عباس عبود سالم
كاتب وإعلامي
الحوار المتمدن-العدد: 2860 - 2009 / 12 / 16 - 02:38
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
يتفق معي الجميع ان التفجيرات الاجرامية التي صنعت ثلاثاء بغداد الحزين، تركت الكثير من الالم والحزن العراقي الجماعي، وهو امر طبيعي لايحتمل الادعاء، والتباكي، او التسييس، او المزايدة عليه، ولاعلاقة له بدوافع او منافع اخرى، كونه ببساطة متناهية وجع انساني ازاء خطر اجرامي هدد ويهدد البغداديين دون استثناء.
وعاطفيا.. فان الاحداث التي من نوع ثلاثاء بغداد، عادة ما تكون عامل موحد للأمة، يتوزع بها الحزن، والخوف، والالم بالتساوي على الجميع، من رئيس الدولة او الحكومة، الى اصغر و ابسط انسان، فالنكبات والاحزان لاتقاس بالرتب، والشهادات، ولاتحتاج الى مهارات، او انتماءات، او ولاءات، ليتمكن المرء من الشعور بها.
وبقدر ماتمثل الايام الدامية فجيعة انسانية تبعث الحزن والاسى، فأننا نفهم ان لتاثيراتها شقين، الاول طال عائلات عراقية بريئة بفقدها ابنائها، وآبائها، ونسائها، واطفالها، وبالتالي اضافة مجموعات جديدة لجيوش الثكالى، والارامل، والايتام، وشقها الاخر يمثل تحديا سياسيا، وخرقا امنيا، يضع مسؤوليات جديدة امام الحكومة والقيادات الامنية، والاحزاب والمكونات السياسية، والراي العام.
لذلك من المفترض ان تكون المعالجة بشقين ايضا، الاول يقوم على مواساة عائلات الضحايا وتعويضهم والتخفيف من مصابهم، وان تتحمل الدولة كل الاضرار التي لحقت بهم، والشق الثاني يعالج بدراسة مسببات الخرق الامني، ومحاسبة المقصرين ووضع اجراءات وحلول عملية لتلافي الاخطاء والاخفاقات، واجراء تعديلات في الاستراتيجية الامنية، والاستفادة من تراكم الخبرة في هذا المجال، وان يتمسك الجميع بالمشتركات الوطنية، لاسقاط المردودات السياسية التي يتوقعها من خطط، ومول، ونفذ هذه الاعمال والجرائم القذرة.
لكن مايزيد آلآمنا اننا نعيش صورة اخرى مغايرة للمالوف، فالمصائب لم تعد عاملا موحدا بقدر ماتحولت الى عامل لاثارة الفتن، والنعرات، والانقسام، ومن يراجع ردات الفعل بعد الكارثة يجد ان تداعيات الكارثة هي كارثة اخرى، بغض النظر عن مصادر ردات الفعل التي انطلقت منها.
ومن قراءة سريعة لردات الفعل نلاحظ حظور عامل المصلحة السياسية في اغلب هذه المواقف، وكذلك نلاحظ وجود (خطاب دائري) يتكرر مع كل كارثة، ويتصاعد امام بريق اضوية الكاميرات، لكنه يتحول الى سراب بعد انتهاء لحظات الانفعال الشعبي، هذا الخطاب يقوم على جدل، بشان فاعلية (المصالحة الوطنية)، و(تورط دول الجوار)، و(دور قيادة عمليات بغداد)، و(خلل المخابرات)، اضافة الى ملفات اخرى.
وفي كارثة الثلاثاء وقع مشهد دموي لايختلف عن ماشهدته بغداد على مدى السنوات الست الماضية، من تفجيرات، وقتل، وابادة، لكن ردة الفعل السياسي لم تكن بمستوى التحدي و الجديد في ثلاثاء بغداد الدامي، هو تحولها الى مادة للتكسب السياسي، بسبب قربها زمنيا من موسم الانتخابات لذلك اصبحت عامل لاثارة الفرقة والاختلاف اكثر من ان تكون سببا في التوحد، والتكاتف وتدعيم اللحمة الوطنية.
*نشر في البيان البغدادية
#عباس_عبود_سالم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟