أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كاظم حبيب - الأحزاب السياسية الإسلامية الشيعية ودولة إيران الإسلامية الشيعية















المزيد.....


الأحزاب السياسية الإسلامية الشيعية ودولة إيران الإسلامية الشيعية


كاظم حبيب
(Kadhim Habib)


الحوار المتمدن-العدد: 2865 - 2009 / 12 / 22 - 14:53
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الدول المتجاورة جغرافياً وحدودياً لا سبيل لها لتغيير مواقعها والخلاص من هذه الدولة الجارة أو تلك, فأراضي دول الجوار متلاصقة شاءت هذه الدولة أو تلك أم رفضت. وهذا الواقع الذي لا خيار فيه يفرض على الدول المتجاورة أن تلتزم بممارسة صارمة وحازمة لمبادئ حقوق الدول التي أقرتها الأمم المتحدة وضمنتها في لائحتها الأساسية وأصبحت ملزمة لجميع الدول كبيرها وصغيرها, وأعني بها: مبادئ الاحترام المتبادل للاستقلال والسيادة الوطنية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية والسعي لإقامة علاقات حسن جوار وتعاون وتبادل المنافع المتعددة الجوانب وحل المشكلات بالطرق التفاوضية السلمية في ما بينها أو بمساعدة طرف ثالث أو الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي ومحكمة العدل الدولية. والالتزام بها يعتبر ضمانة فعلية لسيادة الأمن والاستقرار والسلام والاحترام والمنفعة المتبادلة لجميع الأطراف. وبعكس ذلك تنشأ الكثير من الصراعات والنزاعات والحروب ويعم الموت والخراب والكراهية والحقد بين حكومات وشعوب البلدان المتجاورة. وتاريخ العالم يقدم لنا دروساً غنية ومريرة في هذا الصدد, ومنها تاريخ منطقة الشرق الأوسط, إضافة إلى الحرب الاستعمارية الأولى 1914-1918 وكذلك الحرب العلمية الثانية 1939-1945. وتاريخ الدولتين العثمانية والفارسية يقدم, على سبيل المثال لا الحصر, ما يكفي من الأدلة الدامغة للبرهنة على غياب تلك المبادئ في العلاقة بين الإمبراطوريتين في تلك العهود, أي قبل قيام عصبة الأمم ومن ثم الأمم المتحدة. كما أن تاريخ العلاقات بين العراق وإيران في الربع الأخير من القرن العشرين ما يؤكد على سيادة قانون الغاب وليس النظام الداخلي للأمم المتحدة.
في الواقع العراقي الراهن ما يؤكد ضرورة العودة لدروس الماضي في العلاقة بين الدولتين الفارسية والعثمانية في العراق لتجنب مأساة الصراع المذهبي الذذ حكم تلك العلاقة بنوايا استعمارية طبعاً. فقد اشتد الصراع والنزاع بين النخب الحاكمة في الإمبراطوريتين لا على استمرار احتلال إحداهما أو الأخرى للعراق واستغلال شعبه وخيراته في هذه الفترة أو تلك وخوض الحروب على الأرض العراق وما اقترن بذلك من خراب ودمار وموت وأحقاد فحسب, بل وإشاعة وتأجيج الخلافات المذهبية بين الشيعة والسنة والتجاوز الفظ والاعتداء على دور العبادة والمراقد المقدسة لأئمة الشيعة والسنة في المدن العراقية والتي ساهمت بافتعال مجازر دموية مرعبة ضد سكان العراق, إضافة إلى العداء والإيذاء المتواصل للكُرد في كل كردستان وفي كرُدستان العراق على نحو خاص. لقد كانت فترات مريرة في تاريخ العراق والشعوب العراقية والإيرانية والتركية والكردية والقوميات الأخرى التي كانت ولا تزال تعيش على أراضيها في هذه المنطقة من العالم. وإذا كانت الدولة العثمانية قد مارست سياسة هادئة إزاء المسيحيين واليهود, بسبب علاقاتها مع الدول الأوروبية, إلا أنها لم ترحم الإيزيديين باعتبارهم مرتدين عن الدين الإسلامي! كما لم ترحم الصابئة المندائيين أو أتباع المذاهب الإسلامية الأخرى في إطار هذه المنطقة الجغرافية. وكذا الحال مع الدولة الفارسية في سياساتها إزاء القوميات وأتباع الأديان والمذاهب الأخرى.
ولسنا بعيدين عن سياسة نظام البعث الدكتاتوري في عدائه القومي والمذهبي لجمهرة كبيرة جداً من سكان العراق اتهموا بالتبعية الإيرانية, سواء أكانوا من الكُرد الفيليين أم عرب الوسط والجنوب, وهم من أتباع المذهب الشيعي.
ولكن أسوأ المعاناة برزت في فترة الحرب بين العراق وإيران التي دامت قرابة ثماني سنوات عجاف. ولا شك في أن حرب الخليج الأولى قد بدأ بها نظام البعث ألصدامي, ولكن إيران الإسلامية لم تكن بريئة تماماً وبدون مسؤولية إزاء وقوع الحرب, إذ أنها بدأت تتدخل بشكل فظ في الشأن الداخلي العراقي ودفعت بالدكتاتور إلى مزيد من الإرهاب الداخلي وإلى شن الحرب ضد إيران. وراهن النظامان المستبدان على قدرتِهما في إسقاط الآخر عبر هذه الحرب. ومعاناة الشعبين كانت كبيرة جداً من الحرب ومن سياسات حكومتيهما في الداخل.
والآن فنحن أمام حالة جديدة بعد سقوط النظام الدكتاتوري عبر حرب خارجية واحتلال العراق من قبل قوات الدولتين الأمريكية الشمالية والبريطانية ومجموعة من الدول المتحالفة معهما وما جر هذا الأسلوب في إسقاط النظام وما بعده من تداعيات على الساحة السياسية العراقية والإقليمية والدولية. إذ أن ترك أبواب العراق مشرعة أمام من كان يريد ولوج العراق, قد سمح ليس بحرية التنقل للناس الطيبين بين البلدان المتجاورة حسب, بل وسمح أيضاً بدخول قوى الإرهاب من مختلف الجنسيات والهويات الفكرية والسياسية, ومختلف عصابات الجريمة المنظمة ومهربي القطع الأثرية المنهوبة والأموال وموردي السلاح بالسوق السوداء ومن قبل الدول الراغبة في الهيمنة على سياسة العراق, ومنها الدول المجاورة, وخاصة إيران والسعودية وسوريا ودول الخليج, إضافة إلى دول أخرى شاركت في كل ذلك. وكان هم الولايات المتحدة سحب الإرهابيين إلى الأرض العراقية لخوض المعركة معها على أرض العراق, واعتقدت بأنها قادرة بهذه الطريقة البائسة على كسب المعركة ولم تدرك بأن قوى الإرهاب يمكنها أن تتحرك في كل الاتجاهات وغير مقيدة بحدود كما هو حال الجيوش النظامية, ما دامت هناك الكثير من النظم السياسية يساعدها في نشاطها الإجرامي. وقادت هذه السياسة وغيرها إلى مآسٍ دموية وخراب اقتصادي ونهب وسلب لا مثيل له في تاريخ العراق الحديث, وهي حالة لا تزال بهذا القدر أو ذاك قائمة ويعاني منها شعب العراق بكل قومياته وأتباع أديانه ومذاهبه مع فارق ملموس ومهم في إقليم كردستان العراق, إذ كان الشعب الكردي قد تخلص من سيطرة نظام صدام حسين المباشرة منذ العام 1991¸وكان الوضع الأمني مستتباً في الإقليم واستمر حتى الوقت الحاضر. وهي حالة ممتازة.
وفي مثل تلك الأجواء التي نشأت ما بعد سقوط النظام الاستبدادي تسنى لإيران دخول العراق وفرض هيمنة سياسية واجتماعية فعلية على منطقتي الوسط والجنوب وإلى حدود بعيدة على بغداد أيضاً, رغم أن الهيمنة من حيث إصدار القرارات كانت بيد الحاكم بأمره بول بريمر, إلا أن التنفيذ لم يكن بالكامل بيد الولايات المتحدة وبريطانيا, بل كان يتأثر بالدور الإيراني وسياستها في العراق بصورة غير مباشرة,
لا أتهم الأحزاب السياسية الإسلامية الشيعية بأنها كانت وراء ذلك أو أنها تابعة لإيران, فهي أحزاب عراقية, رغم أن بعضها تأسس في إيران, كما في المجلس الأعلى الإسلامي, ولكن دخلت القوى الإيرانية إلى صلب هذه الأحزاب ومعها جمهرة واسعة جداً من ثلاثة أصناف من الناس , وهي:
1. قوى سياسية مؤمنة بأهمية دور إيران الشيعية الصفوية في العراق الذي يراد له السيطرة طائفياً على حكم العراق الحديث بعد حكم السنة الذي قارب الثمانية عقود, إذ أنها ترى وتعتقد بأنها غير قادرة على الحكم دون دعم إيران, الدولة الكبرى في المنطقة. وعلينا أن نفهم تداعيات مثل هذا التصور على بقية القوى العراقية السنية والدول المجاورة التي تدين بالمذهب السني.
2. قوى سياسية إيرانية بهويات عراقية ولجت إلى هذه الأحزاب واستطاعت أن تسير الكثير من الأمور وتصدر الكثير من القرارات بما يخدم مصالح إيران قبل أن يخدم مصالح العراق.
3. قوى بعثية شيعية ولجت إلى هذه الأحزاب باتجاه التوبة, وهي في ممارساتها أصبحت في الكثير من الجوانب تدين بالولاء لإيران أكثر مما تدين بالولاء للأحزاب السياسية الإسلامية العراقية, وكانت من بين القوى التي ساهمت بقتل الكثير من البشر. وجمهرة غير قليلة من هؤلاء من الجنود الذين أسروا وجرى غسل أدمغتهم وإرسالهم ثانية للعراق أو التحقوا بفيلق بدر, المنظمة العسكرية التابعة "للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية".
واستطاعت إيران الهيمنة على عدد كبير من منظمات أهلية اجتماعية ودينية وسياسية أسست على أساس أنها منظمات مجتمع مدني وأحزاب إسلامية صغيرة تحت أسماء كثيرة للغرض نفسه. ومن خلال كل ذلك كانت إيران تسعى إلى تحقيق ما يلي:
1 . الهيمنة الكاملة على الحكم والسياسة العراقية لا في الداخل حسب, بل وباتجاه الدول العربية والدول الإسلامية والخارج, رغم وجود الولايات المتحدة التي تحكمت لسنوات عدة بإصدار القرارات والعجز النسبي عن التنفيذ, إذ كان التنفيذ بأيدي قوى أخرى عملياً.
2 . التأثير المباشر على دور المليشيات الطائفية المسلحة في العراق ودفعها باتجاه تنفيذ مهمات تخدم مصالح إيران في العراق, ومنها قوى في منظمة جيش المهدي وفيلق بدر, رغم وجود صراع بين الاثنين على التحكم بالسلطة والشارع.
3 . العمل على تهديد وقتل وتشريد وتهجير واختطاف أتباع الديانات الأخرى من مسيحيين وصابئة مندائيين في جنوب ووسط العراق لإفراغهما منهم تماماً. والكثير من المختطفين نقلوا إلى إيران وتمت تصفيتهم هناك.
4 . تهديد وقتل وتشريد وتهجير الكثير من العائلات والعناصر الديمقراطية التي ترفض الانصياع لها ولمواقفها السياسية إزاء ما يجري في العراق. وسجل القتلى والجرحى والمعوقين من هؤلاء الضحايا لا يزال ينمو ويكبر بأسماء جديدة.
5 . وتسنى لأتباع المليشيات الطائفية المسلحة الشيعية الولوج بشكل خاص إلى مؤسسات وقوات وزارة الداخلية ووزارة الأمن الداخلي والجيش في فترة وجود الدكتور إبراهيم الجعفري على رأس الحكومة العراقية ولفترة غير قصيرة. إذ لم يكن الدخول على شكل أفراد فحسب, بل من خللا السيطرة على هيكلية هذه الوزارات وأجهزتها المسؤولة عن الأمن ومكافحة الجريمة أو مطاردة الإرهاب, في حين كانت هي بالذات قوى إرهابية. وتعتبر فترة وجود الجعفري على رأس الحكومة الفترة الذهبية لإيران حقاً وانتعاش دورها ومؤسساتها الأمنية والإرهابية في العراق والتأثير على وجهة العمل أيضاً, ولكنها كانت في القوت نفسه أسوأ فترة خلال السنوات السبع المنصرمة, حتى كان بيت الشعر التالي ملائماً لهذه الوزارة:
أي طرطرا تطرطري تقـدمي تأخـري
وزارة من كركـري يرأسها الجـعفري

ورغم الضربات التي وجهتها القوات المسلحة العراقي ة لمليشيات جيش المهدي المسلحة بقرار من رئيس الوزراء, والتي لم تمس قوات فيلق (منظمة) بدر التي حافظت على وجودها بذات القوى والرئاسة والوجهة والأهداف والتسلح, لم تتضرر هيكلية جيش المهدي وحافظت على بنيتها التي غادرت إلى إيران ثم بدأت تعود تدريجاً منذ سنتين, وهي لا تزال تمتلك قواها الخاصة وتأثيرها على مناطق من بغداد والعراق وتتحكم بسكانها, إذ بمقدورها, ومقدور ميليشيات أخرى, استخدام كواتم الصوت لإسكات أي صوت لصحفي أو لسياسي معارض لهذه القوى يمكن أن يتعرض أو يهدد مصالحها الأساسية أو يكشف عن فضائح معينة في العراق.
هل يعرف رئيس الوزراء العراقي هذه الأمور وغيرها؟
لدي القناعة, وأرجو أن أكون مخطئاً, بأنه يعرف جيداً دور إيران وقواها في العراق, وأنه على الأقل مطلع بما فيه الكفاية على عدة مسائل جوهرية, وهي:
1 . إنها مالكة لزمام المبادرة والتأثير المباشر على جوهر سياسات ومواقف غالبية الأحزاب الإسلامية السياسية الشيعية في العراق, ولكنها ليست بالضرورة قادرة على ممارسة التأثير المباشر على بعض العناصر المهمة في هذه الأحزاب.
2 . وإنها مالكة لقوة مهمة ومؤثرة في كل من وزارة الداخلية ووزارة الأمن الداخلي, كما لديها في العراق جهاز أمن سري تابع لأجهزة الأمن الإيرانية والحرس الثوري الإيراني ومتغلغل في أوساط واسعة وفي الجوامع ومنظمات المجتمع المدني, إضافة إلى العديد من الوزارات.
3 . وأنها تساهم مع أجهزة الأمن السورية وقوى فيها في إشاعة عدم الاستقرار في العراق.
4 . وأنها أصبحت تهيمن على نسبة مهمة من التجارة الخارجية للعراق وعلى السوق المحلي في الوسط والجنوب وبغداد, وأن هذه الهيمنة تمنحها القدرة في التأثير غير المباشر على حركة الاقتصاد الوطني وعلى السياسة الداخلية العراقية.
5 . وأن كل هذه العوامل تساعدها في التأثير غير المباشر وأحياناً المباشر على سياسات ومواقف الحكومة العراقية.
6 . وأنها تتجاوز منذ سنوات على حقول النفط العراقية في العمارة وتفرض هيمنتها عليها, وهو تجاوز فظ على سيادة العراق, على أرضه وثرواته.
ومع هذا فأن رئيس الوزراء العراقي يرفض حتى الآن التعرض لإيران ودورها السلبي في العراق, ولكنه يتحدث عن دور سوريا في لعراق, وهو يعرف أن سوريا تلعب دور التابع الذليل للسياسة الإيرانية في العراق, بدلاً من التوجه صوب الرأس المحرك والدافع للأموال من أجل إشاعة عدم الاستقرار في العراق. وإذ أصبح العدوان صارخاً ودخلت قوات إضافية غلى الأرض العراقية, ارتفع صوت الناس قبل صوت الحكومة.
وكان الكاتب الدكتور رشيد الخيون قد أصاب الهدف حين أشار إلى ابتعاد رئيس الوزراء العراقي عن توجيه الاتهام لإيران رغم وجود أدلة كافية لدى القوات الأمريكية على الدور التخريبي لإيران, ومنها تهريب الأسلحة والإرهابيين وتهريب المخدرات والأموال لمساعدة قواها وأتباعها في العراق.
إن الخطب والتصريحات التي يلقيها السيد رئيس الوزراء لم تعد مملة للناس وعافت عن سماعها الآذان فحسب, بل هي بعيدة كل البعد عن واقع الحال في العراق. فالنوايا الحسنة التي يريد إقناعنا بها عن الدور الإيجابي لإيران يمكنها أن تقود الشعب إلى جهنم وبئس المصير. وهو ما ينبغي تجنبه. والسؤال الذي يدور في البال هو: هل في مقدور رئيس الوزراء أن يتحدث بما يعرفه عن النشاط الإيراني في العراق, أم أنه عاجز لأسباب نعرفها ويعرفها هو أيضاً؟
لم يستطع حتى مستشار الأمن القومي, المعروف بطائفيته ومشهود له بها, أن ينكر دور إيران في العراق والعواقب الوخيمة المترتبة عن هذا الموقف.
ليست هناك من أسرارٍ غير معروفة بهذا الصد, ولكن من المفيد بلورة بعض النقاط:
** من المعروف عن قيادة حزب الدعوة الإسلامية, ورغم التزام قائده المؤسس الشهيد محمد باقر الصدر بولاية الفقيه, وبخاصة بعد إسقاط نظام الشاه وتولي الخميني مسؤولية المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران, إنها اضطرت على مغادرة إيران والتحول إلى سوريا أو الدول الأوروبية وكندا للعيش فيها ومواصلة العمل السياسي بهدف التخلص من الضغوط الإيرانية عليها والتدخل في شؤون الحزب الداخلية وبأمل التصرف باستقلالية إزاء الوضع في العراق والتحالفات السياسية التي تراها القيادة ضرورية. وقد سجل هذا الموقف المستقل لصالحه. ولكن هذا الحزب, ونتيجة تلك الضغوط انشطر على نفسه, كما خرج منه محمد باقر الحكيم الذي شكل المجلس الأعلى للثورة الإسلامية الذي كان أكثر التصاقاً بإيران والسياسة الإيرانية, ولا يزال كذلك, إضافة إلى الصدريين الذين نواتهم الأساسية من جماعة الشهيد محمد باقر الصدر. وفي الغربة انشطر حزب الدعوة الإسلامية عدة مرات ولأسباب كثيرة. ولهذا كان الحديث يجري عن تنظيم الخارج وتنظيم إيران أو تنظيم الداخل, وكانت سياساتها ومواقفها غير موحدة تماماً.
** وحين وصل هذا الحزب, الذي رفض الحرب كما رفضها الحزب الشيوعي العراقي ودخلا في تعاون مشترك بهذا الصدد, مع بقية القوى السياسية العراقية إلى السلطة, كان الدكتور إبراهيم الجعفري على رأس الحزب ثم تسلم رئاسة الحكومة في ضوء وجوده بتحالف البيت الشيعي أو الائتلاف الوطني العراقي. مارس الجعفري سياسة طائفية سياسية وسياسة موالية لإيران وللمليشيات الطائفية الشيعية المسلحة, وخسر بذلك تأييد الكثير من القوى الداخلية, وأجبر على مغادرة الحكم وتسلمه إلى نائب رئيس الحزب نوري المالكي. ونتيجة ذلك كانت انشطارا جديداً في حزب الدعوة قاده الدكتور الجعفري المسحور والمفتون بالسلطة إلى حد اللعنة, في حين قاد المالكي وعلي الأديب حزب الدعوة الإسلامي والحكومة في آن. إن هذا الموقع الجديد الذي أحتله المالكي في الحزب والحكومة ممثلاً عن الائتلاف الوطني العراقي الذي كان يقوده عبد العزيز الحكيم قد وضع رئيس الوزراء الجديد تحت تأثير عوامل عدة ضاغطة باتجاهات مختلفة وكانت أمامه تجربة الجعفري الفاشلة جداً, كانت نتيجتها عدم وجود سياسة واضحة في مختلف المجالات وغياب القدرة على اتخاذ قرارات جريئة لمعالجة الوضع في ما عدا الضربات المحدودة التي وجهت لجيش المهدي وكذلك ضربات جماعات الصحوة بدعم من الولايات المتحدة لقوى القاعدة مما أسهم في خلق وضع أمني أفضل حصل من خلاله على تأييد ونجاح واضحين في انتخابات مجالس المحافظات. وقد ساعد هذا الموقف على طرح شعار المواطنة بدلاً من الهوية الطائفية, الذي كرره كثيراً دون تلمس نتائج له.
** إن هذا الشعار الوارد في خطب وتصريحات المالكي لم يخرج إلى حيز التنفيذ, وهي نتيجة مباشرة للضغط المتزايد عليه من ثلاثة أطراف, وهي: أ) البيت الشيعي الذي أسسه الدكتور أحمد الجلبي لخوض الانتخابات الأولى بتركيبته الطائفية الجديدة, رغم تطعيمها بقوى الحزب الوطني الديمقراطي (نصير الجادرجي) وعامر حسن فياض, ب) جماعات في حزبه لا تزال ترى ضرورة التحالف مع الائتلاف الذي يضم المجلس والصدريين, ج) إيران التي ترى ضرورة ممارسة سياسة طائفية في العراق لترتبط عضوياً بالسياسة الإيرانية, إذ لم تكن زيارة رئيس البرلمان الإيراني للعراق في فترة تشكيل التحالفات عبثية ودون محاولة للتوفيق بين القوى الشيعية.
وهذه الضغوطات كانت ولا تزال تمنع رئيس الوزراء من توجيه الاتهامات لإيران في سعيها لإشاعة الفوضى في العراق واتهام سوريا فقط, وهو المدرك حقاً للعلاقة العضوية الراهنة بين إيران وسوريا ولأنهما ينسقان في السياسة إزاء العراق. كما لم يتحدث, وكذا وزير النفط, عن تجاوز إيران على حقول النفط العراقية وغيرها.
إن القوى الإسلامية الشيعية, ومنها حزب الدعوة بجناحيه المنشق (الجعفري) والأصل (المالكي-الأديب), وكذلك الأحزاب الإسلامية الشيعية الأخرى, ترى في إيران دولة كبرى في منطقة الشرق الأوسط داعمة وحامية لوجود هذه الأحزاب في السلطة ومخففة من ضغوط الدول العربية ذات الهوية السنية عليها, كما أن إيران ترى في استمرار وجود هذه القوى في السلطة لصالحها, إذ أنها لا تسلك سياسة معادية لإيران, بل تمارس سياسة الدفاع عن إيران.
** من يعرف طبيعة الأحزاب الإسلامية السياسية, يدرك أنها لا تتبنى الديمقراطية في الحياة السياسية ولا تشكل عندها فلسفة مقبولة, بل اعتبرتها في الآونة الأخيرة أداة للوصول إلى السلطة والسعي الكامل بكل السبل للبقاء في السلطة. وهذا الأمر ينطبق بالكامل على حزب الدعوة الإسلامية. إذ أن هذا الحزب ينطلق من ذات الأهداف التي حددها الشهيد محمد باقر الصدر والتي لا تختلف عن أهداف الخميني أو علي خامنئي. وما الاختلاف في الأساليب والأدوات إلا التعبير عن تباين في الإمكانيات وفي الظروف الراهنة على الصعد المحلية والإقليمية والدولية.
من هنا يفترض في المواطنة والمواطن العراقيين أن يتمعنا ويتابعا الحالة التالية:
هل أن تصريحات وخطب رئيس الوزراء العراقي المتكررة حول الديمقراطية والمواطنة تنطلق من تحول فعلي في مواقفه ومواقف حزبه الإسلامي السياسي أم أنها مجرد تكتيكات تمارس لمواصلة البقاء في السلطة, وهي ذات التكتيكات التي مورست من قبل قوى سياسية أخرى ولكنها تحولت عنها بعد أن وصلت إلى السلطة. وأنها ستسلك سبيلاً آخر وتمارس نهجاً آخر غير ما ادعته قبل الانتخابات.
علينا أن نراقب الموقف من حرية الإعلام وسبل التعامل مع الصحفيين والكتاب, إذ إن إشارات غير قليلة ذات وجهة تنتقص جدياً من حرية الصحافة أو الإعلام بشكل عام بدأت تبرز في سياسة رئيس الحكومة في الآونة الأخيرة. وهي الإشارات التي يمكن أن تصبح نهجاً وتمتد لتشمل بقية الحياة الفكرية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والأمنية ...الخ. وغالباً ما يبدأ الاستبداد بفرض الرقابة على حرية الإعلام وتهديد الصحفيين والكتاب أو قتلهم بطرق شتى!
أدرك تماماً بأن حزب الدعوة لا يمكنه حالياً ممارسة النهج الاستبدادي أو احتكار السلطة كما يرغب أو كما يجري حالياً في إيران لأسباب منها ما يرتبط بالواقع السياسي العراقي, ومنها ما يرتبط بالتكوين القومي والديني والمذهبي للعراق, ومنها ما يرتبط بالتجربة الغنية والمريرة التي مرَّ بها الشعب العراقي مع الدكتاتورية والفاشية ومع أي رداء يمكن أن تختفي خلفه الدكتاتورية, إضافة إلى محيطه الإقليمي بطابعه القومي والمذهبي, وكذلك الوضع الدولي ووجود القوات الأمريكية في العراق ودورها الراهن. كما أن القوى الكردية سوف تلعب دورها المضاد لأي سياسة استبدادية على صعيد العراق, إذ أن الفيدرالية لا يمكن أن تعيش في ظل الدكتاتورية والاستبداد في بغداد, بل تنتعش وتتطور في ظل الحرية والديمقراطية على صعيد العراق كله. إلا أن هذا يتطلب تعديلاً جدياً في سياسات القوى الكردستانية وحكومة الإقليم بما يسهم في تعزيز القوى الديمقراطية على صعيد العراق كله والانطلاق من أهداف عراقية عامة وعدم إخضاع كل الأمور للأهداف الكردستانية التي تضيق الأمور إلى حد بعيد, بحيث تتعرض مكاسب الشعب الكردي كلها إلى مخاطر جدية. فتجاربنا غير قليلة بهذا الصدد. وواقع العراق الراهن ليس نهاية التاريخ ولا المكاسب المتحققة, بل هي قابلة للتراجع والتقدم. وعوامل عديدة سوف تلعب دورها في أي من الاتجاهين, ومنها دور الشعب الكردي وكل القوى الديمقراطية العراقية.
ستبقى إيران طالما بقي الحكم الراهن فيها, تواصل فعلها المباشر وغير المباشر بالتدخل في الشأن العراقي, ولكن علي كل الشعب العراقي تقع مسؤولية إيقاف التدخل الإيراني المستمر في العراق وفضح أهداف إيران في العراق والمنطقة, كما فعل أخيراً النائب السيد أياد الجمالي, وليس على رئيس الوزراء وحزبه الذي لم يمارس فضح دور وطبيعة السياسات الإيرانية في العراق والمنطقة حتى الآن بل دافع باستمرار عن إيران واعتبرها لا تتدخل بالشأن العراقي وهاجم التابع لإيران الكامن في الدور السوري وفي دور السعودية. وقد تعرض أياد جمال الدين بسبب مواقفه الصارمة والصريحة من إيران إلى عدة محاولات اغتيال نجا منها بأعجوبة من ذات القوى التي تؤيد إيران أو من قوى إيرانية فاعلة في العراق في الغالب الأعم.
إن الأيام والأشهر القادمة ستبين لنا مدى حرص رئيس الوزراء العراق على الديمقراطية والمواطنة والحرية التي تحدث عنها, ومدى قدرته في التصدي للأهداف الإيرانية في العراق. وكل آت قريب!
21/12/2009 كاظم حبيب





#كاظم_حبيب (هاشتاغ)       Kadhim_Habib#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل إن رفض بناء المآذن رفض للإسلام في سويسرا؟
- هل انتهى دور القاعدة والبعث ألصدَّامي في العراق؟
- هل النخبة الجائرة في إيران تزداد عدوانية وتشتد عزلتها عن الش ...
- الساعون إلى السلطة كثيرون, بعضهم على استعداد لحكم البلاد بلا ...
- ناس تأكل بالدجاج ... وناس تتلگه العجاج..!!
- ليس هناك سجناء فكر وسياسة, ولكن هناك قتلى فكر وسياسة وإعلام ...
- ما هي الأهداف التي يسعى كل حزب إلى تحقيقها من مشاركته في الا ...
- هل هناك من يريد خلط الأوراق في الموقف من قانون الانتخابات؟
- السيد أحمد أبو ريشة والقضية الكردية
- هل الرأسمالية هي نهاية التاريخ؟
- هل ستكون الانتخابات العامة القادمة في العراق نزيهة ونظيفة؟
- المضمون الفاشي لمجازر الأنفال وحلبچة في كُردستان العراق
- مسيرة الأحزاب السياسية ونتائج انتخابات الإقليم الأخيرة - الح ...
- مسيرة الأحزاب السياسية ونتائج انتخابات الإقليم الأخيرة- الحل ...
- مسيرة الأحزاب السياسية ونتائج انتخابات الإقليم الأخيرة - الح ...
- مجلس النواب يقاضي المدى والشعب في آن واحد!
- الخونة المجرمون يسعون لإشاعة الفوضى والموت في العراق
- التيار الديمقراطي وأزمة تحالفاته المستمرة!
- الفنان الكاريكاتير سلمان عبد والظواهر السلبية في المجتمع
- هل من مشروعية لتدخل الحكومة العراقية في شؤون النقابات العراق ...


المزيد.....




- فيديو غريب يظهر جنوح 160 حوتا على شواطىء أستراليا.. شاهد رد ...
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 1000 عسكري أوكراني خلال 24 سا ...
- أطعمة تجعلك أكثر ذكاء!
- مصر.. ذعر كبير وغموض بعد عثور المارّة على جثة
- المصريون يوجهون ضربة قوية للتجار بعد حملة مقاطعة
- زاخاروفا: اتهام روسيا بـ-اختطاف أطفال أوكرانيين- هدفه تشويه ...
- تحذيرات من أمراض -مهددة للحياة- قد تطال نصف سكان العالم بحلو ...
- -نيويورك تايمز-: واشنطن سلمت كييف سرّا أكثر من 100 صاروخ ATA ...
- مواد في متناول اليد تهدد حياتنا بسموم قاتلة!
- الجيش الأمريكي لا يستطيع مواجهة الطائرات دون طيار


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كاظم حبيب - الأحزاب السياسية الإسلامية الشيعية ودولة إيران الإسلامية الشيعية