أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - جواد البشيتي - معالي الوزير!














المزيد.....

معالي الوزير!


جواد البشيتي

الحوار المتمدن-العدد: 2858 - 2009 / 12 / 14 - 15:46
المحور: كتابات ساخرة
    



لماذا ذهبت حكومة، وجاءت أخرى؟

بادئ ذي بدء، هل هذا سؤال سياسي؟ وإذا كان كذلك، فهل من إجابة سياسية عنه؟

لي السؤال، ولكم الجواب؛ ولكنَّني أودُّ أن أقول موضِحاً إنَّني لم أكتب هذه المقالة إلاَّ بعدما تيقَّنْتُ من أنَّ موضوعها ليس بسياسيٍ إلاَّ من حيث الشكل، فتحقَّقت لي الرغبة في أن أكتب، هذه المرَّة، وعلى سبيل التنويع والتغيير، بعيداً عن السياسة.

لا تأسفوا على حكومة رحلت، ولا تتفاءلوا خيراً بحكومة قدمت، فليس من قانون سياسي يَحْكُم تأليف وحل الحكومات عندنا؛ ولسوف يتأكَّد لكم، بعد انقضاء 100 يوم على تأليف حكومة الرفاعي، أنَّها ليست بأكثر ذهبية من حكومة الذهبي، وأنَّها لن تحقِّق إلاَّ مزيداً مِمَّا نهى عنه، وحذَّر من مغبته، كتاب التكليف، وكأنَّ الحقَّ لا يُرى حقَّاً إلاَّ لاجتنابه.

لو كان للسياسة أقل قدر من الحضور في حياة وعمل الحكومات عندنا لما رأينا وزراء حكومة الذهبي في الحال التي كانوا عليها قبل سويعات من مغادرتهم مكاتبهم إلى منازلهم، فكلُّهم زاولوا أعمالهم الوزارية اليومية، في يومهم المشؤوم ذاك، وكأنَّهم خالدين في وزاراتهم أبداً، فرئيسهم الذهبي، وعلى افتراض أنَّه كان يَعْلَم، لم يحطهم علماً، ولو قبل سويعات، ولو بالتلميح، بأنَّه ذاهِب إلى تقديم "استقالة" حكومته، وبأنَّ عليهم أن يحزموا أمتعتهم، استعداداً للمغادرة إلى منازلهم.

إنَّهم، وعلى كثرة ما عقدوه من اجتماعات ولقاءات، وما تبادلوه من أحاديث، مع رئيسهم لم يشعروا قط بدنوِّ أجلهم السياسي، أي الوزاري؛ بل لم يشعروا بأنَّهم، حكومةً ووزارات، قد "أنجزوا" من الفشل والإخفاق، ومن سوء الأداء والإدارة، ما يكفي لعودتهم غانمين آمنين إلى منازلهم، أي قصورهم، التي تزدان جميعاً بعبارة "هذا من فضل ربي"، وقد نُقِشِت في الواجهات.

شيء واحد فحسب اشتركوا فيه مع 6.2 مليون مواطن عادي، هو سماعهم بالخبر، خبر رحيلهم، من وسائل الإعلام، وكأنَّهم كالزوج المخدوع لجهة كونهم آخر من يَعْلَم!

لقد وقع عليهم الخبر كوقوع صاعقة من سماء صافية؛ أمَّا المواطِن العادي فلم يَجِد في الخبر إلاَّ الجديد غير المفيد، والمفيد غير الجديد، فخَرَج سريعاً من أُذنه الأخرى؛ وهذا، على ما أرى، دليل عافية سياسية.

بعضهم، أي بعض الوزراء في ذلك اليوم المشؤوم، أبى واستكبر، فكذَّب ما سمعته أُذناه، وكأنَّه مُصِرٌّ على رفض الاعتراف بموت حكومته إلاَّ بعد دفنها!

أحدهم تناهى الخبر إلى سمعه وهو يصعد سُلَّم الطائرة مسافِراً في مهمَّة رسمية، فأتمَّ سفرته وكأنَّ شيئاً لم يقع؛ فهل هو التفاني في عمله الحكومي؟!

قُلْتُ لا أريد التحدُّث بالسياسة في هذه المقالة؛ وليس في هذا الذي قُلْت ما يجعله من قبيل الإتيان بفضيلة؛ ذلك لأنَّ موضوع المقالة نفسه يضطَّرني إلى التحدُّث عنه بما يتَّفِق مع طبيعته اللاسياسية.

وانسجاماً مع هذا الذي قُلْت أضَع نفسي مكان كل وزير، متسائلاً، في دهشةٍ واستغراب، كيف أرتضي لنفسي أنْ أكون "آخر من يَعْلَم"، ولو في مرتبة وزير؟!

وكيف سأبدو في نظر كل من يهمني أمرهم عندما أقابلهم وأنا عائدٌ بعد سويعات فحسب من تأكيدي لهم ولغيرهم أنَّي باقٍ في منصبي، وعلى رأس عملي الوزاري، على الرغم من كل ما أطْلِق ويُطْلَق من "إشاعات"؟!

وكيف لي أن أُقْنِع نفسي، وأنْ أُقنعهم، بأنَّ الوزير قد تحسَّن، صورةً ومكانةً، وما عاد بموظَّفٍ لا يملك من أمره شيئاً؟!

المأساة، الكامنة في تلك المهزلة، هي أنَّ المستوزِر عندنا يَنْظُر إلى منصب الوزير على أنَّه الغاية التي تبرِّر الوسيلة، والتي من أجلها يهون كل شيء، وأي شيء، فليس بأمرٍ ذي أهمية، بحسب موازينه، أن يُنْقَش على جبين شاغل هذا المنصب عبارة "لا يملك من أمره شيئاً"، وكأنَّه العانس التي استبدَّ بها الشعور بآلام العنوس، فسعت إلى زواجٍ ولو جعلها كالمستجير من الرمضاء بالنار!

العيب، والحقُّ يقال، ليس في الوزير، أو المستوزِر، وإنَّما في الكرسي الوزاري، فهذا الكرسي، المصنوع بخواص لا سياسية، هو الذي يصنع صاحبه، أي الجالس عليه، على مثاله.

إنَّ "النفوذ"، في معناه الذي تستكرهه "الروح القيادية"، هو الكامن في دوافع وحوافز المستوزِر عندنا، فجُلُّ ما يطمح إليه، ويطمع فيه، هذا المستوزِر إنَّما هو الخروج من الظلمات إلى النور الإعلامي، والسياحة التي تلبس لبوس المهمات الرسمية، والاستمتاع برؤية الناس يحجُّون إليه، مستجدين كرمه، ومستدعين نعمه، والتمتُّع بامتيازات المنصب، واغتنام فرصه، فما نفع الوزارة الزائلة إذا لم تَعُدْ عليه بما ينفعه غداً، أي بعد انتقالها الحتمي منه إلى عضو آخر من أعضاء "المجتمع الوزاري" الواسع، فالمنصب الوزاري كالعملة يتداولها أبناء هذا المجتمع من المواطنين غير العاديين، المختلفين في الوجوه وملامحها فحسب.

ما أسهل أن تصبح وزيراً؛ ولكن ما أصعب أن تكون قائداً، فالنفوذ القيادي يختلف نوعياً عن النفوذ الوزاري، فالقائد لا يمكنه أبداً أن يعطي ما يعطيه الوزير؛ لأنَّه فاقِدٌ له؛ والوزير لا يمكنه أبداً أن يعطي ما يعطيه القائد؛ لأنَّه فاقِدٌ له؛ وشتَّان ما بين من يَعْظُم بالمكان ومن يَعْظُم به المكان!

إذا كان "الوزير" عندنا كنايةً عن صفات شخصية غير مستحبَّة، وينبغي لنا التطهُّر منها، فإنني أقول إنَّ الإنسان لا يُوْلَد "وزيراً"، بل يصبح "وزيراً"؛ ولقد حان لنا أن نجعل الكرسي الوزاري بخواص تَحُول بينه وبين التحوُّل إلى ما يشبه الفراش الوثير، فلا يجلس عليه إلاَّ من وطَّن نفسه على خسارة كل ما يرى فيه الوزير عندنا كسباً وربحاً، ليكسب، بالتالي، عقول وقلوب المواطنين.

هذا المنصب العام حان له أن "يُسيَّس"، على أن "يُسيَّس" بما يجعله موقعاً لخدمة المصالح العامة للمجتمع، وبما يجعل صاحبه يؤدِّيها من غير أن ينتظر جزاء أو شكورا.



#جواد_البشيتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ترقَّبوا -النبأ العظيم- من -سيرن-!
- بين مفاوضات مُفْلِسَة ومقاوَمة عاجزة!
- أعداء -السببية- يَنْعُون -السبب-!
- هذا التمادي في شتم العرب!
- الطريق الملتوية إلى -الدولة ذات الحدود المؤقَّتة-!
- رياضة بروح سياسية.. وسياسة بروح رياضية!
- طاب الموت يا طابة!
- -نعم- للقرار الدولي.. و-لا- لإعلان الدولة!
- مسار -الدولة من طرف واحد-.. ماذا يعني؟
- عندما يجوع البشر لوفرةٍ في الغذاء!
- بعض من ملامح -البديل- الفلسطيني
- ما هي -المادة-.. وكيف يُمْسَخ مفهومها ويُشوَّه؟
- كيف تُدَجِّن شعباً؟
- خرافة -الدولة- في عالمنا العربي!
- -قرار عباس-.. كيف يمكن أن يوظَّف في خدمة الفلسطينيين؟
- السَّفَر في الفضاء.. كيف يكون سَفَراً في الزمان؟
- بلفور.. -الأسلمة- بعد -التعريب-؟!
- الحُبُّ
- 90 في المئة!
- خيار -السلام- أم خيار -اللا خيار-؟!


المزيد.....




- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...
- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - جواد البشيتي - معالي الوزير!