أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حسين دويس - ما هي الفلسفة - موجز تاريخي.















المزيد.....



ما هي الفلسفة - موجز تاريخي.


حسين دويس

الحوار المتمدن-العدد: 2866 - 2009 / 12 / 23 - 09:06
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


سؤال يطرحه الغالبية, ويجهلون كيفية الإجابة عليه. وهذا الجهل يجعلهم يعتقدون بأن الفلسفة شيء تافه وأنها مجرد محاوله للتشكيك في القوانين والثوابت التي يقيمها الدين. أو أنها (أي الفلسفة) ليست سوى محاوله للهرطقة والزندقة. هذا بالفعل هو ما يقوله الراضون بأن يسيروا بلا عقل متدبّر ومتفكر. وبالطبع هذا ما يصدقه الأتباع والعامة من الناس. وهذا طبعاً منافي للصحة تماماً، ومحاوله لتشويه محاولات العقل في التنوّر والخروج عن القيود المفروضة عليه لأي سبب من الأسباب.
يقول خالص جلبي في أحد مقالاته: "لماذا تسبب الفلسفة الصداع للبعض, وعند آخرين إحساساً بالدوار؟ بل هي في عين أناس خطر هدّام وهرطقة مضلله وكفر بواح ومخالفه لمعلوم من الدين بالضرورة!!!
لماذا يُسكِت الناس بعضهم بعبارة "لا تتفلسف"؟ أو الاستخفاف بـ الفلسفة فيقولون جدل بيزنطي؟؟ وهل فعلاً الجدل حول منشأ البيضة من الدجاجة أو العكس هو مضيعه للوقت؟ لماذا ينظر البعض إلى الفلسفة أنها هذرمه ومضيعه للوقت ولا علاقة لها بالحياة؟؟..."

الفلسفة تدور غالباً حول السؤال الباحث عن إجابة دائمة مستمرة عن (لماذا نعيش؟؟). الفلسفة بحث عن الحقيقة في كل ما يرتبط بالإنسان والكون والوجود. من أنت؟ ولماذا تعيش؟ وكيف تعيش؟ وما معنى أن تموت؟ وكيف تموت؟ وما هو الألم؟ وما هي السعادة؟ وأسئلة كثيرة لا تتوقف إلا إذا توقف الإنسان عن الدهشة واكتفى بما لديه من معارف ووجد حائطاً ليلصق به ما يؤرّقه ويجهد تفكيره وعقله الباحث عن حقيقة وجوده وماهيّته. يقول سقراط موضّحاً ما يدفع الناس إلى التفلسف " إن الدهشة هي التي دفعت الناس للتفلسف...".

أن تكون فيلسوفاً فيجب عليك أن تكون فضولياً لمعرفة كل شيء. أن تكون فيلسوفاً فهذا يتطلب منك أن تطلق لعقلك وحواسك العنان في أن تسبح في ذاتها باحثه عن الحقيقة, فـ الإنسان كما تعلمون هو أكثر المخلوقات والكائنات الحية دهشة لأن الدهشة أو فعل الاندهاش يتطلب قدراً هائلاً من العقل ومن غير المتوقع أن نجد نباتاً أو حيواناً يتفكر كما يتفكّر الإنسان. وكما قال ديكارت: ( أنا أفكر إذن أنا موجود). إن عدم تفكيرك وإغفالك للعقل ووضعه جانباً دليل على عدم وجودك. يقول هيجل (1770-1831) واصفاً حال من يريد التفلسف له ملاذاً.." إن المصمم على التفلسف يلقي بنفسه في أحضان الفكر المحض, ذالك أن الفكر وحيد مع ذاته. إنه يلقي بنفسه في بحر لا ضفاف له, كل الألوان المبرقشة, وكل نقاط الدعم اختفت, وكل الأضواء الودودة عاده انطفأت. ولم يبق إلا نجمه واحده مشعّه, إنها النجمة الداخلية للروح. إنها النجمة القطبية....". ويقول أيضاً معرّفاً للفلسفة " إنها حاله من التردد, من انعدام الأمان من ترنّح كل شيء..".

الفلسفة جعلت من الإنسان محورها ونقطة دورانها المركزية, حيث أن درجة اهتمامها بالقضايا التي تتناولها يرتبط ارتباطا مباشراً بدرجة علاقتها بالإنسان. فهي تفكير وبحث مستمر من أجل الإنسان وفيه. وما يميزها أنها لا تقف عند حد معين. فلا يوجد لها حدود أو نقاط توقف. وهذا بالتأكيد ما يميزها عن بقيّة العلوم الطبيعية.
يقول برتراند راسل (1872-1970) " إن أي موضوع, يكف عن الانتماء إلى الفلسفة ويصبح عِلم قائم بذاته بمجرد ما يكون تحقيق معرفه مضبوطة عنه ومحدده امرأ ممكنا...". أي أن الفلسفة معرفه لا يمكن معرفة حدودها أو ضبط أطرها في مجالات معينه, فهي شامله عامه وغير متخصصة. ومن المهم أن نذكر أن فلاسفة القرون الوسطى قد قسموا العِلم إلى قسمين رئيسيين:
الأول: القسم المعني بالحكمة الكلية (Sapientia) وهذا هو الفلك الذي تدور فيه الفلسفة.
الثاني: القسم المعني بعِلم الطبيعة الجزئي(Scientia) وهذا ما لا تتعمّق به الفلسفة.
كيف يمكن لنا البدء بالفلسفة؟ ماهية النقطة التي يمكننا الانطلاق منها؟

تبدأ الفلسفة بإطلاق العنان للفكر (العقل) أن يغوص ويفتّش في مكنونات ما حوله وما يحيط به. تبدأ بكسر القيود, ومخالفة السائد والثورة على كل قاعدة لم يكن العقل فيها الحكم والمؤسس. يقول إدموند هورسل " إن التفلسف يبدأ بالرجوع إلى الذات بقصد تحطيم المعارف المسلّم بها, والتي يمكن أن تكون عائقاً إبيستمولوجياً في طريق بلوغ الحقيقة".
لذلك يجب على الفيلسوف أن يقيم فلسفته الخاصة، بناءاً على عقله وحواسه المطلقة الخارجة عن قيد أي شيء قد يمنعها من الوصول إلى الحقيقة المنشودة.

العلوم الطبيعية من طب وكيمياء ورياضيات وغيرها، لا يمكن لها أن تكون مجالاتٍ للفلسفة. ولكننا نجد ابو بكرٍ الرازي يقول (أنا لا أسمّي فيلسوفاً إلا من كان قد علِم صنعة الكيمياء) وهو بهذا يربط علم الكيمياء ربطاً مباشراً وأساسياً بعلم الفلسفة المعني بالحكمة. ولكن ما يجعلنا نستبعد هذه المجالات أنها قضايا ذات نقاط ومراكز توقّف لا يمكن تجاوزها. وهذا ما يميزها عن الفلسفة أو بمعنى أصح يميز الفلسفة عنها. إذ أن الفلسفة تهتم وتدرس وتبحث في الأمور والقضايا التي عجز العِلم عن حلّها والوصول إلى معرفه ثابتة لا تتغير عنها وهذا ما لن تصل له الفلسفة, لأنها في بحث مستمر وتغيّر مستمر أيضاً. وهنا أمثله لميادين الفلسفة:
مثل : الوجود (الانطولوجيا), القيم ( الأكسيولوجيا) والمعرفة بشكل عام (إبستومولوجيا.)
ما يتم بحثه في الفلسفة غالباً ما تكون أموراً وقضايا عموميه ومصيريه مرتبطة بشكل مباشر بالوجود الإنساني والكون ككل وطبيعته وآليته المحركة له. إذن فـ الفلسفة فكر إشكالي في حالة حركه دائمة ويرفض الركون والاستسلام بدون إثباتات عقليه أو حسية.

للفلسفة خصائص وطبيعة ظاهره لا يمكن تجاهلها أو إنقاصها. ومنها وعلى سبيل المثال, أنها تعتمد على التركيب والتوليف العقلاني البعيد عن العشوائية والأعتباطيه. وهذا ما يسمّى بالنسقيّة.
أنها في أساسها فكر عقلاني مادي شمولي يقوم على الدياليكتيكية، بعيد كل البعد عن السطح في بحث أي ظاهره. فهدفها العمق والتعمّق في الظواهر بجميع أشكالها في محاوله لسبر أغوارها ومعرفة مكنونات الأشياء ومدلولاتها، وهي هنا خلاف الفكر الميتافيزيقي (الديني مثلاً) الذي يقف على حدود معيّنة لوجود مسلمات تفسر له ما قد يرهق عقلة. ومما يجدر بذكره أن الفلسفة في نظر بعض الفلاسفة بعيده كل البعد عن العواطف الوجدانية (المشاعر الإنسانية) فهي كما يقولون شيء غير عقلاني. يقول هيدجر (1889-1996)" العواطف لا تنتمي إلى الفلسفة, فالعواطف شيء لا عقلي والفلسفة عكس ذلك تماماً فهي ليست شيئاً عقلياً فحسب, بل المدبّر الحقيقي للعقل..."
ومن خصائص الفلسفة كذلك أنها شموليه تترفع عن الاهتمام بالجزيئات فهي تهتم كما قلنا سابقاً بالعموميات.
وهي كذلك فكر نقدي تدعوا لإعادة النظر أكثر من مره في كل شيء قبل الحكم عليه وتتسم بالشك الدائم. ومن أهم خصائصها أنها فكر تساؤلي دائم لا يكف عن البحث عن أسئلة ليبحث لها عن إجابات ولتصبح هذه الإجابات أسئلة فيما بعد.
يقول جورانفيل (Juranville) أن هناك خصائص محدده للسؤال الفلسفي وطبيعة يجب أن يتصف بها. وهي كما يلي:
1: أن يكون سؤالاً قصدياً. أي أن يكون هادفاً إلى بناء معرفه تتسم بالشمولية والإطلاقيه .
2: أن يكون متضمناً شكاً قبلياً في الجواب. والسبب أنه لا توجد معرفه جاهزة ونهائيه.
3: أن يكون سؤالاً موجهاً بالخصوص إلى الذين يعتقدون امتلاك الحقيقة ( كـ أسئلة سقراط ومحاوراته).
فـ السؤال الفلسفي سؤال أو فكره تقف في وجه الوثوقيّه (الدوغمائيه.(

من الصعب إيجاد تعريف دقيق ومحدد للفلسفة كما رأينا سابقاً من تعريفات الفلاسفة لها. فحتى في تعريف الفلسفة هناك فلسفه. سأقوم هنا بعرض تعريف مبسط عن الفلسفة بناءاً على ما جاء في الموسوعة الماركسية عن الفلسفة:
تقول الموسوعة الماركسية في تعريفها للفلسفة " الفلسفة هي علم القوانين العامة للوجود (أي الطبيعة والمجتمع), والتفكير الإنساني وعملية المعرفة. والفلسفة شكل من أشكال الوعي الإنساني. والمشكلة الرئيسية في الفلسفة باعتبارها علماً خاصاً هي علاقة الفكر بالوجود والوعي بالمادة. وكل مذهب فلسفي إنما يقدّم حلاً متطوراً عينياً لهذه ألمشكله حتى لو كانت (المشكلة الرئيسية) ليست مصاغه فيه بشكل مباشر...."
(هنا يجدر بنا أن نذكر أن أول من أستخدم هذا المصطلح"الفلسفة" هو الفيلسوف اليوناني فيثاغورس.)
يجب أن نعرف أن موقف الإنسان من أي شيء يعتبر فلسفة خاصة به، مهما اختلفت الأفكار والأيدلوجيات التي ننتمي لها ونؤمن بها..فأن تعاملنا معها ونظرتنا للحياة في مختلف مجالاتها يعبر عن فلسفتنا الخاصة بنا والتي تشكلت بناءً على خبراتنا وتأثيرات المحيط الذي نعيش فيه..
وهذا التعريف يلخص ما ذكرناه سابقاً من خصائص ومجالات الفلسفة وطبيعتها..فهو يعرّفها بناءاً على ما تتعاطى معه من مواضيع وقضايا .
هل الفلسفة ضرورة أم مطلب ثانوي؟؟

يقول ديكارت" أن يعيش الإنسان بدون تفلسف فهو حقاً كمن يظلّ مغمضاً عينيه لا يحاول أن يفتحهما. والتلذذ برؤية كل ما سيكشفه البصر, لا يمكن أن يقارن بالرضا الذي يُناَل من معرفة الأشياء التي تنكشف لنا بالفلسفة...." تشبيه رائع وفي الصميم...
دعونا نجري المقارنة التالية ونتسلسل فيها منطقياً...
الإنسان (عقل وإحساس)..الحيوان (إحساس بلا عقل).... والنبات (لا عقل ولا إحساس). وهذا الظاهر لنا طبعاً..
لو افترضنا إنساناً بلا عقل ولا إحساس(إدراك حسي) فهو = نبات
وإن كان إنساناً بإدراك حسي فقط وبلا عقل فهو = حيوان.
إذاً النتيجة هي.. لكي تكون إنساناً يجب أن تكون متصفاً وممارساً للعقل والإحساس..والبعض يقول أن الوصول لكمال هذه العملية من تحرر من غير المعقول وتمسّك بالعقل هو تشبّه بالآلهه. وكما يقول الرازي ( إن الفلسفه هي التشبّه بالله....بقدر ما يستطيع الإنسان..)
إذاً فـ الفلسفة ضرورية من اجل كمال الإنسان. فمن خلالها يستطيع ممارسة عقله وإدراكه الحسّي كعوامل مساعده له لمعرفة ما يحيط به ولكشف الأسرار التي يعجز أو يحاول أن يكشفها.

ضرورة الفلسفة من أجل مستقبل أفضل:

التقدم في المجالات شتى لم ولن يحدث إلا بإعطاء الفلسفة اهتمام يجعل من المجتمع مجتمع باحث عن الحقيقة في كل ماله علاقة بحياتنا. أوروبا والدول الغربية إجمالاً لم تتقدم إلا بعد أن خرجت من فترة الجمود التي كانوا يعيشونها على أيدي عظماء عصر التنوير من الفلاسفة أمثال كانط وفولتير وجان جاك روسو وديفيد هيوم وبيكون وغيرهم. مطلب هؤلاء الفلاسفة في ذلك الوقت لم يكن شيئاً صعباً. لم يطالبوا إلا بإعمال العقل والخروج من مرحلة (السبات العقلي) كما يصفها إيمانويل كانط.
فترة الجمود هذه نعيشها نحن هنا في العالم العربي. نعيش فترة جمود وتجمّد تقودنا إلا الوقوف في حين أن العالم من حولنا يسير بخطى يملئها الثبات على طريق التقدم في شتى المجالات. الفلسفة هي الباب الذي نستطيع الدخول من خلاله إلى أفق واسع من الوعي الوجودي.
التعليم لدينا يقتل ملكات الإبداع والتفكير والبحث عن الحقيقة. تعليمنا يقوم على التلقين الممل القاتل لمحفزات التغيير والتحول وفقاً لمقتضيات العصر. تعليمنا ينطبق علية ما قاله برتراند راسل " نحن تواجهنا حقيقة متناقضة هي أن التعليم أصبح أكبر العراقيل في وجه الذكاء و والحرية الفكرية..."
يجب أن تكون الفلسفة مادة أساسيّة بجانب بقيّة المواد في جميع المراحل. من خلالها نستطيع تخريج أجيال قادرة على فهم العالم والتغير بتغيره ومجاراته للأصلح، أجيال قادرة على الإبداع والابتكار لا ترتكن للمسلمات بل تقوم بفحصها وتمحيصها وإخضاعها للنقد البناء.

يقول أرسطو في بعض أجزاء كتابه المفقود (Ho Protreptikos) الذي يعني الشيء المقنع أو المغري, وقد أستخدمه أفلاطون في الحث على الفلسفة. يقول أرسطو.." إما أن التفلسف ضروري, ولا بد عندئذٍ من التفلسف, وإما أنه غير ضروري ولا بد أيضاً من التفلسف لإثبات عدم ضرورته. وفي الحالتين ينبغي التفلسف.." أليست هذه الكلمات حِكمه في حد ذاتها!!!

أثينا أرضاً للفلسفة.

أثينا هي الأرض التي احتضنت أول بذره للفلسفة. وفيها كبرت شجرة الفلسفة وتفرّعت وأورقت. كانت أثينا أرضاً يزدهر فيها العلم بجميع أشكاله. كانت أرضاً للعجائب في ذلك الوقت, فقد كانت دولة حربٍ وسلم. اجتمع بها الناس على اختلاف مشاربهم. وكانت أسواقها ومسارحها منبعاً لفنونٍ عدّه مثل الخطابة والفن وجميع أنواع العلوم.
كان لانتصار أثينا على حكم الفرس دوراً هاماً في إقبال الإغريق على العلوم بنهم شديد فقد أحسّوا بأهمية بناء العقل وتغذيته بالعلوم...كانت أثينا في القرن الخامس قبل الميلاد مركزاً للعلوم وجميع أشكال المعرفة. وكانت مركزاً تجارياً هاماً في ذلك الوقت حتى بعد أن فقدت سيطرتها السياسية. وهذا بالتأكيد كان له الفضل في إخراج العديد من الفلاسفة العظماء على مر القرون..

بعض فلاسفة العصر الإغريقي:
هنا سنعرض مختصراً لآراء بعض الفلاسفة في العصر الإغريقي. وهذا العرض لا يغني عن الرجوع إلى مراجع أكثر تعمّقاً في حالة الرغبة في الإلمام بشكل تفصيلي عن آرائهم.


1/ طاليس (Talis).

كان الفيلسوف طاليس ممن يعتقدون بأن الماء هو المكون الرئيسي لكل ماده في هذا الكون, وأن الماء أصل كل شيء. يرى طاليس بأن الآلهه تسكن كل شيء وهو من تنسب له المقولة التالية " إن كل الأشياء مليئة بالآلهة". كان هذا الفيلسوف رحّال كثير التنقل من بلد لآخر رغبتاً في نشر ما يؤمن به من أفكار ومعتقدات, ولأنه كذلك يرى في التنقل والسفر فرصه لمعرفة المزيد من خلال التعرف على الثقافات الأخرى وخالطتها ومعرفة معتقداتها ومقارنتها بما لديه. ومن المهم أن نشير إلى أن طاليس حسب رأي أرسطو في كتابه ( النفس ) هو أول الفلاسفة اليونان.


2/ أنكسيمندريس.

أحد الفلاسفة المعاصرين للفيلسوف طاليس. كان يختلف في أشياء كثيرة عن طاليس رغم معاصرته له وتأثره بما لديه من أفكار وفلسفه. كان يرى بان هناك ماده واحده لأصل الكون ولكنّه لم يشر إليها. كان هذا الفيلسوف يرى بان هناك كثير من العوالم وأننا نعيش في أحدها. وأن هذه العوالم تولَدْ مما يسمّيه اللامحدود ومن ثم تعود هذه العوالم لتفنى في هذا اللامحدود الذي لم يبيّنه.



3/ أنكسيمانس(570-526 ق.م).

هذا الفيلسوف كان يرى غير ما يراه الفلاسفة السابقين. حيث أنه يرى أن الهواء فقط هو أصل الأشياء. ولكن وبالرغم من هذا إلا إننا نجد أنه قد أتفق مع طاليس و إنكسيمندريس على أن هناك ماده واحده فقط التي تعتبر أصل الأشياء. أي أنه أختار ماده واحده من المواد الأربع التي ذكرناها مسبقاً وهي الماء والنار والهواء والتراب.

ملاحظه:هؤلاء الثلاثة(طاليس-انكسيمندريس-انكسيمانس) يسمون بفلاسفة أيونيا أو ( ملطية )


4/ أناكساجوراس Anaxagoras (500-428 ق.م)

-هذا الفيلسوف كان من أحد أساتذة الزعيم الإغريقي (بيريكليس). وهو الذي فطن إلى فكرة وجود العقل الأكبر الذي يسيّر ويحرك الأمور الدنيوية. وهو أول من قال بأزلية المادة وسرمديتها, وأنها لا تفنى. وقال كذلك بان الوجود يتكون من ماده تتكون من خليط من الذرات وصفها بالعقل الأكبر.


5/ أمبيدوكليس Empedocles (455-430 ق.م)

-يرجع هذا الفليلسوف في أصله إلى مدينة أكراجاس (Acragas) وهي أحد المستوطنات الأغر يقيه في صقلّيه. كان فيلسوفاً وشاعراً ورجل سياسة فقد كان زعيماً للحزب الديمقراطي في مدينته. يعتبر إمبيدوكليس من أوائل الفلاسفة القائلين بأن الوجود يتكون من أربعة عناصر. وهنا يقصد, النار والهواء والتراب والماء. يقول هذا الفيلسوف بان المادة المكونة للكون تتكون من هذه العناصر الأربعة وأن اختلاف ظهور هذه المادة وشكلها يعود لاختلاف تمازج هذه العناصر الأربعة بعضها ببعض. وقد طرد إمبيدوكليس من بلده بسبب آرائه الفلسفية والسياسية.


6/ ديموقراطيس أو ديموكراتيس (470- 380 ق.م)

-أحد مواطني أبديرا وهي مدينه في الشمال اليوناني. يرجع إليه الفضل في تطوير نظرية الذرات (atoma). كان هذا الفيلسوف العظيم مادياً في تفكيره وملحداً بجميع الآلهة الأغر يقيه. دعا الناس إلى نبذ الأساطير الدينية وحثّهم على إتباع ما يقوله العقل ويشعر به عن طريق التفكير العميق والإدراك الحسي. وهو بناءاً على هذا يعتبر من الفلاسفة الطبيعيين الذين اهتموا بالمادة والطبيعة في دراساتهم وتأملاتهم.

7/ فيثاغورس Pythagoras (576-497 ق.م)

من مواطني جزيرة ساموس (Samos). وأول من قال بكروية الأرض. اعتقد فيثاغورس بخلود الروح وأنها تنتقل من جسد إلى آخر بعد موت الجسد الذي كانت تسكنه. وقال كذالك بأن الأرواح الشريرة تسكن الحيوانات لذالك حرّم على أتباعه أكل اللحوم. ولكن هناك شك في نسب هذه النظرية له لأن الكثير من الفلاسفة يرون هذه النظرية في تنقل الأرواح قريبه من الفلسفة الهندوكية. اهتم فيثاغورس بالرياضيات والفلك وأبدع فيها وله تنسب العديد من القوانين الرياضية.


8/ هيرقليطس (540-480 ق.م)

فيلسوف عظيم. ولد في أفسوس في آسيا الصغرى. ينتمي لعائله أرستقراطيه. ويذكر بأنه عيّن كبيراً للكهنة في عصره ولكنه رفض المنصب (لأنه فيلسوف طبعاً). قال عنه سقراط " إن ما فهمته من كتبه شيء عظيم, وما لم أفهمه شيء عظيم كذلك...". هيرقليطش هو أول فيلسوف مذهبي نسقي. فهو أول من أدرك أن الفلسفة ليس لها موضوع محدد وقال بأنها طريق لا نهاية له. من أفكاره الفلسفية, أن كل الأشياء في تغيّر مستمر ومتواصل. ويرى كذالك أن الحرية هي جوهر الإنسان. يقول هذا الفيلسوف واصفاً فلسفته وممارسته لها " لقد نقبّت عن نفسي...". ومن أقواله أيضاً" هناك تبادل. فكل الأشياء للنار والنار لكل شيء, مثلما يتم تبادل السلع بالذهب والذهب بالسلع...". وهو بهذا القول يرى أن النار رمزاً للتكامل. لهذا فأنه يوّحد بينها وبين الأرباب أو ما هو إلهي.ومن مقولات هذا الفيلسوف الرائع: (( إنك لا تستطيع أن تنزل إلى النهر مرتين )) , وهذه عبارة تؤكد مذهبه في الصيرورة والتغير الذي كان ردة فعل على مذهب ( بارمنيدس ) صاحب الثبات .. فنحن لا ننزل النهر إلا مرة واحدة , لأنه في المرة الثانية يتغير حسب ما يعتقده هيرقليطس.

9/ (بارمنيدس)

أحد أعظم الفلاسفة الأوائل , فهو من أعظمهم وأهمهم من الناحية الفلسفية الخالصة , فهو أول فيلسوف يبحث بحثاً حقيقا وجدياً عن ( ما وراء الظاهر ) .. عن ( الحقيقة الثابتة ), والوجود الثابت.. باعتبار الوجود والحقيقة متطابقين... والميتافيزيقا " التصورية " التي مهد لها سقراط , وأرسى دعائمها كلاً من أفلاطون وأرسطوطاليس مدينةٌ بالفضل إلى هذا التقسيم الوجودي ( الأنطولوجي ) عند بارمنيدس : ظاهرة + حقيقة .
الظاهرة أو الظاهر متغير , لذا فهو لا يصلح أساساً للعلم والمعرفة , لأنه وجود زائف , وأما الوجود الحقيقي فهو الثابت الذي يكمن وراء الظاهر , وعليه يجب تأسيس العلم .
الآن وبعد أن ذكرنا موجزاً مبسطاً لمجموعة آراء ونظريات عدد من عظماء الفلسفة الأغر يقيه, سنذكر في ما يلي أعظمهم شهره وأشدهم قدره على جذب عقول الباحثين والدارسين. سنذكر ثلاثة فلاسفة ممن أضاءوا العديد من الدروب التي سار بها العقل الباحث اللاهث وراء الحقيقة على مدى هذه القرون الطوال...


A/ سقـــــراط Socrates (468-399 ق.م

-أعظم معلم ظهر للبشرية, ورمز العبقرية والنبوغ, شعله متقدة من ألحكمه والتنور, والاهم من هذا وذاك أنه أول فيلسوف كان ضحية ديمقراطية الجهل الإغريقي القديم. ولد سقراط لأب نحّات وأم قابله(مولّده للنساء الحوامل). كان دميم الخلقة وقصير القامة كما تذكره المصادر. عرف سقراط مواطناً صالحاً وشجاعاً, فقد حارب دفاعاً عن وطنه في الحروب البيلوبونيسيه. كان سقراط حانقاً وغاضباً من التفسير اللاتيني الركيك للديمقراطية. لأنه يرى أن هذه المهنة يجب أن يتولى أمورها الناس العارفين بالعلم, لا المحترفين لمهنة السياسة فقط.
يرى سقراط أن الفضيلة هي العلم والمعرفة, وأن الرذيلة هي الجهل, وأن روح الإنسان لن تتمكن من رؤية الحق الكامل إلى بعد جهاد مرير وغوص في الأعماق للنفس البشرية. كان أسلوبه في التعليم وإبداء آراءه غريب جداً بالنسبة لما هو سائد في أثينا في ذالك الوقت, فقد جرت العادة على أن تكون الدروس على شكل محاضرات أو خطب أو رسائل يقوم بها الفلاسفة. ولكن سقراط أتى بشيء مختلف عن هذا ألا وهو أسلوب المحاورات (Dialogues), وإقامة المجادلة بينه بين من يحاوره لإخراج ما يريده من أجوبه من الطرف الآخر. وهو هنا يشبّه ما يقوم به بعمل أمه, فهي تقوم بتوليد وإخراج الطفل من بطن أمه وهو يقوم بإخراج ألفكره من عقل صاحبها. كان يبدأ حديثه بتوجيه أسئلته على شكل ثرثرة جدليه يهدف بها الكشف عن هوية مجادليِه واكتشاف مدى ما يعرفونه وما لا يعرفونه. ومن ثم يعلّمهم طريق الحوار البنّاء الذي يبدأ من العدم الفكري وينتهي باليقين,} وهذا لأنه يرفض قبول أمر دون إثبات عقلاني أو دليل منطقي واضح{ ولتكن هذه قاعدة لكم!! أحفظوها ومارِسوها{. هذا الأسلوب المثير لسقراط جعل الشباب الأثيني يلتف حوله ويستمع لما يقوله من أفكار. فأخاف هذا الأمر عليّة القوم وكبارها ممن يفيدهم بقاء العقول مغلقه. فقاموا بتقديم سقراط للمحاكمة, وكانت تهمته هي تحريض الشباب الأثيني على التمرد والخروج على ما هو متعارف عليه من أفكار وتقاليد في أثينا. وفوق هذا وذاك أنهم اتهموه بالكفر والإلحاد بالآلهة, وكانت نتيجة المحاكمة أن حكموا عليه بالموت فتم سجنه. في السجن كانت الفرصة متاحة له للهرب بمساعده من طلبته ومنهم أفلاطون. ولكنّه رفض هذا وآثر الموت في سبيل ما يؤمن به ويعتقده الحق. وبينما كان طلبته يحيطون به في السجن, قدّم له الحارس كأساً من السم فشربه بشجاعة وتلهف لمصيره. ثم تمدد بين طلاّبه ومريديه. فبدأ طلاّبه (ومنهم إفلاطون) بالبكاء والنحيب فقال لهم مخاطباً " ما هذا الصراخ والصخب؟ لقد أبعدت النساء من هنا كيلا أشعر بالإهانة في مثل هذه الطريقة, فقد سمعت بوجوب ترك الرجل يموت بسلام. اهدؤوا واصبروا...".
مات سقراط ولكن لم يمت النور الذي أضاءه في عقول طلابه وأرواحهم. فقد ساروا على دربه وأكملوا ما قد بدأه. وكان منهم أفلاطون الذي سنتناوله ثانياً.


B/ إفلاطــــون Plato (427-347 ق.م

-ولِدَ أفلاطون في جزيرة إيجينا. وكان أفلاطون أحد طلبة سقراط النابغين. فقد انضم إلى مدرسة سقراط في سن العشرين. وهو من قام برشوة أحد حرّاس السجن في محاوله لتهريب سقراط الذي رفض هذا. بعد وفات سقراط كانت عيون الزعماء الديمقراطيين تتربص به لكونه أحد طلبة سقراط وأحد حاملي أفكاره المخالفة لما هو سائد وفوق هذا وذاك, أنه كان ممن بذلوا جهوداً في محاولة إنقاذ سقرط. دعاه هذا التربّص إلى الخروج هرباً من أثينا إلى أقطار عدّه. يقول المؤرخون أن منها مصر وقورين(Cryene). وبعد تجوّله الطويل هذا عاد إلى أثينا في عام 378 ق.م تقريباً. عاد وهو في أواخر الأربعينيات من العمر تقريباً مكتسباً خبرات عديدة ونضج فكري بسبب اختلاطه بالعديد من الشعوب وتشرّبه لعاداتهم وثقافاتهم.
كان ما يؤرق أفلاطون بعد عودته هو كيفيّة تغيير النظام السياسي والاجتماعي في أثينا!؟. كان يريد أن ينير عقول سكان مدينته الذين يشكون القهر والذلّ بسبب تسلّط الكهنة ورجال الدين عليهم وعلى عقولهم. فهو يصفهم في كتابه الجمهورية بــ (الذين يواصلون التخويف من جهنّم ويقدمون طريقة الخلاص والفداء من الخطايا والذنوب..). هذا الهدف الإصلاحي دعا أفلاطون إلى إيجاد مكان يجتمع فيه بطلابه. وكان هذا المكان هو أرض مرتفعه تحيط بها الأشجار تسمّى بـ أكاديموس (Akademos) وهو أسم لأحد الأبطال اليونانيين. وأصبح هذا المكان يعرف بـ الأكاديمية. ويرجع لأفلاطون الفضل في استخدام لفظ أكاديمية/أكاديمي...في كثير من اللغات.
كان أول عمل فلسفي يقوم به أفلاطون هو مجموعة حوارات أسماها (دفاع سقراط), ذكر في هذه المجموعة مجملاً من آراء وأفكار سقراط التي ذكرها لهيئة المحلفين التي تولت محاكمته. ومن أعظم ما وصلنا عن أفلاطون هو مؤلفه العظيم (الجمهورية) او المدينة الفاضلة لأفلاطون ( يرى الدكتور عبدالرحمن بدوي أن هذا المؤلف يسمّى بـ "السياسة" استنادا لمصادره). هذا الكتاب عبارة عن يوتيبيا سياسيّه يتخيل فيها أفلاطون مجتمعاً كاملاً ويرمي بهذه المدينة إلى إقامة العدل الحقيقي الذي يراه. ولكن للأسف أن أفلاطون أكتشف استحالة قيام مدينته الفاضلة هذه, وأكتشف كذلك استحالة حصول ما يدعوا له من أفكار وآراء. وهذا الإحباط أدى به إلى كتابة مؤلف آخر أسماه (القوانين) قام فيه بتعديل وإضافة بعضاً من القوانين والأفكار التي عرِف باستحالة تحققها في كتابه الأول (الجمهورية). دعونا الآن نستعرض بعضاً من أفكار هذا الرجل العظيم. قسّم أفلاطون العالم إلى قسمين أثنين.
الأول, قسم واقعي محسوس ويمكن إدراكه وهو مكوّن من ماده قابله للفناء والتحلل والتغيّر, مثل جسم الإنسان. القسم الثاني, وهو القسم الروحي الخفي, والذي لا يمكن إدراكه, ويسمّيه بـ عالم المثل. وهو في هذه التقسيمات يرى أن كل ما في الوجود من مخلوقات غنمها هي صور طبق الأصل لقولب تسكن عالم المثل الغير مدرك الذي تحدث عنه.
ويرى أفلاطون كذالك أن كل ما ندركه بحواسنا قابل للتغيّر وأنه غير ثابت, بعكس ما ندركه بالعقل. وقد قام أفلاطون بإيجاز فكرته هذه في قصة (الكهف) الذي يرى أنها تمثل هذا الوضع وهي باختصار تقول: (إن البشر الذين لا يرون إلا ظاهر الأشياء والجزئيات المادية برجالٍ مقيدين بالسلاسل داخل كهفٍ , وعيونهم مصوبة نحو الداخل , فلا يرون ما هو خارجه , ووراءهم نارٌ عظيمة ترسمُ ( ظلال ) الأشياء على حائط الكهف .. فيظنون أنهم , بسبب الألفة والعادة وبسبب أنهم لم يخرجوا من الكهف طوال حياتهم , يدركون حقيقة الأشياء , ولم يعلموا أنهم لا يدركون إلا ظلالها وأشباحها ,, ولو قدّر لأحدٍ وخرج من الكهف (( الجسد )) لرأى حقائق الأشياء رأيَ العينِ كما هي , وليس بظلالها. وهو بهذا يريد القول أن هذا الظلّ الذي يعكسه ضوء النار هو ما نراه على أرض الواقع.. وأن السنة اللهب التي تمثل أصل هذا الظل هي المثل الحقيقية التي ينتمي لها الظل). من ما يميّز أفلاطون عن بقيّة الفلاسفة أنه أعطى المرأة قدراً جليلاً وأوفاها حقها بأن قال بأنها صاحبة حق في أن تتقلد المراكز السياسية. وهو بهذا يساويها مع الرجل ويرى أن لا اختلاف بينها وبينه. وفي مسألة السلوك الإنساني نجد أن أفلاطون يرى بان هذا السلوك الإنساني سلوك محكوم ويدور في فلك الرغبة والعاطفة والمعرفة. ويشرح العلاقة بين هذه الأمور في أنه إذا كانت الرغبة تدفنها العاطفة, فأن المعرفة ترشد هذه الرغبة إلى كيفيّة الوصول إلى نقطة الإشباع.
دخل أفلاطون بعقله في جميع المجالات, فقد كان مفكراً وفيلسوفاً من النوع النادر ويكفيه أنه تتلمذ على يد الشيخ الكبير سقراط. ومما يجدر بذكره أن أفلاطون كان محباً للشعر وبقية الفنون. بالرغم من انه كان ينتقد الشعراء في عصره كثيراً.
رحل أفلاطون وفي عقله الكثير والكثير مما يريد لهذه البشرية أن تعرفه وتؤمن به من أفكار نيّره. ولكن عزائنا في أن تلميذه أرسطو قد أكمل الدرب الذي خطّ معالمه معلّمه أفلاطون. فحمل الشعلة المضيئة وراح يقود البشرية إلى النور.

C/ أرسطو Aristoteles (384-322 ق.م

ولد أرسطو طاليس في مدينة ستاجيرا (Stagira) في إقليم تراقيا. كان أبوهُ يعمل طبيباً ودارساً لعلوم الطبيعة. أهتم أبوه بتنشئته التنشئة الصحيحة, فكان مهتماً بتعليمه منذ الصغر.
بعد وفاة أب أرسطو الذي كان يعمل في البلاط المقدوني, خرج أرسطو إلى أثينا وألتحق بمدرسة أفلاطون. بعد أن قضى أرسطو ما يقرب من خمس سنوات في أثينا عاد مره أخرى إلى مقدونيا بدعوة من فيليب المقدوني لكي يشرف على تعليم لإسكندر. بعد أن قام أرسطو بمهمته على الشكل المطلوب, عاد مره أخرى إلى أثينا وأفتتح مدرسته الخاصة به في منطقه مقدسه تعرف باسم Apollo Lycaeus. ولأن من عادة أرسطو أن يكون ماشياً على قدميه أثناء حديثه وشرحه فقد سمّيت هذه المدرسة ب المشائيه او ما يعرف بـ (Peripatetic).
بعد أن توفي الإسكندر المقدوني, اضطر أرسطو إلى الرحيل وأستقر به الحال في جزيرة يوبويا التي ظل بها حتى توفي سنة 322 ق.م.
مما يميز دراسات أفلاطون أنها كانت أكثر قربا والتصاقا بالواقع البشري إذ أنه كان باحثا علميا منطقيا إلى أقصى درجة.بحث أرسطو في جميع المجالات الفكرية وتعمق بها محاولا الوصول إالى حدودها. بحث في المنطق والجدل والميتافيزيقيا وعلم الحياة والطبيعة والسياسة والأدب بجميع مجالاته والفنون الجميلة . ومن أعظم مؤلفاته العلمية فن الريطوريقيا (البلاغة) وفن الشعر.
في بحث أرسطو عن الأخلاق (Ethics) سار على طريق معلمه أفلاطون ,فقد كان يهدف دائما إلى البحث عما هو أعظم خير للإنسان. يرى أرسطو أن الإنسان كان حي يجمع بين قوة الشعور والشهوة وقوة العقل . فهو (أي الإنسان) بالشهوة يشبه الحيوان, وبعقله يشبه الآلهة وبإتحاد هاتين القوتين يصير كائنا أخلاقيا. وفي رأي أرسطو أن الأخلاقية هي التوفيق بين عناصر الحيوان والعقل ,وهذا التوفيق بين شهوة الإنسان وعقله يولد الفضائل الأخلاقية أو ما يسمى بـ السعادة العظمى (Summumbonum) والتي يرى أنها هدف الإنسان المتحضّر.
كما ذكرنا سابقا بأن والد أرسطو كان طبيبا, وهذا كان له أثر عظيم في توجه أرسطو فقد اهتم بدراسة الطبيعة ولهذا يعتبره البعض أول عالم أحياء في أوروبا, تذكر بعض المصادر أن لأرسطو ما يقارب ال160 مؤلف. ولكن للأسف لم يتبقى منها سوى 47 أو خمسين مؤلفاً. وهي ليست كتبا كلها ولكنها مابين كتب ومجموعة رسائل وشذرات كان يستخدمها أرسطو أثناء تدريسه لطلبته أو أثناء إلقاءه لمحاضرات مختلفة. أختلف أرسطو في أشياء كثيرة مع أستاذه أفلاطون. وكان أرسطو يفند أراء شيخه أفلاطون وينتقد بعضها آتياً باستدلالات تعاكس ما كان يؤمن به أفلاطون . وخصوصاً أن أفلاطون كان يعتمد بشكل كبير على العقل فقط مغفلاً الجانب الحسي أو الإدراك الحسي في كثير من آراءه ومعتقداته. أما أرسطو فقد جمع بين العقل والإدراك الحسي وكان يرى أن بينها تداخلاً واعتمادً متبادلاً لإدراك الحقائق.
تزوج أرسطو بأخت أحد تلامذته وهو حاكم ولاية أتارنيس (هيرمياس) وكان سعيداً في حياته الزوجية , إذ أنه يذكرها في كثيرٍ من كتاباته بالحب والخير ويشير ذالك إلى سعادته معها .
يمكننا القول في الختام أن أرسطو قد تفوق كثيراً وفي مجالات عده على شيخيه سقراط وأفلاطون . فلم يغفل شيء أثناء بحثه وتعمقه في مكنونات الأشياء . ويذكر أن أرسطو هو مؤسس علم المنطق. أي ما يعرف بالتحليل المنطقي للاستدلال ومعرفة الأشياء. قام أرسطو بإدخال مفهوم جديد على علم الفلسفة, ألا وهو ما يعرف بـ القياس. وهو استدلال مؤلف من ثلاثة أجزاء وهي (مقدمه كبرى, ومقدمه صغرى, وخاتمه) والنتيجة عن هذا (ويشير لها بالخاتمة) هي نتيجة التسلسل في المقدمتين الصغرى والكبرى.
الفلسفة حياة من أجل فهم الحياة. هؤلاء الفلاسفة العظام قدموا لنا كثيراً. لم يكونوا يقدمون علومهم وأفكارهم لأهل أثينا فقط، فالفيلسوف لا يقدم المعرفة لمجموعة محددة من البشر!! بل يقدمها لبشرية جمعاء. وكما يقول آفلاطون: " أنا لست بيوناني ولا أثيني، إنما أنا مواطن في هذا العالم.." شكراً لأرواحهم ولأرواح كل الفلاسفة القدماء ممن أزاحوا الغشاوة عن أعين البشرية كي تسعد بحياتها ولتكسر كل القيود التي تجعلها مجرّد كائنات تابعة مغمضة العينين لا ترى إلا ما يقدمه لها المتسلطون على رقاب البشر باسم الآلهة.




#حسين_دويس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إعدام اجتماعي جماعي من أجل بنطال
- الجزء الثاني من لقاء الدكتور سيد القمني
- سيد القمني في أول لقاء له مع صحيفة سعودية بعد تراجعه عن إعتز ...


المزيد.....




- الطلاب الأمريكيون.. مع فلسطين ضد إسرائيل
- لماذا اتشحت مدينة أثينا اليونانية باللون البرتقالي؟
- مسؤول في وزارة الدفاع الإسرائيلية: الجيش الإسرائيلي ينتظر ال ...
- في أول ضربات من نوعها ضد القوات الروسية أوكرانيا تستخدم صوار ...
- الجامعة العربية تعقد اجتماعًا طارئًا بشأن غزة
- وفد من جامعة روسية يزور الجزائر لتعزيز التعاون بين الجامعات ...
- لحظة قنص ضابط إسرائيلي شمال غزة (فيديو)
- البيت الأبيض: نعول على أن تكفي الموارد المخصصة لمساعدة أوكرا ...
- المرصد الأورومتوسطي يطالب بتحرك دولي عاجل بعد كشفه تفاصيل -م ...
- تأكيد إدانة رئيس وزراء فرنسا الأسبق فرانسو فيون بقضية الوظائ ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حسين دويس - ما هي الفلسفة - موجز تاريخي.