أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - حدجامي عادل - رائحة القرنفل في خصلاتها و الكفين














المزيد.....

رائحة القرنفل في خصلاتها و الكفين


حدجامي عادل

الحوار المتمدن-العدد: 2860 - 2009 / 12 / 16 - 17:11
المحور: سيرة ذاتية
    


إلى عبد الإله صحافي: حنينا لحناّء الأم.


أذكر أول ما أذكر من أمري و أنا بعد صبي ما ألفت محاجر عيني أشياء العالم عبق أمي و عطرها الطبيعي ينسل إلى خياشيمي و هي تشدني على حجرها بين يديها و الركبتين ؛ أذكر دفئا ما و أمانا ما، أذكر أغاني حزينة هادئة تعبر إلى مسامعي على إيقاع كفها يضرب جانبي و أنا على حمال ظهرها ،غارق في تلك التخوم اللذيذة بين اليقظة و النوم، أذكر نعلها و شقوقا في قدميها كانت تطلب مني أن أمسدهما لها في رفق قبل أن تنام، مواعدة إياي بكسرة حلوى ومربى تعطيني إياه حين تستيقظ كرشوة؛ أذكرها جالسة القرفصاء تخيط بعضا من ثيابي التي مزقت معاتبة إياي على إتعابها ،أو منكفئة تفلّي شعري لتتأكد أن أحدا من رفاقي لم ينقل إلي بعضا من قمله ؛ أذكرها تمشطه صباحا قبل خروجي للمدرسة، أو تشد سروالي بحزام ثوب صنعته بيديها حتى لا ينسل و يسقط عن جسمي النحيل؛ أذكرها تغلي بعض الخزامى في الماء لتقطر منها في أنفي حين يغلقها مخاط الزكام؛ تسخن يديها على بعض الجمر "تكمد" بهما صدري حين يشتد السعال ؛ أذكرها تشتري بعض البخور من عطار الحي و ترميه في مجمرتها قارئة داعية والديها و الأولياء ليحفظوا ابنها الصغير، اذكرها جالسة في بعض الليل تحاكيني عن ندبة في أنفها حين اسألها عن سرها، فتجيبني و تسترسل، عن يتمها و هي صغيرة، عن قسوة الإخوة الكبار و زوجة الأب، عن والدها يضربها بجدع شجرة الدار لبكائها عند فراق أمها التي أتت لزيارتها و هي بعد طفلة، فينكسر أنفها؛ أذكرها تحكي لنا قصصا كانت تفتنني و لم تعد كذلك اليوم ؛ أذكر كل ذاك و غيره مما لا يطاوعني ، و أحن، أحن إليها و إلى طفل كنته ،أحن و الحنين ملح المفارقات و جامعها، الحنين لذة الألم و الم اللذة، لوعة الفراق تلاقي نشوة اللقاء ،شقاء السعادة يساكن سعادة الشقاء .
لا سر في الإنسان أكبر من الأم، الأم بعض مني الذي أنا بعض منه، الأم من حملتني في مائها حتى ترسّمت وجها و شعرا و كفين، الأم سيدتي الأولى ، تماما كما كنت أنا، ابنها ، سيد حياتها الذي تأملت فيه عوضا عن قسوة الأب و فظاظة الزوج؛ الأم سري و سر كل الناس ،الأم سر الأنبياء، الأم "هاجر" إسماعيل الذبيح، و هي تجري بين الصفا و المروى عن ماء زمزم لترويه ،الأم "يوكابذ" موسى الكليم، وهي ترمي بكبدها في اليم أملا في يد فرعون تلتقطه و تعتقها؛ الأم "مريم" عيسى المسيح، تضعه في الغار وحيدة إلى الله و روحه القدس؛الأم "آمنة" محمد، و هي تفارقه طوعا لأم أخرى و ثدي أخرى، و هي تفارقه كرها وهو بعد صغير يرعى شياهه في طريقه إلى الله.
يقال أن ما يحضر الرجال، آخر ما يحضر الرجال لحظة الموت، هو صورة الأم،عاينت الأمر بنفسي في أحد الأقربين إلي لحظته الأخيرة، بعد أن أكل المرض رئتيه و قلبه، و هو ينطق :"أمي"، ظننت الأمر حينها صدفة ، إلى أن قرأت شيئا آخر عن "نيجينسكي"، فنان روسيا العظيم، الذي انقطع عن الكلام بعد أن أصابه الجنون سنوات طويلة، تلفّع فيها بالصمت و لم يتكلم إلى أن احتضر، حينها فقط نطق، نطق بآخر كلمة في هذا العالم:" أمي".
فيا سيدتي، يا بيضاء الجبين، يا نخوة الله تميد بالنخيل في كل أصيل، يا عرق جبريل و الملائكة يغسل عظامي في كل حين، يا فاكهة الغيب، يا فاطمة، علني يا سيدتي حين تحين ساعتي، حين أغيب في سكرة برزخي الأخير، علني حين أقف بين الوتدين، حين يساوم العدم الوجود في ابنك و ما رمت إليه أحشاؤك و يشتريني منه، علّ ابنك حينها، عل فلذة كبدك و ما صنعتِ، علّ صغيرك الذي ما كبر يوما، يكون جديرا حينها بمجده الأخير،تهجّي اسمك :"أمي ".





#حدجامي_عادل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -علماؤنا -و علماؤهم
- التديُّن و التخلُّق


المزيد.....




- عاصفة رملية شديدة تحول سماء مدينة ليبية إلى اللون الأصفر
- واشنطن: سعي إسرائيل لشرعنة مستوطنات في الضفة الغربية -خطير و ...
- -حزب الله- يعرض مشاهد من استهدافه دبابة إسرائيلية في موقع ال ...
- هل أفشلت صواريخ ومسيرات الحوثيين التحالف البحري الأمريكي؟
- اليمن.. انفجار عبوة ناسفة جرفتها السيول يوقع إصابات (فيديو) ...
- أعراض غير اعتيادية للحساسية
- دراجات نارية رباعية الدفع في خدمة المظليين الروس (فيديو)
- مصر.. التحقيقات تكشف تفاصيل اتهام الـ-بلوغر- نادين طارق بنشر ...
- ابتكار -ذكاء اصطناعي سام- لوقف خطر روبوتات الدردشة
- الغارات الجوية الإسرائيلية المكثفة على جنوب لبنان


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - حدجامي عادل - رائحة القرنفل في خصلاتها و الكفين