أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - أحمد الناجي - من أوراق الاحتلال البريطاني للعراق سنة 1914 - 10- 3















المزيد.....


من أوراق الاحتلال البريطاني للعراق سنة 1914 - 10- 3


أحمد الناجي

الحوار المتمدن-العدد: 869 - 2004 / 6 / 19 - 05:09
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


احتلال الناصرية
*************
كانت القوات البريطانية تسعى لاحتلال الناصرية بهدف إبعاد الخطر التركي عن خط مواصلاتها، لاسيما في حالة التقدم شمالا على محور نهر دجلة، بالإضافة الى أنها كانت تهدف من ذلك تأمين السيطرة على عشائر المنتفك بقيادة عجمي السعدون التي كانت أكثر العشائر ولاءاً للأتراك، وضعت القوة البريطانية خطتها في التقدم بسلوك الطريق النهري الذي يربط بين هور الحمار والجبايش ونهر الفرات، بدلا من الطريق البري بالنظر لحرارة الجو التي تعيق استخدام نقلية الحيوانات، وبالتالي صعوبة تأمين التدابير الإدارية.
في 27 حزيران 1915 تحركت القوة البريطانية من القرنة عن طريق هور الحمار، ولاقت صعوبة في المرور من جدول العكيكة الذي يصل بين هور الحمار ونهر الفرات شمالا الى سوق الشيوخ، وقد اضطروا الى القيام بنسف سدة العكيكة بالديناميت التي يبلغ سمكها تسعة أمتار، وهذا الحاجز قامت العشائر بصنعه لرفع مستوى الماء في الجدول، من خلال وضع أحجار وأخشاب وسفن قديمة، تم فتح هذا المجرى يوم 3 تموز، تحرك الأسطول جنوباً بعد مهاجمة المواضع التركية على جانبي الفرات، وتمكنوا من احتلال بلدة سوق الشيوخ في 6 تموز، وتقدموا نحو الناصرية، فتعرضوا الى مقاومة عنيفة على طول الطريق اليها من قبل المجاهدين أبناء العشائر ورؤسائها، ولم تستطع المحاولات الهجومية العديدة التي شنت في ليلة 7/8 وليلة 12/14 تموز 1915 على الموضع التركي الرئيسي الذي يبعد حوالي 14 ميلا من الناصرية من إسقاطه، ولكن بعد وصول نجدات متتالية دعمت من القوة البريطانية، شرعت مجددا في الهجوم يوم 24 تموز عن طريق النهر والبر ومساندة الطائرات بالاستطلاع خلال المعركة، استطاعوا من احتلالها في يوم 25 تموز، بعد انسحاب القائد التركي أحمد بك أوراق، والقسم الأكبر من قواته الى الشطرة، ومنها الى الكوت، وبذلك قلص من خسائر الأتراك التي قاربت الألفين بين قتيل وجريح، في حين كانت خسائر البريطانيين زهاء 400.
احتلال الكوت
********
بعد أن وصلت القطعات البريطانية الى خط الأهواز- العمارة- الناصرية، تكون بذلك قد أمن الهدف الرئيسي من الحملة البريطانية في العراق، وهو السيطرة على رأس الخليج وإعلاء هيبة الإمبراطورية البريطانية، وتأمين منابع النفط في عبادان، وبالتالي حماية إمدادات النفط الى بريطانيا، غير أن الطموحات البريطانية امتدت الى ما هو أكبر من ذلك، وصارت تسعى الى احتلال العراق بأكمله، رغم أن الاعتبارات العسكرية والسياسية تختلف في مدى الطموح، ولا يمكن لها أن تكون متطابقة في هذا الشأن، غير أن السياسيين كانوا يعلقونها أمالاً كبيرة على احتلال بغداد، ويتضح ذلك من خلال ملاحظة برقية السر برسي كوكس التي بعثها في 23 تشرين الثاني 1914 الى الهند طالباً التقدم الى بغداد، باعتبارها مفتاح التأثير على البلاد الإسلامية والسيطرة على الموقف في الشرق الأوسط بإزاحة نفوذ دولة العثمانية الآيلة للتشتت.
تلك الأهداف والآمال كانت تصطدم برؤية العسكريين لان توسع نطاق الحركات يؤدي الى جعلها عبئاً ثقيلاً على كاهل الإمبراطورية البريطانية، أما من الناحية العسكرية فأنها تبعثر القوة البريطانية في ساحة شاسعة تتنافي مع أسس الحرب ومبادئها، وبالتالي ستؤدي الى حراجة الموقف الإداري لصعوبة إدامة القوة المنتشرة بالموارد المحدودة، ولا سيما فيما يتعلق بالطبابة والنقلية.
كان قرار التقدم لاحتلال الكوت يهدف الى سد خط تقرب الأتراك نهراً وبراً نحو الناصرية من الحي، وكذلك لكي تتم السيطرة على العشائر الساكنة شمال العمارة على ضفتي نهر دجلة، والسيطرة أيضاً على وادي نهر الحي الغني بمزروعاته والاستفادة من الموارد المحلية، بالإضافة الى أن ذلك سيؤدي تلقائياً الى تقليل عناصر الحامية البريطانية في الناصرية، لان احتلال الكوت سيؤمن لها حماية غير مباشرة، غير إن الواقع كان يفرض مخاطر على هذا المشروع بسبب تحسن موقف الأتراك في الجبهات الأخرى مثل الدردنيل وقفقاسيا، مما قد يجعل إرسال تقويات وتعزيزات للعراق أمرا ممكناً، وبالفعل كانت هنالك قوات تركية في طريقها للعراق، مع ذلك فقد أفلحت الحكومة الهندية التي كانت تدير الحملة في إقناع وزارة الهند في لندن التي كانت تعارض هذا التقدم سابقاً، وبذا فقد صدرت الأوامر الى القائد نيكسون، الذي أوعز بدوره الى الجنرال طاوزند بالتقدم في 23 آب لاحتلال الكوت.
لم يكن الأمن مستتباً خلال هذه الفترة في كثير من مناطق العراق، إذ حدثت حركات عصيان على الأتراك في النجف وكربلاء وامتد بعد ذلك الى الحلة، وقد أعاد القائد التركي نور الدين بك تنظيم قواته ومواقعها على ضفتي نهر دجلة الى الشرق من مدينة الكوت للدفاع عنها، وتركزت في موضعين احدهما على الضفة اليمنى على خط من التلول تمتد بحدود خمسة أميال يسمى السن، والثاني على الضفة اليسرى وهو عبارة عن برزخ يقع بين شاطيء النهر والاهوار الممتدة الى الشمال منه، وكانت المواضع التركية على ضفتي النهر محصنة بصورة جيدة ومعززة بالأسلاك الشائكة، وبصورة عامة كانت أقوى مواضع صادفتها القوات البريطانية لحد تلك اللحظة.
ولابد من الإشارة الى إن الحكومة التركية قبل هذه المعارك في 23 أيلول 1915، قامت بتعين القائد الألماني فون در غولتز قائداً عاماً للجيش السادس التركي الذي يشمل مجاله العراق وإيران، وقد كان بصحبته ثلاثون ضابطاً المانياً.
بدأت القوات البريطانية في صباح يوم 27 أيلول 1915 بالهجوم بقيادة الجنرال طاوزند الذي عاد قبل شهر من الهند بعد فترة علاج قضاها هناك من ضربة الشمس التي أصيب بها بعد أيام قليلة من احتلاله مدينة العمارة، تضمنت خطة طاوزند القيام بحركة مخادعة لإيهام الأتراك بأن قواته تتحرك باتجاه موضع السن، عبر مظاهرة لعجلات كثيرة بذلك الاتجاه، فانطلت الخدعة على القائد التركي الذي قام بتركيز معظم قواته في الموضع المذكور، تاركاً الضفة اليسرى ضعيفة نسبياً، ولم يستفد بما اخبره الجنود البنجابيون المسلمين الذين هربوا الى القوات التركية من مؤخرة قوات طاوزند حين أبلغوه بأن الهجوم سيكون على الجانب الأيسر، فتجاهلهم واعتبرها حيلة مدبرة، ومكيدة حربية.
انتصر طاوزند، وانكسرت القوات التركية التي انسحبت بشكل منظم ليلاً الى موقع سلمان باك الذي اعد من قبل بشكل حصين للدفاع عن بغداد، ولم يستطع من تعقب القوات التركية على غرار ما جرى في العمارة، بسبب متانة الحاجز التركي في نهر دجلة، وشدة النار التي كانت تقوم بستر المؤخرة قطعات قوية.
وقد تم احتلال الكوت في 28 أيلول 1915، لم يترك الأتراك خلفهم سوى الجرحى وثلاثة عشر مدفعاً، راح البريطانيون يحدقون في المدافع باستخفاف وسخرية بسبب قدمها، كان من بينها مدافع تملأ من الفوهة، رصفت بجانبها قذائف كروية على شكل أكوام صغيرة، قال عنها أحد الضباط الإنكليز إن فعلها لا يتعدى الضرب، لان احدها ضربته على العجز وساق الورك الطويل، ولم تصبه بشيء، وقد تكبد البريطانيون زهاء 1200 قتيل وجريح، بينما كان نصيب القوات التركية من الخسائر بحدود 1700 قتيل وجريح، 1100 أسير، و13 مدفعا.
معركة سلمان باك
***********
لقد حبذت وزارة الحرب البريطانية أخيرا التقدم نحو بغداد للحصول على نصر عسكري وسياسي بالنظر لحراجة المواقف آنذاك في الجبهات الأخرى، رغم إن العسكريين في إنكلترا والهند كانوا يتوجسون خيفة من التقدم، يستثنى من ذلك الجنرال نيكسون الذي كانت آراءه يغلب عليها التفاؤل والاستهانة بالخصم، مما جعلته يدخل بخلاف شديد في الرأي مع الجنرال طاوزند، الا ان السياسيين اجمعوا على ضرورة إنجاز ذلك الهدف.
اتخذ الأتراك مواقعهم الدفاعية بالقرب من طاق كسرى الى الجنوب من قرية سلمان باك التي يوجد بها مرقد الصحابي الجليل المعروف سلمان الفارسي، وقد اهتموا بتحصين هذه المواقع قبل بضعة اشهر، فقد تم حفر الخنادق، ووضع الأسلاك الشائكة، واستحكمت فيه القوات التركية على اثر انسحابها من معركة السن.
وقد كانت معركة سلمان باك أحد المعارك التي تنقل النصر فيها بين الفريقين وتضعضع كل من الجانبين التركي والبريطاني للخسائر الفادحة التي منيا بها، فكانت الخسائر التركية(9521)، أما البريطانيون فبلغ مجموع خسائرهم (4593) ويمكن تقسيمها الى أربع صفحات بدأت في 22 ت2 لغاية 26 ت2 يتضح من خلالها ضراوة المعارك لكثرة المتغيرات:
الأولى: هجوم البريطانيون على الموضع ودخولهم فيه
الثانية: هجوم الأتراك المقابل
الثالثة: الانسحاب التركي الى ديالى والعودة الى سلمان باك
الرابعة: الانسحاب البريطاني الى الكوت
حصار الكوت
********
يعتبر توقف طاوزند في الكوت من الأخطاء الكبرى التي تورط بها هذا القائد في حياته العسكرية، وقد اعترض على هذا الأمر في حينها آمر موقع الكوت الجنرال الإنكليزي رمينتجتن، لصعوبة الدفاع عنها ولان العدو يتمكن من تطويقها، وقد اقترح الانسحاب الى موضع السن( سبعة أميال جنوب الكوت)، وقد أثبتت الأيام صحة هذا الرأي، أما القائد الأول الجنرال نيكسون فقد خول الجنرال طاوزند حق الانسحاب الى أي مسافة يريدها، غير ان طاوزند يدعي بعدم إطلاعه على هذه البرقية بسبب إهمال ضباط ركنه، وقد سبق للجنرال طاوزند ان حوصر سابقاً في مدينة جنرال في الهند وأفلح في صد الهجمات الى أن وصلته النجدات وتمكن من الإفلات من ذلك.
بدأت القوات البريطانية التحصن في الكوت أوائل ك1 بعد انسحابها من معركة سلمان باك حيث حفرت الخنادق، ومدت الأسلاك الشائكة، وأمنت الاتصالات عبر أسلاك البرق، تقع مدينة الكوت داخل منعطف من منعطفات نهر دجلة تشبه حدوة الحصان حيث يحيطها الماء من ثلاث جهات، ويبلغ عرض المنعطف هذا ميلاً واحداً وطوله ميلان، اعتبرت القيادة البريطانية الكوت أثناء التقدم نحو بغداد مستودعاً متقدماً على خط المواصلات، وأقامت حامية فيها واتخذت من هذه الحامية تدابير للدفاع ضد العشائر، فبنت قلعة على عطفة النهر شمال الكوت بميلين تقريبا،ً وأسست خطاً من المناعات لسد فوهة المنعطف وعرفت القلعة فيما بعد بقلعة الخضيري، وفي يوم 7 ك1 طوقت فرقة تركية مدينة الكوت من ضفتي النهر وتمكنت من فرض حصار على القوات البريطانية داخلها، دام حوالي خمسة اشهر.
قامت القوات التركية بعدة هجمات على القوات البريطانية التي تم محاصرتها في الكوت، الا ان المحاولات جميعها باءت بالفشل، مما اضطر الأتراك الى الركون عن ذلك الهدف، والتقدم لمواجهة القوات البريطانية الزاحفة لإنقاذ قطعاتها في الكوت، واشتبكت معها بعدة معارك بأوقات مختلفة في ( شيخ سعد، وادي كلال)، ومن ثم انسحبت الى موضع الحنة، وتحصينه بعدد من الخطوط الدفاعية التي تعرضت فيما بعد الى عدة هجمات من قبل القوات البريطانية في محاولات حثيثة لم تهدأ لإنقاذ المحاصرين، حيث اشتبك الطرفان فيما بعد بمعارك( الحنة، الفلاحية، الصناعيات، سابس) ولم يتغير الموقف، ماعدا الخسائر الفادحة التي أصيب بها الطرفان، واستمرت هذه المعارك الى مدة أكثر من أربعة اشهر.
عانت القوات البريطانية المحاصرة خلال هذه المدة من القصف المدفعي التركي، وقلة الغذاء، وسوء الأحوال الجوية( البرد القارص)، وبعد فشل كل محاولات كسر الحصار، وبالتالي عدم التمكن من إيصال الإمدادات لهم، قاموا بالسطو على كل ما أحرزه أهالي الكوت من مؤن وأطعمة، عبر حملات تفتيشية متتالية للبيوت والمحلات، فتركوا أهل المدينة يتضرون جوعاً طيلة فترة الحصار، بل ان كثيرين منهم ولا سيما الأطفال والمرضى ماتوا من الجوع، نتيجة لنهب الإنكليز لما لديهم من غذاء وأطعمة ووقود.
حاول الإنكليز فتح باب المفاوضة مع الأتراك لتسليم الكوت، بالنظر للجوع الذي اخذ يفتك بالجنود، وقد حاول البريطانيون تهريب باخرة محملة بالأرزاق الى الكوت لتمديد مدة مقاومتهم، وبالفعل تحركت الباخرة جلنار لهذا الغرض في 24 نيسان الا إنها أوقفت بنار الأتراك، وجنحت قرب المقاصيص حيث استولى عليها الأتراك، وحاولت الطائرات البريطانية تموين الكوت جواً بين يوم 15 - 27 نيسان، الا إنها لم تتمكن من تأمين إدامة الحامية لقلة حمايتها، وأيضا نجاح الطوق الذي فرضه تدخل الطائرات التركية، وفي يوم 25 نيسان أتصل طاوزند بخليل باشا للتفاهم معه حول التسليم، وقدم الإنكليز عروض عديدة للأتراك بعد ما قابلهم لورنس في 29 نيسان 1916، بالقرب من الكوت، ولم يوافق الأتراك على كل العروض التي قدمها لورنس، وفي نفس اليوم استسلمت القوات البريطانية الى الأتراك، بعد أن قاموا بتدمير أسلحتهم من المدافع والبنادق.
لقد دام حصار الكوت مائة وسبعة وأربعون يوماً، في حين استسلم ثلاثة عشر الف عسكري بريطاني للقوات التركية، وتدفقوا في مسيرة مرعبة نحو الأسر، كانت اكبر فاجعة مذلة، حسب ما وصفها برادون لأنها أسهمت في قتل ثلاثة وعشرون الف عسكري بريطاني خلال محاولات الإنقاذ الفاشلة التي كان الهدف منها رفع الحصار.
وقد تعرض أهل الكوت الى بطش الأتراك، وخصوصاً الأشخاص الذين تعاونوا مع الإنكليز أثناء الحصار، وقد تطوع رجل من أهل الكوت لإخبار الأتراك بأسماء أولئك المتعاونين، فشنق التاجر اليهودي الذي لعب دوراً في إعلام الإنكليز بمخابيء الأطعمة لدى أهل الكوت، وكذلك رئيس البلدية وبعضاً من أقربائه، وآخرين، وقد قامت القوات التركية بإلقاء القبض على مائتين وخمسين رجلاً، فساقوهم الى السراي بتهم مختلفة، وقتلوهم رمياً بالرصاص.
الزحف نحو بغداد
***********
أعقب حصار الكوت، مرحلة من الهدوء، بعدما أضنى القتال كلا الطرفين، أمضت القوات البريطانية هذه الفترة التي امتدت الى حدود الثمانية اشهر، بتحشيد القوات والاستعدادات، بعدما صارت تحت إمرة القائد الإنكليزي الجديد الجنرال ستانلي مود، وبتسليم الكوت لم يبق لعامل الوقت خطورة بنظر البريطانيين، ولم يكن هناك مبرر لإدامة التضييق على الأتراك، سوى التعاون مع القوات الروسية بقيادة الجنرال باراتوف الزاحفة بعد احتلال كرمنشاه نحو خانقين.
بينما أمضى الأتراك تلك الفترة وهم ينعمون بغرور ما أنجزوه مؤخراً، وأرسلوا بعضاً من قواتهم المتوجهة لتعزيز جبهة الكوت، نحو خانقين لصد القوات الروسية هناك، في محاولة لطردها خارج الحدود العراقية، وبالفعل تم للأتراك صد هجوم الروس في 4 حزيران 1916، والتقدم نحو كرمنشاه واحتلالها في 1 تموز، وكذلك جرى احتلال همدان في 10 آب، حيينها شرعوا بتحكيم موضع دفاعي شرقها، كخط دفاعي بعد أن اقتنع بخطورة التقدم ابعد من هذا الحد، وبقى بتماس خفيف مع القوات الروسية على هذا الخط الى ان انهارت فيما بعد الخطوط الدفاعية قرب الكوت ( جبهة الفلاحية) وصدرت الأوامر بالتراجع.
لقد كانت القوات البريطانية تتواجد في محورين الأول محور نهر الفرات، والثاني محور نهر دجلة، وقرر الجنرال مود، التقدم نحو بغداد باختيار محور دجلة، باعتباره الطريق الأقصر، ولأنه يؤدي الى تدمير القوات التركية الرئيسية، ووضع خطته كالأتي
* تطهير دورة الحضيري
* تطهير الضفة الشرقية من الغراف
* تطهير الضفة الغربية من الغراف، والضفة اليمنى نهر دجلة
* عبور نهر دجلة
لقد شرع الجنرال مود في 13 ك1 1916 بتنفيذ خطته، مستغلاً تفوقه الواضح بالعدة والعدد على القوات التركية، فبدأت المدافع تقصف موقع الفلاحية بوابل من القنابل، وكان القصف على درجة من الشدة بحيث ظن الأتراك إن الهجوم الرئيسي موجه على هذا الموقع، فأرسل القائد التركي كاظم بك قره بكر قسماً من قواته عبر النهر لتعزيز الموقع هناك تجاه الهجوم المتوقع، وعندما جاء الليل تحركت قوة من الخيالة الإنكليزية تحت جنح الظلام باتجاه معبر(البسروقية) الواقعة على نهر الغراف على بعد اثني عشر ميلاً من بلدة الحي، فاحتلتها عند الفجر، واستطاع البريطانيون بعد ذلك من نصب جسرين على نهر الغراف عبرت عليهما قوات كبيرة، وراحت تتجه شمالاً على ضفة الغراف اليمنى.
عند انتهاء عام 1916 كان الجنرال مود قد تمكن من الاستيلاء على الجانب الأيمن من دجلة كله، ماعدا موقعين هما( دورة الخضيري، صدر الغراف)، فقد كان الأتراك متحصنين في هذين الموقعين تحصناً قوياً.
بدأ الجنرال مود هجومه لتطهير دورة الخضيري في أوائل العام الجديد 1917، ونشبت في ذلك المكان معركة من اشد معارك العراق، وربما أشدها جميعاً، في كثرة الخسائر التي تكبدها الفريقان، وقد أدرك الجنرال مود مناعة هذا الموقع فسلط عليه عدداً ضخماً من المدافع والقوات بالرغم من صغر مساحته بحيث بلغ مجموع القنابل التي قذفت عليه خلال المعركة أربعين الفاً.
استمرت المعارك في دورة الخضيري ثلاثة أسابيع، ولكن نهايتها كانت مفروغاً منها بسبب تفوق أسلحة البريطانيين، ومعروفة لان اللحم والدم لابد ان ينالهما الهلاك اتجاه الحديد والنار، على الرغم من كل الصمود والبسالة التي قدمها الجنود الأتراك، فقد بلغت خسائرهم ثلثي عدد الجنود تقريباً.
وفي 25 ك2 1917، بدا الجنرال مود هجومه على الموقع التركي الثاني الذي يقع حول صدر الغراف، وقد صمد فيه الأتراك، واستمرت المعارك عشرة أيام، تمكنت القوات البريطانية من تطهير الضفة اليمنى من القوات التركية، عندها قرر مود العبور الى الجانب الأخر من النهر لقطع خط الرجعة على القوات التركية المتحصنة في موقع الفلاحية، وقد اختار مود موقع شمران للعبور وهو يقع على بعد سبعة أميال غرب الكوت، وكان عرض النهر في هذه المنطقة بحدود 300 ياردة، بدأها بقصف موقع الفلاحية بالمدافع لمدة ثلاثة أيام، وعمل مناورة لخداع الأتراك وإلهائهم كي لا يكتشفوا عملية نصب الجسر، حيث أرسل عجلات محملة بالخشب باتجاه معمل السوس، وانزل الزوارق في الغراف ( حافة هور الشويجة)، لإيهام الأتراك بان العبور سيجري قرب الكوت، بالإضافة الى قيامه بوضع قواته بشكل متناثر هناك في وضح النهار وأمام الأنظار، وبالتالي فقد بوغت الأتراك بعملية العبور، ولم يفتحوا النار إلا بعد ساعة واحدة من بدايتها، واستطاعت القوات البريطانية من العبور من الموضع الأول، بعد أن كان مخطط لها العبور من ثلاثة مواضع حيث أفلح الأتراك بإيقاف العبور من الموضعين الثاني والثالث.
كانت عملية نصب الجسر قد بدأت منذ فجر 23 شباط 1917، وهي عملية شاقة تكتنفها المخاطر، وقد سقط فيها من الضحايا الكثيرون، حيث وصفت عملية العبور بأنها ( المع حادث في تاريخ الحملة البريطانية كلها) أما الحركات الجانبية التي كان مود يقصد بها المناورة والخداع فقد نجحت هي الأخرى، واخترقت موضع الفلاحية، وانهارت معنويات الأتراك تماماً ولاذوا بالفرار نحو بغداد.



#أحمد_الناجي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من أوراق الاحتلال البريطاني للعراق سنة 1914 - 2 - 10
- (10 - 1) - من أوراق الاحتلال البريطاني للعراق سنة 1914
- بياض الوجه حصاد مجلس الحكم في عشرة أشهر ونيف
- خطوة ستكون يوماً ما إرثاً في سفر التاريخ
- لن نغفل عن مناهضة الاحتلال بالفعل الشعبي السلمي واللاعنف ـ ر ...
- المتاجرة بالصور الفواضح وعذابات العراقيين
- صرخة تذكير باغتصاب الوطن الذي أودى الى اغتصاب البشر
- الشاعر سعدي يوسف بين ذاكرة العراقيين وطقوس النضال الجديد
- هوامش في يوم العمال العالمي
- العلم العراقي بين وشاح للأموات وكرامة للأحياء
- الإرادة العراقية بين الأسود والأخضر ومجلس الحكم
- ضبابية المواقف... من زمن الولاء المطلق الى زمن الولاء المبطن
- المقاومة... حاجة أم إسقاط فرض
- زيف محاولات المزاوجة ما بين المشروع الأمريكي في الاحتلال وال ...
- إرهاصات... لحظة الخروج من الزمن المهدور
- إنَّ مَنْ يأخذ دوره في البناء وسط الخراب.. ذلك هو الذي قلبه ...
- تأملات في الذكرى السبعين لميلاد الحزب الشيوعي العراقي... صار ...
- قمة تونس تنفض قبل إنعقادها، يشهر العرب فيها سلاح الانبطاح
- قمة تونس تنوء بثقل احباطات الماضي وجسامة الحاضر
- التاسع من نيسان يوم أمريكي محض وقدرنا أنه حدث في العراق


المزيد.....




- -ضربه بالشاكوش حتى الموت في العراق-.. مقطع فيديو لجريمة مروع ...
- آلاف الأردنيين يواصلون احتجاجاتهم قرب سفارة إسرائيل في عمان ...
- نتانياهو يوافق على إرسال وفدين إلى مصر وقطر لإجراء محادثات ح ...
- الإسباني تشابي ألونسو يعلن استمراره في تدريب نادي ليفركوزن
- لأول مرة.. غضب كبير في مصر لعدم بث قرآن يوم الجمعة
- القيادة المركزية الأمريكية تعلن تدمير 4 مسيّرات للحوثيين فوق ...
- صاحب شركة روسية مصنعة لنظام التشغيل Astra Linux OS يدخل قائم ...
- رئيسا الموساد والشاباك يتوجهان إلى الدوحة والقاهرة لاستكمال ...
- مصر.. فتاة تنتحر بعد مقتل خطيبها بطريقة مروعة
- علاء مبارك يسخر من مجلس الأمن


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - أحمد الناجي - من أوراق الاحتلال البريطاني للعراق سنة 1914 - 10- 3