أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الاطفال والشبيبة - سعيد مضيه - هيستيريا كرة القدم















المزيد.....

هيستيريا كرة القدم


سعيد مضيه

الحوار المتمدن-العدد: 2853 - 2009 / 12 / 9 - 13:15
المحور: حقوق الاطفال والشبيبة
    


هيستيريا الكرة ضمن برامج هندسة الموافقة
ـ1ـ
هل جاء بحثا عن بطل أم تعبيراً عن خيبة ذلك الهوس الكروي وما فجره من أزمة سياسية ؟ بطولات خلت جمعت مصر والجزائر نسجت مواقف عز انتشت بها الأمة العربية في حينه ، لينكفئ البلدان ويتورطا في سراب نصر، هو عنوان المرحلة، زيفه الوعي الكاذب معركة مصير بعثت خجل الأمة. ما بين العهدين عملت برامج هندسة الوعي الجمعي وتكييفه. هيئت لأجيال الشباب حواضن الوعي الكاذب غربته عن واقعه وعن قضاياه الوطنية. والوعي الكاذب مثل الحمل الكاذب لا يبشر، بل ينشر الوهم، ويعطل العقل ويسلب الإرادة. هناك أوساط اجتماعية تتعهد الوعي الكاذب، تستنبته وتروجه كسلعة مخدرةـ تحول بواسطتها البشر إلى أشياء. والمخدر يستنبت في مزارع سرية، يتفجر جريمة حال انكشافه ، جريمة تطاردها القوانين ومؤسسات العدالة. أما الوعي المخدر فيستنبت تحت سمع وبصر رجال القانون ورجال الإدارة والاقتصاد، ويروج له الإعلام الرسمي والساسة الرسميون باسم وطنية كاذبة. يقول باولو فريري ، عالم التربية المشهور " هناك تفكير يحكم عدم التفكير الذي تمارسه الجماهير". والوطنية في أي بلد عربي ، ما كانت إلا تضامنا قوميا وعملا مشتركا وتوحيد سياسات ومشاريع تنمية بين أقطار العروبة.

في يوم واحد سبق المباراة الكروية الفاصلة بين مصر والجزائر، قالت الأخبار وسط الاستهجان والتنديد: " نقلت الإذاعة الجزائرية عن وحيد بوعبد الله الرئيس التنفيذي لشركة الخطوط الجوية الجزائرية قوله الأحد إن الدولة قررت التكفل بنقل عشرة آلاف مشجع إلى الخرطوم لمساندة منتخب بلادهم في مباراته الفاصلة أمام مصر. وتعهد رجل الأعمال المصري ورجل الحزب الوطني الحاكم احمد عز بنقل أعداد من المشجعين المصريين الى العاصمة السودانية لمؤازرة فريقهم. وتحدث سمير زاهر رئيس الاتحاد المصري لكرة القدم عن محاولات مكثفة من رجال الأعمال وشركات السياحة والوزارات من أجل نقل الجماهير المصرية إلى السودان. وقرر السودان منح تأشيرات مجانية للجزائريين الراغبين في الانتقال إلى الخرطوم. وأصدرت وزارة الخارجية المصرية تعليمات لسفارتها بالسودان الأحد لحشد الدعم للمنتخب المصري لكرة القدم خلال مباراته المرتقبة. وقال المتحدث باسم الخارجية المصرية حسام زكي، في بيان، ان وزير الخارجية المصري احمد أبو الغيط أصدر تعليمات لسفارة مصر في الخرطوم لتكون على أهبة الاستعداد للمساعدة في حشد الدعم والتنظيم المطلوبين قبل لقاء المنتخبين. وألغى مصريون سفرهم إلى الجزائر أمس الأحد خوفا على حياتهم بعد المباراة. وأعلن أن جمال مبارك سوف يصل الخرطوم لتشجيع الفريق المصري.
وصرحت مصادر أمنية في مطار القاهرة بأن مشجعين جزائريين على طائرة مصرية متجهة إلى الجزائر هددوا الركاب المصريين على الرحلة بـ الذبح لدى وصولهم إلى الجزائر، فألغى أربعة منهم سفرهم خوفا على حياتهم".
وقالت الأخبار في نفس اليوم "تسبب فوز مصر الأخير في وفاة رئيس بلدة أولاد موسى (50 عاما) بولاية البليدة (40 كيلومترا جنوب العاصمة الجزائرية) اثر أزمة قلبية بعد نهاية المباراة، كما لقي شاب بولاية المدية (90 كيلومترا جنوبي العاصمة) في الثلاثين من العمر نفس المصير.
واشتبك شبان في مدينة مرسيليا بجنوب فرنسا مع عناصر من الشرطة وحطموا واجهات المتاجر في أعقاب خسارة المنتخب الوطني الجزائري أمام نظيره المصري 2-0 في المباراة التي أقيمت مساء السبت بالقاهرة في إطار الجولة الأخيرة للتصفيات الأفريقية المؤهلة لكأسي العالم وأفريقيا 2010".
يقول الدكتور واسيني الأعرح، الأكاديمي والروائي الجزائري " أكاد لا أصدق كيف أصبحت مصائرنا بأيدي إعلاميين عاجزين ، يفترض أن يحاكموا في مصر والجزائر ، لا أن يصمت عن جرائمهم". طقوس متعاقبة ولدت ذلك الهوس المصنع في كواليس الإعلام والسياسة تجلى للعقل المهموم بالتخلف العربي، وقد أذهلته المباغتة، أزمة سياسية و جنونا منفلتا . طبيعي أن لا يوجه الشحن ضد محاولات اقتحام الحرم الأقصى التي تواصلت في تلك الأثناء، هوس الرياضة والمشاعر الوطنية كل منهما يمضي في قناة خاصة، و لا شان لهوس الرياضة بالمشاعر الوطنية او موجبات التضامن القومي. أحلام مستغانمي، الروائية الجزائرية، في مقابلة مع جريدة "الخبر " الجزائرية" رصدت تحول القيم وانهيارها:" يوم كانت لنا قضايا كبرى نهتف بها ونموت من أجلها وكانت لنا سواعد تصنع نصرنا، كانت الكرة مجرد طابة تتقاذفها الأقدام. اليوم نحن نضخم الأشياء الصغيرة بعد أن صغر ما كان كبيرًا في حياتنا . مضيفة، في السياق نفسه: زمن القوميّة ولّى والمؤامرة أكبر من أن نعيها لأنّنا داخلها.. ولأنّنا وقودها وبإمكان إسرائيل أن تتفرّج الآن علينا.. وقد غدونا العدو البديل لبعضنا البعض ".
وقال واسيني الأعرج ، " موجوع انا من حرب خاسرة من أولها لآخرها ، ولا شيء من ورائها إلا مزيدا من الأحقاد طعمها النهائي الأخير الناس البسطاء في البلدين ، الذين ينتظرون حلولا حقيقية لمشاكلهم وبؤسهم اليومي...موجوع أنا ، إذ لا قوة في الدنيا تمنعني من حب مصر العظيمة ، مصر التي أعرفها من رجالاتها التاريخيين العظام ، الذين غيروا وجه الوطن العربي، ومنحوه فرصة الحلم والتثقف واللقاء مع الآخر وحب التقدم وحرية المرأة. وما من قوة في الدنيا تنتزع مني حب الجزائر ، التي ما تزال رفات شهدائها تذكرنا باستماتة أهاليها، عربا وبريرا، من اجل حق لا يموت . "
وألقى أحمد ناجي الكاتب في مجلة " أخبار الأدب" المصرية بعض الضوء على محفزات الهوس الذي بالتأكيد لم يأت من فراغ، بل "نتيجة لعمليات شحن وشبكة مصالح ودعاية وتجارة عملت بقوة وكثافة علي مدار الشهر الماضي، علي إلهاب مشاعر الجماهير تحت دعاوي الوطنية ... يقوم بيزنس القنوات الفضائية الرياضية علي صناعة ضخمة ودورة رأسمال تتجاوز في أحيان كثيرة المليارات وتتخطي ميزانيات بعض القنوات ميزانيات بعض الدول الصغيرة". ثم يعرج الكاتب على رسالة ثقافة الملاعب في إحداث التشظي داخل المجتمع بين جمهور الرياضة والمجتمع بأسره، حيث يقول في لقطة يجدر أن يعيها كل من يود الوقوف عند إعلام الإثارة ، "علي المستوي الفني تصنع القنوات الرياضية شهرتها وشعبيتها من خلال صناعة التحيزات الإعلامية، فالمذيع الرياضي بخلاف كل قواعد الإعلام ليس مطلوباً منه أن يكون أبداً حيادياً ". إنه شحن التحيزات والتشظيات المتقاطع مع شحن العصبيات المتناحرة.
تساءل الكاتب اليساري المصري، سعد هجرس، عن سر الشحن الهستيري وطقوسه " الشحن الرهيب للجماهير، وتصوير وسائل الأعلام المباراة كما لو كانت معركة حربية، بل واستخدام الأناشيد الوطنية الخاصة بحرب 6 أكتوبر 1973 في هذه المناسبة، مع استبدال صور ومشاهد المقاتلين المحاربين الأبطال الذين عبروا قناة السويس وخط بارليف بصورة لاعبي الكرة المصريين!...وليس تشويه "الوطنية" هو المأخذ الوحيد علي هذه المبالغات غير الموضوعية، وإنما هناك أيضا تشويه "الدين" وإساءة استخدامه....حيث نجد الكثير من البرامج التليفزيونية، والكثير من المقالات والتقارير الصحفية حتى في أكبر الصحف القومية وأكثرها رصانة- تزف إلينا بشري أن المساجد والكنائس المصرية تدعو لمنتخبنا الوطني بالنصر...أليس هذا هو العبث بعينه؟! فما دخل الدين بلعبة كرة القدم؟ وهل الدين حكر لنا نحن المصريين، وليس للجزائريين أو غير الجزائريين نصيب منه؟ وهل تصل إساءة استخدام الدين إلي حد جعل الذات الإلهية أهلاوية أو زملكاوية، مشجعة لهذا المنتخب أو ذاك؟!"
ومن نفس المنطلق رأى الدكتور وحيد عبد المجيد ال" الخيبة" في هذا التهريج المسف. تساءل في صحيفة الأهرام عن " الخيبة الثقيلة التي تستهين بدماء الشهداء فى معارك التحرير إذ تشبههم بأحد عشر لاعب كرة قدم سيتقاضى الواحد منهم ستة ملايين من الجنيهات إذا حصلنا على تذكرة السفر إلى المونديال. فنحن قد فزنا في مباراة كرة قدم ولم نغزو الفضاء.. نحن أحرزنا هدفين فى مرمى فريق الجزائر ولم نفتح عكا أو نحرر فلسطين والجولان. نحن اقتربنا من المشاركة في كأس العالم لكرة القدم ولم نكسر قيود التخلف والفقر والأمية والفساد... والمقصود بذلك أن يكون لكل حادث حديث وأن يكون لكل مقام مقال وأن تكون هناك موضوعية فى تناولنا للأمور.. فإذا كنا قد فرحنا كل هذا الفرح لفوزنا فى مباراة كرة فماذا عسانا أن نفعل إذا حققنا اختراقاً في أحد الأمور الجدية المشار إليها؟"
نلك المشاعر الملتهبة تشجيعا لفريق رياضي ضد خصمه لا شأن لها بالوعي الوطني، وهناك أكثر من مثال: فرض نادي مخيم الوحدات في الأردن نفسه رمزا للفلسطينيين في الأردن. حصل ذلك بعد أن احتكر أحدهم قيادة النادي لمدة اثني عشر عاما بدون انتخابات دورية. درجت المباريات التي يخوضها النادي على استقطاب المشاحنات والمناكفات بين فلسطيني وأردني بلغت في أحايين كثيرة درجة عالية من التشنج والإسفاف. غير أن جمهور مشجعي نادي الوحدات، وفي اليوم الذي انتشر فيه خبر مجزرة صبرا وشاتيلا، نسي خبر المجزرة وأطلق زغاريد الفرح لفوزه في مباراة ذهبت مع الريح. وفي مناسبة ثانية كان الجمهور المشجع يتوجه في الحافلات إلى ملعب المباراة ذات مساء رمضاني بعد الإفطار يهتف ويهزج يوم أصدر الكنيست الإسرائيلي قرار ضم القدس . فكما يشير التصرف في المناسبتين الأليمتين فإن الحماس الغوغائي لفلسطين لا يصدر عن التزام وطني بالقضية الوطنية للشعب الفلسطيني. وبالمثل لم يصدر انحياز الجمهور للمنتخب الوطني عن شعور وطني؛ إنما هو تعبير عن حالة هدر للوعي والعقل واستلاب الإرادة الجماعية.
وبهذه الرؤية أهاب الدكتور احمد الخميسي الأديب المصري بالمثقفين في مصر والجزائر " أن يبذلوا أقصى جهد لوقف المهزلة . وقد أصدرت مجموعة من المثقفين الجزائريين المرموقين بيانا بليغا بهذا الصدد، كما حذر اتحاد كتاب مصر من الانسياق مع مخططات خارجية ترمي لتخريب العلاقات بين مصر والجزائر.
موقفا نقيضان : إعلاميون غوغائيون يبذرون ثقافة الكراهية والهوس المجنون انصياعا لمصالح ومثقفون تؤرقهم هموم التخلف والعجز والخيبات المزمنة.
المفكرون والكتاب من مصر والجزائر وقفوا عند حد الوصف ومحاولة التفسير دون أن يتعمقوا في الأغوار والدهاليز التي تسربت عبرها قضايا العالم العربي ، كي ينحط حتى هذا الابتذال واختلال القيم. وحسب تجربة باولو فريري، " فبينما يتخذ القاهرون من العلم والتكنولوجيا وسائل يحولون بها الناس إلى مجرد أشياء، فإن الثوريين يتخذون من العلم سلاحا لعكس هذا الغرض؛ لأنهم يستهدفون تحويل الناس إلى بشر". طبيعي أن المفكرين قاربوا المشكلة ضمن خواطر استدعتها ضرورة إيقاف عملية الشحن الإجرامية وإسكات الفضيحة. ربما لم يغب عن تفكير أحدهم حقيقة أن البيئة الرتيبة الخالية من الحوافز والتطلعات ، مثل البيئة التي يحياها الشباب العربي تحت وطأة القمع والمنع والتحريم ، تعمل على ترقيق القشرة الدماغية ، وتفضي من ثم إلى تدهور الكفاءة الذهنية. ويتجلى ذلك في قصور الانتباه والتخطيط وحزم القرارات وتشكيل الخيارات وتنفيذها . ترقيق القشرة الدماغية تحد من الضبط العقلي مما يفتح السبل أمام غلبة السلوك الانفعالي الاندفاعي.
أبرز سعد هجرس أهداف التهييج الكروي تعويضا عن منجزات كان يجب أن تتحقق في حياة الشعبين الشقيقين: " وأيا كانت النتيجة التي ستخرج بها هذه المباراة اليوم فانه لن يكون من بين آثارها تحرير الأرض العربية المحتلة، أو تخفيف معاناة ملايين الفقراء العرب والمصريين الرازحين تحت نير التخلف والأمية والأمراض، أو إبعاد شبح التغيرات المناخية التي تهدد الدول النامية وفي مقدمتها مصر- بمخاطر رهيبة تفوق الخيال، أو تحديات الاحتباس الديمقراطي التي تنافس تحديات الاحتباس الحراري."
ومثله أشار الدكتور وحيد عبد المجيد إلى الجاد والنفيس المهمل في العنصر البشري ممن يستحق العطاء الجزيل: "وإذا كنا على وشك أن نعطى ستة ملايين من الجنيهات إلى كل لاعب في فريق كرة القدم فماذا عسانا نعطى لعالم جليل أو مفكر محترم أو مخترع مبدع.. أو شهيد في سبيل الوطن؟!
"قد يقول قائل: هل تستكثرون الفرحة على شعب نال نصيبه وأكثر من الهم والغم؟ بالطبع لا.. من حق الشعب أن يفرح، ومن حقنا أن نفرح معه، لكن دون مبالغة.. فحتى هذا الانفلات العاطفي يعنى أنه ينطوي على "تعويض" عن شعور دفين بالانكسار والاحتياج إلى انتصار حقيقي فى قضايا حقيقية.
"فليس هذا‏،‏ إذن‏،‏ هو الانجاز الذي يأخذنا إلي الأمام‏،‏ بخلاف تحقيق تقدم كبير في بناء الاقتصاد مثلا أو نقلة نوعية في قدراتنا العلمية والمعرفية أو تطور ملموس في حياتنا السياسية ينظر إليه غيرنا باعتباره نموذجا يقتدي به ويستفاد منه‏.‏ سلوك جماهيري بالغ الدلالة علي حاجتنا الملحة إلي تحقيق إنجاز من أي نوع،‏ وسعينا إلي تسجيل نجاح علي أي صعيد‏.‏"

الحقيقة أن كرة القدم، تلك اللعبة التي تحظى بحب الجماهير قد تحولت في هذه الأزمة ومن قبلها أزمات إلى أداة إلهاء وتضليل وحرف الاهتمام، وإحداث الشروخات داخل كل مجتمع . برزت كرة القدم إحدى أدوات الحرب الباردة الثقافية لاستلاب الوعي العام وحرف الشباب عن الاهتمام بالقضايا الوطنية وسلوك درب الإبداع العلمي والحضاري، ومن اجل ملء فراغ التبطل وتعويض العقل المهدور عن القضايا الوطنية المحجوبة بفعل فاعل . ومع تطوير تكنولوجيا المعلومات، خاصة التلفزة، دخل رأس المال وتطور بيزنيس كرة القدم بسرعة إلى احتكارات ضخمة عابرة للجنسية تملك الكوادر البشرية المتخصصة والمتمرسة في العلاقات العامة. وهي تنشط إلى جانب الاحتكارات الأخرى عابرة الجنسية وبالتفاعل مع أنشطتها لتشويه وعي الجمهور وتمزيق النسيج الاجتماعي. الاتحاد الدولي لكرة القدم احتكار بحد ذاته ، مرتبط باحتكارات إنتاج الملابس والأدوات الرياضية . والأندية الرياضية احتكارات بعضها مملوك لسياسيين أو لحركات سياسية بعضها فاشي مثل رويال مدريد في إسبانيا الذي عمل تحت رعاية الديكتاتور الإسباني فرانكو وكذلك أندية بيرليسكوني في إيطاليا. وينفق على الواحد من النجوم الرياضيين ما يكفي لتعليم نصف مليون طفل محروم من التعليم في قارات إفريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا. ويخصص لمباريات كرة القدم حيز كبير في البث الإذاعي والتلفزيوني لا يتوفر لأنشطة الثقافة الجادة. وتكرس فضائيات جل وقتها لبث مباريات كرة القدم كي تقيد إلى الشاشة الشباب المتعطل، المفرغ من الاهتمامات الوطنية، وفاقد الأمل في مستقبل واعد . ثقافة الملاعب ليست ثقافة تنمية ، إنما هي ثقافة استهلاكية تقوض الروح. إن "تعميم النموذج الاستهلاكي في بلادنا يلعب دوراً كبيراً في تهديم العالم الروحي والأخلاقي والثقافي والوطني لإنساننا" على حد قول الدكتور مصطفى حجازي العالم المبدع في مجال علم النفس الاجتماعي.
أما اخطر تجليات هدر الشباب فيبرز في قضيته الوطنية . فالحيز الوطني مجال بيولوجي يدافع عنه الحيوان بصورة غريزية. الدفاع عن الحيز الجغرافي ضرورة بيولوجية للدفاع والحماية لكل كائن حي. الوطن ليس مسألة اعتبارية قابلة للمساومة في الزيادة والنقصان ، بل هو نزعة مغروسة الجذور عميقا في غرائز الكيان الحي ذاته. يتضح مقدار الهدر الوجودي الذي يصيب الشباب حين لا يشعرون بأنهم سادة مجالهم الحيوي وحماته وصانعو قوته ومنعنه. يظل الشباب في مأزق فوق طاقة الاحتمال تعوض ببطولات زائفة في برامج تلفزيونية من أمثال" سوبر ستار" و" ستار أكاديمي" ، وكذلك مباريات كرة القدم التي غدت دينا جديدا للشباب.
اشتطت الأنظمة العربية وتفوقت في فنون التضليل الإعلامي، الأمر الذي برز على قدر كبير من التبذل والسفه. فقد جزأت النخب القطرية المشاكل بين قطريات منعزلة ، ثم انثنت تجزئ مشاكل الوطن الواحد بين ولايات ومحافظات، تجهد بأن "تعمي المقهورين عن استراتيجية قهرهم " ، على حد تعبير باولو فريري. وهذا ما سنعود إليه لاحقا في هذه المعالجة.

الكرة ، بما تستثيره من حماس ومتابعة ملهوفة للتحولات السريعة في المباراة وفنية الأداء عامل جذب للشباب. ونجوم الكرة يستقطبون إعجاب الشباب المحروم من سمعة الإنجاز ونفوذ المكانة الاجتماعية. ومن علاق الإعجاب المهووس أفرد لكرة القدم دور لاستقطاب " القطيع الحائر والمذهول" حسب تعبير رجل الميديا الأمريكي ، ليبمان. اسند المهمة لجهود "النخب الذكية " من "مهندسي الموافقة"، أي الموافقة على السياسة الرسمية بمختلف جوانبها الثقافية –التعليمية والاقتصادية ونهج الحكم. والميديا في الغرب ليست وسيلة إعلام وتنوير، بل واسطة اتصال بين النخبة المتحكمة والجمهور. برزت وظيفة "الميديا"( جمع ميديوم ويعني الواسطة أو مبلغ الرسالة حسب المفهوم اللاهوتي) في عصر انتشار التعليم وتفجر تكنولوجيا المعرفة واتساع رقعة الديمقراطية ، لتتولى مهمات الإلهاء والتضليل وتخريب الوعي. من قبل ساد أسلوب القمع والكبت بالأساليب والأدوات البوليسية . وحاليا تستبدل تلك الوسائل والأساليب بالتحايل والالتفاف لتغييب القضايا المؤرقة ، بأساليب الإثارة وطرح حاجات ومصالح مزيفة. بات "تشكيل عقل الجماهير وتكييفه" ، حسب تعبير إدوارد بيرنيز، أستاذ العلاقات العامة في أربعينات القرن الماضي وأحد مهندسي استراتيجية وتكتيك الحرب الباردة، البديل للقمع البوليسي. الخداع يسلب الوعي ولا يكبته، والتحايل بواسطة ثقافة الوعي الزائف يسلب من الضحية إرادة المعرفة والذهن المؤرق؛ ويوظف الدعاية الاستهلاكية، بشكل مركز ومكثف ومنتظم.











#سعيد_مضيه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تحية تقدير واعتزاز للحوار المتمدن في عيده
- لا يطلبون سوى الإقرار بأن الفلسطينيين دخلاء في وطنه
- محو التاريخ اوهام تبددها شواهد التاريخ الثقافية والاجتماعية
- إنهم فاشيون إرهابيون وليسوا مجرد متطرفين
- اليسار حركة وتغيير وليس مجرد تسجيل مواقف
- الاحتلال والتهجير والجرائم الملازمة هي عناوين الحالة الفلسطي ...
- هذا الجدل العقيم دخان يحجب ما خلفه 3
- هذا الجدل العقيم دخان يحجب ما خلفه-2
- هذا الجدل العقيم دخان يحجب ما خلفه
- إسرائيل إذ تمثل دور الضحية
- زوبعة أبو اللطف
- تخبط وارتجال ي مواجهة المنهجية المتماسكة والمثابرة
- من اجل فلسطين نظيفة من دنس الاحتلال وجداره ومستوطناته
- لقدس مجال تدافع ثقافي
- أوباما : بشير تحولات أم قناع تمويه؟
- خطة استراتيجية للتحرر الوطني الفلسطيني
- الجدار نقتلعه أم يقتلعنا(3من3)
- الجدار ..نقتلعه أم يقتلعنا(2من3)
- الجدار ..نقتلعه أم يقتلعنا
- المجد لكم يا حراس الأرض


المزيد.....




- الأمم المتحدة: 800 ألف نسمة بمدينة الفاشر السودانية في خطر ش ...
- -خطر شديد ومباشر-.. الأمم المتحدة تحذر من خطر ظهور -جبهة جدي ...
- إيران تصف الفيتو الأمريكي ضد عضوية فلسطين في الأمم المتحدة ب ...
- إسرائيل: 276 شاحنة محملة بإمدادات الإغاثة وصلت إلى قطاع غزة ...
- مفوضية اللاجئين تطالب قبرص بالالتزام بالقانون في تعاملها مع ...
- لإغاثة السكان.. الإمارات أول دولة تنجح في الوصول لخان يونس
- سفارة روسيا لدى برلين تكشف سبب عدم دعوتها لحضور ذكرى تحرير م ...
- حادثة اصفهان بين خيبة الأمل الاسرائيلية وتضخيم الاعلام الغرب ...
- ردود فعل غاضبة للفلسطينيين تجاه الفيتو الأمريكي ضد العضوية ...
- اليونيسف تعلن استشهاد أكثر من 14 ألف طفل فلسطيني في العدوان ...


المزيد.....

- نحو استراتيجية للاستثمار في حقل تعليم الطفولة المبكرة / اسراء حميد عبد الشهيد
- حقوق الطفل في التشريع الدستوري العربي - تحليل قانوني مقارن ب ... / قائد محمد طربوش ردمان
- أطفال الشوارع في اليمن / محمد النعماني
- الطفل والتسلط التربوي في الاسرة والمدرسة / شمخي جبر
- أوضاع الأطفال الفلسطينيين في المعتقلات والسجون الإسرائيلية / دنيا الأمل إسماعيل
- دور منظمات المجتمع المدني في الحد من أسوأ أشكال عمل الاطفال / محمد الفاتح عبد الوهاب العتيبي
- ماذا يجب أن نقول للأطفال؟ أطفالنا بين الحاخامات والقساوسة وا ... / غازي مسعود
- بحث في بعض إشكاليات الشباب / معتز حيسو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الاطفال والشبيبة - سعيد مضيه - هيستيريا كرة القدم