أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - وجيهة الحويدر - قذارة امرأة وازدواجية عالم ذكوري















المزيد.....

قذارة امرأة وازدواجية عالم ذكوري


وجيهة الحويدر

الحوار المتمدن-العدد: 870 - 2004 / 6 / 20 - 06:27
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    


المرأة التي خدشت الإنسانية، وهزّت مشاعر البشر، وانتهكت حرمة الإنسان، وضربت بعرض الحائط قيم ومُثل هذا العالم، هي تلك المجندة الأمريكية التي تُدعى "ليندي انجلاند". ظهرت تلك المجندة في أبشع الصور وهي تنكل بسجناء "أبو غريب" وعلى نحو خاص وهي تسحق آدمية ذاك السجين ذي السحنة العربية، الذي قد يكون عراقيا أو قد يكون من أي قُطر عربي. كانت تجره بقسوة بحبل مربوط في رقبته، وهو عاريا ذليلا مجردا من كرامته وإنسانيته. الذي جعل المنظر مقرفا ومثيرا للاشمئزاز أكثر هو أنها كانت تتلذذ بتعذيب ذاك الإنسان مسلوب الإرادة. كل ذلك لايحتاج لتسليط أضواء عليه لإيضاحه، لأنه كان ظاهرا أمام العيان، فالقراءة المبدئية تلك سطحية جدا، وضحلة للغاية، وتفتقر لعمق التحليل، لأنه بإمكان حتى الجاهل أن يستنبطها ويستشفها من الصورة من النظرة الأولى. لذلك يحتاج منا الموضوع لوقفة مغايرة، و يتحتم علينا قراءة تلك الصورة بالذات خارج أبعادها الظاهرة..
هناك استنتاجان هامان خلفتهما صورة "ليندي" ولا بد من التنويه عنهما. الاستنتاج الأول والذي يثير الانتباه في مجريات الحادثة كلها هو ماجرى لتلك المرأة. لا احد يُنكر بشاعة ما قامت "ليندي" به تجاه سجناء معتقل "أبو غريب" سيء الصيت، لكن لا احد يُنكر أيضا سياسة الكيل بمكيالين في فضح أفراد ذاك العمل السادي الوضيع. مع إن الجناة كانوا كثيرين، وغالبيتهم من الرجال، وظهروا في صور مختلفة وهم يسمون المعتقلين اشد أصناف العذاب، لكن ظلت أسماؤهم وماضيهم وهوياتهم مجهولة تماما. "ليندي" هي التي شُهر بصورها عبر جميع وسائل الاعلام المحلية والعالمية. فهناك كم هائل من الكتّاب، أجانب وعرب نبشوا في ماضي تلك المجندة، وفي تفاصيل حياتها الخاصة. وكأنها هي وحدها التي اقترفت جريمة "أبو غريب". حتى صديقها السافر "تشارلز جرانر" والذي هو اب لصغيرها القادم، بقي غير معروف أي شيء عنه سوى اسمه. تلك الزمرة الوضيعة من الجنود الأمريكية التي قامت بتلك الفضائح في "أبو غريب" التي يندي لها الجبين، يستحق أفرادها التشهير بهم لعملتهم الشنيعة البشعة، لكن ذاك لم يحدث سوى للمجندة "ليندي" التي لقبت بزبالة البيض. مع أنها صرّحت أنها كانت تنفذ أوامر رؤسائها. هناك فلم فيديو ومئات الصور التي تفضح العصابة المتواطئة، لكن لم يُكشف عنها، ولم يُنشر منها سوى عدد محدود ومعظمها لتلك المجندة. أيضا تلك المرأة والتي قد تكون اصغر المدانين سنا، نعتت بكل النعوت القبيحة خاصة من الكتاب العرب. إضافة إلى ذلك فتشت الصحافة الأمريكية على ذويها حتى وصلت لعقر دارها الذي ترعرعت فيه، فآذوا أهلها وطاردوهم، مما حدا بهم أن يتركوا مسكنهم مضطرين، ويرحلوا مفزوعين إلى مكان مجهول، كي يختفوا عن عدسات الكاميرات المتطفلة وأقلام الإعلاميين الفضوليين. كل ذلك جرى عليهم بسبب فعلة ابنتهم التي لن يغفرها الزمن لها، ولن تسكت عنها السنون مهما كثرت طياتها. لكن أليس عجيبا أن لا نسمع بحدوث أي شيء من ذاك القبيل لأي واحد من الجناة الآخرين؟؟؟ لماذا يا ترى؟؟؟ لماذا التلون بجلد الأفعى في التعامل مع الجناة؟؟ الا يثير ذلك التساؤل في النفوس ويؤجج كثيراً من علامات الاستفهام والحيرة؟؟
حين نتفكر ونتمعن بدقة فيما حصل لتلك المجندة، قد لانجد مبررا لفضحها بالشكل الذي ظهر سوى لأنها امرأة. في كل دول العالم مهما رقت مجتمعاتها أو تقدمت مازالت المرأة فيها هي الجنس الأضعف، والعظم الهش، و الحائط المنخفض الذي يتخاطاه القاصي والداني، وعظيم الشأن وقليله. حكى عن "ليندي" كل كتاب العالم، خاصة العرب منهم بقريحة امتعاض واحتقار ودونية. صبوا بإسهاب في مقالاتهم كل سخطهم وترسباتهم وموروثاتهم المبيتة للمرأة. تلك المرأة على قذارتها ووقاحتها وانحطاطها كشفت عورات الإعلاميين قاطبة، وأثارت رجولتهم المأزومة، فكل من امسك بقلم سواء كان كبيرا أو صغيرا، معروفا أو مغمورا، موهبا أو عديم الموهبة، كتب عنها بصورة تنم عن حنق وغضب وضغينة وكره لها وكأنه بينه وبينها عداء شخصي أو ثأر دفين. لم يصرف أي كاتب منهم وقتا ولو بسيطا في فضح شركائها في الجريمة من الرجال..وهذه إحدى وجوه ازدواجية الإعلام في العالم الذكوري..

أما الاستنتاج الأهم الذي أفرزته تلك الصورة المروعة، هو أن "ليندي" بوساختها وثقل ظلها وشح إنسانيتها، ودون دراية منها قلبت موازين العرب ومفاهيمهم، بل قلبت مفاهيم معظم مجتمعات دول العالم الثالث. عكست واقعهم المرير الخرب، وهزت ثوابته النخرة، وهشّمت أعمدته الهزيلة. الصورة تلك لو اجترتها الذاكرة وبحثت عن نمط مشابه لها تماما، بأدوار متبادلة، في داخل أسوار المدن العربية، لوجدت اقرب شيء لها هي علاقة الرجل العربي بالمرأة العربية حين يسخط عليها. في تلك الحالة يصبحن النساء العربيات هن الذليلات العاريات المجردات من ابسط حقوقهن. والرجل بسلطة مخولة من حكومته، يجرجر النساء يمينا وشمالا، ويذلهن ويهينهن منذ قرون طويلة وبشكل مقنن. من محيط الوطن إلى العربي إلى خليجه مع بعض الاستثناءات في بلدان تونس والمغرب العربي وقليل هنا اوهناك، نجد أن تلك الصورة تعكس حال كثير من النساء العربيات والخلجيات على نحو خاص، حين يتورطن مع رجالهم في قضايا الأحوال الشخصية. فالرجل حين لا يرضى عن المرأة أو يغضب منها، ويرفض تسريحها بالمعروف، يحرمها من كل مقومات الحياة وبحماية من القانون. بإمكانه أن يضعها في سجن "بيت الطاعة" أو "الناشز" كما يسميه الخلجيون ولسنين مديدة. في دول مجلس التعاون، الرجل الخليجي على وجه الخصوص له الحق في أن يجعل "حريمه" حبيسات منزله، ويحرمهن من حق العمل والدراسة والتنقل والعلاج دون أن يتعرض لأي عقاب أو محاسبة، لأنهن ملكه بصك رسمي فهو ولي أمرهن، والوصي عليهن والمتصرف الشرعي الوحيد في شؤونهن وفي أجسادهن، ويجوز له أن يضربهن أو يسفك دماء إحداهن إذا ارتاب في أمرها.
مؤكد إن الرجال العرب ليسوا أفضل حالا من نسائهم، فهم حلقة من سلسلة قهر طويل، لكن النساء والأطفال يمثلون الحلقة الأضعف فيها. صورة "ليندي" وهي تجر ذاك الحبيس العراقي أو العربي، حقيقة قلبت لنا حال المرأة العربية، حيث الذليل هذة المرة هو الرجل العربي، والمرأة هي التي تتصرف به، وتمتلك السيطرة على كل جوانب حياته وبأمر من السلطات العليا. دون أدنى شك انه لأمر موجع ومؤلم ومؤثر ومخل للطبيعة حقا، إن يتحكم إنسان بحياة آخر على هواه وخاطره..لكن للأسف للتو شعر الرجال العرب بألم ذاك الصنف من القهر، واستطعموا مرارة ذاك النوع من المهانة، وتجرعوا وجع ذاك اللون من الذل ..فقط حين جُرحت قلوبهم بالفعل من الداخل، ومُس كيانهم، واُستخف بكينونتهم كبشر، وهُمشت آدميتهم، وعُوملوا مثل نسائهم، على أنهم أنصاف بشر وكأنهم خُلقوا بدون مشاعر أو أحاسيس أو كرامة..وتلك ازدواجية أخرى في عالم الذكور هذا...

حقيقة الأمر مفزع، لكن ليس من الصواب إن يُعفى احد من المسؤولية، فحالة البؤس التي تكابدها المرأة العربية كلنا مشاركون فيه، حكاما ومحكومين، نساء ورجالا، لكن يظل من ارتدى كساء السلطة يقع على كاهليه العبء الأكبر ويتحمل تبعاته. بشكل عام تردي حال الإنسان العربي يتفاقم سوءا يوم عن يوم. لكن المرأة العربية هي أكثر المتضررين من الوضع الراهن المنكوب. فمن يعملون تحت مظلة المؤسسة السياسية و الدينية يتوجب عليهم ان يكفوا بأيديهم عن المرأة، ويتوقفوا عن إيذائها، وان يعطلوا القوانين واللوائح الجائرة التي تسلط الرجل عليها، فتدفع به إلى مصادرة حقها في تقرير مصيرها.

العالم العربي اليوم في حاجة ماسة لنساء ورجال لديهم شجاعة كافية ويكتنزون نوايا صادقة للقيام بذاك العمل النبيل، لدفع العجلة تجاه حياة كريمة للجميع، ولنشر العدالة والمساواة والطمأنينة بين الرجال والنساء على السواء. من اجل أن لا تظل صورة "ليندي" القميئة تعكس واقع الرجل العربي المتجبر على المرأة المغلوب على أمرها، وكي لا تبقى نمطا شرقيا قائما ومتوارثا لعقود طويلة قادمة.


كاتبة سعودية



#وجيهة_الحويدر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لاستاذ حيّان نيّوف.. الاحتضار هو حين تسكن روحك جسد انثى عربي ...
- خرافة سندريلا المسكينة تمتهن الأنثى ومادونا تعيد إليها الروح
- وجيهة الحويدر تتلقى تهديداً بالإعتداء - إن يدنا تطول امثالك ...
- العنوسة خير ألف مرة من الزواج من رجل في هذا الشرق البائس
- لا يكفي أن يسترد النساء العربيات حقوقهن! أيها الفحول: دماء ا ...


المزيد.....




- برلماني بريطاني.. الاحتلال يعتدي حتى على النساء الفلسطينيات ...
- السعودية ترأس لجنة وضع المرأة في الأمم المتحدة بدورتها الجدي ...
- تطورات في قضية داني ألفيش -المتهم بالاغتصاب-
- رومي القحطاني.. أول سعودية تشارك بمسابقة ملكة جمال الكون 202 ...
- شون كومز.. مغني الراب الأمريكي الشهير واتهامات -الاغتصاب وال ...
- بصورة مع علم السعودية.. رومي القحطاني تعلن تمثيل المملكة بأو ...
- الشهادة السابعة من حملة #مش_طبيعة_المهنة
- لأول مرة.. سعودية تشارك بمسابقة ملكة جمال الكون
- العنف الرقمي يهدد اللبنانيات.. ابتزاز واحتيال وانتهاك خصوصية ...
- نازحو/ات اليمن.. معاناة متفاقمة باستمرار الحرب


المزيد.....

- مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية / رابطة المرأة العراقية
- اضطهاد النساء مقاربة نقدية / رضا الظاهر
- تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل ... / رابطة المرأة العراقية
- وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن ... / أنس رحيمي
- الطريق الطويل نحو التحرّر: الأرشفة وصناعة التاريخ ومكانة الم ... / سلمى وجيران
- المخيال النسوي المعادي للاستعمار: نضالات الماضي ومآلات المست ... / ألينا ساجد
- اوضاع النساء والحراك النسوي العراقي من 2003-2019 / طيبة علي
- الانتفاضات العربية من رؤية جندرية[1] / إلهام مانع
- النسوية.المفاهيم، التحديات، الحلول.. / طلال الحريري
- واقع عمل اللمراة الحالي في سوق العمل الفلسطيني الرسمي وغير ا ... / سلامه ابو زعيتر


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - وجيهة الحويدر - قذارة امرأة وازدواجية عالم ذكوري