أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يوسف المرزوق - رواية (التشظي) تكشف الطريق التي أرغم الناس على السير فيها ليتم تغيير مجتمع بكامله؟















المزيد.....

رواية (التشظي) تكشف الطريق التي أرغم الناس على السير فيها ليتم تغيير مجتمع بكامله؟


يوسف المرزوق

الحوار المتمدن-العدد: 2855 - 2009 / 12 / 11 - 21:21
المحور: الادب والفن
    


في رواية التشظي للروائية عائشة الحشر قرأت تاريخاً عن تغيير عسير
لم يكتبه أحد قبلها على شكل رواية (حسب علمي). وبعد قراءتي المتأنية لاحظت
أن العمل (في جانبه التوثيقي) ركز على محاور سأذكرها بعد سطوري القادمة.
أما جوانبه الفنية فسأبدأ بها أولاً. مع تأكيدي على أني متذوق للأعمال الأدبية
والفنية متخصص في التاريخ.

فكرة الرواية قائمة على وجود قرية تدعى ( آل وادح) ترمز بكل مافيها
من شخوص ومواقف وتضاريس ومناخ إلى الجنوب في السعودية. تلك القرية
مليئة بالأحداث والأبطال، ذات مناخ مميز وتضاريس جبلية خضراء مختلفة عن
باقي مناطق المملكة. ظلت القرية داخل العمل الروائي تقاوم ما بدا لسكانها وكأنه
استعمار ثقافي في محاولة للحفاظ على ذاتها وثقافتها وقيمها وتقاليدها. ثم وفي
نهاية المطاف استسلمت القرية، في رمزية لاستسلام وطن كامل إلى ما جعلته
الحشر في روايتها سبباً في كثير من مآسي التخلف الذي تعيشه بلادنا.
إنها الرجعية التي تم التدبير لجر المجتمع إليها. ومن هنا نجد أن رواية
التشظي قد رسمت الطرق التي أرغم الناس على السير فيها ليتم تغيير
مجتمعهم بكل تقاليده وعاداته وحتى أفكاره الدينية وموروثه الشعبي.

كانت الكاتبة على مسافة من الأحداث والشخصيات، فلم تكتب الرواية
على لسان أحد أبطالها بل اعتمدت على الوقوف خارج الدائرة لتروي
جميع المَشَاهِد بضمير الغائب. ربما اتخذت هذا الأسلوب لكي يتسنى لها
أن تكون محايدة وبالتالي أقدر على تعرية الواقع. وقد كان لها ذلك لدرجة
أن القارئ حين ينتهي من الرواية سيساوره يقين بأنه كان يقرأ صفحات
من دراسات سوسيولوجية لمجتمع بعينه.

في التشظي تولدت عدة عقد منذ فصلها الأول وظلت تتصاعد
حتى الصفحات الأخيرة، وهذا ما جعل التشويق متواصلاً حتى النهاية.
مع كثرة استخدام الكاتبة لمفردات ذات دلالة تصويريّة أضفت الحيوية
والصدق على الشخصيات والأماكن ودفعت القارئ إلى حالة من القراءة
البصرية دون إغراق في المشهدية. فالإغراق في الوصف والمشهدية
معيق لتواصل القارئ مع تنامي الحدث، أما القفز السريع فوق المشاهد
فهو تقويض لأركان الرواية وهو ما تلافته الحشر في روايتها التشظي
بعد أن وقعت فيه في رويتها الأولى سقر. ويبدو أنها طورت أدواتها واستطاعت
أن تدرك أخطاءها في (سقر) ولذا عمدت إلى التوازن بقدر
أهمية الفكرة المطروحة ومدى رسوخها. لذا جاءت التشظي مختلفة تماماً.

وإذا انتقلنا إلى الرواية كأداة توثيق لأحداثٍ مضت وجدنا أن الحشر
بادرت إلى إعادة خلق الواقع (القديم نسبياً) بدقة وسلاسة، وكأنها أرادت
أن تحفظ لنا جزء من تاريخ عسير في رواية. وقد اعتمدت الحشر على تضافر
مخيلتها وذاكرتها. ( أشارت في مقدمة العمل إلى أنها تعرف المكان
والأشخاص الذين كتبت عنهم روايتها) لتقدم لنا عملاً ذا تميز بالغ صاغت
من خلاله كل التفاصيل الصغيرة والكثيرة وأحكمت بناءها بأسلوب
سردي هادئ صورت فيه المكان والزمان والشخصيات والأحداث
والانفعالات والأفكار في هيكل روائي متماسك.

في التشظي أربعة محاور دلالية أساسية تظهر للقارئ. وتكشف حجم
التغيير وكارثيته على منطقة الجنوب. هذا إذا كنا متفقين أن لهذه لرواية هدف
غير امتاع القارئ، وهو تسجيل التاريخ وكشف حجم الاستلاب الثقافي الذي
مورس بطرق شتّى ضد تراث كافة المناطق، ومن بينها، أو من أبرزها، عسير.
دون الإشارة المباشرة إلى يد السياسي وأهدافه. بل تركت القارئ يدرك ذلك من خلال
إشاراتها إلى تعيين (إمام مسجد) قدم من مكان يجهله أهل القرية. لكنه جاء عازماً
على تغييرهم. كما أن يد السياسي تظهر في قدرة مناهج التعليم التي فرضها في القرية
على تغيير كل موروث الجنوب وإحلال بدائل غير مناسبة.

أما المحاور التي أشرت إليها فهي :

1_المكان كوطن/ 2_التدين المتسامح كعقيدة/
3_المرأة وإنسانيتها كشريك حاضر فاعل/
4_التقاليد وانسجامها مع البيئة الزراعية.


1_ المكان كوطن:

إذا بدأنا بالمكان رأينا في التشظي مدى علاقته بهوية الانسان
وثقافته وبالزمن والتاريخ وتأثيره في القيم الروحية. وكيف أن النص السردي كشف
بجلاء عن وجود حضارة هي أساس العلاقة الجدلية القائمة بين الإنسان وبين
الطبيعة الجغرافية، التي تقوم فيها حضارته. لأن الإنسان الجنوبي متجذر في وطنه،
ومستقر في سكنه ولديه شعور بالأمن الغذائي فهو يزرع قوته وتهبه السماء
أمطاراً ترويه وتروي أرضه ومواشيه. هذا الاستقرار والتجذر يؤدي عبر
الزمن إلى نشوء حضارة ذات ثقافة مختلفة عن ثقافة المعتادين على الرحيل
وتغيير الأماكن بحثاً عن قطرات الماء. لذا كان إحلال ثقافة الصحراء كبديل لثقافة
الحاضرة خطأ لم يجلب التعاسة وحسب. بل جلب الكوارث أيضاً. فقد صورت
الرواية أثر تلك الثقافة على عقول الجهيمانيين ممن احتلوا الحرم المكي ومن
بقي منهم خارج الحرم مؤثراً على حياة الناس تأثيراً مدمراً لكل الطاقات التي
طالما تمتع بها أهل الجنوب. ويظهر جلينا كيف مزج رجال الدين قناعاتهم
الدينية المتطرفة بعاداتهم المتطرفة أيضاً لتتـشكل تقاليد جديدة غير صالحة
للاستهلاك الآدمي. وبرغم عدم صلاحها للبشر . فُرضت على السعوديين عامةً
وعلى أهل الجنوب بشكل خاص لأن لديهم اختلاف واضح عن باقي المناطق.

ويدرك القارئ مدى تجذر الجنوبي في أرضه، وقيمة المكان عند أهله
منذ الأسطر الأولى في رواية التشظي حيث كان القدماء يستخدمون مفردة
(وطن) ويعنون بها قريتهم الصغيرة. وقد أكدت الكاتبة على استخدام تلك المفردة
لتقارن بين ما كانوا عليه وما صاروه. ففي كلمة (وطن) بالذات يظهر المدى
الشاسع بين البداوة والحضارة. لأنه لا وطن بالنسبة للبدوي الذي
ألف الترحال بحثاً عن الماء والكلأ وبالتالي فاللفظ بلا أي معنى عنده.
لذا ظلت الوطنية حرام في التعليم العام لعقود مضت. ثم سُمح بكتابة النشيد
الوطني قبل عقدين أو أكثر قليلاً... وبعدها تسربت كلمة وطن إلى السعوديين
وصارت شيئا فشيئا مفردة ممكن تداولها بعد أن كانت كتب الفقه التي يدرسها
الصغار تحرم الوطنية بينما هي تعني عند الحضري جذوره الممتدة عبر الزمان.

في التشظي لم تشر الكاتبة في روايتها إلى بناء السدود عبر التاريخ
في الجنوب. وهذه من الهفوات التي تحجب جزءاً مهماً من معنى الحضارة
واستقرارها. وقد انزعجت كثيرا لاغفال هذا الجانب الهام جداً والذي كان سيكشف
عن وجود عبقريات هندسية عظيمة. ومع ذلك فقد تجلت لنا في الرواية صورة
بانورامية للمكان وأثره على الوجود الانساني عند سكان (آل وادح) تم رسم
تلك الصورة بعناية لإظهار كثير من التفاصيل التي كان ظهورها كالضوء
الذي تم تسليطه على ما نجهله من التقاليد. إضافة إلى أن إحساس القارئ بالمكان
سيكون قوياً منذ الأسطر الأولى فالرواية برمتها عن مكان محدد وهو الجنوب.

2_التدين المتسامح كعقيدة:

في رواية التشظي كتبت المؤلفة مواقف لا تخلوا من الطرافة يكتشف من خلالها
القارئ طريقة سير الحياة قديماً والعلاقات الاجتماعية التلقائية الخالية من الريبة،
والتعامل مع المختلفين بالكثير من الاحترام والود،(راشد وشاكر وربيع
شخصيات سكنت القرية وهم من خارجها) أي أن مجمل معتقداتهم
بالضرورة ناتجة عن تدين متسامح متناسب مع نفسية الإنسان المستقر القادر
على البناء والإنتاج. حيث كانت القيم الفكرية والاجتماعية السائدة في ذلك الوقت
ترتكز على ما يفهمونه عن أن الأديان إنما جاءت لإسعاد الإنسان وليس لإشقائه.
ثم كيف تم تغيير وجه ذلك الدين المتسامح بآخر متجهم غليظ، يمتلئ بالوعيد
بعد أن كان يمتلئ بالوعود.

3_المرأة وإنسانيتها كشريك حاضر فاعل:

من يقرأ للكاتبة عائشة الحشر يدرك أن همها الأول هو أن لا يقع الظلم
على النساء. فحتى روايتها الأولى (سقر) والتي لم أجد بها عملا فنياً يستحق
التوقف. كانت الحشر تدافع بقوة عن حق البطلات في الحياة . ولم تتوقف في
التشظي عن ذلك الدفاع وعن إيضاح ماكانت قد تناولته في أحد فصول كتابها
( خلف أسوار الحرملك) عن مدى الظلم الذي طال النساء تحديداً عندما تغيرت
ثقافة الجنوب السائدة في الماضي القريب. فالشخصيات النساية داخل النص
وتحركاتهن وطريقة التعامل معهن والبيوت من الداخل والخارج وما حولها
ومجالسها وكل مافيها. كلها أشياء تكشف للقارئ مدى سيادة المرأة ورفعة مكانتها.
إذاً المرأة كانت ذات شأن قبل أربعين عاماً على الأقل. ليس هذا وحسب. بل إن
المؤلفة، ولكي تؤكد على صحة ما ترويه، جعلت أسماء بعض العوائل
داخل رواية التشظي أسماءً مؤنثة (آل مسفرة _ آل سُربة) في رمزية منها
إلى المكانة التي كانت عليها النساء إلى عهد قريب. وبشيء من التقصي
والبحث _من قبلي_ عرفتُ أن بعض العوائل الجنوبية تعود أسمائها إلى
الأنثى كبقايا من تاريخ قديم جداً لازال شيء من آثاره موجود في الجنوب
وغير الجنوب. ومن ذلك أن ردد الملك عبد العزيز رحمه الله بافتخار:
( أخو نورة). إذاً، القادم جعل المرأة عورة واسم المرأة عورة أيضاً ليس في
الجنوب فقط. ولكن في كل مكان.
إحدى البطلات ( آمنة) تعاني ما تعانيه لأن الثقافة الجنوبية تخلت عنها في غفلة
من والديها أو ضعف منهما أمام القادم المستلِب. ولكي تكون الحشر منصفة،
لم تجعل الغريب في روايتها هو فقط من أساء إلى (قرية آل وادح) بل كان صالح
( وهو أشرس من في الرواية ) ابناً من أبناء (آل وادح) تغير صالح وصار بتلك
البشاعة التي صورتها الرواية عندما رمى بتقاليد قريته واعتنق الفكر المتطرف.

4_التقاليد وانسجامها مع البيئة الزراعية:

في البداية ظهرت القناعة الواعية لدى أبطال الرواية بالخلل الشديد
الذي يُدفع له المجتمع وبعد مقاوة ضعيفة مقارنة بقوة القادم حدث تخلٍ
تدريجي عن موروثهم الثقافي برغم ضخامته. وشيئا فشيئا اختفت الثقافة
الحضرية من على المدرجات الخضراء واعتنق الناس كل ماهو بدوي
بذات الكيفية التي يعيشها ساكنوا الصحراء. بل أن البدو ذاتهم تركوا
الكثير من مفاهم البداوة عندما سكنوا المدن وسكنوا البيوت لكن الجنوب
شرب تلك الجرعات كلها من الثقافة الدخيلة إلى أن غدت هويته شيء
آخر غير ما كانت عليه. وشيئا فشيئاً تداعت قيم الخير والحق والجمال
واندفع بعض الأبطال (محسن وأحمد) إلى جماعات لا يعلمون عنها شيئاً.
( ومن هنا يرتبط بعض أعضاء القرية بجهيمان الذي احتل الحرم المكي)

أثناء قراءة التشظي سيتوقع القارئ عدة مسارات. لكن الأحداث تذهب به
في اتجاه آخر. ثم تنتهي التشظي بكارثة على المستوى الديني داخل المجتمع
المحافظ هزت العالم الإسلامي كله. وخيبة مأساوية عميقة لكثير من أبطال
الرواية تكشف عن عمق المأساة التي عانى منها الناس حين تراجع المجتمع.

يوسف المرزوق




#يوسف_المرزوق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل أضاءت الآخرون لصبا الحرز الجوانب المعتمة من الخصوصية السع ...
- في شارع العطايف الكاتب كان يحمل كاميرا ذات دقة عالية
- لماذا طغت الرواية، أما المسرح فلم يتمكن من الظهور في السعودي ...


المزيد.....




- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يوسف المرزوق - رواية (التشظي) تكشف الطريق التي أرغم الناس على السير فيها ليتم تغيير مجتمع بكامله؟