أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - إدريس ولد القابلة - كرونولوجيا محاكمة صحافيي -المشعل- في غياب شروط المحاكمة العادلة















المزيد.....


كرونولوجيا محاكمة صحافيي -المشعل- في غياب شروط المحاكمة العادلة


إدريس ولد القابلة
(Driss Ould El Kabla)


الحوار المتمدن-العدد: 2856 - 2009 / 12 / 12 - 09:06
المحور: حقوق الانسان
    


بدأت بـ "الاحتجاز المُقنّع" لدى البوليس وانتهت بتبديد وثائق من الملف
كرونولوجيا محاكمة صحافيي "المشعل" في غياب شروط المحاكمة العادلة



تميزت الفترة الفاصلة بين 5 شتنبر الماضي، اليوم الذي تلقى فيه ثلاثة صحافيين من أسبوعية "المشعل" مكالمة هاتفية من مصدر قدم نفسه على أنه رجل أمن من ولاية الأمن بالدار البيضاء، وثامن أكتوبر الجاري، وهو اليوم الذي يصادف الجلسة التي شهدت انسحاب هيئة الدفاع، بالعديد من الأحداث التي تستحق التوقف عندها. ففي هذا الفترة الزمنية التي لا تتعدى الشهر الواحد جرت الكثير من الخروقات، ودخلت العديد من المنظمات الحقوقية على الخط، الوطنية والدولية، من بينها "المنظمة المغربية لحقوق الإنسان"، التي اعتبرت استجواب السلطات المغربية للصحفيين المغاربة على خلفية تناولهم وتحليلهم للبلاغ الصادر عن وزارة القصور والتشريفات المتعلق بالحالة الصحية للملك، والذي أفضى إلى متابعتهم قضائيا من قبل النيابة العامة بتهمة "سوء نية نشر خبر زائف وإدعاءات غير صحيحة"، أمرا يدعو إلى القلق، فيما دعت "الجمعية المغربية لحقوق الإنسان" إلى مطالبة الدولة برفع هذه المتابعات. وذهب كمال العبيدي، منسق اللجنة الدولية لحماية الصحفيين بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إلى أن ما شاب محاكمة الزملاء إدريس شحتان ورشد محاميد ومصطفى حيران من خروقات أدت إلى انسحاب فريق الدفاع، يعد انتهاكا لمعايير المحاكمات العادلة ومحاولة جديدة ومؤسفة للإساءة إلى سمعة القضاء، كما قال بأن أية محكمة مستقلة وملتزمة قولا وفعلا بمبادئ العدل والإنصاف لا يمكن إلا أن تحكم بعدم قبول الدعوى، في القضيتين المرفوعتين ضد زملائنا في "المشعل" و"الجريدة الأولى"، لأن ماكتبوه عن الظروف الصحية التي دفعت الملك محمد السادس إلى الجنوح للراحة في شهر رمضان الماضي يدخل في صلب حقهم في العمل الصحفي، ولا يؤدي إلى الملاحقة البوليسية والقضائية في الدول الديمقراطية.

"الاحتجاز" لدى البوليس

بداية شهر شتنبر الماضي، وبالضبط يوم 5 شتنبر 2009 تلقى الزملاء إدريس شحتان، مصطفى حيران ورشيد محاميد مكالمات هاتفية على هواتفهم المحمولة. يفيد مضمونها ضرورة حضورهم إلى مقر ولاية الأمن بمدينة الرباط لأمر مستعجل؛ الزمان، حدده المصدر ـ الذي قدم نفسه على أنه رجل أمن من ولاية أمن الرباط ـ في الساعة الثامنة ليلا. هل يمكن معرفة الغرض من هذا الاستدعاء غير الرسمي، يسأل الزملاء، لكن المصدر يكرر اللازمة المعتادة. لا علم لي بالموضوع، هناك سيتم اطلاعكم على كل شئ.
لا يهم، توجه الزملاء في الموعد المحدد إلى مقر ولاية أمن الرباط، رغم أن إثنين منهم يقطنان بمدينة الدرالبيضاء، فيما يقطن الزميل الثالث بمدينة تمارة، فما الذي كان يمنع السلطات من الاستماع إليهم في الدار البيضاء مثلا، حيث المقر الرئيسي للجريدة؟ هذا السؤال ليس الوحيد الذي ظل منذ بداية استنطاق الزملاء في "المشعل" معلقا، فبمجرد وصولهم إلى مقر ولاية الأمن، فوجئوا بتفريقهم عن بعضهم البعض، ابتداء من الأسئلة الروتينية التي تبدأ باسم الوالد والأم ورقم البطاقة الوطنية، لكنها لا تنتهي إلا بالإقرار بأن ما تمت مواجهتهم به من تهم، هو الحقيقة عينها، وليس أمامك أي مجال للدفاع عن نفسك أو موقفك، خصوصا وأن التأويلات التي تسوقها الشرطة، ليست غريبة فقط، ولكنها أيضا خيالية.
في ولاية الأمن أصبح الصحافيون الثلاثة في وضع احتجاز، كما مورست عليهم ضغوط نفسية رهيبة؛ ففي اليوم الأول لم يغادروا مقر ولاية الأمن إلا في الساعات الأولى من فجر اليوم الموالي، ورغم أن المحققين كانوا يعلمون أن الصحافيين يقطنون في مدينة أخرى، وأن عليهم تمضية ما لا يقل عن أربع ساعات إضافية من السفر ذهابا وإيابا، فإنهم أخبروا بأن عليهم الحضور على الساعة الحادية عشرة صباحا من اليوم الموالي. وكما حدث خلال الليلة الأولى فإنهم لم يغادروا مرة أخرى مقر "الكوميسارية" إلا في ساعات الصباح الأولى من اليوم الموالي، ثم تكرر نفس السيناريو طيلة الأيام الثلاثة التي ظلوا "محتجزين" فيها لدى البوليس.

التحايل على القانون

لقد كان مطلوبا من الصحافيين الثلاثة الالتحاق بـ "الكوميسارية" في الصباح، حيث "يحتجزون" متفرقين في ثلاثة مكاتب، أغلبها يفتقد إلى شروط التهوية، ولفترات وصلت إلى ثلاثة عشرة ساعة، تحت حراسة أمنية، أما الغاية، من ذلك، فهي طبعا تدمير أعصابهم.
باختصار لقد تم التحايل على القانون من خلال جعل ثلاثة أيام من الاستنطاق تتم في الليل، أي خارج أوقات العمل الرسمية، ويتم تكسيرها ببضع ساعات سراح مؤقت لا تتعدى عدد أصابع اليد الواحدة، وهو الرهان الذي نجح فيه البوليس، الذي طرح طيلة فترة الاستنطاق مئات الأسئلة على الزملاء الثلاثة مع تدقيقات في كلمات وعبارات ودواعي استعمالها، والمقصود منها...و..و.
من وجهة نظر فقهاء القانون فإنه إذا كان مخولا للضابطة القضائية التثبت من وقوع الجرائم والبحث عن مرتكبيها، وتنفيذ أوامر النيابة العامة ووكيل الملك الذي يسير أعمالها، فإن هذه الصلاحية مقيدة بعدم جواز إبقاء الشخص رهن إشارة الضابطة القضائية، إلا في نطاق الحراسة النظرية، سواء كان في حالة التلبس أو في غيرها.
ومن هنا فإن إخضاع الصحافيين لظروف احتجاز نفسية رهيبة خلال جلسات الاستنطاق، ثم إخلاء سبيلهم لمدة قصيرة، قبل استدعائهم من جديد لاستكمال التحقيقات الماراطونية، هو شكل من أشكال التحايل على المسطرة القانونية، التي تنظم الحراسة النظرية. فالمفروض، من وجهة نظر هؤلاء أن يتوقف البحث بانتهاء ساعات العمل الإدارية الرسمية، ثم ينطلق إذا تطلب الأمر ذلك، مع بداية ساعة العمل في اليوم الموالي. وأن يطلب رأي المعنيين في قدرتهم على تحمل الساعات المرهقة من البحث أو من الانتظار التي استمرت إلى ساعة متأخرة من الليل، لأن ذلك يشكل ضغطا نفسيا رهيبا على نفسية وسلامة معطيات البحث ونتائجه.

التهمة الجاهزة

ودع البوليس الزملاء فجر يوم الثلاثاء 8 شتنبر 2009، بعد أن تم إخبارهم بأن عليهم أن يظلوا رهن الإشارة كالعادة، لأن احتمال استدعائهم من جديد أمر وارد في أية لحظة، وهو ما حدث فعلا، ففي صباح يوم الخميس 10 شتنبر كان على الزملاء الثلاثة التوجه من جديد إلى مقر ولاية الأمن، بعد أن تمت مهاتفة الزميل إدريس شحتان بعد منتصف ليلة الأربعاء 9 شتنبر الماضي، وكان عليه إيقاظ زملائه في ذلك الوقت المتأخر من الليل وإخبارهم بمضمون المكالمة، وفي المقابل دائما نفس الجواب. "لا علم لنا بالموضوع الذي من أجله نستدعيكم...هناك سيتم اطلاعكم على كل شيء".
وقد تعلق الأمر هذه المرة بتقديم الصحافيين أمام وكيل الملك، لكن قبل ذلك كان من اللازم المرور على ولاية الأمن ونقلهم على متن سيارة الأمن، فلماذا لم يتم إخبارهم بالموضوع؟ وهل كان الأمر يكتسي طابع السرية إلى الدرجة التي تجعل تقديم ثلاثة صحافيين أمرا يقتضي أن يحاط بسرية تامة؟
أمام وكيل الملك تسلم الزملاء الثلاثة استدعاء مباشرا، كل واحد على حدة، يحيلهم على الجلسة التي تعقدها المحكمة الابتدائية بالرباط، يوم الخميس فاتح أكتوبر بتهمة "جنحة نشر نبأ زائف بسوء نية، وادعاءات وقائع غير صحيحة والمشاركة"، حيث يتابع إدريس شحتان مدير النشر من أجل "جنحة النشر، بسوء نية، نبأ زائف، وادعاءات وقائع غير صحيحة "، وأيضا رشيد محاميد ومصطفى حيران كاتبي المقالات، بصفتهما متهمين بالمشاركة وذلك طبقا للفصلين 42 و68 من قانون الصحافة.


النيابة العامة متهمة بخرق القانون

بعد ثلاثة أيام سيتلقى الصحافيون الثلاثة، في وقت مبكر أيضا من صباح الأحد 13 شتنبر الماضي مكالمة هاتفية من ولاية الأمن بالرباط، تستدعيهم للحضور إلى مقر الولاية في اليوم الموالي، وهذه المرة على الساعة التاسعة صباحا. وكما حدث خلال كل مرة فقد رفضت الجهة المستدعية تقديم أسباب هذا الاستدعاء الجديد المفاجئ، قبل أن يتبين أن النيابة العامة اكتفشت جزءا من الخطأ الذي وقعت فيه، حين وجهت التهمة لإدريس شحتان، وأغفلت الإشارة إلى مصطفى حيران، في حين أشارت إلى وجود صحافية أنثى، رغم أن المتابعين الثلاثة ذكور، فما كان منها إلا أن سلمت الصحافيين الثلاثة استدعاء مباشرا جديدا، ضدا على كل الإجراءات القانونية المعمول بها في هذا المجال. فماذا يقول فقهاء القانون مرة أخرى في هذه النازلة؟
"التوقيع على نسخة معدلة جزئيا من النص الأصلي للاستدعاء في هذه النازلة غير مقبول البتة"، يقول خبير قانوني، آثر عدم الكشف عن هويته، لأن الملف تمت إحالته على المحكمة بعد أن سلم المتهمون الاستدعاء، وبذلك فإن النيابة العامة تكون قد رفعت يدها عن المسطرة وأصبح التطاول عليها ممنوعا، لأنها أصبحت مقيدة بالإجراء الأول الذي اتخذته، سواء كان صحيحا أو مجانبا للصواب وللمسطرة، فالقانون يجعل من الاستدعاء، الذي يحرره وكيل الملك قيدا لا يمكنه التراجع عنه، كما لا يجوز تعديله أو تصحيحه، حتى لو تعلق الأمر بخطأ مادي في الكتابة، وبالتالي لا يمكنها إدخال أي تعديل إلا خلال جلسات المحكمة، وبعد مناقشة أسبابه علنيا من قبل المتهم، وبعد صدور أمر من المحكمة يقضي بقبول طلب التصحيح.
أما نقل الصحافيين، يوضح نفس المصدر، للنيابة العامة بأمر منها فهو إجراء تحكمي، لأن القانون لا يخول لها حق التصرف في حريات المواطنين أو تسخيرهم لأغراضها، أو لتغطية آثار تصرفاتها غير القانونية".

المنظمات الحقوقية الدولية تتابع المحاكمة

مثل الصحافيون الثلاثة أمام المحكمة في فاتح اكتوبر الجاري، وخلال هذه الجلسة حضر الناشط الحقوقي كمال لعبيدي، منسق اللجنة الدولية لحماية الصحفيين بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
الدفاع طالب المحكمة في هذه الجلسة بتأجيل الجلسة لأيام أخرى، حتى يتمكن من الاطلاع على الملف، غير أن المحكمة رفضت ذلك، رغم أن هذا المطلب متعارف عليه دوليا، بل إنه شرط أساسي من شروط المحاكمة العادلة بأن تتوفر للدفاع جميع الظروف الملائمة لإعداد ملفهم، وبدل الخمسة عشر يوما التي طالب بها الدفاع أجلت المحكمة الجلسة خمسة أيام فقط، رغم أن أعضاء بهيئة الدفاع أدلوا بما يثبت أنهم سيكونون خارج أرض الوطن في مهمة رسمية.
انعقدت الجلسة الثانية يوم الثلاثاء 6 أكتوبر الجاري، بحضور عبد الرحيم صابر، ممثل منظمة مراقبة حقوق الإنسان (هيومن رايتس ووتش)، وخلال هذه الجلسة أنكرت النيابة العامة تبليغ استدعائين للمتابعين، وما لحق الاستدعاء الأول من تغيير على مستوى عدد الأشخاص المُتابعين، وعدم تحديد أية تهمة في الاستدعاء الأول بالنسبة للمتهم الثالث، وإقدام النيابة العامة بعد تبليغ الإستدعاء الأول، على تغييره وتبليغه مرة ثانية إليهم، دون أمر من المحكمة، بعد ثلاثة أيام. في نفس السياق عاين الجميع أمام المحكمة، بما في ذلك رئيس الجلسة اختفاء الاستدعاء الأول وشواهد تسليمه للمعنيين بالأمر، من الملف، وعدم وجود العدد 266 من جريدة "المشعل" الذي اعتُمد في المُتابعة، مما جعل المحامين الذين تمكنوا من الحضور دون بقية زملائهم يطالبون المحكمة أوليا ببُطلان الاستدعاء وبُطلان المُتابعة، لكن هذه الأخيرة قررت رفض الطلب دون تعليل، ودون أن تأمر النيابة العامة بتقديم العدد رقم 266 من "المشعل" المتعلق بالمتابعة. وهو ما دفع هيئة الدفاع إلى إصدار بلاغ عمم على وسائل الإعلام، استنكرت فيه تبديد وثائق من ملف المتابعة، وأشارت إلى أن هذه الإجراءات تعتبر خطرا على قواعد المُحاكمة العادلة، وعلى حقوق الدفاع وعلى مصداقية القضاء، خصوصا وأن المحكمة رفضت مرة أخرى الاستجابة لملتمسات الدفاع، إذ بعد خلوها للتأمل أرجأت البت في الدفوعات الشكلية المقدمة، إلى حين البت في الموضوع. وعلى إثر صدور هذا القرار رفض القاضي الاستجابة لطلب الدّفاع بتأجيل الجلسة لأسبوعين من أجل إعداد المُرافعات، حيث ما إن تمّ الانتهاء من تقديم الدفوعات الشكلية والموضوعية، حتّى قرر القاضي الاكتفاء بتأجيل الجلسة لثمان وأربعين ساعة فقط، بإعلان موعدها اللاحق يوم الخميس 8 أكتوبر الجاري، في الوقت الذي طالبت فيه هيئة الدفاع بمهلة خمسة عشر يوما من أجل تمكين المُحامين الذين التحقوا بهيئة الدفاع من دراسة الملف ومن أجل مخابرة الأظناء والتنسيق بينهم.
وإضافة إلى ذلك رأت هيئة الدفاع أن المحكمة أصبحت ملزمة بأمر النيابة العامة بإحضار العدد 266 (جسم المتابعة)، مادام أنها لم تقم ببطلان الاستدعاء المباشر.

أظناء بدون محام

تميزت الجلسة الثالثة، التي انعقدت يوم الخميس 8 أكتوبر 2009 أولا بحضور الأستاذ محمد عبو، ممثل "الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان"، الذي حضر خصيصا إلى المغرب من أجل متابعة هذه المحاكمة، وثانيا بانسحاب هيئة الدفاع من الجلسة احتجاجا على رفض المحكمة للدفوعات التي تقدمت بها، ومنها على الخصوص طلب تأجيل البت في القضية إلى ما بعد صدور قرار نهائي في موضوع الشكاية المرفوعة للنيابة العامة لدى محكمة الاستئناف بالرباط، في موضوع إتلاف مستند من الملف والتزوير الذي لحق آخر، وطلب استدعاء أربعة شهود ذكرت أسماؤهم بمحاضر الشرطة، واعتمدت أقوالهم في الاستدعاء المباشر، الذي وجهته النيابة العامة للمتهمين، اعتبارا على أن تصريحاتهم من شأنها أن تثبت التهم الموجهة للمتهمين، وخصوصا إثبات سوء نيتهم حسب رأي الاتهام، إلا أن المحكمة رفضت الطلب الأول، وأرجأت البت في الطلب الثاني.
هيئة الدفاع تضمنت مرافعتها أيضا كون المتابعة تمت بناء على الفصل 42 من قانون الصحافة، أي أن التهمة هي نشر خبر زائف بسوء نية، في حين أن ما تم نشره كان تحقيقا صحافيا وردت فيه مجموعة من الآراء تعود لأصحابها، وأنه لكي تكون المحاكمة عادلة وتحترم فيها حقوق المتهمين والدفاع يتعين استدعاء الشهود والاستماع إلى إفاداتهم، لكن المحكمة قررت مرة أخرى بعد الخلو للتأمل رفض هذا الطلب دون أي تعليل، كما هو الشأن بالنسبة للقرارات السابقة، وخاصة المتعلقة بالدفوعات الشكلية. وعلى إثر ذلك تقدمت هيئة الدفاع بمجموعة من الملاحظات القانونية، التي تؤكد أن المحكمة لم تتعامل مع هذا الملف بشكل عادل، وأن هذه المحاكمة لم تتوفر فيها شروط المحاكمة العادلة، كما هو متعارف عليها في القوانين والأعراف الدولية، وأنها لم تمنح الأظناء حقوقهم كاملة للدفاع عن أنفسهم، ولم تمتعهم بكافة الضمانات التي يكفلها لهم الدستور والقانون، وبعد إصرار المحكمة والنيابة العامة على مواصلة النقاش قرر الدفاع الانسحاب، في حين تابعت المحكمة مناقشة الملف دون تمكين الأظناء من مهلة لتوكيل محامين جدد للدفاع عنهم، رغم أنهم طلبوا ذلك. وبعد الاستماع إلى كلمة ممثل النيابة العامة، الذي طالب بإدانة الصحافيين الثلاثة بجنحة "نشر، نبأ زائف بسوء نية وادعاءات ووقائع غير صحيحة والمشاركة في ذلك"، طبقا للفصلين 42 و68 من قانون الصحافة"، ووصف هيئة الدفاع بأنها تمارس الجبن الفكري والحقوقي، قررت الغرفة الجنحية بالمحكمة الابتدائية بالرباط إدراج الملف للمداولة قبل النطق بالحكم يوم الخميس 15 أكتوبر الجاري.

الخروقات التي شابت المحاكمة
خلال الجلسة التي انعقدت يوم الثلاثاء 06 أكتوبر 2009، وقبل مناقشة القضية تقدم دفاع الصحافيين بدفوعات شكلية تتعلق ببطلان الاستدعاء المباشر نظرا لما يلي:
كون النيابة العامة سلمت في المرة الأولى استدعاء مباشرا بتاريخ 10 شتنبر 2009 يتضمن في ملتمسه متابعة الصحافي إدريس شحتان كفاعل أصلي والمشاركة في حق الثانية....(هكذا)، في حين أن الأمر يتعلق بثلاثة صحافيين ذكور متابعين، الأول فاعل أصلي، والثاني والثالث كمشاركين حسب ما تشير إليه المتابعة.
كون الاستدعاء المباشر الثاني سلم للأظناء يوم الاثنين 14 شتنبر 2009 من طرف النيابة العامة، بعد إن قامت بإصلاح الخطأ الوارد في الاستدعاء الأول بإضافة عبارة (بل الثاني والثالث).
بل إن شواهد التسليم التي تمت بتاريخ 10 شتنبر 2009 بعد تسليم الاستدعاءات المباشرة، سحبت من الملف.
بالإضافة إلى أن الاستدعائين المباشرين الأول والثاني جاء فيهما أن الملف موضوع المتابعة نشر في العدد 266 من أسبوعية "المشعل"، في حين أن العدد 266 لم يصدر بعد، والعدد الذي تضمن الملف موضوع المتابعة نشر في العدد 226.
لقد اعتبر الدفاع أن جميع هذه الخروقات الشكلية الواردة بالاستدعاء المباشر، مخالفة لروح المادة 72 من قانون الصحافة، التي تقضي أن يتضمن الاستدعاء المباشر جميع البيانات الإلزامية من وقائع وتهمة ونص قانوني، وبالتالي التمس الدفاع الحكم ببطلان الاستدعاء المباشر، و بالتالي بطلان المتابعة كجزاء على ما ورد من إخلال في الاستدعاء المباشر.

النقيب عبد الرحمن بنعمرو، عضو هيئة الدفاع لـ"المشعل"
من العبث الاستمرار في تقديم طلبات ترتكز على أساس قانوني وترفضها المحكمة


- بحكم أنك أحد أعضاء هيئة دفاع أسبوعية "المشعل"، ما هو تعليقك حول محاكمة ثلاثة صحافيين من هذه الأسبوعية، خصوصا وأنكم أعلنتم انسحابكم من المحكمة، احتجاجا على عدم توفر شروط المحاكمة العادلة؟
+ تعليقنا أو انطباعنا بالأحرى، لخصناه في البلاغ الصادر عن هيئة الدفاع يوم الخميس 8 أكتوبر، ويتمحور حول عدم توفر شروط المحاكمة العادلة في هذه القضية، إذ أن جميع طلبات الدفاع وكذا دفوعاته الشكلية والأولية، تم رفضها من طرف المحكمة، بعيدا عن كل مقتضيات قانونية معينة، وأشير إلى أن من بين ما رفضته المحكمة، طلب تأخير الملف إلى أن يبت القضاء في شكاية المتهمين المرفوعة بواسطة دفاعهم أمام النيابة العامة لدى محكمة الاستئناف بالرباط، والتي يتمحور موضوعها حول إتلاف مستند من الملف وكذا التزوير في تاريخ مستند آخر للملف، كما رفضت طلبات أخرى تقدم بها الدفاع، وتتعلق باستدعاء شهود وردت أسماؤهم في محاضر الضابطة القضائية، واعتمدت عليهم النيابة العامة في استدعائها المباشر لتوجيه تهمة "نبأ زائف" وكذا في إثبات "سوء نية" المتهمين، وأمام هذا الرفض لم يجد الدفاع من داع للاستمرار في تقديم طلبات أخرى كانت مهمة، إذ رأى أنه من العبث الاستمرار في تقديم طلبات ترتكز على القانون وتجيب عنها المحكمة بالرفض، لذلك قرر الانسحاب من المحاكمة أو الجلسة إن صح القول، وكذلك إصدار بلاغ حول الموضوع.

- إذا كنتم تعتبرون بأن انسحابكم من المحكمة جاء نتيجة عدم توفر شروط المحاكمة العادلة في هذه القضية، فإن النيابة العامة وصفت انسحابكم أثناء الجلسة بـ" الجبن الفكري والحقوقي"، كيف تلقيتم هذا الوصف كهيئة دفاع؟
+ أعتقد بأن هذا الوصف، إذا كان يجب تكييفه من الناحية القانونية، يمكن اعتباره من باب السب والقذف الذي يمكن من خلاله متابعة النيابة العامة به، إذ أن مرافعاتنا في مجملها، وكذا منذ بداية المحاكمة، التي بسبب موقف المحكمة وقراراتها اضطر الدفاع إلى الانسحاب، كانت شجاعة وقانونية في مجملها، وإذا كان هناك إخلال ساعد عليها وتصدى لها، فهي النيابة العامة التي عارضت المطالب والدفوعات الشكلية، ونحن لا نريد أن ننزل إلى مستوى النيابة العامة، فنصفها بأوصاف. وردا على ما وجهته النيابة العامة في ما وجهته من إهانة وقذف للدفاع، نقول لها، إن الشجاعة الحقيقية، هي الوقوف إلى جانب الحق والقانون وإلى جانب ضحايا التعسفات، وليس تأويل القانون تأويلا خاطئا ومزيفا، وبيننا وبين النيابة العامة حكم التاريخ وحكم الأخلاق، وكذا حكم مبادئ الحق والقانون للدفاع عن الكرامة، فالدفاع في هذه القضية تحمل مسؤوليته بالدفاع عن سيادة القانون، الذي يخرق للأسف أحيانا من طرف القضاء والنيابة العامة، ودور الدفاع الذي يشرفنا هو فضح هذا الخرق إلى أن ينتصر الحق والقانون.

- كيف ترون مسار ملف صحافيي "المشعل" الذي هو بين يدي القضاء؟
+ كل واحد يتحمل مسؤوليته، فالصحافيون عندما خاضوا معركتهم الصحافية، فهم بدون شك كانوا مؤمنين بمهنتهم، والدفاع عندما وقف إلى جانبهم، فإنما وقف إلى جانب الدفاع عن الحريات، ودور القضاء هو أن يتحمل مسؤوليته في حماية حرية الصحافة وحرية الفكر، والتاريخ بيننا، سيحكم على من يقوم بواجبه وعلى من يتخاذل في هذا الواجب، بل على كل من يعاكس الحقائق.




#إدريس_ولد_القابلة (هاشتاغ)       Driss_Ould_El_Kabla#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- - تحت الدف- / للتذكير ليس إلا!
- حانوتي المشروع الحلم الذي تحول إلى كابوس
- مفهوم -وزارات السيادة- نتاج الصراع بين الشرعية الشعبية والشر ...
- اليسار هل تكتمل دورته الحياتية؟
- وصفة لا غنى عنها الحكومة تراهن على القروض الخارجية لمواجهة ا ...
- مشروع ميزانية 2010 إجراءات تُنبئ بمزيد من الاحتقان الاجتماعي
- يا أحزاب المغرب اتحدي أو انتحري
- لماذا الزج بشحتان في السجن؟!
- تقرير التنمية البشرية يعري عن عجز الحكومة وفشلها
- الحكومة تراهن على الخوصصة سنة 2010
- هل هي بداية طي صفحة الماضي -الاقتصادي والاجتماعي-؟
- -التامك- كان محميا من طرف -الديستي- و-لادجيد-
- مولاي أحمد العلوي عين الملك الحسن الثاني في كل مكان
- تضحية على سبيل التجربة ليس إلا
- محاكمة ثلاثة صحافيين من جريدة -المشعل- بتهمة نشر خبر زائف وا ...
- هل فعلا يعيش المغرب خطر المؤامرات الخارجية الأجانب؟
- اليخلوفي، الديب، النيني والشريف بين الويدان جيلان من بارونات ...
- -الله يكون في عون وزارة الصحة-
- المغرب – الجزائر :أمريكا، روسيا وفرنسا تشعل سباق التسلح بالم ...
- -ميشيل- الحريزي لغز اغتيال رفيق المهدي بنبركة


المزيد.....




- الحكم على مغنٍ إيراني بالإعدام على خلفية احتجاجات مهسا
- الإعدام لـ11 شخصا في العراق أدينوا -بجرائم إرهابية-
- تخوف إسرائيلي من صدور أوامر اعتقال بحق نتنياهو وغالانت ورئيس ...
-  البيت الأبيض: بايدن يدعم حرية التعبير في الجامعات الأميركية ...
- احتجاجات أمام مقر إقامة نتنياهو.. وبن غفير يهرب من سخط المطا ...
- الخارجية الروسية: واشنطن ترفض منح تأشيرات دخول لمقر الأمم ال ...
- إسرائيل.. الأسرى وفشل القضاء على حماس
- الحكم على مغني إيراني بالإعدام على خلفية احتجاجات مهسا
- -نقاش سري في تل أبيب-.. تخوف إسرائيلي من صدور أوامر اعتقال ب ...
- العفو الدولية: إسرائيل ترتكب جرائم حرب في غزة بذخائر أمريكية ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - إدريس ولد القابلة - كرونولوجيا محاكمة صحافيي -المشعل- في غياب شروط المحاكمة العادلة