل هذه الحرفة التي هي من أقدم الحرف في العالم؟
ج. متى ما نجح الغرب الذي هو أكثر منا تقدما في ممارسة الرقابة على البغاء عامة وتجارة الجنس خاصة ونجح في الحد من تضخمها السرطاني، سوف نقوم نحن بتطبيق نفس قواعدهم!
5. كيف يمكن تجنيب أطفال وعائلات البغايا من الوقوع بنفس المشكلة بسبب الدور الذي يمارسه القوادون أو عصابات الجريمة المنظمة التي تعمل في مجال التجارة بالنساء والجنس؟
ج.إذا نجحنا بتجنيب أمهاتهم وأخواتهم من العمل في تجارة البغاء ننجح في تجنيبهم الوقوع في المشكلة، أما أن تشاهد الطفلة والدتها تمارس البغاء أمام عينها عشرات المرات يوميا فلا توجد قوة في الكون ممكن أن تجنب هذه الفتاة البريئة من مزالق الانحدار نحو ممارسة البغاء مثل أمها أو أختها الكبرى!
6. كيف نؤمن ممارسة المرأة لحقوقها الكاملة والمتساوية ومنع التمييز عنها بما يساعدها على تجنب المزا لق المحتملة في حياتها ولصالح بناء مستقبلها؟
ج. متى ما نجح العالم الرأسمالي أو العالم الاشتراكي أو أي نظام عالمي آخر بإعطائها حقوقها وساوى بينها وبين الرجل! ولكن ثقوا أنه حتى لو تم ذلك وأصبحت المرأة مساوية للرجل في كل شيء فإن البغاء والتجارة الجنسية سيبقيان مزدهران لأنه يستحيل أن تكون المساواة في كل شيء ولاسيما في الجانب المادي حيث تبقى الفروق المادية قائمة وتبقى الحاجة للمال واحدة من أسباب البغاء الكثيرة الأخرى.
آخر ما أريد قوله : إن المتاجرة بالكلمات الرنانة لن تنجح بالقضاء على المتاجرة بالجنس مهما كان صوتها عاليا، ولذا أتمنى أن تتعاون كل المرجعيات الدينية والعلمانية والسياسية والأخلاقية والصحية والعلمية لمحاربة هذه الظاهرة المدمرة قبل أن تستفحل وتتحول إلى وباء يقوض مجتمعنا الآيل للسقوط بسبب كثرة معاناته ومشاكله.




#صالح_الطائي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نحن والآخر والاهتمام المتبادل


المزيد.....




- بتدوينة عن حال العالم العربي.. رغد صدام حسين: رؤية والدي سبق ...
- وزير الخارجية السعودي: الجهود الدولية لوقف إطلاق النار في غز ...
- صواريخ صدام ومسيرات إيران: ما الفرق بين هجمات 1991 و2024 ضد ...
- وزير الطاقة الإسرائيلي من دبي: أثبتت أحداث الأسابيع الماضية ...
- -بعضها مخيف للغاية-.. مسؤول أمريكي: أي تطور جديد بين إسرائيل ...
- السفارة الروسية في باريس: لم نتلق دعوة لحضور الاحتفال بذكرى ...
- أردوغان يحمل نتنياهو المسؤولية عن تصعيد التوتر في الشرق الأو ...
- سلطنة عمان.. مشاهد تحبس الأنفاس لإنقاذ عالقين وسط السيول وار ...
- -سي إن إن-: الولايات المتحدة قد تختلف مع إسرائيل إذا قررت ال ...
- مجلة -نيوزويك- تكشف عن مصير المحتمل لـ-عاصمة أوكرانيا الثاني ...


المزيد.....

- الروبوت في الانتاج الراسمالي وفي الانتاج الاشتراكي / حسقيل قوجمان
- ظاهرة البغاء بين الدينية والعلمانية / صالح الطائي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ملف : ظاهرة البغاء والمتاجرة بالجنس - صالح الطائي - ظاهرة البغاء بين الدينية والعلمانية