أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جميل السلحوت - البلاد طلبت اهلها















المزيد.....

البلاد طلبت اهلها


جميل السلحوت
روائي

(Jamil Salhut)


الحوار المتمدن-العدد: 2864 - 2009 / 12 / 21 - 16:25
المحور: الادب والفن
    



يوم الثلاثاء الأول من كانون أول–ديسمبر- كان لا بد من التجول في أسواق جدّة، لشراء بعض الأغراض الخفيفة كالتي يشتريها الحجاج تبركا كهدايا من البلاد المقدسة، كالمسابح، وبعض الهدايا للأطفال،والقاء النظرة الأخيرة على بلاد لا يمكن إلا أن تترك بصماتها الدائمة في وجدان وذاكرة من يدخلها،نظرا لقدسيتها وجمال طبيعتها وطيبة شعبها،كان في الخاطر أن نزور المدينة المنورة كي نصلي في مسجدها النبوي الشريف،ونقرئ ساكنه عليه الصلاة والسلام السلام،وقد وفر لنا مضيفونا السعوديون السيارات اللازمة لذلك بكل أريحية،لكن لقاء معالي وزير الثقافة عبد العزيز بن محيي الدين خوجة مساء الاثنين حال دون هذه الزيارة الدينية.
عدنا الى فندق الـ (ماريوت)بعد أن أمتعنا عيوننا وعقولنا بأسواق جدّة،وعمرانها وشوارعها رغم النكبة المأساوية التي حلت بها يوم الاربعاء في الخامس والعشرين من تشرين الثاني الماضي،جلسنا في بهو الفندق مع عدد من مضيفينا موظفي وزارة الثقافة،ومع عدد من الضيوف العرب،في مقدمتهم الناشر الجزائري الأستاذ محمد الفاضلي، ذلك الرجل الفاضل وصاحب الخلق الحسن،تسامرنا مع عدد من الأخوة المغاربة والمصريين والأردنيين،وكان لزميلنا وشاعرنا الشعبي موسى الحافظ دور هام في اطراب الحضور من خلال زجلياته الرائعة،وقدرته الفائقة على الارتجال.
وقبل أن تنفض الجلسة لإعداد الحقائب استعدادا للسفر،حيث ستغادر الوفود صباح الأربعاء،استذكرنا مناسك الحج وما تتمتع به أماكن الحج من هيبة ووقار إيمانيين،وكيف يتساوى المؤمنون أمام الخالق،وأمام أنفسهم بنفس الثياب،وفي آداء نفس الفريضة بنفس الطقوس الدينية،لا فرق بين أمير وفقير الا بالتقوى،فالدنيا فانية،والموت سيطوي جميع الأحياء،ولن يبقى الا الأعمال الصالحة والذكرى الطيبة. واستذكرنا اشخاصا ستبقى ذكراهم خالدة في نفوسنا وذاكرتنا لطيب معاشرتهم،وحسن ضيافتهم لنا،وما قدموه لنا من خدمات جليلة،وفي مقدمة هؤلاء سعادة الدكتور عبد العزيز بن محمد السبيّل وكيل وزارة الثقافة السعودية.
كما عدنا بذاكرتنا ضاحكين على بعض الطرائف التي حصلت معنا،ومنها أن الأخ موسى ابو غربية الوكيل المساعد في وزارة الثقافة الفلسطينية،ورئيس وفدنا في ايام فلسطين الثقافية في الرياض،قد تلقى اتصالا هاتفيا من زوجته على جواله ونحن في جولة الطواف الأولى حول الكعبة المشرفة في طواف الأفاضة،فقال لها بانه يطوف حول الكعبة،فأخذت تلقنه بعض الدعوات،وهو يرددها خلفها،فضحكنا رغم جلال الموقف وقدسية المكان...وطلبنا منه أن يغلق الجوّال،وكان أمامنا عدد من الأخوات من ماليزيا،بلباسهن الأبيض وأغطية رؤوسهن التي يشوبها بعض الاخضرار،كن يسرن بشكل دائري،ويحيط بهن رهط من الشباب الماليزيين ليحموهن من التدافع،وأحدهم يقرأ بصوت جميل منخفض وبلغة عربية ركيكة بعض الأدعية من كتيب،وهم يرددون خلفه تلك الأدعية .
كما استذكرنا ونحن في غرفتنا في مقصورة وزارة الثقافة وبعد ان عدنا من طواف الأفاضة صباح عيد الأضحى ،عندما اتصلت زوجة زميلنا ورئيس وفدنا مرة ثانية،حيث كانت دائمة الاتصال به،ويبدو انهما استغلا أن شركة الاتصالات الفلسطينية قد أعلنت أن الاتصال من جوّال على جوّال في الدول العربية سيكون مجانا،وما أن سمع صوتها ويبدو انها سألته فيما اذا كان قد رمى الجمرات على الجمرة الكبرى،بطريقة سؤال:هل رجمت ابليس؟؟فرد عليها ضاحكا:سنتكلم لاحقا لأن حولي ثلاثة أبالسة، كنت أنا-الفقير اليه تعالى- والزميلان أنور ريان،ونبيل النوباني،وكان جوابه لزوجته استمرارا لحديثنا، حيث اخبرنا بأنه سيذهب لرمي الجمرة الكبرى بالسبع حصوات،وسأل هل ستذهبون معي؟فأجبت بالطبع لأننا لن نتركك تذهب وحدك،فما يدرينا اذا ما تلقفك ابليس وألقى القبض عليك؟؟.
ما علينا انفضت جلستنا،وعاد كل واحد منا الى غرفته،وأخذنا قسطا من النوم...استيقظنا في الثالثة صباحا،وتوجهنا الى مطار جدة،برفقة أحد الشباب -ويبدو انه أصغر موظفي وزارة الثقافة العاملين في جدّة عمرا-،حيث سنستقل احدى طائرات شركة(سما)التجارية السعودية ،الى الرياض ومن هناك الى عمان.
وفي مكان تجيير التذاكر،وتسليم الحقائب،كانت حقائبنا فيها حمولة زائدة عن العشرين كيلو غرام المسموح لنا بحملها بمائة وستين كيلو غرام،فرفض الرجل تمرير معاملاتنا الا بدفع خمسة عشر ريالا عن كل كيلوغرام،فأحصينا ما معنا من نقود فوجدناها الفا وخمسمائة ريال، ولم يكن معنا غيرها،فعدنا مكرهين لأنها هي بمثابة أجرة سفرياتنا من مطار عمان الى بيوتنا في الضفة الغربية،ولولا أننا وجدنا بعض الأقارب أو الأصدقاء من المقيمين في الأردن في استقبالنا في مطار عمان لبقينا فيه.
لكن موظف(سما) رفض ان يمرر ما زاد من حمولتنا عن ذلك، ولم يقبل الرجل رجاء أو عذرا. فتركنا حمولتنا من ماء زمزم-(جالون) لكل واحد منا، هذه المياه التي يتبرك بها أهلنا ومستقبلونا،بشرب كل واحد منهم مقدار فنجان قهوة منها، واضطررت أنا الى ترك حقيبتي المليئة بالكتب التي أخذتها من المركزين الاعلاميين في منى وجدّة، والتي وجدت فيها كنزا ثقافيا سيحررني من جهلي الثقافي والمعلوماتي عن المملكة السعودية،تركتها كالثاكل...تركتها وفي القلب حسرة ولوعة عليها. لكن لم يكن أمامي خيار آخر...فردتها على طاولة كان يجلس عليها عدد من ضباط الأمن،ويبدو ان أحدهم قارئ ومثقف،فأشار الى عدد من الروايات والدواووين الشعرية وقال لزملائه:هذه كتب قيمة،لقد قرأتها اكثر من مرة،ولما رأني ألقي نظرة وداعي الأخيرة عليها،وأنا أتركها....ولا ألبث أن أعود اليها قبل أن أدخل قاعة المغادرين،رأى الرجل حيرتي وارتباكي،فسألني عن أمري،ولما أخبرته بقصتي تعاطف معي،وأحضر أكياسا من النايلون،يريد وضع الكتب فيها وهو يردد:أنا سأدخلها لك من نقطة التفتيش لموظفي(سما)والذين لا ييمحون للشخص بحمل حقيبة يد تزيد عن اربعة كيلو غرامات،حملت في يدي خمسة كتب،وتركت الأخرى،وكان من ضمنها رزمة الأعمال الشعرية الكاملة لشاعر سعودي،تزيد عن العشرين ديوانا لم أنتبه لاسم الشاعر،ولم أفكّ الرزمة،لأنني كنت على يقين بأنها ستبقى معي .لكن موظفي(سما) لم يسمحوا للضابط بادخال الكتب،واذا بالرجل يقول لي أنا سأدفع ما يطلبون من مال،وخذ كتبك حرام ان تبقى هنا، فشكرت له نخوته وشهامته،ورفضت عرضه،وقلت له: هذه الكتب القيمة هدية من وزارة الثقافة السعودية لي،ونظرا للوضع الذي تراه،اعتبرها هدية مني اليك،مع أن الهدية لا تهدى ولا تباع...تركته وانصرفت، فحملها مكرها وعلى استحياء.
وعند بوابة الطائرة وجدنا نفس الموظف يقف لاستلام التذاكر،كان يقسم التذكرة ويقول للمسافر، رحلة سعيدة .... عندما وصلت اليه ردد عبارته فقلت له : من يراك لا يرى السعادة.
في مطار الرياض وعندما وصلنا مكان تجيير التذاكر وتسليم الحقائب،وجدنا شابا باسما وسيما له ذقن قصيرة مشذبة بشكل زاده وسامة،استلم جوازات سفرنا،وقال: هل الأخوة فلسطينيون.. فأجبناه بأننا فلسطينيون من الأراضي المحتلة،فرحب بنا الرجل وكأنه يعرفنا من قبل ،رحب بنا وكأننا ضيوف في بيته، وبعد أن وزن الحقائب قال:هل أنتم الخمسة مع بعضكم البعض؟ فأجبناه بالإيجاب،فقال : حمولتكم زائدة مائة كيلو ....فسألناه:وماذا يعني هذا؟؟...فرد باسما: لا شيء... أهلا وسهلا بكم وحيّاكم الله... وأتمنى لكم رحلة سعيدة وعودة سالمة لوطنكم وأهاليكم،فسألته عن اسمه: فقال اسمي:محمد الشمّي. فشكرته على حسن معاملته...وذكرت له ما جرى لنا ومعنا من موظف(سما)فدهش من ذلك كما بدا من تعابير وجهه.
لقد رأينا في محمد الشمّي المروءة العربية والكرامة العربية الأصيلة.
وفي قاعة المغادرين اتصلنا بسعادة الدكتور عبد العزيز السبيّل،وكيل وزارة الثقافة وشكرناه من قلوبنا على حسن ضيافته لنا... استقلينا طائرة شركة الطيران السعودية والقينا نظرة الوداع على الرياض، وعلى الأراضي السعودية، فهذه الأرض الطيبة وأهلها الطيبون يصعب على المرء فراقهم ... لكن هذه هي الحياة،ولا أجمل من الرباط في ارض الرباط رغم المعاناة.



#جميل_السلحوت (هاشتاغ)       Jamil_Salhut#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السعودية بين التجديد والمحافظة
- اختتام فعاليات القدس عاصمة الثقافة العربية قبل ان تبدأ
- بين التجديد والمحافظة في السعودية
- الوداع
- منى فيها دين ودنيا
- من عرفات الى جدة
- من جدة الى عرفات
- يوم في جدة
- من الرياض الى جدة والعمرة
- عشرة ايام في الرياض-في السفارة
- عشرة ايام في الرياض- متى ستعود قدسنا؟
- في السعودية-3-المساجد والأسواق والفيصلية
- في السعودية-2-العاذرية والمتحف
- في السعودية - ناد ومركز ثقافيان
- السعودية بعيون فلسطينية
- السياسة العنصرية لبلدية القدس
- ما يجري في القدس ليس عفويا
- لا فرق بين أسير وأسير
- بدون مؤاخذة- للأقصى حماته
- بدون مؤاخذة-حروب اسرائيل والجريمة بحق الانسانية


المزيد.....




- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جميل السلحوت - البلاد طلبت اهلها