أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - فاطمة ناعوت - المحطةُ الأخيرة














المزيد.....

المحطةُ الأخيرة


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 2853 - 2009 / 12 / 9 - 13:16
المحور: سيرة ذاتية
    


بعد أيام قليلة، كانت مهاتفاتٌ لابد ستتمُّ بين الأبنودي والرخاوي والغيطاني والقعيد والمعلّم، لتنسيق عيد ميلاد الأستاذ. ولو عُدنا بالزمن عقدين للوراء، لانضمَّت مهاتفاتٌ من حرافيشَ قدامى: توفيق صالح، أحمد مظهر، ثابت أمين... وإنْ رجعنا بالزمن أكثر حتى 1961، لشهدنا أولَ عيد ميلاد لنجيب محفوظ منذ ولادته عام 1911، أقامه الأستاذ هيكل، لبلوغ محفوظ الخمسين، بحضور أم كلثوم، وتوفيق الحكيم، وصلاح جاهين.
أجملُ ما في كتاب "المحطة الأخيرة"، الصادر عن الشروق، أن مؤلفه أخفقَ فيما رمى إليه! حاولَ المؤلفُ أن يسردَ تفاصيلَ "المحطة الأخيرة" في حياة رمز مصريّ كبير، سردًا توثيقيًّا مُحايدًا، إيمانًا منه بأحقيّة كلِّ مصريّ، وكلِّ عربيّ، بل كلِّ مهتمٍّ بالأدب في العالم، في أن يقفَ على آخر أيام عظيم مرَّ على هذا الكوكب. لكن طبقةَ الحياد الشفيفة تلك، أظهرت من وراءها وجعًا نبيلاً احتلَّ قلبَ رجل يشهدُ احتضارَ أبيه، فيما يداه مغلولتان عن إنقاذه.
المؤلفُ صاحبُ فكرة تشييد تمثال لمحفوظ في ميدان يحمل اسمه. الكاتبُ المسرحيّ محمد سلماوي، أكثرُ المقرّبين من محفوظ، إذْ امتدّت علاقتهما ثلاثين عامًا، وسلماوي بعدُ يخطو خُطاه الأولى في دنيا الكتابة والصحافة. اختاره محفوظ، العَزوفُ عن السفر، لاستلام جائزة نوبل نيابةً عنه عام 88. فأصرَّ سلماوي على اصطحاب أم كلثوم وفاطمة، كريمتَيْ محفوظ، إلى استوكهولم لتحملا درعَ أبيهما، بينما يُلقي كلمةَ أديب مصر الكبير. أن يمرَّ كاتبٌ شابٌ بتجربة ارتقاء منصة الأكاديمية السويدية، أمام الملك، تجربةٌ لا شكَّ فريدة، تحفرُ في النفس طوطمًا يقول: إن الجديّةَ والاشتغالَ على النفس، يصنعان النجاح.
على مدى خمسة وأربعين يومًا، ظَلَّ سلماوي يرى أباه الروحيّ يزوي وينطفئ شيئًا فشيئًا، على سريره بمستشفى الشرطة المواجهة نيلَ مصر الخالد. لكنه، شأنَ كتّاب مسرح العبث، راح يخدعُ نفسَه بأنَّ ما يراه من ذبول ليس إلا وعكةً عابرةً سيقومُ الشيخُ الجليلُ بعدها معافًى مرحًا ساخرًا كما اعتاد أن يراه. في اليوم الأخير، ومثلما يفعل يوميًّا، سأل الأطباءَ عن حال الأستاذ، فانقسم التوصيفُ بين متناقضيْن: الحالُ مستقرةٌ-الحالُ حرجة! يدخلُ فيجدُ الأستاذَ فاقدًا الوعي؛ لا يشعرُ بمَن حوله. يقتربُ منه، يكلّمه بصوتٍ عال: "ازيك يا أستاذ نجيب؟" في يده كتاب "أحلام فترة النقاهة" الذي طُبع بالأمس، يذهبُ به كلَّ نهار أملاً في لحظة وعي من الأستاذ، لكي يُدخلَ البهجةَ إلى قلبه. لحظةُ الوعي لا تجيء. وسلماوي يُصرُّ ألا يصدّقَ أنها النهاية. يحكي للنائم في غيبوبته عن جمال الغلاف، وصورته قابضًا على عصاه. يشرعُ في قراءة حلمٍ أو اثنين، ثم يوهمُ نفسَه بأن الأستاذ سمع، وابتسم!
يخرجُ باحثًا عن وحدته على نيل مصر. ثم تأتي الفقرةُ الأبدعُ في الكتاب: "هذا شارعُ النيل، وفي الوقت نفسه شارع جمال عبد الناصر. مثله مثل أشياء كثيرة في بلادنا تحملُ أكثرَ من اسم، ولها أكثر من وجه. لماذا لا نكون محدَّدين؟ ولا نعرف الحقيقة؟ هل الأستاذُ في حالٍ خطرة، أم حالُه مستقرة؟ هل هذا الشارعُ هو النيل، أم شارع جمال عبد الناصر؟" هذا التراوحُ المدهشُ بين الموضوعيّ والذاتيّ من جماليات تيار الوعي. هو استسلامٌ خَدِر لحال التأرجح الناعمة بين الوعي واللا وعي، بين العقل الحاضر والعقل الباطن، هو هروبٌ من صدمة الواقع الجارح، والإنصات لعمق الروح السحيقة، حيث تكمنُ الأحلامُ والمُنى. ثم يعاود الكاتبُ خداعَ النفس وإيهامَها بأن كلَّ شيء على ما يُرام: "وصلتُ إلى قرار بأن أختار الحقيقةَ التي تعجبُني. هذا شارع جمال عبد الناصر، فالنيلُ ليس بحاجة إلى أن يُسمى شارعٌ باسمه! ونجيب محفوظ حاله مستقرة. هذه هي الحقيقة... حين يصحو الأستاذ سأخبرُه أنني وجدتُ مقهًى قريبًا من منزله يرى النيل."
فرادةُ الكتاب، ليست، وحسب، في تسجيله لحظاتِ وجع محفوظ واحتضاره، بل وجع الذين عايشوا هذا الاحتضار النبيل، مِن أحِبَته وتلامذته.
يا الذي قال: "الموتُ لا يُجْهِزُ على الحياة!" : كل سنة وأنت طيب، حيثما تكون! - جريدة "المصري اليوم" 7/12/09





#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هُنا الأقصر
- وتركنا العقلَ لأهله!
- لا شيءَ يشبهُني
- طيورُ الجنة تنقرُ طفولتنا
- المرأةُ، ذلك الكائنُ المدهش
- مصنعُ السعادة
- شباب اليوم يعاتبون:وطني حبيبي الوطن الأكبر
- سور في الرأس، سأسرق منه قطعةً
- التواطؤ على النفس
- حاجات حلوة، وحاجات لأ
- التخلُّص من آدم
- بلال فضل، وزلعةُ المِشّ
- الثالثُ -غير- المرفوع
- كريستينا التي نسيتُ أنْ أقبّلَها
- أعِرْني عينيكَ لأرى العالمَ أجملَ
- أنا عيناك أيها الكهلُ
- التردّد يا عزيزي أيْبَك!
- قطارُ الوجعِ الجميل
- بوابةُ العَدَم
- الشَّحّاذ


المزيد.....




- بوتين: ليس المتطرفون فقط وراء الهجمات الإرهابية في العالم بل ...
- ما هي القضايا القانونية التي يواجهها ترامب؟
- شاهد: طلاب في تورينو يطالبون بوقف التعاون بين الجامعات الإيط ...
- مصر - قطع التيار الكهربي بين تبرير الحكومة وغضب الشعب
- بينها ليوبارد وبرادلي.. معرض في موسكو لغنائم الجيش الروسي ( ...
- الجيش الإسرائيلي يقصف مواقع وقاذفات صواريخ لـ-حزب الله- في ج ...
- ضابط روسي يؤكد زيادة وتيرة استخدام أوكرانيا للذخائر الكيميائ ...
- خبير عسكري يؤكد استخدام القوات الأوكرانية طائرات ورقية في مق ...
- -إحدى مدن حضارتنا العريقة-.. تغريدة أردوغان تشعل مواقع التوا ...
- صلاح السعدني عُمدة الدراما المصرية.. وترند الجنازات


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - فاطمة ناعوت - المحطةُ الأخيرة