|
أزمة المسرح العربي 1من 3
ثائر دوري
الحوار المتمدن-العدد: 866 - 2004 / 6 / 16 - 05:50
المحور:
الادب والفن
ما سأكتبه هو أقرب إلى الأفكار و الخواطر أكثر من كونها دراسة منظمة . و قد و جدت أنه من المفيد أن أقولها بصوت مرتفع كي يسمعها الآخرون و نفتح نقاشا حول هذا الأمر . نسمع و نقرأ كثيرا عن الأزمة التي يعيشها المسرح العربي و من أعراضها ابتعاد الجمهور عن العروض المسرحية الجادة ، و هجرة العاملين في المسرح إلى التلفزيون ، و من ثم تراجع عدد الأعمال المسرحية و قلة عدد الكتاب الذين يكتبون للمسرح . .....الخ فما هي أسباب هذه الأزمة ؟ قبل أن نبدأ بحديث الأزمة لا بد لنا من توضيح نقطة هامة حول ما يعنيه مصطلح (( المسرح العربي )) . فعندما نقول لأي إنسان كلمة مسرح فإن ذهنه يستدعي على الفور مكان العرض المسرحي ، المتمثل بصالة عرض مؤلفة من خشبة مسرح و مقاعد للمتفرجين ، بارتفاعين مختلفين و يفصل بينهما الستارة ، التي تفتح مع بداية العرض و تغلق عند نهايته لتفصل صالة العرض إلى عالمين مختلفين لا احتكاك بينهما . عالم ما خلف الستارة من ممثلين و فنيين ، و عالم المتفرجين الجالس أمام الستارة . يطلق المختصون بشؤون المسرح على هذا الشكل من العرض المسرحي اسم العلبة الإيطالية ، و هو شكل من أشكال العروض المسرحية لكنه ليس الشكل الوحيد . إلا أن هذا الشكل ، كما يبدو ، احتكر اسم المسرح لعوامل كثيرة بعضها سياسي و بعضها اجتماعي سنستعرضها فيما يلي . من المؤكد تاريخياً و واقعياً أنه يوجد في تاريخ كل شعب من الشعوب ما لا يحصى من أشكال الفرجة و العرض المسرحي . فالعرض المسرحي هو ببساطة شديدة دراما تنشأ من التناقضات كأن يتواجد رجل طويل و آخر قصير و بساط يجلسان عليه . يوجد في تراثنا أشكال كثيرة من العروض المسرحية لعل أهمها على الإطلاق هو مسرح خيال الظل . و خيال الظل يحتوي جميع عناصر العرض المسرحي فهناك شخصيتان : كركوز و عيواظ . كركوز البسيط الجاهل سريع الغضب و هو يمثل عامة الشعب ، و عيواظ المتعلم زلق اللسان الذي يتكلم الفصحى باللهجة العامية . و يلعب التناقض بين هاتين الشخصيتين دور محرك الفعل الدرامي . كما توجد شخصيات ثانوية مثل زوجة كركوز ، زوجة عيواظ ، المدلل أجير كركوز و شخصيات أخرى مثل المقدم و الشرطي .......الخ كانت العروض تتم بأجهزة بدائية في المقاهي ، و كان هناك مقاهي معروفة في كل مدينة تقدم هذا المسرح ، كما أن هناك أسر بعينها تتوارث هذه المهنة أبا عن جد وفق تقاليد مهنية بقيت موجودة حتى النصف الثاني من القرن العشرين . لكن حرفة خيال الظل تعرضت لما تعرضت له كل الحرف التقليدية في المجتمع العربي ، حيث اجتاحها الإنتاج الرأسمالي عند نهاية القرن التاسع عشر و بداية القرن العشرين فاندثر خيال الظل كما اندثر الدامسكو و صناعة النسيج التقليدية و تحولنا إلى مستهلكين فقط . و بالنسبة إلى حرفة خيال الظل كانت الأزمة مضاعفة لأنها تنتمي إلى الفن إضافة إلى كونها حرفة ، و الفن يحتاج إلى حاضنة اجتماعية ليعبر عنها و تمده هي بأسباب النمو و الازدهار . لقد أعادت الرأسمالية العالمية إنتاج مجتمعنا العربي بما يتوافق مع متطلبات التوسع الرأسمالي العالمي . فظهرت طبقة وسطى متعلمة متغربة تقلد الغرب في المأكل و اللباس و الطعام و الشراب و وسائل المتعة . و قد لعبت هذه الطبقة دور حصان طروادة بالنسبة لمجتمعاتها فعبر أفرادها ، الذين درسوا مناهج غربية أو في مدارس غربية، تسللت الثقافة الغربية إلى شرائح واسعة من المجتمع العربي ، ليست بالضرورة مستفيدة من التوسع الرأسمالي بل هي على الأرجح متضررة منه . لقد وضعت هذه الطبقات المتغربة جدول أعمال لمجتمعنا العربي لا يتناسب مع احتياجاته ، و اقترحت حلولاً لمشاكل غير موجودة بالأصل و لعل مراجعة سريعة لتاريخ السينما المصرية و بعض الموضوعات التي تناولتها يوضح هذه الفكرة . و بما أننا سنناقش هذا الموضوع في فرصة أخرى .فقط نشير فقط إلى موضوع حرية المرأة كما تناولته السينما المصرية و مفهوم عمل و تحرر المرأة . فكثير من الأعمال الدرامية التي تم إنتاجها في تلك الفترة تشير إلى المرأة العربية كخاملة تجلس في المنزل طيلة النهار بحالة عطالة و بدون عمل . لقد تم تصوير المرأة العربية بالصورة النمطية الشائعة في الغرب عن الحريم و الجواري ، حيث تجلس السيدة باسترخاء على الحرير و الدقمس لا هم لها سوى أن تتزين بانتظار عودة السيد كي تمنحه المتعة الحسية رقصا و غناءا و جنساً . تبنى عدد من الأعمال الإبداعية هذه الصورة النمطية و دعا إلى عمل المرأة و تحررها . متجاهلا أن المرأة العربية ليست خاملة لأنها في الريف كانت تقوم بالعمل الزراعي بكامله إضافة إلى عملها بالاقتصاد المنزلي ، أما في المدن فإن عشرات آلاف الأنوال المنتشرة في البيوت ، التي كان إنتاجها بدون مبالغة يفوق إنتاج مصانع نسيج ضخمة ، فهي من اختصاص المرأة . و كذلك موضوع حرية المرأة فقد تناولته بعض السينما المصرية من زاوية جسدية بحتة بحيث اقتصر على الحرية الجنسية ، أنا حرة لأتصرف بجسدي كما أشاء . أنا حرة لأصبح عاهرة . و تم اقتباس صورة العاهرة المتمردة من الأدب الغربي و تعميمها على مجتمعنا العربي . أما أبعاد الحرية الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية فقد جرى تجاهلها . و كأن الكتاب و المخرجين يقولون للمرأة أنت حرة فقط بأن تسلمي جسدك لأول رجل .....؟! لم يعد لخيال الظل مكان في المجتمع الجديد الذي صيغ قلباً و قالباً كما يريده الاجتياح الرأسمالي الغربي عبر وسيط محلي مبهور بالحضارة الغربية . لقد انقرضت الحاضنة الاجتماعية لهذا الفن لذلك انقرض هذا الفن . نحن هنا لا نقول أن هذا الفن كان يجب أن يبقى بصيغته القديمة . لكن لو أن الأمور تطورت بشكل طبيعي و منطقي لكان الاحتمال الأكبر أن يتطور هذا الشكل الفني إلى أشكال أرقى تناسب العصر الذي نعيش . و كنا قد كسبنا فناً مسرحياً ملتصقاً بالناس قادرا على التعبير عن هموم البشر في هذا المكان من الأرض بشكل جيد ... هناك احتمال مسرحي آخر هو فن الارتجال . إذ لم تكن تخلو مدينة أو قرية من مرتجل يقدم عروضه في الساحات العامة أو في المناسبات الاجتماعية . و يتميز عرض المرتجل بالمرونة إذ انه قابل للتعديل حسب رغبة الجمهور و حسب تدخله ، و أية فسحة صغيرة كافية لاجتماع حد أدنى من البشر تصلح لتكون مكاناً لعرض المرتجل . و أذكر في هذا السياق المرتجل الشهير ، الذي عرفته مدينة حماة و كان يقدم عروضه في الساحات و الأعراس و البيوت ، و يدعى فلوس . كان يشكل بمفرده فرقة كاملة فيرقص و يغني و يصدر أصوات آلات موسيقية من فمه ، و حسب وصف معاصريه كان يمتلك قدرات إيمائية عجيبة . و بعد أن ينهي عرضه كان يجمع ما يجود الحاضرون به . و أما مواضيعه فهي هموم الناس المعاشية و السياسية يتناولها ببساطة و سذاجة أحيانا ، لكنها سذاجة محببة للقلوب . كان يروي القصة ثم يؤديها مغناة ، مفسحاً المجال لتدخلات الجمهور سواء بالتعليقات أو عبر ترديد كلمات الأغنية . أما على الصعيد العالمي فالشكل الشهير للارتجال هو (( الكوميديا ديلارتي )) التي هي شكل شعبي أوربي أصيل استمر قروناً . تتألف الكوميديا ديلارتي من شخصيات ثابتة يؤديها ممثلون ثابتون ، فلكل شخصية ممثل واحد يؤديها طيلة حياته ، و عندما يتقاعد أو يموت يحل مكانه ممثل آخر . يعتمد عرض هذا النمط المسرحي على الارتجال و على قدرات الممثل الكبيرة و سرعة بديهته . لقد انقرضت الكوميديا ديلارتي هي الأخرى لأنها شكل شعبي حاربته الطبقات البرجوازية في أوربا . و نظرت إليه باشمئزاز لأنه يعبر عن روح الشعب . لكن هذا الفن يواصل الانبعاث مرة وراء أخرى فأعمال شارلي شابلن هي استعادة لهذا الشكل الفني . و آخر انبعاث للكوميديا ديلارتي هي أعمال الكاتب و المسرحي الإيطالي داربو فو الحائز على جائزة نوبل عام 1997 . و نحن بانتظار انبعاث فنوننا الشعبية الأصيلة مثل خيال الظل و المرتجل بأشكال تناسب العصر .
#ثائر_دوري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
القلق الذي يحيط بنا
-
غرينكا دخلت التاريخ و مغر الديب تنتظر
-
صور تصنع التاريخ و أوهام تصنع الصور
-
العملاء هم الأسرع اشتعالاً
-
عن العروبة
-
التصدعات التي خلقتها المقاومة في جسد الاحتلال الأمريكي للعرا
...
-
الوضع العام
-
بعد مرور سنة على الغزو أهداف و دوافع هذا الغزو
-
حماقات علمية و أخرى سياسية
-
دروس عملية تبادل الأسرى
-
عبد الرحمن منيف يكتب روايته الأخيرة
-
معنى أن تكون معارضاً
-
طالبان من أفغانستان إلى باريس
-
البطاطا و الفكر و أشياء أخرى
-
إيران إلى أين ؟
-
خيار البشرية اليوم : إما الهمجية أو مقاومة الإمبريالية
-
عام جديد و طريق جديد
-
وثيقة جنيف : كلما يأس العدو من كسرنا أعادوا له الأمل........
-
ديمقراطية الفكر الإبادي التلمودي
-
ثورة في جورجيا أم مجرد تغيير شكلي ؟
المزيد.....
-
هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية
...
-
بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن
...
-
العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
-
-من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
-
فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
-
باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح
...
-
مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل
...
-
لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش
...
-
مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
-
مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف
...
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|