أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نضال الصالح - ضائعة بين عالمين














المزيد.....

ضائعة بين عالمين


نضال الصالح

الحوار المتمدن-العدد: 2869 - 2009 / 12 / 26 - 20:39
المحور: الادب والفن
    


إتصلت بي مديرة قسم رعاية الشابات والشباب في وزارة التربية والتعليم السلوفاكية ورجتني أن أزورها في مكتبها. القسم يرعى طالبات وطلاب المدارس ويقوم على حل مشاكلهم النفسية في المدرسة وفي البيت. العاملون في القسم، جلهم إختصاصيون في علم نفس وعلم إجتماع، يقومون بزيارة المدارس وبالتعاون مع المدرسة والأهل يقومون بمحاولة حل مشاكل الطلاب ذوي السلوك الشاذ مثل المشاغبة في الصف وخارجه وعدم التركيز والتشويش على الآخرين وإلى آخره من المشاكل الطلابية.
قمت بزيارتها في الوقت واليوم الذي إتفقنا عليه. إستقبلتني المديرة في مكتبها وكان معها في الغرفة رجل وإمرأة غريبان وصديقة لي، إخصائية علم نفس، تعمل في نفس القسم. رحبت بي المديرة وشكرتني على تلبية دعوتها ثم قدمت لي الغريبين. عرضت علي القهوة أو الشاي فطلبت كأسا من الماء.
قالت المسؤولة موجهة الكلام لي:" عندنا مشكلة نريد أن تساعدنا في حلها وسأدع الوالدين،وأشارت إلى الرجل والمرأة الغريبين، بأن يشرحاها لك. إنها قضية تتعلق بالدين ولا يسع قسمنا المساعدة في هذا المجال ولذلك وبناء على إقتراح صديقتك دعوناك للمساعدة."
نظر الزوج إلي وقال:" عندنا إبنة وحيدة، كانت دائما قرة أعيننا ومصدرا لفخرنا. دراستها في المدرسة وسلوكها جيدان ومحل تقدير من المعلمين والمعلمات. قبل عدة أشهر تعرفت على مجموعة من المسلمين، أثروا فيها فتحولت إلى الإسلام وما كنا سنعارض ذلك لو بقي الأمر عند ذلك. أصبحت تعادينا، تتهمنا بالإلحاد والكفر، لا تأكل أكلنا ولا تشرب شربنا. لبست الحجاب وتحولت إلى مشاكسة وعنيدة، ليس في البيت فقط ولكن في المدرسة أيضا وتأخرت في دروسها حتى أصبحت مزعجة للمعلمات والطالبات وبلغ الأمر حدا أنها إستلمت من المدرسة إنذارا. لم نعد نستطيع الحديث معها، إنها تصرخ في وجهنا وتعاملنا معاملة سيئة. ترفض الإحتفال معنا في عيد الميلاد وتعتبره كفرا، ترفض الجلوس معنا وتعزل نفسها عنا. لم نترك وسيلة إلا وجربناها معها ولكننا فشلنا ولا ندري ماذا نفعل. إنها إبنتنا الوحيدة."
بعد مداولة بيننا إتفقنا على أن أزورهم في البيت وإتفقنا على موعد تكون فيه البنت موجودة. ذهبت مع صديقتي الإخصائية النفسية. إستقبلنا الوالدان ودعونا إلى غرفة الجلوس. كان يبدوا عليهما التعب والحيرة. جاءت الفتاة، أومأت برأسها وجلست بعيدا عنا. كانت تلبس حجابا يغطي شعرها ورقبتها ولكنه لم يخف جمالها. مددت يدي لها فرفضتها وجلست صامته وفي عيونها علامات التحدي. أخبرتها بأنني مسلم فأجابت بأنها تعرف وعلقت بأن الشباب أخبروها أنني خرجت عن الإسلام الصحيح، فلم أعلق على ذلك.
سألتها إن كانت قد قرأت القرآن فأجابت، قليلا. قلت لها هل تعلمين بأن إطاعة الوالدين فرض من فروض الإسلام وأن إطاعتهما تأتي بعد إطاعة الله، والقرآن يقول:" ولا تقل لهما أف" وهي أبسط العلامات على الرفض والإستنكار؟" أجابت بأنه لا طاعة لكافر. فشرحت لها بأن القرآن يعتبر المسيحيين أهل كتاب ولا يعتبرهم كفار والنبي محمد تزوج مسيحية. قالت بأن والداها لا يحترمان دينها وضربت مثلا بأنهما يمسكان القرآن وهما غير طاهرين. طلبت منها أن تحضر القرآن فأحضرت واحدا باللغة العربية وآخر مترجم باللغة التشيكية. قلت لها مشيرا إلى القرآن: "إنه كتاب مطبوع في مطبعة، يطبعه ويصف حروفه ويقوم على تجليده عمال، بشر، فهل تعتقدين بأنهم أثناء عملهم يقومون بالإغتسال والتطهر؟ ثم أضفت قائلا:" يا بنيتي: " أنا أعلم أن بعض الدول العربية كانت تطبع القرآن في بلاد غربية ومنها التشيك."شرحت لها بأن معنى "ولا يمسه إلا المطهرون" أنه لن يفهمه ويتقبله إلا طاهرو القلب والنفس."
تطرقنا إلى رفضها الإشتراك مع العائلة في عيد الميلاد فسألتها: " ما الكفر في أن تجلس العائلة في جو هادئ عائلي بجانب شجرة خضراء تدل على الخير الدائم مزينة بالشموع والرذاذ الأبيض ليدل على الشتاء والثلوج، يأكلون مع بعضهم البعض في جو عائلي ويتبادلون الهدايا؟" ثم تابعت:" عيد الميلاد ليس له علاقة بالمسيحية لأننا لا نعرف متى ولد المسيح وهو عيد قديم أخذته روما عن الفرس ثم حولته إلى عيد مسيحي. لقد إحتفل الشيوعيون به أيام النظام الإشتراكي ودعوه عيد العائلة، عيد المحبة والهدوء وهو فعلا كذلك ولا يوجد فيه أي طقوس تدل على الكفر والإلحاد.
تحدثت عن أكل الخنزير فعلقت والدتها بأنهم لم يجبروها على أكله، حتى أنهم عرضوا عليها أن يشطبوه من قائمة طعامهم وأن لا يطبخوه إكراما لها.
تحدثنا وتحدثنا وشعرت كأنها إسطوانة تدور على نفسها وحاسوب مبرمج بنظام يرفض قبول أي من المعلومات المعارضة أو الجديدة. كلما خرجنا من موضوع ظننت أنه قد فند وحل، خرجت علينا بآخر جديد. والداها بالنسبة لها "هم"، وهم هذه تعني المجهول، الآخر، المرفوض، الكافر. كان والدها يقاطعنا ويقول: " إن كان الإسلام كما يقول الدكتور نضال فأنا أول المسلمين." ولكن لا شيئ نفع، فهي آمنت بما قاله له "الشباب" في حلقاتهم التدريسية.
أنهيت حديثي معها ببعض الكلمات، قلت لها:" لم آت هنا لأقنعك بشيئ. إنخفاض مستواك الدراسي في المدرسة وشكوى إدارة المدرسة منك بعد أن كنت في الطليعة يدل على عطل ما وحتى هذا هو من شأنك، ولك أن تؤمني بأي شيئ تريدين وأنت حرة ولا أحد يستطيع أن يضغط عليك، ولكنني حضرت لأخبرك بأن إرضاء الوالدين هو فرض عليك وإن قمت بإغضابهم فلا بك ولا بإسلامك، وإذا قال الشباب لك غير ذلك فأنا لست من دينهم ولا على إسلامهم". ثم نهضت فقدمت لها يدي مودعا فترددت في أخذها ثم صافحتني بخجل وإرتباك.
خرجت مع صديقتي الإخصائية في علم النفس وتوجهنا نحو السيارة وإذا بالفتاة تلحق بنا وتطلب مني كلمة على إنفراد. قالت بصوت خافت متردد: " أنا ضائعة بين عالمين ولا أدري ماذا أعمل." قلت لها:" إستعملي عقلك وأسألي قلبك ثم قرري، ولكن مهما قررت فتذكري ما قلته لك،" إن إرضاء الوالدين هو من إرضاء الله." ثم جلسنا وصديقتي في السيارة ورحلنا وهي ما زالت واقفة ضائعة على عتبة عالمين.

د. نضال الصالح/ فلسطين




#نضال_الصالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رسالة إلى المرحومة أمي عادت لخطأ في العنوان
- ما بين ساقيها وعقلها
- يساريون لا يزالون يعيشون في الماضي
- في الذكرى الثامنة لتأسيس الحوار المتمدن
- كيف رفع الشيوعيون القدماء في الدول الإشتراكية شعار العداء لل ...
- لمن نكتب وهل من يقرأ؟
- الحقائق التاريخية والعلمية مقابل النص المقدس
- التدين واليسار
- صراع مع الموت
- الحذاء
- الشيوعي وسقوط الحلم
- العلاج بواسطة الصلاة عن بعد
- كيف جرى تزوير تاريخ فلسطين والشرق الأدنى القديم
- الصديقة
- الحائرة
- عقال الباشا
- الملاك
- هل هناك حياة أخرى موازية لحياتنا على الأرض؟
- تعالوا نحطم مرايانا
- كيفية ظهور - الله- في الوعي العربي


المزيد.....




- الفنانة يسرا: فرحانة إني عملت -شقو- ودوري مليان شر (فيديو)
- حوار قديم مع الراحل صلاح السعدني يكشف عن حبه لرئيس مصري ساب ...
- تجربة الروائي الراحل إلياس فركوح.. السرد والسيرة والانعتاق م ...
- قصة علم النَّحو.. نشأته وأعلامه ومدارسه وتطوّره
- قريبه يكشف.. كيف دخل صلاح السعدني عالم التمثيل؟
- بالأرقام.. 4 أفلام مصرية تنافس من حيث الإيرادات في موسم عيد ...
- الموسيقى الحزينة قد تفيد صحتك.. ألبوم تايلور سويفت الجديد مث ...
- أحمد عز ومحمد إمام.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وأفضل الأعم ...
- تيلور سويفت تفاجئ الجمهور بألبومها الجديد
- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نضال الصالح - ضائعة بين عالمين