أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - شريف حافظ - ثقافة تنمية الإنسان المصرى















المزيد.....

ثقافة تنمية الإنسان المصرى


شريف حافظ

الحوار المتمدن-العدد: 2861 - 2009 / 12 / 17 - 23:27
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


لم يمتلك أجدادنا من المصريين القُدماء ممن أُطلق عليهم "الفراعنة"، أدوات اتصال متطورة، كالموبايلات وشبكة الإنترنت. لم يمتلكوا التكنولوجيا المعاصرة التى نملُكها اليوم، بدءًا من أول أو منتصف القرن الماضى، لم يمتلكوا كل هذا، ولكنهم أقاموا حضارة، يتحدث عنها العالم "المتقدم" بأكمله اليوم وسيتحاكى عنها إلى أن تقوم الساعة، لما قدمته هذه الحضارة الشامخة من مُساهمة أولية، ولكن جبارة، فيما توصلت إليه البشرية اليوم، وفيما ستتوصل إليه، على مر العصور وحتى نهاية العالم كله! وإن كان الفراعنة لم يمتلكوا تكنولوجيا اليوم، فانهم امتلكوا تكنولوجيا قاموا بصُنعها بأنفسهم، وصدروها للعالم حولهم، وأقاموا إمبراطورية غزت العالم القديم، بالعلم والفن والأدب والجمال والمحبة وثقافة الخلود! لقد كان الفراعنة وقتها، فى قامة أمريكا اليوم! لقد كانوا أسياد الأرض شرقاً وغرباً، وفقاً لما كان معروفاً من أرض فى وقتهم!

وامتلك هؤلاء أيضاً، ثقافة تنمية الإنسان المصرى، فقبل أن يبنوا الأهرامات والمعابد والمسلات، بنوا البشر وعقولهم وأحسنوا استغلال مواردهم واهتموا بالبيئة التى يعيشون فيها وصحتهم، دون تبديد، وكأنهم أول من أشار ضمنياً إلى ما يُعرف اليوم "بالتنمية المتواصلة"، التى تقوم على "الحفاظ على الموارد الطبيعية للأجيال الحالية والمستقبلية"، فكان أن حافظوا على الإنسان وصحته بأن اهتموا بالزراعة والبيئة ومياه النيل ونظافتها بعيداً عن أى تلوث، كان هذا حُباً فى الأرض وحفاظاً على مُقدرات البشر وصحتهم، ليكون بناء الإنسان فيما بعد يسيراً وطاعة السلطة سهلة، فالسلطة هكذا، تُقدم الخدمة الأساسية للشعب وتصون صحته والبيئة حوله، ولذا كان الارتباط بين الحاكم والمحكوم عقلانياً وبديهياً!

وكان هذا المناخ، طبيعياً وصحياً، كى يخرج من تلك الأرض مُبدعون، فى شتى العلوم، وهكذا قامت أولى خطوات الحضارة، التى بدأت عندما أُطلقت حُرية الإبداع والفكر واحترام الأرض والنهر، وعشقهما عشقاً، وصل إلى حد تجريم ومعاقبة من يعتدى عليهما والنظر إليه على أنه عديم الخُلق وخارج عن ثقافة المجتمع! لقد نتج إعجاز بناء الأهرامات، فى ذاك الوقت البعيد، عن إنسان مثلى ومثلك، من ناحية التكوين البيولوجى، ولكنه أفضل منا فى مدى اهتمام الدولة به!! فالأهرامات التى أُعدت للحياة الأخرى، وفقاً للمُعتقد الفرعونى، والبُنية التحتية للبلاد، لم تُبنى، إلا بعد اهتمام الفرعون ببناء وتنمية الموارد البشرية للإنسان المصرى، بحيث أصبح عقلاً وثقافةً وأدباً وفناً وسلوكاً، أفضل من جميع من حوله!

وعندما أنظر فى نظرة سريعة مُقارنة بين اليوم والأمس البعيد، أجد أن نظامنا يهتم أبلغ الاهتمام ببناء الكبارى والشوارع والأنفاق، دون الإنسان المصرى الذى تُرك من قبل الدولة ليتلقى أغلب ما يتلقاه عشوائياً! ويا ليت البُنية التحتية مُتماسكة، حيث يُعاد رصف الطُرق أكثر من مرة، حتى أن طُرق رئيسية، مثل طريق الواحات على سبيل المثال، يُعاد رصفه كل عدة شهور، مرة، بينما الأهرامات شامخة ومعها مبانى الفراعنة، طيلة تلك القرون، شاهدة على تدهور مصر من سيئ إلى أسوأ، وكأن فرعون مصر ينظر إلينا من تلك التُحف التى شهدت حضارة علمت العالم، ولسان حاله يقول: هذا يحدث لمن يتخلى تماماً عن هويته وأسباب قوتها!! فالهوية هنا، ليست "اللغة" التى يصعب استعادتها، ولكن أسلوب وطريقة تفكير وحياة، امتلكت يوماً، بشهادة الأغلبية العُظمى من العقلاء، إن لم يكن كلهم، مفاتيح الأرض وأدهشت العالم بإنجازات غير مسبوقة فى عصرها!

وأتعجب، من المحاولات المُستميتة، التى تُمارسها دوماً، الثقافات البدوية المتوافدة على مصرنا الحبيب، فى محاولات لسلخ تلك الحضارة الفرعونية الرائدة على مستوى العالم، بعيداً عن أذهان المصريين، بالتأكيد على أن "كل" ما هو فرعونى، سيئ، لذكر فرعون موسى فى القرآن الكريم بالسوء!! هذا إن دل على شىء، فإنه لا يدل على ذكاء المُلقن، بقدر ما يدل على غباء المُتلقن، لأنه وعبر الزمن، لا يوجد "كُلُ" سيئ، وإلا لما اتبع أحداً من الفراعنة سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام!! كما أن الفراعنة، لم يتواجدوا فى زمن سيدنا موسى فقط، ولكن كانوا متواجدين من قبل ميلاده ومن بعد وفاته! وبالتالى، فإن "آل فرعون" المذكورين فى القرآن، ليسوا "كل" الفراعنة، ولكن فقط بعض منهم!

وبالنسبة للثقافة البدوية الدخيلة على مصرنا، فإنى لا أشك على الإطلاق، بكونها لديها خصوصية تراثية مهمة ورائعة فى التكوين، فأنا لا أقول هنا، أن الثقافة البدوية سيئة ولكن أؤكد على أنها لا تمُت لنا بصلة، كمصريين إن زرع تلك الثقافة لدينا فى مصر، إنما هو نوع من جلب الغريب، ليستوطن بلاد لا تمُت له بصلة، فلا يجوز أن يعيش التمساح فى القطب الشمالى ولا يصلح للدب القطبى أن يحيا فى صحارى شبه الجزيرة العربية! إن ثقافة الصحراء لغريبة على مصر وتجعل هذا الإنسان المصرى مشوهاً، يرتبك تركيبه ليصبح مسخاً! والمصرى معروفُ عنه على مر الزمان، أنه يحيا بجانب النهر وليس على امتداد الصحارى التى تكون الإقليم المصرى الكبير.

ولكى نستطيع أن نستعيد هويتنا المصرية وأسباب قوتنا الماضية فى بناء المستقبل، علينا أن نزيل ما علق بنا من آثار ضارة على هويتنا، ولا أقول أن نستأصل هوية أُخرى دخلت فى دمائنا، ولكن فقط التشويهات التى اقتحمت حياتنا من ثقافات لا تمت لنا بصلة، فليست الدعوة هنا خاصة بما يقوله البعض، ممن يحلمون الأحلام الوردية ويريدون تغيير اللغة أو الانسلاخ الكامل من العرب، لأن هذا من الأوهام المستحيلة، ولكن الحديث هنا، عما علُق بنا من ثقافة دخيلة أحسسنا بها فى الشارع المصرى منذ ما يزيد عن العقدين، وتمثل فى مظاهر دينية متشددة وملابس مستوردة من العادات الصحراوية ومعاملة "خشنة" تعكس طبيعة الصحراء أكثر من لطافة المصريين فى التعبير عن آرائهم المعتدلة، إن هذا دخيل علينا ولم نعهده فى ثقافتنا، وربما لو وجد فى بلاد أُخرى لأصبح الأمر عادياً، وليس مسار صدمة أو تخبط! ولكن لا يُمكن أن نمشى فى شوارع مصر، ونشعر وكأننا نمضى فى صحارى عربية أو فى قلب دولة طالبان الأفغانية!

لقد ولد هذا كله فجوة ما بين المصريين بعضهم البعض، حتى تحولت مصر إلى عدة دول فى دولة واحدة، وأصبح التعاون بين المصريين فى كثيرٍ من الأحيان، غير ممكن، فلقد أصبحت الثقافات كثيرة ولم يعُد هناك ما يجمع بين الجميع، لذا فإن الأمر يستوجب التوحد حول ما يمكن أن يوحد المتباين كله ببث روح الثقافة التى يمكن أن تجمع الجميع تحت مظلة واحدة، وهنا لا يظهر موحد آخر للجميع، غير الهوية المصرية، فهى الوحيدة التى يُمكنها أن تجمع المسلم والقبطى والبهائى، وهى التى تمزج كل الأعراق المختلفة فى بوتقة واحدة، وبالتالى، فإن المصرى، لا يمكنه أن يُبدع ويشعر بروح التوحد مع أخيه المصرى الآخر، إلا فى ظل الهوية الواحدة المُجمعة للجميع.

إن هويتنا الواحدة، مع اعترافى بكل الهويات الأخرى، هى الوحيدة التى يُمكنها أن يُنمى على أساسها الإنسان المصرى، مثلما حدث من قبل الألمان واليابانيين، بحيث يستعيد توازنه الحضارى. وهى التى يمكنها أن يستلهم منها المصرى سُبل وأسباب التقدم، مع الإعتراف بالطبع، بكل الدروس والتجارب التاريخية الأُخرى من الحضارات المختلفة التى مرت بمصرنا المحروسة. إن إسترجاع تلك التجربة الفرعونية، المليئة بالنجاحات العظيمة والإبداعات الفائقة الجمال، فى بناء الأمة المصرية، وهى الوحيدة التى يُمكن إطلاق اصطلاح أُمة (وفقاً للمصطلح العلمى) عليها من بين الدول العربية حولها، بقادر على أن يهيئ لنا سُبل استرجاع القدرة على بناء حضارة جديدة، قادرة على الوقوف فى وجه الأخطار المُحدقة بنا، بما سيحققه هذا من توحد فائق، ودفعة قوية للبناء والإنجاز الراقى لمصلحة الوطن والمواطن!

إن أهم ما يجب أن نهتم به اليوم، ليس بناء البُنية التحتية، بما فى ذلك من كبارى وأنفاق وشوارع، ولكن الأولوية الأولى يجب أن توجه نحو بناء الإنسان المصرى، بدايةً بالطفل، بحيث يختلف وعيه وتعليمه وصحته وبيئته واحترامه للآخر، فى الداخل والخارج، واعتدال رؤيته للعالم حوله، كى يستطيع أن يُساهم فى حضارة العالم بما لديه من توازن نفسى حقيقى وسلام داخلى، يُمكنه من أن يصنع، بدلاً من أن يستورد، وسائل التكنولوجيا ويمتلك أسباب القوة التى تستطيع أن تُعيده للتلامس مع حضارته الفرعونية العريقة، التى علمت العالم وساهمت فى صنعه، فلننمى الإنسان المصرى، على أساس الاستلهام من تاريخنا القديم، بحيث نُعيد للعالم هذا الفرعون الذى يعجز الكثير من العلماء على كشف أسرار مجده حتى اليوم!




#شريف_حافظ (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فرشوط: معاداة الإنسانية والدين والدولة
- اللعبة الإيرانية فى الجزائر
- أؤ أم الإنهيار
- سقوط الحوائط في الشرق الأوسط
- دولة مصرية قوية
- البضاعة -الرقصمالية- للإسلاميين
- علمانية وجدى غنيم
- تقرير جولدستون وعيوب الدبلوماسية العربية
- رسالة مصر إلى محمد حسنين هيكل
- أي كلام
- هل قذف المُحصنات أصبح حلالاً؟ (2)
- هل قذف المُحصنات أصبح حلالاً
- السلع الإسلامية
- واجعل نساءهم غنيمةً لنا
- صباح الفل يا رقابة!
- القوة ليست قنبلة نووية
- أكره اللون
- تجاربنا تكون شخصياتنا
- حقائق لمن يريدها دولة إسلامية -3
- حقائق لمن يريدها دولة إسلامية (2)


المزيد.....




- تمساح ضخم يقتحم قاعدة قوات جوية وينام تحت طائرة.. شاهد ما حد ...
- وزير خارجية إيران -قلق- من تعامل الشرطة الأمريكية مع المحتجي ...
- -رخصة ذهبية وميناء ومنطقة حرة-.. قرارات حكومية لتسهيل مشروع ...
- هل تحمي الملاجئ في إسرائيل من إصابات الصواريخ؟
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- البرلمان اللبناني يؤجل الانتخابات البلدية على وقع التصعيد جن ...
- بوتين: الناتج الإجمالي الروسي يسجّل معدلات جيدة
- صحة غزة تحذر من توقف مولدات الكهرباء بالمستشفيات
- عبد اللهيان يوجه رسالة إلى البيت الأبيض ويرفقها بفيديو للشرط ...
- 8 عادات سيئة عليك التخلص منها لإبطاء الشيخوخة


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - شريف حافظ - ثقافة تنمية الإنسان المصرى