أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالحميد البرنس - أسير العبارة (رواية)- 16














المزيد.....

أسير العبارة (رواية)- 16


عبدالحميد البرنس

الحوار المتمدن-العدد: 2880 - 2010 / 1 / 6 - 01:28
المحور: الادب والفن
    


- "هل أنتِ حزينة، يا أماندا"؟.
كنّا عاريين تماما، وقد فرغنا للتو من ممارسة ظلت تجأر خلالها باللذة أحيانا، وبالضحك عند ملامسة مناطقها الأكثر حساسية أحيانا أخرى، بعدها هبط عليها فجأة ذلك الشعور، شعور غريب على ليلة بدت رومانسية حالمة، شعور كنت ألمسه وهو يطل من عيون نساء انزلقن للتو نحو احدى وظائف العالم الموغلة في البعد والقدم. كان التلفاز يقبع في أقصى أركان غرفة النوم. تدور على شاشته أحداث سياسية صامتة في مكان بائس من الكرة الأرضية. كانت تجلس عند رأس الفراش، تثني ساقيها إلى أعلى، مصالبة ساعديها فوق ركبتيها المتباعدتين، تضع رأسها فوق رسغها، غلالة رقيقة تعشي عينيها، كانت تتمعن في نقطة بعيدة خارج نطاق البصر. ذات الشعور رأيته يطل من وجه مها الخاتم في مساء يبدو لي الآن بعيدا ونائيا تماما. كان حزنها خلال أيامها الأخيرة في أرض الكنانة، يشبه مطر المناطق الاستوائية إلى حد بعيد، تارة يندلق ثقيلا متواصلا، وتارة أخرى يهمي خفيفا متباعدا، وفي كلتا الحالين لا تدري متى يبدأ أويتوقف. إنه تعب المنفى.
لم تُجب على سؤالي. فقط طلبت مني أن أملأ لها كأس الويسكي إلى الحافة قبل أن تخلد إلى صمت عميق أخذت تتفتق خلالها تلك الجراح المتقيحة واحدة واحدة.
كان عادل سحلب قد سبقني إلى كندا بسنوات عديدة. لم تكن تجمعني به في القاهرة سوى أنشطة المنفيين العامة. حتى هذا كان يحدث على فترات متباعدة. لكني بدأت أتعرف عليه، أكثر فأكثر، من تلك الحكايات التي ظلت إلى حين رحيلي سرا إلى كندا تنزف من قلب مها الخاتم. "شرف المرأة في عقلها". كان ينسج شباكه حول فريسته على هذا المنوال. "إذا سقط الشيوعي فانه يسقط عموديا". كنت أنسج شباكي حول ذات الفريسة بطريقة أخرى. لكنها لم تكن مها الخاتم حين رأيتها وهي تعبر بوابة مكتب الأمم المتحدة ذلك الصباح الصيفي البعيد. كان حطام مها الخاتم. لم يكن ثمة من سبيل لاستدراجها سوى بناء نفسي على أنقاض سقوطه الشنيع "في نظرها". كان كادرا خطابيا مفوها. كنت ولا أزال دودة كتبٍ مطهمة حتى الثمالة بمجموعة متفرقة من أشعار وحكم وأمثال وأقوال مأثورة وأعرف كيف أجعل زواحف الأرض تنظر إلى نفسها كما لو كانت تنظر إلى العالم من فوق قمة جبلية. لكل منّا طريقته والهدف واحد.
قلت لها ناسجا شراك من خيوط العزاء الحريرية الناعمة "هذا الوغد، ظل يتشدق في الندوات واجتماعات الحزب قائلا إنه يندرج في تيار إحياء الإنسان، لكنه يُميتك أنتِ سليلة هذا المجتمع الأبوي آلاف المرات في اليوم، إنني أعلن أمامك الآن أنني على استعداد تام لرأب ما تصدع بجريرة غيري". كنت بمثابة بريق خادع تراءى لضال على حواف اليأس في ليلة ريفية حالكة. كنت أشعر في قرارة نفسي وكأني أضاجع جثة نضب ماء الحياة في داخلها منذ أمد بعيد. لم تكن مها الخاتم لحظة أن رأيتها لأول مرة وهي تعبر بوابة مكتب الأمم المتحدة في القاهرة على طريقة "واثق الخطو يمشي ملكا". لقد بدت فريسة لرسالي ما انفك يتشدق بضرورة إحياء الإنسان أينما اعتلى منبرا أوتصدر مجلسا. ربما لهذا لم أخبرها آنذاك بقبولي كمهاجر إلى كندا. لم يكن في عزمي أن أقضي ما تبقى لي من عمر صحبة "فطيسة". كانت تقاليد "فقه الضرورة" في منفى بائس وسيط مثل القاهرة سائدة كطريقة حياة. كنت أتعامل مع بقايا من أكل قبلي بنفسية ضبع. لم تكن تهمني كثيرا رائحة عادل سحلب التي ظلت تفوح نتانتها من جسدها المنهك كلما جمعنا الفراش المسترق معا. كنت أكتم أنفاسي وأبدأ الأكل وفي كل مرة كان يلازمني احساس غامض أنها وجبتي الأخيرة.
"إن العفة، يا أخي ليو، تجلس لوحدها تماما على قمة حافة مهجورة من خلال عقلها تمر على كل المتع المحرمة التي لم تذقها، وتبكي". منذ ساعة تقريبا، أخلدت "اماندا" إلى النوم في صمت. هكذا، تركتني وحدي أتأمل في مغزى تلك العبارة، من كتاب كازنتزاكي "فقير الله القديس فرانيس الصقلي"، على ضوء شاشة التلفاز الصامتة. رأسي مليئة بالعبارات. وجه مها الخاتم لا يزال يطل من ثنايا العتمة كوجه من عالم بعيد "لا أريد أن أتذكره".
كان رواد المقاهي من المنفيين الغرباء يحكون ما يتداعى به عادل سحلب لحظة أن تتمكن منه سلاطين السُكر. قال "لقد انزلقتُ عميقا داخل عسل تلك الفاتنة". كان ولا يزال مثلي مولعا بالعبارات الغامضة. شيئا فشيئا، بدأت حصانتها تتهاوى، توازنها يتأرجح، الحلقات حولها تضيق. هذه مملكة شامخة تداعت حصونها. في مثل تلك الظروف، لم يكن من الممكن نسج شراك أخرى لذات الفريسة من غير خيوط الاحترام. ذلك ما قد تبادر إلى ذهني في أعقاب أحد الاجتماعات الحزبية. "امنح الناس ما حُرِموا منه بعد عطاء". كان رأس الحكمة يشتعل داخل سراويلي الناشفة. كان لا بد من الإبقاء بطريقة أخرى على تلك الأسباب التي أحرق عادل سحلب سبل الوصول إليها: "قمة الثورة أن توافق إرادة أنثى إرادة رجل في عالم تتحدد فيه قيمة أحد الأطراف ببقاء غشاء البكارة أوزواله". وهذا ما حدث. خلال الأيام الأولى، بدا وكأني صدقت دور "المنقذ"، كنت ممثلا بارعا، لكني ما أن شبعت بعد عامين أويزيد، حتى بدأت تتسلل إلى أنفي من جسدها المبذول، تلك الرائحة النتنة، وموروث الأمثال الثقيل يرن في أعماقي مثل أجراس الخطر تتناهى من مكان بعيد: "لا تبل في شق بال فيه غيرك". أتذكر الآن أنها بدأت تنتعش إلى جواري رويدا رويدا. لم تكن تعلم وقتها أني لا أجيد السير خارج أرض العبارات كثيرا. أي بركان ثوري يعتمل في داخلي لم يمنحني حتى شجاعة أن أودعها في طريقي إلى كندا؟.
"الكتابة هي الملاذ الوحيد لمن خان".




#عبدالحميد_البرنس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أسير العبارة (رواية)- 14
- أسير العبارة (رواية)- 2
- أسير العبارة (رواية)- 3
- أسير العبارة (رواية)-4
- أسير العبارة (رواية)- 5
- أسير العبارة (رواية)- 6
- أسير العبارة (رواية)- 7
- أسير العبارة (رواية)- 8
- أسير العبارة (رواية)- 9
- أسير العبارة (رواية)- 10
- أسير العبارة (رواية)- 11
- أسير العبارة (رواية)- 12
- أسير العبارة (رواية)- 13
- أسير العبارة (رواية)- 1
- مرثية للطيب صالح
- إني لأجد ريح نهلة
- وداع في صباح باهت بعيد
- ملف داخل كومبيوتر محمول
- لغة
- نصّان


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالحميد البرنس - أسير العبارة (رواية)- 16