أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طارق قديس - متاهة الأعراب في برامج الأحزاب














المزيد.....

متاهة الأعراب في برامج الأحزاب


طارق قديس

الحوار المتمدن-العدد: 2866 - 2009 / 12 / 23 - 15:03
المحور: الادب والفن
    


جلس بهدوء على الأريكة في غرفة الجلوس ، بدأ يرشف فنجان القهوة، والسيجارة مخنوقة بين إصبعيه : السبابة والوسطى ، فيما عيناه تنظران بتفرس إلى كومة الأوراق المبعثرة على المنضدة أمامه ، والأفكار تعصف بدماغه ماحيةُ كلَّ صورةٍ منه إلا صورة تلك الكومة من الأوراق.

لم تكن تلك الأوراق سوى باقة من بعض برامج الأحزاب التي تمكن أخيراً من احتوائها بين يديه .

لم ينتظر طويلاً حتى أنكب على قراءتها ورقة ورقة ، وقد طار الهدوء من جسده ، ليحط مكانه العرق المتصبب منه شيئاً فشيئاً.

هو نفسه لم يكن حزبياً ، لكنه أراد أن يتمرد على حالته الفردية ، لينهض بالمجتمع نحو الأفضل ، وقد حمله وخز الرغبة على مطالعة تلك البرامج ، ليرى مواطن التقاطعات بين ما تقدمه وما يقبع في ذهنه من أفكار.

الدهشة كانت كبيرة ، فلكم كان عصيَّاً عليه أن يرى الكثير من الأحزاب يخوض سباق الكسب الجماهيري ببرامج ضبابية الملامح ، فارغة المضمون ، ومجرد سطورٍ حماسية دُلقت بالحبر على الورق الأبيض ذرَاً للرماد في العيون.

لقد تاه في تلك الكلمات الرنانة ، والبرامج الفارغة ، وأشفق في قرارة نفسه على من هم على شاكلته ، يبحثون عن ضالتهم في تلك البرامج.

لقد امتقع وجهه وهو يرى نفسه غريباً عن حلمه الوردي ، وعن تلك الأحزاب التي انتشرت كرمل البحر ، وضاهى عددها عدد النجوم في السماء ، وانقلب بعضها على بعض، دون أن تكسب قلوب الناس ، وتُحدث إزاحة في عقولهم على مستوى الارتقاء الاجتماعي.

أمام هذا الواقع ، وفيما الحزن يعسكر في صدره ، قرر أن يتمرد على الوضع الراهن ، وأن يعدل من تكتيكه شيئاً بسيطاً ، قرر أن يتخلى عن كل تلك الأحزاب جميعاً، وأن يؤسس لنفسه حزباً خاصاً ، وبعبارة أخرى أن يُفصِّلَ حزباً على هواه ، حزباً له وحده ، هو مؤسسه ، أمينه العام ، وعضوه الدائم ، هو من يدعو للانتخابات المركزية ، وهو المرشح الوحيد ، وهو من يضع البرنامج العام ، والشعارات حسب مقتضى الظروف ... أي باختصار هو الكل في الكل ، وبذلك يضمن ألا يختلف مع أحد في شاردة أو واردة مهما تعددت الآراء وتنوَّعت.

قرر أن يؤسس ذلك الحزب ، وأسسه فعلاً ، ووقف على المنصة في منزله ، وألقى بيانه الأول ، ثم جلس على الكرسي ، واستمع إلى نفسه بعد أن انتهى من إلقائه ، وقد سجله على هاتفه النقَّال.

في اليوم التالي ، ونظراً للمستجدات الدولية ، ألقى بيانه الثاني ، شاجباً ما ورد في بيانه الأول ، وكذا في اليوم الثالث ، والرابع.

وها هو بعد عدة أيام فقط على تأسيس الحزب ، عاد إلى جلسته الأولى ، عاد ليرشف فنجان القهوة ، والسيجارة في ذات المكان ، بعد أن تبدد طموحه الأخير ، وقد استقال من الحزب لمجرد اختلافٍ مع نفسه في وجهات النظر!

عاد إلى أريكته ، لكنه عاد إليها هذه المرة ، وقد نأى بنفسه عن تلك الأوراق المبعثرة فوق المنضدة هنا وهناك ، فالمنضدة خاليةٌ من أية آثار تذكر ، خاليةٌ تماماً إلا من ذكرى مسيرته في تلك المتاهة ، تلك المتاهة التي كان يحلو له أن يدعوها من وقت لآخر " متاهة الأعراب في برامج الأحزاب".

لقد عاد وفي رأسه تتصارع عشرات الأسئلة حول ما حصل ، ولكن دون إجاباتٍ شافية ، عاد وهو يردد السؤال تلو الآخر : هل تراه قد فشل لأنه مثل الكثيرين يحب المعارضة من أجل المعارضة ، حتى وإن عارض نفسه في آخر المطاف؟ أم تراه قد فشل تأكيداً للشعار القائل بأننا قد اتفقنا على ألا نتفق؟ أم تراه قد فشل في تجربته مع الآخرين ونفسه على حدٍّ سواء لأنه – ببساطة – كان يعاني من حالة انفصال في الشخصية؟



#طارق_قديس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يا أوباما .. إنما الأعمالُ بالنيّات!
- دليل الحيران إلى مسلسلات رمضان
- رُبى
- دُكَّان حسن شحاته
- ليلة سقوط الأقنعة في لبنان
- قبل وبعد
- قراءة في حج الحَبْر الأعظم
- الرقص مع محور الشر
- فوبيا إنفلونزا الخنازير
- العروق المفتوحة لأمريكا اللاتينية
- عزازيل
- إسرائيل بين حماس وشاليط
- التُرابي والمحكمة الجنائية الدولية
- جريمة في خان الخليلي
- في انتظار مروان البرغوثي !
- اختطاف الشارع الفلسطيني
- هل أردوغان زوبعة في فنجان؟
- باي باي غوانتنامو !
- فواتير الحرب والسلام
- العرب ظاهرة فوق صوتية !


المزيد.....




- أحمد عز ومحمد إمام.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وأفضل الأعم ...
- تيلور سويفت تفاجئ الجمهور بألبومها الجديد
- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...
- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طارق قديس - متاهة الأعراب في برامج الأحزاب