أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود المصلح - السائق الغريب














المزيد.....

السائق الغريب


محمود المصلح

الحوار المتمدن-العدد: 2854 - 2009 / 12 / 10 - 21:50
المحور: الادب والفن
    



لا أحد يتذكر من أين جاء ذات صيف قائض .. دار حول الحافلة المتوقفة منذ زمن ، تحسسها بيده ، وضع أذنه كأنه يستمع لدقات قلبها .. أو صوت ماء ، يتبعه ثلة من الرجال الغرباء ، رفع رأسه تلاقت عيونهم .. لمعت ..
هز كبيرهم رأسه بعلامات الإيجاب ..صعد إلى الحافلة بعد أن دفع بابا متهالك ..تبعه أحدهم ، ثم تبعه آخر ، الركاب نيام أو شبه نيام .. بعضهم استفاق ولا زالت به حالة وهن من بقايا النوم .. وغبش بالعين .. لم يعره أحد اهتماما .. راح يجوب الحافلة من الأمام إلى الخلف .. يقيس المقاعد .. يعدها ، يتفقد حالة السقف .. الممر ..لكنه لم يهتم لأمر الركاب ..لكنه أمر تابعه أن يعدهم عدا ..استفاق الركاب على صوت جلبة السائق وتابعه وصوت رجاله بالخارج .
وقف السائق أمام الركاب وراح يقول :
هذه الحافلة المتوقفة كم لبثت في وقوفها وكأنها معطلة ؟
ولما لم يتلقى الرد تابع ..هل من أحد يملك القدرة على قيادتها ؟ وقبل أن يتيح فرصة لأحد من الركاب أن يرد تابع هي بحاجة إلى صيانة ، لن تتحرك أو تتحركوا إلا بصيانتها ، وأني أتعهد بذلك .. رفع من نبرة صوته .. وأتخذ وضعية الخطيب وتابع : من أجل مصلحتكم عليكم التعاون بالجهد والمال ..ثم أمر مرافقه أن يأمر الركاب بالنزول من الحافلة ..فنزلوا وأخذ السائق ورفاقه يأمرون الركاب ويكلفونهم ببعض الأعمال .. كل حسب قدرته وهيئته الجسمية .
لاحظ الركاب بعد زمن أن السائق كان دائم النظر إلى البعيد ، يغمض عينيه .. يقرفص .. ويحدق بالأفق البعيد .. فعلوا مثلما يفعل .. كان هناك ثمة رجل أشقر بقبعة سوداء وعوينات شفافة ..كأن السائق يتلقى التعليمات منه ، أخذتهم رجفة وخوف .. وشعروا برهبة الموقف .. وظنوا بالسائق الظنون ..لكن السائق ما أن لاحظ عليهم التغير والإحباط حتى راح يخطب فيهم.. ويمنيهم الأماني العظام ...ويرسم لهم الأحلام ..بينما كان التابع ورجاله يفصلون مقعد السائق عن الركاب بجدار من الخشب المدعم بالحديد ، لكنهم حرصوا على أن يبقوا طاقة صغيرة في الجدار وضعوا عليها زجاجا شفافا ليسهل على السائق مراقبة الركاب جميعا . ثم شرع بتحضير مقعد السائق وكأنه العرش ،وزينه بطاقات من الأزهار ومجموعة من الصور زعم التابع أنها لعائلة السائق النبيلة .
ثم ترك لهم أن يتدبروا أمرهم في باقي المقاعد ، ولما أطمئن السائق إلى الركاب ، ترك الأمر لتابعه وراح يغيب في أوقات متفرقة ، ثم فجأة يعود ، ليجلس على المقعد في وسط الورود والصور.
وفي يوم لما عاد أمر تابعه أن يتجهز الجميع للانطلاق، قال ذلك على مسمع من الركاب، الذين أخذت عيونهم تلمع بسرور غامر ولعابهم يسيل... فها هي الحافلة ستتحرك أخيرا.
صعد السائق وتبعه رفاقه واتخذوا لهم مقاعد محددة ، وتركوا لباقي الركاب أن يتدبروا أمرهم فيما تبقى من المقاعد ، تململت الحافلة كثيرا قبل أن تتحرك ببطء شديد ، تعالت قعقعة عالية وصوت ضخم لحافلة صغيرة ، صوتها لا يتناسب وحجمها ، حاول السائق أن يحرك عصا مغير السرعة باتجاهات شتى لكن السرعة بقيت كما هي ، بينما كان التابع يعد طعاما للسائق في جناحهما الخاص ، عبقت رائحة الشواء ..تسربت إلى الركاب الذين ظنوا أنهم قد وصلوا غايتهم ..وأن الخير الموعود قد وصل بعد كل هذا الانتظار والجهد ..لكنهم سرعان ما عرفوا أن ما هذا إلا غداء السائق .
أدرك السائق أن الركاب لا يهمهم أمر الحافلة ، أخذ أقصى اليمين .. أوقف المحرك ..نزل التابع وتبعة رفاقه .. فلم يحرك الركاب ساكنا .. وبقي السائق في جناحه .. مرت سيارة مسرعة تبعتها أخرى وأخرى ... ثم توقفت سيارة سوداء اللون .. نزل منها الأشقر بقبعته السوداء ...أخذه التابع إلى جناح السائق باحترام ..وقف السائق بجلال أمام الأشقر وتبادلا حديثا قصيرا ..
أخذ التابع ورفاقه يفككون أجزاء الحافلة ..فكوا المقاعد بعد أن طلبوا من الركاب الوقوف ، أمرهم بالجلوس على الأرض ..حيث أن ذلك يتلاءم مع تقاليد الركاب الوطنية ..ثم فكوا النوافذ الزجاجية ... وبرر التابع ذلك للركاب أن الحرارة دائما مرتفعة ولا حاجة لحجب مزيد من الهواء عن الركاب ..ثم فكوا المحرك الثقيل فما حاجة الحافلة إذا كانت لا تتحرك إلى محرك ثقيل ، الأشقر ينظر صوب الغرب بلهفة وحرقة الانتظار بادية عليه .. فجأة وصلت شاحنة فارغة .. أخذ التابع ورفيقه بنقل الأجزاء إلى الشاحنة ..انطلقت الشاحنة وتبعها الأشقر بسيارته السوداء مسرعا صوب الغرب ..
وقف التابع ورفاقه أمام بوابة الحافلة المشرعة وهي تربض على الأرض .. بينما كان السائق على عرشه يعد أوراقه النقدية .



#محمود_المصلح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جرائم الشرف
- عرب يا رسول الله ...
- فيصل القاسم والاتجاه المعاكس
- أيام في بيروت ... 2/5
- ايام في بيروت ..3/5
- ايام في بيروت 4/5
- السقوط في فخ النجاح
- ايام في بيروت 1/5
- صديقي العزيز راسم فلاح بامتياز
- أمي.. معلمة .. ومرشدة ....
- حرية المرأة بين الاطماع والطموح ...
- الاحزابالعربية
- ايام ام كلثوم
- المدنية
- ذكريات من المطبخ
- الحجر بارضه قنطار ..
- النخوة .. رخوة
- بابا ... بلا حنان ..
- جرائم ضد الانسانية ........
- قراءة في النقد الديني


المزيد.....




- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...
- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود المصلح - السائق الغريب