أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رياض الأسدي - تلال القادم/ رواية فانتازيا: الفصل الثالث















المزيد.....



تلال القادم/ رواية فانتازيا: الفصل الثالث


رياض الأسدي

الحوار المتمدن-العدد: 2847 - 2009 / 12 / 3 - 00:27
المحور: الادب والفن
    


ما قَبل الولد إسحاق

لم يكن ثمة أي صوت في البداية: سكون مطبق عميق لا نهائي وخال من الهواء - إذا جاز لي أن أصف الحال بشكل غير دقيق- لكنه لا يشبه الأبدية التي قيل لنا عنها كثيرا أيضا: حرّك اليد اليمنى إلى الأعلى، وصمّ كفك الآن بقوة، كما يفعل أطفال المدارس المبتدئون عادة. جيد. أنت حيّ وموجود ويمكنك سماعي إذا: هذا شيء مفيد في هذه الوهدة الخانقة بالنسبة لنا جميعا. مفهوم؟ إسحاق الولد ألمخطوط المطيع موجود معنا؟ خاطرنا الآن إن استطعت. أرجوك. شكرا لوجودك معنا يا إسحاق، مازلت مهما لترتيب نثار المعارف، وها نحن نشعر بك كالسابق تماما، تحقق الاتصال أخيرا. هاللوووو إسحاق شكرا من القلب. أيها الولد الخلاسي المشاكس. ربما يساعد ذلك بعض الشيء على تفسير ما هو قائم قليلا: باهت ومليء بالبقع ككلب أجرب يركض وسط ركام المدينة. هل ترون ذلك؟ يحلّ التخاطر بعض مشكلات التعارف هنا ولا بدّ منه كوسيلة ضرورية للمعرفة. أما التوجس فحالة أعلى ولا تمارس إلا في طبقات أكثر دقة فقد كان (الإخوان) يمارسونها كأداة اتصال طبيعية بينهم ‘بان الحظر العالمي على نشاطاتهم. كلّ شيء يتبع الإيمان والمران الدائمين، والعادات المزدانة بالقبول، والولع بالتفرد. من أين أتينا؟ لم يعد ضروريا هذا التساؤل الآن؛ لكنه سؤال دائم يخفف الوطأة قليلا. ومن أية كوة نبعنا يا إسحاق، جميعا، ها هي تهجر بنا في كلّ مرة؟ وإلام سنؤول؟ وما المصير الغامض والقناعات الطائرة التي لا تعود بالكثير من التثبت غالبا؟ لم يجب إسحاق كما هي عاداته في "التغلس".
أرفعها الآن بشدة، برافو، هذه اليد العجفاء المشعرة، إيييي، عاليا عاليا، حتى تبدو واضحة للجميع، جيد جدا، ارفعها لنعرف أنك إسحاق! لا فائدة من ذلك أنت لا تستجيب بالسرعة الكافية؛ أرفعها من اجلنا فقط أيها الولد المشاكس ألمخطوطي. آفرم آفرم! أنت الوحيد الآن الذي تدرك أنك إسحاق من دون الجميع إنك موجود. يا للوجود الفض. ويا لها من خطوة: حظوة لا مثيل لها لو تعلمون - ثم حركها كبندول ساعة دقاقة اجل هذه اليد اللعينة "الفك". ممتاز. كراسيا إسحاق كراسيا! هل تستطيع ذلك حقا؟ ولد مغامر وتوجسي يصلح للعمل أكثر من الجميع هنا. تقدم واضح وفروق فردية. ياهووووو. لماذا تفكر ببيج بن الآن يا إسحاق؟ هه؟ سوداء وغبارية أحرقت كأنما صفعتها كفّ عفريت ناري طائر ليلا؟ ترى ذلك مثل فيلم خيال سياسي؟ مفهوم مفهوم. يفعل الولد إسحاق كلّ ما يطلب منه بشكل سلس الآن وهو غير متعِب حقيقة؛ وهذه ميزة قلما توفر عليها احد من هؤلاء المحشورين عنوة من ذوي الروائح التي تشبه إطارات محترقة وسط المدينة. كان يريد هذا الفاشل منذ زمن طويل أن يدون كلّ شيء من اجل لا شيء، بيده المرتعشة، وقلبه الضعيف، وعيونه المغمضة: لا يكتب تاريخا؛ ولمن يكتبه؟حدثني من لا أتهمه في نقله، ولا في شخصه، وفرش المخطوط على الأرض، لأول مرة، وصاح: تنبه تنبه البحر البحر يا إسحاق! يهمي بالحرائق وكلّ شيء يأتي من البحر هذه الساعة يشقه شقا هادرا؛ علامة شر حتى يثبت الضد من ذلك.
وكنت قد استيقظت في يوم سخامي من أبريل، بعد قيلولة رطبة ومزعجة، فوجدت نفسي محاطا بالحرس المغولي المدجج بالفناء العام، والمدينة تغوص بالزوال: قلاع مهدمة ومارستانات فارغة وحمامات تعجّ بالمرعوبين الذين قرروا أن تسفك دماؤهم مع ماء السباحة وليس في أي مكان أخر. وكان سوق الوراقين يحترق والدخان يملأ السماء: النار والريح تعصف بالمدينة كلها؛ كأن يدا من شرر سماوي عبثت بكلّ شيء على حين غرة؛ لكن القيامة لم تقم كما توقع كثير من المصطفين للذبح عند جامع الخلفاء. والشبابيك الخشبية المزدانة بالزجاج الصيني الملون تذوب بقوة علوية غامضة، فتلتهمها كأنما ثمة فم سماوي يقضم كلّ شيء بقوة وفي لحظات متتابعة: تتبعثر الكتب والمخطوطات وكتب القرآن في السوق؛ ويتصارخ الناس الأطفال المذعورين وكما هو مكتوب في المخطوط الستين عندي تماما: أرض سواد لاصف موقوفة، كانت، قيل أن أفتي بعدم جواز الصلاة فيها لكني أصلي صلاة الخوف الآن: ركعتان من قيام. والحيطان تسيل بالدمى في القصور الفارهة والأمير سكران يتقيأ في المحراب: يلد دودا أبيض متطامنا: خرائط ما يكون دائما والرأس المقدس وسط طست من حديد من جديد يتلو أي من القرآن. والمؤذنون صمتوا وجويرية عارية تباع في سوق الغزل ينزّ من ظهرها دم قان: منارات تتهاوى / غبار ذلك العصر فبكت الجويرية وخمشت خديها: قافلة سبايا والحديد في العنق وسلاسل تطوق اليدين والقدمين: عصرئذ اصطبغت الأيادي بالأرجوان وفضاء المكان أزرق ازرق. بكيت بلا دموع: آذان / قرقرة نرجيلة دود أسود على الخدين يسير ببطء. ولم تكن النهاية. للملوك محل، ومُناخ للقارئ الصياد وللبكاء؛ وما أنا بقارئ بعد عصر ذلك اليوم ولا متعبد في كنيف ولا معتزل: متلفع بردي المغربي، وقادم عبر بحر الهزائم، هارب من ملوك الطوائف، والجويرية عارية صبغت مهبلها بالحناء وكذلك لحيتي، وما بكت السماء مذ كانت صفحة لازوردية إلا في هذا العصر. اوتدري ما بكاء السماء؟ دما فأعصرت، وكلّ شيء ملآن الآن؟
وكان ثمة كوة بيننا يمكنني من خلالها أن أحادث بعض الحرس المغولي بسهولة، وجويرية تختبئ في ردائي متكورة. وعلى غير ما أعتاده أهل بغداد الذين اصطفوا ذيولا لضرب أعناقهم وهم صامتون صمتا غريبا ولا نأمة واحدة: خشب مسندة تسير ببطء مشوب تحذر دائم. ولم يكن بيتي ذلك الذي تكلمت منه فلم أجد طعم منزل منذ أيام الواثق: كان قصرا صيفيا للمستعصم بالله العباسي على نهر دجلة أشعل الجند المغول النار في أطرافه فبدا كومة من الأحجار الملطخة بالسخام، فدخلته هربا منهم في البداية هم من ظنني من رعايا المنزل. وفي غفلة من الزمن عجيبة ركبت برذونا متبجحا كبيرا إلى الخلف يدور بي وسط المدينة لمدة سبعة أيام: هكذا أمر قاضي قضاة المدينة في معاقبة المنجمين، وجويرية تركض ورائي صارخة بصوت مبحوح: إسحاق إسحاق! كانت عقوبة سنوية في عدم تملك المشعوذين دارا. وبالنسبة لي لم يسبق لي أن امتلكت دارا أو سقيفة قش في هذه البلاد الكبيرة كلها. لم أكن مهتما إلا لحاجتي للتبول في مكان ما من القصر المحترق. وصاح (بغا) قائد المغول في مربّعي الفنائي: أنت يا فتى! تعال!! ما وراءك؟ فقلت: دعني أبول أولا يا بغا، ماذا تريد مني؟ فبلت في زاوية دخانية معتمة من القصر، والبرذون متوقف ببابه – وجويرية مختبئة في ردائي - غير عابئ بالنار والريح والجند وما يحدث لأهل بغداد؛ وبغا يطاردني بسيفه صارخا: أين أنت أيها المتفلت؟ قف! دعني أرى ما بحوزتك.
- أتوقف؟ تريد مني ذلك؟ حاول أن تمسكني إذا!
- أجل! إني آمرك!
- ما الذي يضيرك أن أبول وأدون ما كان وما سيكون؟
- لم اسمع بك من قبل.. ماذا تدون عنا أيها الساحر؟
- لم أكتب شيئا بعد.
- معقول؟ وماذا في جوفك هذا؟
- جويرية!
- جويرية!! دعني أراها.
- كلّ شيء مكتوب عندي..
- ولد بغدادي مجنون! أدركوه أيها الحرس!
- تمهل قليلا! لماذا أنت مستعجل على حزّ رأسي؟
- لن أفعل ذلك بمنجم قط، لكني أريد أن أعرف فقط.
- وماذا تريد مني؟
- طالعي!
- يا لك من طرن يا بغا!
- تعال!!
ها أنت تعرف من دون الجميع ما الذي حدث لكم جميعا. ممتاز. إسحق ذاتك من اجل ما تحمل أيها الولد ودع وريقاتك هذه معك، فأنت الوحيد المعول عليه وسط هذا الضباب الكيمياوي الكثيف الآن. حسنا. ارفع يدك الأخرى. ممتاز. أخيرا. وانس جويريتك تلك فقد أستطاع بغا الإمساك بها فاغتصبها وسط جامع الخلفاء حتى ماتت تحته. هل كتبت ذلك في مخطوطك؟ واعمل بقوة أكثر، دوّن كلّ ما يمكنك تدوينه، كي تتمكن من معرفة مكانك من بين جميع المحشورين في هذا المربع من اكادوبا. لا تستطيع ذلك؟ حسنا. حال فقدان القوة أمر وارد في هذه الظروف. أأنت مبهور؟ غير مهم. اللمس هو الأفضل للجميع هنا كما هو مجرّب في إعلانات مراهم الجلد. لا يمكنك فعل الكثير بسبب خبر جويرية؟ هاجسْني إذا من اجل ذكرى مصيرها: هل كانت جويرية معشوقتك الوحيدة؟ ثم علمهم كلّ شيء كان من خلال هؤلاء النيام جماعتك؛ حدّق بهم جيدا ألا يشبهون الطناطل الكسالى؟ فرغم إن التعليم غير مجد كثيرا معهم في هذه الأحوال، لكنه محض محاولة للاطمئنان عليهم. آه لا يستحقون الالتفات منذ عهد بغا. هل تتفل؟ هؤلاء النيام التاريخيين، المساطيل؛ الأخخخخخخخخخيون هل يمكنك رفسهم الآن؟ أرفس بقوة ولا تبالي. لا تستطيع ذلك أيضا؟ مؤسف جدا. جماعتك لا يتعلمون إلا بالرفس وحده. لماذا انتم من دون الناس هكذا؟ وتعلم كلما اشتقت إلى معرفة شيء ما فاصرخ: جويرية!؛ او لا تقول شيئا أبدا. حاول أن ترفس قليلا مرة أخرى من اجلنا. قذارة مرافقة لك منذ زمن بغا. جيد. ها أنت ترفسهم وتتفل كما كنت تفعل معهم بالضبط: ولد يستعيد قدراته ببطء. هذا أفضل ما عملته منذ قرون على أية حال. ترفس بطريقة البرذون الفرح؟ ما أروعك، على راحتك هذا شأنك فالرفس أفضل تعبير هنا، ولا تسأل عن أشياء أخر تسيء لك، وتكدر صفوك؛ وتذكر أنك ما زلت حيا ولا أسلاف لك غير جويرية المغتصبة. أنت وحدك. من اجل ماذا تحيا؟ ولم لم تمت بعد؟ أيها الأخخي البليد - مثلهم- الموت حالة أخرى غير هذه بالتأكيد. غبي مثلهم تماما. لكنك أكثر رؤيا وأشد وطأة. ولا حاجة بي إلى توبيخك بعد ذلك. لأن الموت حالة أكثر تقدما مما هو موجود هنا طبعا. أليس هذا الأمر مفيد لك ولجماعتك ولنا في هذه المحنة؟
لكنهم (هم) من أرادوا استمرار هذه التجربة يا إسحاق لغايات غامضة في نفوسهم. فما أعمق أغوارهم! إنها ليست محنة على وجه التحديد، أبدا، هذه الكلمة مرفوعة من القاموس منذ مدة طويلة؛ هناك خطأ استرسالي بيننا؛ إنها مجرد سقوط من عل إلى أرض لا قرارا لها. المحنة: شيء أخر مختلف لو تعمقت قليلا. ولكن من أين لكم التعمق وأنتم زبالة العالم؟ اجل Recycle Bin الآخرين دائما: أمم تقليدية مثل نمل لا تحسب للقادم حسابا. لستم في برزخ أولي: هههههههههي! مازلتم في البداية وسترون ما يحدث لكم لاحقا. لماذا أنتم مستعجلون هكذا وترغبون بمعرفة كلّ شيء دفعة واحدة؟ كما أنكم لما تلجوا أية غيبوبة بعد. مهمومون بالمعارف الجاهزة دائما: ساندويتش ما بعد الغروب، ونكحة الكلب الطائر. جوارب ممزقة عند الأصابع ونهيق مسائي. ناموا ناموا الغيبوبات نعمة فضائية بالنسبة لكم وهي تمنحكم ما يكفي من الراحة. أنتم موجودون على الأرض مثلما كنتم من قبل. وهذه ليست نكتة من الجعل لو كنتم تدركون: أيها الطرون المتفيهقون؛ لم يحدث ما يسيء حتى تبدأوا بالقلق الأرضي. آآآه هل رفعتم كلمة القلق من قاموسكم أيضا؟ مبارك عليكم إذا. لماذا لا تلقون بالقاموس كله إلى المرحاض فتنتهوا من هذه المحنة كلها؟ لا مرحاض هنا؟ مفهوم مفهوم. يمكنكم فعل ذلك من خلال إدخال رؤوسكم في أية بقعة مناسبة أو غير مناسبة وبقوة؛ ثم تقيئوا كل كلماتكم حتى النهاية: هكذا يمكن التخلص من السموم الكلامية هنا. صدقوني هذا أفضل شيء بالنسبة لكم في هذا الحشر: عووووع عوووووع عوووووع! شيء مفرح أخيرا يا إسحاق. حاولتم من جديد. وها أنتم تناقشون كلمة مفرح أيضا؟ يا لكم من بلهاء؟ ألم تتقيئوا كلّ الكلمات بعد؟ ألم يحن الوقت للتخلص من كلّ ما لديكم كي نتفاهم بيسر؟ آه لا تستطيعون ثمة معوقات أخر. هكذا أنتم دائما: عاجزون عن أشياء كثيرة ولا فائدة منكم، وهؤلاء الذين انتدبونا من اجلكم كانوا محض هراء لتسليتهم فقط: هاهم يراقبون كلّ شيء بعيون شبه مغمضة. بإمكانكم اختزال جميع الكلمات التي لا تحمل القدرة على التواصل عوووووع مرة واحدة؛ الفضفاضة والناقصة والزائدة عن الحاجة. بولوا من رؤوسكم مرة واحدة وستعلمون علم اليقين الذي فقدتموه وفقدناه معا: أن ليس ثمة ما يستحقّ العناء أبدا: مائة كلمة عملت الكثير وانتم كلّ كلماتكم عفاط برذون مريض. عليكم من اجل التواصل التفاعلي معنا أن ترفعوا كثيرا من الكلمات المعيقة بيننا؛ مثلما كنا في جوف الجدار، معكم، هوووو، من قبل: كلنا خرجنا من جدار واحد. ساعدهم يا إسحاق من اجل إدراك ذلك. طبعا من لم يولد من جوف هووو ليس أخا لنا. نحن الإخوة المتوجسون. هل تذكرون؟ لا تذكرون شيئا وحتى إسحاق صامت. اجل اجل الذاكرة ممسوحة تقريبا. لا حاجة بكم للولولة على كلّ ذلك البله في كلّ مرة نأتي بها للتحقيق معكم. هنا لا كلمات متعبات. وتذكروا أنكم مطمورون في خطاطات ستين يحملها إسحاق وحده. من إسحاق؟ حتى إسحاق ممحو من ذاكرتكم؟! آآآ..سسسسسس! ما هذا الذي يقبع فيكم! إسحاق صاحب جويرية؟؟
الجميع: ... عرضه!
رائع جدا! ها أنتم تعودون على قاموسكم الشتائمي المعتبر؛ أن تكون كلمات السباب والشتائم هي الباقية في قاموسكم تلك هي أمنيتكم الأولى. أنتم وحدكم: شرنقات كلمات ميتة: ذباب معلق من أقدامه بخيط عنكبوت. راهو الذي خطف الشمس لن يدعها أبدا: كتابات المخطوطي. وبغا يجمع الرؤوس وسط جامع الخلفاء: رأس جويرية في الأسفل ماذا تحدقون؟ ورؤوسكم انتم؟ موجودة طبعا. أنتم موتى ولا عدد لكم. مغول سكارى صخابون يعرفون ما يفعلون جيدا. فتحات حائط اللعبة أمامكم: مخاط عنكبوت متيبس قديم. واللعبة نفسها تمارس معكم غالبا. أما أنتم ف..أخخخخخخخخخخ بلا جدوى. جميعا: شمس غائبة ونهار مغبر عجيب. نموت وحيدين وطريدين وغرباء؛ لا مسوح ولا مساج، بل مسوخ محشورة في مكان واحد. ويصخب الفضاء حولنا: وشيش أرضي متصل يصم الآذان. ربما نعذب بهذه الطريقة من اجل حكمة غامضة لن ندركها أبدا: البحث عن بحار غامض على ظهره رسم صليب ذهبي: هو كلّ الحكمة التي نعرف او تلك التي لم نجرب او نحاول معرفتها. رفعتم كلمة حكمة من قاموسكم منذ وقت طويل؟ برافو: هذا أفضل بالنسبة لكم من اجل إدراك سرّ البحر.. لكننا لم نحصل على عقول مفيدة – كلانا- على أية حال من اجل إدراك معاني الحِكَم الضائعة أيضا: بلداء متشابهون ولا ميزة كبيرة لنا عليكم؛ ولو أردتم التحقق في أحوالنا وأحوالكم وأهوائنا وأهوائكم وعذاباتنا وتيهكم: ليس ثمة غير هراء قديم غير منظم؛ كلّ ما كان وما سيكون. مشوشون ومتذبذبون ورعناء. كلنا. ولا شمس بيضاء لنا جميعا: شمس غبارية وردية غالبا. وليس ثمة غير وشيش لا معنى له يغمر المكان. يعذبنا ويعذبكم هذا الوشيش. أليس من الجيد أن نعرف إن لنا مكانا ما في هذه الوهدة ويمكننا التواصل من خلاله؟ هذا كلّ ما تبقى من أصل اللعبة كلها. هل نحن مخلوقون؟ دعوهم يراقبوننا وهم نيام. ألا تعلمون بوجود ثمة لعبة تدار؟ ماذا تفعل أنت يا إسحاق؟ أيها ألمخطوطي اللعين هاجسهم قليلا بمصيرهم. ماذا؟ رفعوا كلمة المصير من قاموسهم؟ فقدان المعنى أكثر العذابات جرأة علينا. لماذا نحن نتواصل بهذه الطريقة من دون الناس؟ وهل بقي ثمة أناس نتواصل معهم؟ بعد مدة طويلة تصعب فيها معرفة هذه الحيرة الغامرة: طلسم وجودنا معا؛ عرفنا أنه مجرد وشيش طبيعي لآلة ما كانت تعمل في التجربة نفسها، كما يحدث على الأرض، هناك، تماما(زز..ززز..ززز..ز..زززز) عندما يصاب احدنا بمرض الصمم التام يكوّن الوشيش توهما موسيقى دائمة لعود شرقي من مقام الحكمة: مقطع جانبي غير مكتمل يختلط بصورة صوت مضخّم – هكذا يمكن أن نخمن في الأقل - يصعب معرفة كلماته لكننا نحاول فكّ رموزه بصعوبة كنقوش كتابية قديمة على حجر، فنفشل في كلّ مرة. ربما يتكلم بلغة شرقية صامتة ميتة قديمة أيضا. آه نعمة الكلام أخيرا. صوت حقيقي: كانت النبرة حادة أحيانا. غير مهم. تخمين في محله. برافو برافو. لا احد يدعي بعد ذلك أنه كان المفتون فتونا بالأشياء المعروضة والمسموعة والمصورة والغريبة في شارع الملكات المحمومات: الأصوات هي ما تكون في القَبل دائما. تعلموا ذلك من جديد: وحشة الفقدان الجماعي لما نسمع، وتجاربنا السابقة معا تثبت ذلك. لماذا نحن معذبين حكاما ومحكومين؟ بغا وجويرية؟ هم ونحن؟ الخارجون والذين لا زالوا في جوف الجدار؟ الموتى والعالقون والأحياء؟
وحينما بدأ ذلك الأزيز الخفيف المتقطع من جديد انتابنا فرح غريب ما: زز.. ززز..ز.. زززز..زز.. بدا كلّ شيء على غير ما هو عليه. هاللويا. من الصعب التأكد انه مكان ما نجلس فيه؛ رغم ذلك ليس ثمة ما يقلق حتى هذه اللحظة- هذه كلمة تدخل قاموسنا لأول مرة الآن ولم تكن موجودة في عهد الوشيش. لم نسقط هكذا وحدنا في هذا الآتون؟ وهذا الأزيز المتقطع هو المعول عليه في جميع الإجابات: زززز..زز..ززززز بعد مدة من الحشر المضني لنا؛ هنا؛ كان بالإمكان سماع هذه الأزأزه وهي تتصاعد متسرّبة من فضاء قريب. أهم شيء تحديد هو المكان بعد هذه الرفاهة المفاجئة: خطوط الطول وخطوط العرض والدوائر والتماس والمدى: الأبعاد كلها بعدا واحدا حتى هذه اللحظة. لكنه بعض التحول المترآي. شكرا لكلّ من ساهم في التخفيف عنا في هذه الحقبة المطمورة. وشكرا للجالسين في نهاية القاعة؛ ممن يرقبون ويسجلون كلّ شيء. نعرف ذلك جيدا. المسؤولون. لا يمكننا أن نراهم لكننا نحسّ بهم: هاللو! زز..ززززززز..زززز..ز المهم إن المكان لا ينتسب إلى سقر ذي الرائحة الباعثة على تقيؤ الأحشاء. وهذا أهدأ. الآن. وربما أجمل. وأعقل. أخيرا. العداد لقناني الكوكا كولا المجهز بأرقام لاتينية لا تفلت منه قنينة. مهتمون بالدقة: علم إحصاء متقدم لا تفلت منه قنينة واحدة لكنه هذه المرة جاهز لعدّ الجثث فلم تعدْ ثمة أهمية للمشروبات الغازية المصنعة محليا أو المستوردة من وراء البحر: جثثٌ سود مدخّنة تبخرَ الدمُ الصباحيّ منها مثل فقاعات ما بعد الكسر يعدّونها عدا ويرصفونها رصفا ولا خدوشَ على الجلد الزجاجي اللامع: LTDيصعبُ معرفة هويتها. تتحرك بسرعة فائقة؛ القناني الفارغة الذاهبة إلى لاشيء: جثثٌ غادرت توا جثثٌ في الانتظار كانت (ساحة الطيران) ضاجّة ودكاكين بيع الجملة للمشروبات الغازية سوداء مبهمة وكلّ من كان فيها بلون الشفق لكنها الآن: غروب إلهي (ذ.م.م)! ربما هبّت عاصفة ما أو مرّت كفّ عفريت عليها أو وضعت قبالة عداد ما: جثثٌ سائرة على سكة حديد من يمكنه إحصاء كمية الموت فيها تك تك تك وليس ثمة غير تك تك تك
تك تك
تك تك تك
تك تك تك تك تك!

تتكتكون فقد ظهر بعض التحسن علينا بسبب الأزأزة والتكتكة. هالله هالله. مبارك وجودكم معا. كان برهوت معنا- شكرا لوجودك معنا- ها نحن نسمع شخيره وشهيقه وزفيره الصوري وسطنا. لا يفارقنا برهوتنا. ولا يمكن التأكد من كلّ واحد منا بالضبط: عدادات القناني الزجاجية معطلة في معمل المشروبات الغازية القديم الجنوبي. علامة طائرة مغيرة على سطح البناية البيضاء الكالحة تشبه ذيل فانتوم. وهو برهوت بلحمه وشحمه يتقافز فوقها. معنا. وبغا يصرخ بالجيش المغولي: أن أسرعوا بالالتحاق بي. نحن المتشابهون إلى حدّ بعيد، هنا، المتكتكون في معمل واحد؛ مثلما جئنا لأول مرة من جوف الجدار ننطلق من جديد.
ليس مهما التأكد من شيء بعد ذلك، فقد أعتدنا من قبل على هذه المهمات. مكسور طرف العلامة من جهة اليسار. البعد الرابع لم يدخل قاموسنا أبدا. لا بعد بيننا؛ نحن الملتصقون كساندويتشات مساء بائتة. خدعة الآتي. والصعوبة لا تكمن في النظر المتلصص إلى خطوط التماس للأشياء المتشكلة هنا؛ بل في العيون التي تتفتح قليلا قليلا وسط رمص تاريخي أصفر يشبه مادة لاصقة لبلاستك متكسر. زززز. زز. زززززز. ز.ز.ز.ززز: الباعث الأول الذي فتّح كلّ المغاليق القديمة: أبواب الصناديق الحديد، وأفران الغاز، وأقفال الغرف التي لم تر الشمس لحظة، وأبواب النار. ليست الحالة مثلما يمكن أن نرى بوضوح عادي. ولا تتعلق المسألة بالرؤية وحدها. ثمة صعوبات متراكمة لا نستطيع البوح بها؛ الرؤية من أكثر الوسائل بلادة. ما كان هو الأصل مفقود في ملفاتنا. لكننا لا نستطيع شيئا: مقمطون بسلاسل حديد ضخمة غير مرئية. معذبون بالسوية. عجائب البلاستك البشري. صوت أزيز أرضي غير مخادع. ها قد بدأ ما يستدعي الاستمرار أخيرا. مرحى لنا. فبكت منشم بصوت مسموع وعوت حيونه والبنات الناثرات الشعور وبقية الرهط من الناجين لأول مرة في التاريخ الحالي: مدن مخربة ودخان. صهيل خيول. سنابك متعثرة. لحظة احتقان النخيل بالدم السماوي. مغروز حتى العمود الفقري رمح بغا. ذاك. لكننا نخبُ في الأرض ممغنطين مبهورين بالنصال الثابتات في أجسادنا منذ قرون: نراها ولا نحاول اقتلاعها. وسحب ثقال غير مسخرة ترمي بكرات نار وتعبث كما تشاء في الأروقة المقابلة لنا. أين نحن؟ عالقون عالقون. وفي أية طريق نسير؟ وكم هو عمرنا؟ مائة ألاف تسعة وواحد وتسعين بعد الصقر. وإلام المصير؟ كانت كلمة المصير من أقدم الاستعمالات في قاموسنا: ظلمات متراكمة فوقها ظلمات كطيات عباءة نسائية في بحر هائج. وكانت الشمس تختفي وراء غيوم كونية متراكمة كطيات سجادة سماوية ضخمة مصفرة مائلة للاحمرار، أو محمرة مائلة للاصفرار. لا سماء قريبة يمكنها التكلم بما تشاء من اجلنا ومن اجلها بعد ذلك. صمت غير الصمت، وسكون مفجع غير السكون، ولا أحد يهتم تقريبا. يمكن للسادة المشاركين في التجربة الاستماع جيدا إلى بعض النتائج المترشحة عن أخر تحليل علمي زززززززززززززز! وكلّ ما في الأمر هو هذا الأزيز. لاعزاء لما يأتي وما كان. الآتون والذاهبون ممغنطين. الصيادي؛ صاحبنا، في الرهط، موجود إلى جانب برهوت، وهو يقأقيء بصوت دجاجة خيبر كعادته. متلازمان كما كانا دائما. هل نسيتموه؟ تكرهون الدوام لكن هنا من اجل التذكير فقط. ما أضعف ذاكرتكم: ذلك المولود معكم من جدار الصحراء المتوحّد، أوهوو!؛ الدعي الذي يعلن أنه يعرف كلّ شيء واللاشيء، وما قبل وما بعد الشيء. المهذار الطنطون الكبير. كم انتم نسّائون أيها المحشورون هنا؟؛ الذي صاح بالسيارة: أزب لا تصعد يا مولانا! لكن الرجل الكبير صعد وشغل المحرّك سائق ارمني ببرنيطة سوداء وسط هياج أسطنبولي. كانت واحدة من عجائب الدنيا ما قبل الرجمة، وكنتم تقفون على جانبي الطريق السلطاني مشدوهين صارخين: يا حيّ أحضرنا .. مدد.. مدد.. كان الصيادي والسلطان وإسحاق مخطوط: الذي يكتب ما يحدث من عجائب العالم ويدون ما حدث، يقف بعيدا حاملا قلمه الذي يشبه منارة مثلومة من أعلاها، والجمهور السلطاني الضاج بالصياح: لا تصعد يا مولانا!. وقد حضر للمشاهدة الصباحية الفائقة الدهشة يومذاك الأميرات من الشرفات والمحضيات والمخصيين في الكوات الخاصة؛ رأوا كلّ ما كان تقريبا والكائن الحديد يزمجر بمولانا السلطان. لماذا أنت ساكت يا إسحاق ولا تقول شيئا؟ أين مخطوطك الأثير هذا وقتها: دوّن دوّن: شيطان الفرنجة في دار السلطنة. إسحاق يبدو أنت "بوخه" من بوخات السلطنة أيضا؟ ماذا تدون يا صاحب جويرية بعد ذلك ها قد أضحى كلّ شيء مكشوفا؟ كان إسحاق مثلكم يعاني من صعوبات في النطق أيضا؛ هذا المتحذلق الذي يرطن بلغات الفرنجة كلها تقريبا، يعاني من صعوبات في النطق منذ ألفي عام. ستون لغة بالتمام والكمال أدركها منذ أن ظهر على سطح البرية؛ والصيادي يسمع منه ويفسّر لمولانا السلطان الأحلام الدولية الإفرنجية التي يحلم بها وقت القيلولة بالتركية الإسلامبولية. وكان إسحاق مفسرها وناقلها الأول. هل تذكرون: هووووورررييه! هوووووررريه!!؟ ذاك يا مولانا كان أول من دقّ المسمار في سفينة الاستكشافات لحظة كشفت عورتك السمينة: ذو الدرع الجلدي المزدان بسلاسل الحديد والزرد اللماع، يضع على رأسه قبعة ذيل الثعلب، (العنتيك): صاحبنا العتيق الذي خرج ذات مساء فريد من جوف كتاب قديم رسمت على جلده صلبان ذهبية براقة، في مكتبة كاتدرائية قديمة - من الصعب نسيانه على أية حال - تكاد حروف العنوان اللاتينية السود أن تمحى عن جلد الكتاب بفعل ريح البحر، ورشقات الماء على الدرابزين الخشب المهتز للسفينة العابرة إلى المجهول؛ الذي يطلق صوتا متواصلا يشبه فتح باب قلعة قديمة؛ المستكشف الغريب الذي يدخن غليونا طويلا متسخا؛ تفوح منه رائحة قنادس نهرية ميتة على الرغم من الدهان الهندي الذي اعتاد وضعه على شعره: كلما اقتربت منه رغبت بالابتعاد سريعا؛ المتباهي الدائم، يشاهد في أكثر من مكان من السفينة المتمايلة وهو يتلفت بتلك الطريقة التي تنمّ عن ارتياب دائم، الوسواسي المحترف؛ لم أتمكن من رؤية وجهه على الرغم من طول الوقت الذي تصرم معه؛ إنه يتعمد أن لا أعرفه من وجهه، يا للمحترس!؛ وحتى هذه اللحظة يلعب معي لعبة الاختفاء، كان يبدو ودودا، في حين شرع يلقي أوامره إلى بحارته بصوت محشرج: ارفعوا المرساة! اطووا الأشرعة، هل ثمة من شاهد نورسا قريبا؟ أيها الأبالسة لا جدوى منكم أبدا، أبدا، ثمّ صعد بنفسه إلى أعلى الصارية واضعا منظاره الطولي على عينه اليمنى، وصاح: نوارس نوارس! هاللويا! هناك أيها الصعاليك!! لحظتئذ بدأ بسلّ سيفه وهزّه بقوة صارخا من جديد: ها، ها، ها!! هاللويا! هاللويا!! ثمّ هبط من عل مسرعا، وأدار لي ظهره تماما هذه المرة، والسيف لما يزل على كتفه مستلا لامعا، كمن حقق نصرا عظيما غامضا عليّ وعلى قوة خفية كانت تحوم حول السفينة منذ بداية الرحلة، ثمّ أومأ لي بسيفه أن أقترب! فاقتربت من ظهره الذي يشبه جدارا رماديا من طين شرقي، وقال: قبل أن تدون أية معلومة عني الآن، أود أن أخبرك أولا: أن لا علاقة لي أبدا بكلّ ما حدث، وما الفظائع التي سترتكب باسمي غير خطايا لم ارتكبها قط ولست مسؤولا عنها، فأنا كما تراني - هل تراني جيدا؟ - مجرد بحار مغامر ولا شأن لي بما سيكون بعد ذلك، ولا أعرف ما جدوى أن أقول لك ذلك الآن، وفي هذا الوقت بالذات، ولكن من اجل علاقتنا الغريبة هذه، ولأنك آخر من صعد إلى سفينتي من دون علمي وهذا ما لم يحدث قط، ومن اجل سيفي وغليوني ومنظاري وخارطتي التي علمتك قراءتها تواً، ومن اجل إسطرلابي الأثير طبعا في هذا الكتاب؛ حدق!، هل ترى؟ هل ترى؟!، فقد قبلت أن تراني بهذه الطريقة أخيرا، تبرعا مني؛ وستكون الأخير على ما أظن؛ هيا قم بعملك كما يجب كأي بحار غير ماهر يستصحب للخدمة ولقضاء حاجات البحارة المبتعدين عن نساءهم فقط- آه، ما أكثر الوقاحة هنا، وما أقل الإخلاص، في البحر؛ أسمع لا أريد أن تكتب أي شيء عني؛ اسمع ما أريده فقط؛ وتعلم مجالسة الأمراء، أيها الصعلوك الشرقي!، ولن تمسك بقلمك حتى آذن لك، هل تفهم؟، أبله آخر يحضر المهزلة، هيا تعلم تقاليد البحر ياولد، هل هذا واضح بما فيه الكفاية أم إني سأضطر إلى تعنيفك من جديد بسوطي؟ بحار مشعوذ؛ هل انت مثليّ ؟ كلنا هنا مثليون تقريبا، هنا: هاللويا!؛ كلّ ما كتب أو أرّخ عني محض دعابات سمجة، صدقني، فانا أعرف الناس بنفسي يا إسحاق، هل تعرف نفسك أنت، ها؟؛ أنظر إلى أولئك البحارة الممسوسين وهم يرقصون فرحا بيابسة قريبة، ربما تكون جزيرة قاحلة، لكنهم يواصلون الرقص، هوووووه!؟ آووه، أسجل لك وحدك بلاداتي البحرية وسذاجاتي البرية، حماقاتي، هل تدرك ماذا يعني أن يسير المرء في نفق مظلم لا نهاية له طوال حياته؟ وليس ثمة صديق؛ هل تحسب تلك حياة؟ تلك واحدة من حماقاتي طبعا؛ السير في ظلمة لا نهاية لها؛ أما ما سيكون فلست مسؤولا عنه!- آسف إني أعنفك على هذا النحو الصبياني المريض، لكني وغد دائم، أنا، هكذا، مجرد صاحب طبل طبل :طبطططبطبطبطب! لا تضحك، دعني الآن استكشف ذكورتك، ستسمح لي، فأنت أحد بحارتي، حسنا، ممتاز!،ذكر شرقي عربيد، أنت من (المورو)؟(1) أيها المتلصص على البحر الأوربي الصاخب، يا صديقي، ما أقبح ألا يتعلم المرء بعد خمسمائة عام، أغفر لي صفاقتي، ورغبتي الدائمة في عدم رؤيتك وجهي، لي، عادات يصعب تفسيرها، عندي، هيه ماذا أفعل هكذا أنا، حسنا، بدأت تفهم؛ ولد طبّال!: منذ أن وطأت قدمي تلك الأرض الغريبة وأنا في حيرة من نفسي، أتطلسم؛ يمكنك أن تعدّني مريضا نفسيا، كما هي الاستعمالات في لغتكم، وفي عصركم، هل رضيت؟ أرجوك، ساعدني، واحتملني، فأنا لم احدث أحدا منذ نصف ألف عام، وشيش دائم يعذبني وهذه نعمتي الأولى منذ قرون، شكرا لأنك علمتني كم قرنا لبثت، يآآآآآآه، ما أعجب مرّ القرون، منذ غيابي؛ لشد ما تحملت بلادة أن يسمح لي بالكلام بعد خمسمائة عام، هووو!، يا لها من تفاهة؛ أن يتربع احدنا على عرش الزمن ويراقب و يراقب: مزحة ثقيلة كل ما كان، هل أزعجتك؟ آسف، أنا لا اعتذر حتى للسيدات، ربما تعدني جلفا، هذا صحيح تماما، يا له من عالم ماكر، أتدري منذ 1492 العام الأبله الذي جعل مني أضحوكة العالم كلّه، وحتى هذه اللحظة، وأنا مازلت أفكر: ما سرّ وجودي في ذلك التاريخ بالذات؟ الإجابات على أسئلة ماضية أسهل بكثير من أسئلة حول القادم؛ أما الآن فانا في محنة تامة، ما أتعسني وما أغباني!، وما أقل حيلتي في هذا المكان؛ وقبل أن تمسك قلمك وتسجل ما أنا فيه، أرجوك علمني أن أبكي ولو مرة واحدة في حياتي، من اجلي، من اجل العذراء، أنا، مجرد رجل حزين، فقط فقط؛ أما هذه الريح التي تشاهدها الآن، وهذه اليابسة فلا أفقه منها شيئا؛ أعترف لك وحدك أن ليس ثمة ما أجده مناسبا لأقوله الآن؛ اعترف لك من كلّ قلبي باني رجل مهووس بالمغامرة فحسب ولم أكن أتخيل أن يؤل الأمر إلى مثل هذه النتيجة خاصة مع بحارتي هؤلاء الأميين والمثليين؛ رؤاي هي التي قادتني إلى هنا، فقط، اجل، إياك أن تدون ذلك!، لا أريد أن يكتشف ثمة احد حالة ضعفي وانهياري أمام رجل من (المورو) أبدا، أبدا، وها إني أحذرك من جديد: لا تكتب شيئا، وتعلم أن تسمع، فالسماع أهم من الكتابة أيها التافه؛ ولكن ما جدوى التحذير بعد أن بدأنا؟ ها؟! كلّ ما كان وما سيكون قد تكور على رأسي مرة واحدة، يا لي من قبطان تعس؟ آآآه، لم أتخيل لحظة واحدة بان تلك الطبول سوف تقرع لي؟ كلها تتشدق باسمي، وكم هو قاس ومرعب أن يحدث ذلك بمثل هذه السرعة من الزمن؛ آآآه الزمن ثانية: من أبدع الزمن؟ ما الزمن؟ هل تعرف؟ أنا الذي عشت طويلا أجدني أغبى في الإجابة الآن؛ تماما مثلما أنت عاجز عن حفظ أسمي الطويل الذي يملأ نصف صفحة من الورق الطولي الملكي؛ وها أنت قد اختصرته بكلمة واحدة- إني احتج! هل يمكن أن تلصق باسمي صرخات الهووورره! المجنونة أثناء احتدام السيوف؟ كانوا أناسا بدائيين مسالمين؛ وتلك أبشع صورة بقيت تطاردني إلى الوقت الذي قابلتني فيه، تلك هزيمتي الكبرى على أية حال، أعترف بقوة؛ بالنسبة لي - صدقني- عندما هبطت من السفينة إلى اليابسة، ونبشت الأرض الجديدة بسيفي هذا لم أعرف باني فعلت ذلك من اجل الموت الذي جرى بعدي، لم أعرف لم فعلت ذلك في البداية، هل يمكنك أن تخبرني أيها العميق المخطوط في النفس البشرية - كما تدعي!- لماذا فعلت ذلك؟ طبعا أنت لا تعرف شيئا كعادتك على الرغم من انك ولدت بعدي بقرون وتعلمت الكثير، أنت غبي حقيقة!؛ حركت سيفي بفعل هاجسي: هواجسي كمستكشف؛ أيها الفصيح المورو! هل يمكنك أن تخبرني الآن ما بدواخل نفسي؟ لا لا؛ لكني أعرف ما بدواخلك أيها المراوغ: أنت تسعى إلى فضيحتي، تكتبني؛ ولا ادري ما الذي يمكن أن تجنيه من تلويث سمعة قبطان محترم مثلي؛ أعرف بأن الاحترام هو غيره مما درجتم عليه أيها المورو؛ لكني من اجل نفسي أعدك بالحقيقة؛ لا تهتم ، أبدا، أعرف نواياك المسبقة؛ كم أنا ذكي ولماح! ولذلك فقد أوصيت - أسمع جيدا- منذ البداية بحسن معاملة أولئك السكان البدائيين لأني توقعت تماما كلّ ما سيحدث لي وما سيحدث لهم في الوقت نفسه؛ حينما تطلق عليهم فوهات البنادق الدخانية أو تحز رؤوسهم السيوف حتى يسقط البيكوت والاماليش والانغوين(2) صرعى تباعا- أية حماقات اكتشفتها؟! يا يسوع!! أية مجازر ارتكبت باسمي وباسمك أيضا؟ نحن الذين أكلناهم قبل أن يتعلموا آكل لحومنا، ولم تكن يابسة كانت بحرا عميقا مغرقا؛ أي خلاص بالنسبة لي وقتذاك؛ كانت لعنة سماوية وستبقى تطاردني ما حييت اوووه يا إلهي لم لا أموت كباقي الناس؟؛ أووووه هل ما زلت مصرا أيها المورو الباحث في المخطوطات على رؤية وجهي؟ حسنا يمكنك أن تحدق بدنان الخمر الفارغة الايطالية وما تبقى من مياه قذرة في قعور البراميل الخشبية الزرق هناك؛ اليابسة كانت نجاة لبحارتي وعذابا مدويا بالنسبة لي، صحيح إني لم أعد أسمع بذلك الذي يتجول على سطح قمرتي ليلا حاملا منجله الذهبي؛ لكن المأساة كلها قد تأخرت قليلا فحسب؛ وهاأنذا ملعون في كلّ أنحاء الأرض ولا ادري لم لا يذكرون أولئك الممولين والتجار والأمراء الحالمين بالثروات القادمة من وراء البحر المظلم؛ الملوك والجغرافيون والقساوسة والمطارنة؛ كلّ أولئك كانوا مسؤولين عما حدث ويحدث؛ لكنه أسمي المختصر هذا الذي تناديني به- فقط!، اسمي ..... يقف شاخصا؛ فقد أوصيت وأوصيت وأوصيت خيرا بأولئك البدائيين المتوحشين السذج؛ بيد أن الوصايا كما تعرف أيها المورو لا تنفع دائما، ولا معنى لها بعد مرور الزمن - هاهو الزمن يلاحقني مرة أخرى؛ ففي أحايين كثيرة يسحق الزمن كلّ شيء، فالثروة والقتل والرغبة في فضّ بكارة المجهول أقوى من جميع الكلمات، وأنا لم يتبق لي غير مختصر أسمي....... تصور أيها المورو؛ كم أنا حزين إذ لم يتبق لي في هذه اللحظة غير العويل التاريخي الطويل، اكرر رجائي الحار، أنا الذي لم أترج أحدا في حياتي في عدم كتابة اسمي المختصر، أبدا والحيلولة دون ذكر حرف واحد عني: كانت أرضا سوداء تشبه النهاية غالبا يتطاير منها الشرر والدخان وسحب الموت في آن، والمغامرون لا يجيدون الاستقامة، وليس ثمة غير جزمة جلدية نجوس بها على غير هدى - هل انتهيت أيها المورو؟ لا نذكر شيئا مما كان. محيت ذاكرتنا تماما.
من قام بفعل ذلك حقيقة وكيف تمّ الاتفاق بين إسحاق والعنتيك؟؛ بالطبع لا يمكننا معرفته وحتى إسحاق فقد الكثير من مفردات الرحلة. لم يعد العارف بالأشياء. أما وجودنا في هذا المربع على ما نظن فهو من أكثر الأشياء غموضا بالنسبة لنا. ربما يمكننا أن نعرف شيئا من الصوت.. صمت مطبق الآن. غرق إسحاق بصمت أكثر من غيره، ولم يحاول أن يتثبت من شيء، على غير عادته - ربما كان الأزيز قد أزعجه بما فيه الكفاية.
انتم من الصعب تعليمكم منذ البداية أنها شمس شمس..شمسنا التي نعرفها من قبل لكنها ليست مثلها. هي هي، وهي ليست هي. شكرا لأننا تعلمنا ماذا تعني الصعوبة في الأقل: الكلمة الأنسب بالنسبة لنا: قرص ما يهمي من خلل عباءة كونية هفهافة تعجز في الإفصاح عن كينونتها. نعجز عن تحديد أي شيء. لا شيء سوى التخاطر بيننا. شكرا لهم لأنهم سمحوا لنا بذلك، ولولاه لما أمكننا القيام بشيء من اجل الجميع: السامعون للتقرير والمشاهدون له، والنيام الأخخخخييييون هؤلاء. فإننا لن نستطيع إيصال أي شيء لكم ما دمتم على هذه الحال ساعدونا من اجل أنفسكم. لا تستطيعون؟ ها؟غير مهم. شكرا ثانية، لأولئك الرحماء الذين يجلسون في آخر القاعة الوشيشية والموأزئزة لمساعدتنا من اجل أفضل صورة ممكنة للتجربة.
لا صوت سوى أزيز لذيذ يبعث صريرا خاصا في الأسنان. لعبة ممتعة أخرى صممت على عجل: كارتون موز جكيتا مسموم. لا كلمات بيننا حتى هذه اللحظة. التداول غير ممنوع لكننا فاقدون للأهلية. يصرّ برهوت محمد خالد الآتي من بلاد الزيتون أن يتكلم؛ يحاول فلا يستطيع، ويحاول من جديد فيفشل.. يفشل فشلا متواصلا في كلّ مرة؛ كان صوته في الإذاعة عمنبو سسسس ممم مممم كةلالاته ليلايتهلى.. لكنه الآن خشخشة جرذ. وهوي دائم يفتح الصدر للنهاية ويغمض العينين ويصم الأذنين تسد الخياشيم بالهواء السفلي الحار؛ وحتى بعد أن أزيلت كمية من الرمص كبيرة عن عينه اليمنى في حين بقيت اليسرى مطفأة بقي يهوي. يرغب برهوت بقول ما.. لكنه لا يستطيع بسبب الاندفاع الدائم إلى الأسفل. يمكننا أن نلمس "العار" فقط ولا نراه على جسده العاري: خصيته منتفخة وعجيزته ملساء. ما الذي فعلته بنفسك يا برهوت؟ وعلام كلّ هذا العناء؟ بررررررررررررر لغة الكلوبش يحسنها البرهوتيون عموما. يتبع برهوت جيش من المذيعين الدوليين مثل عش زنابير طنان. يلقي كلمته أخيرا على عجالة: ألخض لكووم تخربتي بهآآآزه الكلمات! ربما يحاول برهوت التحدث بالكلوبش أيضا في وقت أخر. بررررررررررر! هل تحاول؟ كم أنت عنيد يا محمد خالد، ما نفع كلمات ما بعد الهول؟ حسنا تذكرنا الهول أخيرا بسبب برهوت. ولكن أي هول هذا؟ ما حدث كان من الصعب جدا تذكره. وجاء مكبر صوت واضح مريح وإنقاذي أخيرا، بعد أن أزال الجميع الرمص عن عيونهم تقريبا: أجلسوا على طريقنا، ولسوف ترون الأشياء كما هي، ظاهرة باطنه؛ لذيذة كفاكهة منزلة؛ جاهزة؛ لا مقطوعة ولا مصنوعة ولا بائته؛ دائما وأبدا( هممممم!) معارف جديدة ومهمة في خدمتكم؛ ستنزلون منزلا حسنا عندنا، لم يسبق لكم أن حلمتم به في حياتكم الزائلة هناك؛ إذا ما اتبعتم تعاليمنا. هنا. ترتاحون و تنعمون وتتفكهون. تضحكون بملء أشداقكم: هه هه هه هه! وصاح الجميع على مضض: هه هه هه هه!!
وضعوا سروالك القديم على سارية طويلة تشبه حرفا ضخما من الخشب الأبنوس في لحظة جنون بحرية
أعلنوا من خلاله زمن الوقاحة والتطاول على البابا
في ليلة ماطرة ببول برذونات مجتمعين
مثليو البحر، وحدهم، كانوا يعرفون ما جرى من مهازل هناك: العين الساحرة المميتة لا ترمش وسط الأمواج الصاخبة
كانوا يدعون أنهم يروا أياديهم وسط العاصفة
قرروا في ساعة واحدة من طيش قرصاني أهوج بعد حفلة سكر عارم
من هيجان البحر
وبعد البرّ عن الظهور
بعد فقد الأمل في الحصول على نوارس صارخة
أن يصبح سروالك علما أبديا لهم
Black Beard
جميعا في الدلالة البحرية: الانتقام، العدالة، الرعب
وأن يموتوا من اجل البحث عن المغامرة
لكن أحدا من المترقبين
المصابين بوسوسة القادم الفارغ
غير معروف تماما بين البحارة
حاول تسلق السارية
على غير العادة
وسط ريح جبارة
فهتف الجميع: هوررره! هوررره!!
من جديد
وسادت موجة من الضحك التاريخي
الضحك مهنة الخاسرين الأبديين. المتوجسون متجهّمون دائما- قد يتبسمون في المناسبات الكبرى لكنهم لا يقهقهون أبدا. ليس مهما أن تتعلموا الضحك الذي يعدّ بداية للجنون؛ نحن أخوانكم المتوجسون (BG) في مؤسسة تحت الإنشاء في خدمتكم دائما! منظمة صندوق اكتشاف محل الإقامة الجبرية الاعتيادية. منظمة الرفاهة الكبيرة. وكالة الجالسون في الخلف(طيط طيط!) شركة طحين الآخرة. المراقبون للتجربة. مملكتكم ليست هنا. كونوا معنا من اجل كلّ شيء. وتعلموا بعض ما نقول؛ رددوا: لم كلّ ما كان مجرد مزحة؟ لم ما يكون هو الباقي وهو اللاباقي أيضا؟ وجع ما يأتي يفترسكم دائما وجع ما كان: يحول أعضاءكم إلى رماد تذروه ريح حارة آتية من جوف هذا البرهوت: صاحبكم المولود معكم. هذا.
نحن أيضا لا نجد غير الافتراس في قاموسنا. طبعا. فنحن مثلكم أحيانا لا نبدل الكلمات، ولا نكتشف كلمات أخر إلا بصعوبات هل تعتقدون أننا كاملون. واهمون. هذا صعب بالنسبة لنا أيضا. لكن الاحتمال ضروري جدا. ألا تعرفون استخدامَ الاحتمالات؟ تعلمتم أشياء أشد من قبل. وحان الوقت لتعليمكم أشياء جديدة أيضا. يا للألم ألتهديدي الملوح به دائما في وجوهكم في كلّ مرة: نزع الجلود وقلع الأظفار وجز الرؤوس وسمل العيون: مساكين أرضيون( صمت مفاجئ ثقيل مرة أخرى: غياب كامل لنعمة الأزيز)
معروف ذلك جيدا. مسموح بذلك. هل أطلق علينا الناس "المتوجسون" جزافا؟ لسنا على درجة كافية من التوجّس. لكنها محض كلمة للصفة وهي غير دقيقة. كانت تسمية من هووووووو؛ من اجل المساعدة الطارئة للمعرفة وللناس. الناس يا لها من لعبة غير معقولة ولا ممكنة بالنسبة لنا؛ كانوا يسيرون في الشوارع وكأن كلّ شيء ممكن. برذونيون. ولو كانوا من العارفين المنتقين كما أنتم عليه الآن لرفضوا المكوث في الشوارع طويلا. مهاجرون ممغنطون يسيرون على غير هدى. يظنون أن السماء غير حبلى بالمخاوف. والجبال راسخات إلى الأبد: طرون جماعيون مصطفون. لا يجيدون الاحتيال على الأشياء مثلما نفعل نحن الإخوان المتوجسون. لم تكن المسألة تتعلق بالذكاء طبعا، بل بالتوجه العام لكل واحد منا أنتم وهم ونحن. لسنا أمة واحدة( هيء هيء هيء هيء: ربما يكون نهيق حمار أرضي) وأنتم تدركون ذلك تماما؛ كنتم مثلهم: الأنوف معقوفة والأفواه مزمومة والعيون مغمضة بفعل الرمص؛ سائل أصفر يتدفق من داخلها يتيبس حال ملامسته الهواء العفن لما بعد الضربة العظمى: هذا هو الهواء الذي تعرفونه؟ ألم نقل عنكم برذون غافل ضلّ السبيل؟ ليس بسبب ضربة بيولوجية ما، أو من أثر تجارب محددة؛ لكنه النوم القروني الطويل" خخخخخخخخخخخخخخخ! عمى وعته. ماذا نقصد ببرذون غافل؟ تففففففف عليكم! السادرون في الشوارع المكتظة كمسارب النمل الأسود؛ لولا منة هووووو عليكم لكنتم صما عميا هوام لا إحساس لجلودكم ولا تفقهون شيئا. اباكم الذي احتضنكم في جوفه فلم يمسكم العصف ولا الريح؛ فبأي الإشارات بعد ذلك تكذبون؟! ولو كنتم من المدققين في نفوسكم وما تتوجسون، مثلنا؛ لرأيتم ما نرى ولسمعتم ما نسمع في الأقل ولأصبحتم بلا رمص تاريخي؛ ولكن من أين لكم النباهة؟ وأنتم ممن ينام حتى الظهيرة الحارقة وتلوّح أقدامكم الشمس التموزية البيضاء؟ ما أنتم حقيقة إلا نوّامين أصليين من عهد غابر طاحن. هل تذكرون؟ جئنا بكم من اجل تجارب وحدها. تنابلة معاصرون لنا لو تعلمون علن اليقين في نفوسكم الخانعة: أنتم غبار لا محل له في الإقامة الأرضية: وجع ما كان؛ للدقية الشديدة: تفففووو عليكم من جديد! كانت الأشياء تبدو ملطخة بمطر سخامي هطل توا: بصاق سماوي آخر: بصقة واحدة تكوّن بحرا أجاجا وجزرا سودا وأعماق غير مكتشفة. ربما كانت الأوضاع الهندسية سوداء قاتمة في بعض المناطق مما منح الرائي فرصة ما للتحديق المعمق. شكرا من اجل هذه السانحة المعرفية: لوحات من الفحم الغليظ المستعمل في المواقد الحجرية ذات الرائحة الحادة. تشمموا أخيرا من اجل معارفكم أنتم هههههههي!. تبدو جاثمة بعيدا كعوالم ثابتة يمكن التحقق منها. شكرا ثانية من اجل التثبت. رغم ذلك؛ من غير المجدي التأكد من شيء ما الآن: تشمموا كلبيا قليلا. تشمموا وتعلموا إن كنتم راغبين. رائحة كوبرا مشوية وسط ساحة عامة.
من الصعب تمييز الأبنية المقوضة، فقد تعرضت إلى قاصف من ريح في ليلة واحدة، أو نصف نهار مفجع. فظهرت من أماكن بعيدة مشتتة انطباعية النظرة الأولى؛ وكلما اقتربنا قليلا بدت مثل أكوام من كثيبات رملية متداعية تتخذ أشكال هندسية لم تستعمل من قبل ولم تدرس. هل ترون الآن مثلما نرى هههههههههي!! لوحات غامضة في مراحلها الأولى. أما الجسور المحطمة على الجانب الشرقي من النهر فقد كانت أشد قتامه؛ وهي تنحني بالتواء محير إلى الأسفل في تشكيل أخر غير مقلق. كانت عملية صهر متواصلة قصيرة حدثت على حين غرة فحولت الحديد إلى منصهرات لولبية متداخلة. ولم يكن ثمة نهر واضح كما يبدو، هذا ما تفترضه الجسور على أية حال. ولولا تلك الأعمدة الحديد الضخمة المعوجة مثل هياكل عظمية لحيوانات منقرضة غاصت رؤوسها عميقا لما أمكن التخمين الذي يشبه سكينا صدئة تلدغك في كلّ محاولة للتعرف من خلل فتحة واحدة.
حدّقوا حدّقوا!
ههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههي!
فتحة سماوية كبيرة تشبه النهاية، من الصعب على الرائي أن يخمن وجودها في خوذة لجندي بدأت من أسفل. جميع فتحات القتل إما جانبية أو من عل؛ تلك هي قواعد الحرب على أية حال كما وردت في كراريس التعبئة العسكرية. فتحة لا تصلح للتهوية أيضا. كانت الخوذة قد تدحرجت إلى مسافة طويلة نسبيا لتستقر في حفرة ما قليلة العمق؛ خوذة لجندي احترقت دبابته وحاول الخروج منها بلا جدوى، كانت النار قد حولته إلى تشكيل بشري ما؛ تجد جثته قد تدلت متفحمة مدة في أفق الأرض الحرام مثل كائن ما رسم بالحبر الصيني. كان من الصعب إنقاذه على أية حال. وما كان الإنقاذ يعني الكثير. كان حالة خاصة للنهاية يمكن مراجعتها؛ ومن الصعب تحويله إلى حروف.. فقد تحولت الأرض بعد مدة أخرى من الزمن إلى سخام خرائطي لا معنى له، حتى بات من الصعب التعرف على معالم الجثة من بعيد. ترى كيف يمكن لمصور حوادث معزّزة بالحالات الفاضحة للموت أن يستمر في مهنته التي تشبه إلى حدّ ما تسطير ما يرى أو ما يراه آخرون بعين أكثر بحلقة، وهو يحدّق بالموت اللحظي يسير في الأشياء كقطار هادر لا نهاية له؟ كان الجنود الرائون الموتى والأحياء في الخطوط الأمامية أكثر الرائين للهول الأرضي القادم. لا مياه على الإطلاق. ربما لم يكن نهرا أيضا وهذه الجسور كانت قد نصبت لشيء أخر. من الصعب التأكد من خرائط الجغرافيا القديمة أيضا، وعما إذا كانت تابعة إلى هذه المنطقة بالذات،على الرغم من الإشارة الواضحة لسهم الشمال؛ أنه كان شقّا طوليا عميقا حدث بفعل ضربة كبرى حملت إليه هذه الأشياء عنوة أثناء العصف. من يدري ما الذي حدث بالضبط؟ كلّ شيء ممكن طبعا. لكنّ العمارات البيض التي يفترض أن يكون لونها هكذا على الجهة الغربية من النهر كانت أوضح من غيرها على أية حال. وحينما اقتربنا من جوف النهر المفترض كان بإمكاننا مشاهدة إطارات سيارات محترقة وأكداس قنان فارغة وعلب صدئة وهياكل عظمية لكائنات غير مميزة. المعجزون في الأرض. السابقون. أولئك كان بإمكانهم أن يحولوا دون كلّ هذا الخراب. ليس خرابا ما تقولون: إذا أردت أن تعمر مدينة ما فما عليك إلا أن تخربها خرابا جميلا أولا. تعلموا من أفواهه ما يمكن أن يكون هوووووووووو لكنّهم كانوا يدعون المأمورية: غنما نحن مأمورون، ولا حيلة بيدنا. مم؟ مم انتم مأمورون أيها السفال الأرضيون المعتوهون في آخر البرذون؟ من هووووووو هذا؟ كان يصرخ بهم الإخوان في كلّ مرة، ولا جواب واضحا منهم: نبدأ باسم من كان له أسم؛ في جوانياتنا الباعثة للمعارف الجاهزة، فنجترح منها ما نريد من العلوم والأقوال والأفعال، مهندسنا الأعظم، ذاك، الطاوي المنوّر، الفريد في تكوين الغيوم النووية؛ نحفظ عنه ما كان وما يكون وهو الباعث المثمر فينا. الخندريس سايمون كارل (صياح ديكه ونباح كلاب بعيد يختلطان فلا يعرف الصوت الأعلى فيهما) لكنكم قوم تجهلون ما نحن فيه: طراطره بكلمة أخرى. نتعب أنفسنا في تعليمكم مقابل لا شيء. وهذا ما لم يحدث في أي مكان آخر. كان لمعلمي الألواح المسمارية وكذلك لكتبة قطع البردي أهمية ما. أما نحن فلا أهمية لنا أبدا. ومهمتنا تكاد تصبح مستحيلة. زز زززز زززززز! لم يكن أزيزا من النوع الذي خبرناه من قبل. ربما يكون صوت محرك طوافة أو ماكينة فرم لحم في مطبخ سيدة عجوز. وقد حشرنا في مكان واحد بقوة حتى كادت أجسادنا تذوب ببعضها أمام شباك واحد للرؤية مثل شاشة تلفاز كبيرة بالأسود والأبيض وسط هذا الأزيز القرف. من الصعب التأكد من ذلك لكنها كانت تمتاز بمرور غيوم متواصلة في كلّ انحناءة يصاحبها أزيز شديد أخر. ربما تكون هذه اللعبة التي تمارس معنا في كلّ مرة تسبق حالة ما تواجهنا في كلّ مرة نظهر فيها على شاشة العالم. لسنا متأكدين من أن ثمة ممارسات أخر جرت معنا. ذاكرتنا صفر. حدث ذلك الأمر كثيرا على الرغم من اختلافه في كلّ تجربة. ويريدوننا أن نعرف دون أن نتحقق من المكان الذي نقبع فيه؟ تلك طريقتهم في التعليم الجديد على أية حال. يا لها من متعة لهم.
وحينما كنتم تحاولون السير في شنين القديمة، كانت أقدامكم عارية متشققة بفعل المواد الكبريتية المنتشرة على طول وعرض شارع الاستقبال الملكي. جراء عاوية في كلّ مكان تقريبا. وهتافات غير مسموعة على الجانبين لأناس بحت أصواتهم وغارت أفواههم. صراخ: مرحبا مرحبا لم يعد مجديا. ما المصير؟ ما المصير؟ هو الباقي في الأجواف الفارغة وحده. لا ندري ما الذي جعلنا نحتفظ بكم كلّ هذه المدة وقد شغلنا أنفسنا بما هو غير مجد ومفيد ومثمر. أنتم لا تستحقون أن تبقوا كلّ هذا الزمن طبعا. لكنها تجارب هووووووو بكلّ جدارة من اجلنا ولإخبارنا عنا منا نبحث عنه أيضا. يا لنا من أغرار سذج. أشكروا هوووووو أولا لهذا البقاء المتأخر غير المبرر وكلّ ما أنتم عليه. قولوا: شكرا من قلوبكم. ش..ك...ر.. ننننننن! ممتاز. آفرم. لا قلوب لكم. نعرف ذلك جيدا. أولاد وبنات مطيعون ومحشورون من اجل هدف غامض. السيارة عنننننن الطائرة بررررررر الريح فييييييييييي اركض آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآ النوم هييي الحرب ووووووووووو هل تفهمون ماذا تعني الحرب؟ طناطلة؟ أوهو دخلنا في مشكلة جديدة معكم. كلّ ما حدث بسبب هذه الكلمة وأنتم لا تعرفونها؟ حرررررربء باء باء، الباء صعبة والحاء والراء حرررررربء حررررررررررربءءءءء: هل هذا واضح؟ قولوا شكرا مرة أخرى. عفيه!!. الحرب هي أن يقتل الواحد منكم الآخر دون أن يراه او يسمع به: كارتون موز خائس مسموم يسقط من سيارة UNUN مسرعة ويركض خلفه أطفال سود جياع. ماذا يعني هذا؟ هذه هي الورطة. القتل بابا القتل: أن تسحق الأخر حتى لم يعد موجودا في عالمنا. ماذا؟ أين يذهب؟ يذهب حيث يذهب. هل نحن وكلاء عنه؟! أوهووو! تريدون المكان الذي يذهب إليه؟ إلى بضر أمه! ماذا؟ أنتم لم تسمعوا بكلمة بضر من قبل؟ من أين أتيتم إذا؟ الجميع: من جدار. أيّ جدار هذا؟! هل تخرفون؟ ولدتم جميعا من جدار واحد؟ ولدنا جميعا من جدار واحد؟ أين هي الأمهات إذا؟
الجميع: هووووووو!!
ـــــــــــــــــ
(1) المورو: المسلمون
(2) قبائل من سكان أميركا الأصليين أبيدت جميعها.







#رياض_الأسدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عدميات
- صلاح شلوان:عالم الميناتور في ميسان
- تلال القادم/ رواية فانتازيا: الفصل الثاني
- الواقعية القذرة العربية.. آتية؟
- تلال القادم/ رواية فانتازيا: الفصل الاول
- مراجعات غير مطمئنة لعالم محمد خضير( محنة الوراق)
- لم يتبقَّ لدى نوح من ينقذه
- بانوراما ليل سعدي الحلي
- عجز مكتسب: قفص حديد امن البصرة
- على ماذا يراهن المالكي في الانتخابات القادمة؟
- زخرف: ملحمة ظهور محمود البريكان مؤخرا
- الأدب السرياني العراقي دليل مضاف على وحدة الثقافة العراقية ا ...
- تعليم الببغاء صوت إطلاق الرصاص
- عراق ما بعد الأربعاء الدامي.. ( المشروع الوطني العراقي) امكا ...
- اثنا عشرية آدم
- العراقيون في الداخل/ يستغيثون لتدخل العالم: scandl الأربعاء ...
- (خرنقعيون): لن تنفعهم كريما الوطنية
- الإسلاميون العراقيون: (جبل التوبة) وماذا بعد؟
- لا يصلح العطار ما افسده الاميركان!
- رماد قديم / نصوص لم تنشر كتبت إبان الحرب العراقية الإيرانية


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رياض الأسدي - تلال القادم/ رواية فانتازيا: الفصل الثالث