أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالحميد البرنس - أسير العبارة (رواية)- 20














المزيد.....

أسير العبارة (رواية)- 20


عبدالحميد البرنس

الحوار المتمدن-العدد: 2884 - 2010 / 1 / 10 - 00:12
المحور: الادب والفن
    


كان يوما عاديا من أيام شهر سبتمبر. كنت أسير في شارع "سرجنت" صحبة ياسر كوكو. "أماندا" كانت في زيارة لصديقتها القديمة "جيسكا". لم يكن لدي ما أفعله إلى حين عودتها آخر المساء. كان الوقت يعبر منتصف عصره حين تجاوزنا تقاطع "سرجنت" مع شارع "تورنتو". كنّا نسير في اتجاه "بورتج بليس" حيث حلقة المنفيين الغرباء لا تزال تعقد لواء الونسة والذكريات. لقد تغير ياسر كوكو خلال العامين الماضيين كثيرا. كنت أراه في كل مرة فأشعر وكأنه شخصية خارجة للتو من احدى أغنيات "الراب". الآن، بدا يشبه لي "فيفتي سنت" إلى درجة بعيدة. الرأس الحليقة، غطاء الرأس، النظارات السوداء، السلاسل الفضية الطويلة، البنطلون يكاد يسقط في أية لحظة، "التي شيرت" الواسع الفضفاض، ومشية العصابات السوداء في حي هارلم. كان قد شرع في التقاط بعض الكلمات الانجليزية والعبارات. "فك يو". "صن أوف ذا بيتش". "سي يو". "قو تو هيل". "آي لف يو". كان سعيدا ومعتزا بمغامراته النسائية العابرة وقد عرف طريقه إلى النوادي الليلية منذ الأيام الأولى على وصوله إلى كندا.
- "تعرف، يا حامد، أنا عبقري".
- "كيف"؟.
- أنا هسي ماشي معاك في كندا، والبنات بتوقعوا فيني زي المطر، دا ما عبقري"؟.
- "طبعا طبعا، يا ياسر".
- "قلت لأخوي في السودان أنا زهجان ماشي مصر، قال لي يا زول الله معاك، قشة ما تعتر ليك، بس تاكل نارك، ما ترسل لي تقول لي أنا عايز قروش، والله دينك يطلع هناك، المهم يا زول أخوك في مصر دي تعب تعب الموت لغاية ما مشيت يوم القهوة، طلبت شاي وراسي ضارب، سمعت هناك سودانيين بتونسوا، قالوا في ناس بتسافر تعيش مع الخواجات لكين لازم يكون عندك "قضية " تمشي بيهو تقنع بيهو الخواجات، سألتهم والقضية دا نلقاهو وين، قالوا في ناس تدفع ليهم قروش يعملوا ليك "قضية"، المهم أخوك مسك واحد منهم، قلت ليهو أنا أخوك في غربة لازم تساعدني، كان زول طيب، قال لي بكرة الصباح نتقابل يا ياسر في ميدان التحرير نمشي الأمم المتحدة، وطوالي في القهوة ديك قال لي أنا عايز بيانات بتاعك، يعني اسمك وغيره، لما البنت بتاع المكتب سمع كلامي بعد المقابلة اقتنع، دا ما عبقري"؟.

أثناء سيرنا في شارع "سرجنت". سقط قلبي تحت أقدامي. شيء ثقيل يسحب روحي بعيدا. حلقي جاف. ثمة غلالة ملحية تعشي عينيَّ. لم أكن أسمعه. للحظة خيل لي أن للحياة خيوط معلقة على ضحكة القدر الساخرة. " الغرباء يبحثون أحيانا عن قبور بعيدة وجنائز صامتة". كنت أسير بلا إرادة. بعد شارعين، أوثلاثة، من تقاطع "تورنتو" مع "سرجنت"، هرول ياسر كوكو فجأة نحو الجانب الآخر من الشارع، رأيته يشرع ذراعيه نحو "سمانتا" رأسا، وهي بدت في حضنه مرتبكة حين لمحتني من وراء كتفه أتابعهما بكل ذلك العناء، كان الآسيوي بعينيه المبتسمتين يقف غير بعيد منهما، كان لا يزال برغم دفء الجو متدثرا داخل بالطو الصوف الأسود الطويل، كما لو أن شعره الطويل المهمل أكثر ثقلا في ميزان الرهبة من سائر جسده الضامر النحيف، هذا شاهد الرحلة الأبدية عبر جسر الأحياء والموتى. أخيرا عاد ياسر كوكو يمشي إلى جانبي. كان يتحدث كعهدي به بذات الفرح والتفاؤل والثقة. كان وخذ الأسئلة يثقب رأسي في غير مكان وقلبي يدق بعنف والعرق ينسكب من أعلى جبيني ولي رغبة في البكاء لا تقاوم.

- "ياسر كوكو، إنت شفت البت دي قبل كدا"؟.
- "كتير، كتير كتير، ها ها ها".
- "عملت معاها شنو"؟.
- "حامد، راجل ومرة في السرير، يعملوا شنو"؟.
- "كم مرة"؟.
- "ها ها ها، كتير، كتير كتير".
- "كان عندك كنضم"؟.
- "حامد، أخوك عنده خبرة، دا بت نضيف، خلي عندك وجهة نظر".
اقتربنا من جامعة وينبيك. بدا لي "بورتج بليس" بعيدا ونائيا تماما. لم تعد قدماي تحملانني. جلست على الدرجات الحجرية لبوابة الجامعة الخلفية. وضعت يديَّ على رأسي. انفجرت في نوبة عالية من البكاء وجسمي يختلج كله. كان صوت ياسر كوكو يتناهى إلى مسامعي من حين لآخر حائرا ملتاعا متسائلا في تعاطف وشفقة:
- "حامد، يا زول، إنت كويس"؟.
كلما جاوبته في سري زاد بكائي:
- "هذه البنت مريضة بالإيدز، يا صديقي".



#عبدالحميد_البرنس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أسير العبارة (رواية)- 21
- أسير العبارة (رواية)- 22
- أسير العبارة (رواية)-23
- أسير العبارة (رواية)- 24
- أسير العبارة (رواية)- 17
- أسير العبارة (رواية)- 15
- أسير العبارة (رواية)- 16
- أسير العبارة (رواية)- 14
- أسير العبارة (رواية)- 2
- أسير العبارة (رواية)- 3
- أسير العبارة (رواية)-4
- أسير العبارة (رواية)- 5
- أسير العبارة (رواية)- 6
- أسير العبارة (رواية)- 7
- أسير العبارة (رواية)- 8
- أسير العبارة (رواية)- 9
- أسير العبارة (رواية)- 10
- أسير العبارة (رواية)- 11
- أسير العبارة (رواية)- 12
- أسير العبارة (رواية)- 13


المزيد.....




- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالحميد البرنس - أسير العبارة (رواية)- 20