أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - توفيق أبو شومر - مسابقة البلع الكبرى














المزيد.....

مسابقة البلع الكبرى


توفيق أبو شومر

الحوار المتمدن-العدد: 2857 - 2009 / 12 / 13 - 17:00
المحور: كتابات ساخرة
    


كنت أجلسُ في عزاء لوفاة فقيد صديق ، وجاءتُ صحون الأرز الملون بلون الصفرة، المدفون تحت كتل اللحم والشحم المملوء بالدهون في سيارة نقل صغيرة، الصحون البلاستيكية المكدسة تكفي رواد مهرجان كبير أو وليمة وسط مخيم للمشردين ، كانت تملأ صندوق السيارة ، على الرغم من قلة عدد الحاضرين ، وكان العدد الكبير للصحون من أجل أن ينتشي صاحب العزاء أو من جاد بهذه الصحون مفتخرا بكرمه وحسن صنيعه، بعد أن يخرج حاتم الطائي مهزوما أمام هذا الكرم الفيّاض !
هكذا شرع الفلسطينيون في تحويل جنازة الميت من عزاء جميل لعائلة الميت إلى مناسبة اجتماعية لغرض عرض عضلات أهل الميت المصابين الصابرين لتقديم الطعام لعدد مجهول من الحاضرين قد يكون مقدرا بالعشرات أو بالمئات أو حتى بألوف الآكلين !
ويعتبر الفلسطينيون من أبرع شعوب الأرض في سرعة إنجاز بيوت العزاء، ففي لمح البصر تنصب الخيام ، وتنثر الكراسي في دقائق معدودة وتشعل نيران القهوة بسرعة البرق ، وفي مكان آخر تنتشر محلات صناعة أطعمة العزاء الجاهزة دوما لتلبية احتياجات الآكلين ، مهما بلغ عددهم كمهنة حديثة في الوسط الفلسطيني ، وكل ذلك بالطبع لظروفنا المعقدة !
وازدهرت في هذه الأيام عادةٌ جديدة وهي تقديم الأكل ثلاثة أيام العزاء ، وليس آخر يوم من أيام العزاء، كما كان متبعا منذ سنوات قريبة وأظن بأننا سنطور هذا العادة بعد فترة وجيزة بحيث يُجبر أهل الميت على تقديم ثلاث وجبات في اليوم الواحد للمعزين وليس وجبة غداء واحدة ، حتى يصبح عدد وجبات الطعام في الأيام الثلاثة تسع وجبات، صدقة عن روح الفقيد !!
أما عدد الآكلين فتحدده الظروف وموقع البيت ومنزلة الميت وأهله ويوم الموت ، فمن يقدم الطعام للآكلين في يوم عادي ، غير من يقدم الطعام يوم الجمعة ، يوم العطلة بعد صلاة الجمعة ، حيث يفاجأ أصحاب العزاء بعدد لا يتوقعونه في هذا اليوم المبارك، فيتحول عزاء الألم ، إلى إحراج مقيت لأهل الميت !!
المهم أنني كنتُ أرغب في أن أضبط ساعتي لأعرف الوقت الذي يستغرقه الآكلون – آسف - البالعون في ابتلاع الطعام ، فاستغربت عندما وجدت بأن الجميع قد أنهوا أكلهم وأجهزوا على محتويات الصواني من الأرز واللحم في زمن يتراوح بين ثلاث دقائق إلى خمس دقائق فقط !!
تذكرتُ ساعتها بأنني كنتُ قد كتبتُ منذ زمن مقالا عن بلع الطعام في مجتمعنا كعادة سيئة ذميمة وقلت:
إن الأطفال في بيئتنا لا يتعلمون الحد الأدنى من طريقة الأكل الصحية ، وإذا لم يتعلم الطفل منذ صغره طريقة الأكل الصحيحة ، فإنه يكون عرضة للإصابة بكل الأمراض ، فلا يتعلم طريقة الجلوس السليمة أثناء الأكل ولا يعرف كيفية استخدام أدوات الأكل ، والأبشع هو أنه لا يستخدم الأسنان في المضغ إطلاقا !
فأسنان أبنائنا الذين لم يتعلموا طريقة الأكل الصحيحة ، أسنان مصفوفة في صفين متوازيين لحفظ توازنهم أثناء الجري ! وهي أيضا مُخصصة (لهبش) لحوم المنافسين من الأطفال، في جولات المصارعة في شوارعنا ، وهي أيضا يمكن أن تساعد في تجميل البسمات !
وأخشى أن تصبح الأسنان عند أكثر أطفالنا ممن لم يتعلموا، عوائق تحول دون عبور الطعام بسرعة إلى المعدة ، ولكي يتغلب البالعون للطعام على هذه العقبة فهم يملؤون زجاجة ماء ويضعونها في الجوار لاستخدامها بين كل مضغة وأخرى فتصل (كعبولات) الطعام إلى المعدة في صورتها الأصلية أي كمادة خام !
ثم تتراكم فوق بعضها ككتل الإسمنت المسلح المتجمد القوي !
وما إن ينتهي الآكلون بلا أسنان حتى تُعلن المعدة حالة الطوارئ وتشرع في توظيف كل طاقات الجسم ، وتسخر قوات جهاز المناعة وتوجه شرايين الدماء ، وتستنفد القدرات العقلية لتتمكن من إذابة هذا الخليط !
وهذه العادة منتشرة في كثير من البلدان والأسر الفقيرة في العالم، غير أنها في بلدنا عادة تقليدية لأن أفراد العائلة كثيرون ، يجتمعون في وقت واحد وعلى مائدة واحدة وأطباق الطعام محدودة ، فمن يبطئ ويمضغ ،لا يأخذ نصيبه الكافي من الطعام، ويظل جائعا !
أما الآكلون المُدربون على الأكل الصحي، ممن تعلموا طريقة المضغ قبل البلع منذ نعومة أظفارهم في بلاد العالم الأخرى فهم يعتبرون جلسة الطعام متعة من المُتع ، وليس هجمة عسكرية كما هو الحال عندنا !
وقد تابعتُ مجموعات من الآكلين في أحد مطاعم ألمانيا فوجدتهم يلاطفون اللقيمات ويناجون الأطباق ، ويحتالون على السلطات وينتقون الغرفات ، وهم يعتبرون الجلسة على الطعام ، ليست للانتقام ، بل متعة من المتع ، ومن النادر أن تسمع أصوات الأكل والخرش والسرك والمص !
أما عندنا فمعركة الأكل تبدأ دائما بأصوات سرك الأسنان والضغط على النواجذ ، ثم تأتي سيمفونية المص ثم تليها مقطوعة الأحَّات ويتبعها كنشيرتو الكرعات كل ما سبق تحت وقع اصطدام الأيدي والملاعق بالأطباق بالإضافة إلى رقصات الأطباق المتحركة وانتقالها من مكانها إلى مكان آخر .
أما الخبز فهو عند عاشقي جلسة الطعام ممن يحسنون استخدام أسنانهم في المضغ قبل البلع فهو يشبه مزهرية الورد ، فهو لتجميل الطعام ، تُقبِّله الأفواه ولا تنتقم منه انتقاما بتمزيعه وتقطيعه وتهشيمه ، أما نحن فالخبز عندنا مستدير مطاط وهو الوجبة الرئيسة، فهو لا يُقبَّل عندنا بل يُنهش ثم يكور بين إصبعين ليغدو كالمجروف ، ويُغلقه الآكل من أحد طرفيه ليستوعب أكبر كمية من الغموس ، فهو صورة مشوهة ملتوية عن الملعقة .
كما أن زمن الوجبة عند الآكلين الملتذين الفرحين المستبشرين يستغرق ساعة أو أكثر ، حيث يتبادل الآكلون الأحاديث والمسامرات والابتسامات لإتاحة الفرصة للمعدة أن تهضم على مهلها بنشاط ما دخلها من طعام ، حتى لو كان الآكل فردا وحده فيمضغ بهدوء ، ثم يجعل بين اللقمة وأختها فسحة من الزمن ،أما نحن فحكم مباراة الأكل يطلق صافرة البداية لبدء مباراة الأكل في مسابقة البلع الكبرى !
ويبدو أننا فهمنا من مثلنا العربي المشهور :
(كُل أكلَ الرجال ... وقم قبل الرجال ) أن الأكل هو مسابقة لإثبات الرجولة !!



#توفيق_أبو_شومر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الكوشير الإسلامي
- بشير وعاموس رواية فريدة
- رياضة داحس والغبراء
- من تجربتي مع صحافة الإنترنت
- عملاء خمسة نجوم
- تلحين نشرات الأخبار
- المعلقة النعلية
- فلسطين وطن الحروب والمعارك
- من قصص الإذلال في غزة
- طفولة بريئة جدا
- لماذا تكرهون ليبرمان؟
- فلسطينيو الرياستين والوزارتين
- بطلان من السويد بوستروم وبرنادوت
- انفجار الأبناء في وجه الآباء
- صديقي الأطرش العربي
- حردنة إسرائيل
- جودنرين وعربنرين
- إعلام صوت إسرائيل وإعلام العروبة
- استرجاع الذاكرة الفلسطينية
- نتنياهو بين جامعة القاهرة وبار إيلان


المزيد.....




- القضاء العراقي يوقف عرض مسلسل -عالم الست وهيبة- المثير للجدل ...
- “اعتمد رسميا”… جدول امتحانات الثانوية الأزهرية 2024/1445 للش ...
- كونشيرتو الكَمان لمَندِلسون الذي ألهَم الرَحابِنة
- التهافت على الضلال
- -أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق ...
- الإيطالي جوسيبي كونتي يدعو إلى وقف إطلاق النار في كل مكان في ...
- جوامع العراق ومساجده التاريخية.. صروح علمية ومراكز إشعاع حضا ...
- مصر.. الفنان أحمد حلمي يكشف معلومات عن الراحل علاء ولي الدين ...
- -أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق ...
- شجرة غير مورقة في لندن يبعث فيها الفنان بانكسي -الحياة- من خ ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - توفيق أبو شومر - مسابقة البلع الكبرى