أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - سعيد مضيه - لا يطلبون سوى الإقرار بأن الفلسطينيين دخلاء في وطنه















المزيد.....

لا يطلبون سوى الإقرار بأن الفلسطينيين دخلاء في وطنه


سعيد مضيه

الحوار المتمدن-العدد: 2845 - 2009 / 12 / 1 - 14:44
المحور: القضية الفلسطينية
    



تحت قناع المبادرة السلمية طرح نتنياهو رواية إسرائيل للسيطرة على كامل فلسطين التاريخية؛ والذين ناقشوا الطرح على أنه مبادرة سلام ساعدوا في التضليل، وروجوا الرواية الفِرية. نتنياهو، السائر على خطى الداعية النازي غوبلز " إكذب واكذب فلا بد أن تجد من يصدقك"، يخاتل ويراوغ مركزا على الرواية الإسرائيلية ومؤكدا لما يزعمه الحقوق الإسرائيلية المتناحرة مع الحقوق الإنسانية للشعب الفلسطيني المعززة بالقرارات والمواثيق الدولية. يقصد من الإصرار على مواصلة الاستيطان في مدينة القدس وتهويدها التنكر للمقررات الدولية بشأن القدس. كما يقصد من الإصرار على التجميد المؤقت للاستيطان في الضفة الغربية التأثير على قناعات الرأي العام العالمي بصدد إنكار الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني في وطنه. والمصيبة أن الإعلام العربي والفلسطيني على وجه الخصوص، يردد باستنكار منذ عقود جوهر المشروع الصهيوني لإسرائيل العظمى " من النيل إلى الفرات" ثم يتعامى عن الخطوات الملموسة المعد لها بعناية من أجل تعزيز مواقع إسرائيل داخل فلسطين التاريخية، وينساق معها بسذاجة سياسية في أحايين كثيرة. يشارك في مؤامرة تغييب القرارات والمواثيق الدولية ويغتال بالصمت فتوى محكمة العدل الدولية التي تؤكد الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني.
حيال دينامية الفعل الإسرائيلي بلا كابح يبدو الرفض الفلسطيني أقرب للحوار مع المشروع الصهيوني منه إلى التمسك بالحقوق الوطنية . وليس غير هدير التحرك الجماهيري بشتى أشكال المقاومة السلمية ما يطغى على صخب الدعاية الإسرائيلية المقرونة بالعمل المغير للواقع. لكن الفصائل الفلسطينية تواصل الإحجام عن ولوج درب المقاومة الشعبية.
من خلال وساطتها المطعون فيها أفلحت الإدارات الأمريكية المتعاقبة في تثبيت الموقف الفلسطيني في حالة انتظار الذي لا يأتي، بينما عمدت إلى تغييب قرارات الأمم المتحدة، مثل قرار مجلس الأمن رقم‏252(1968)‏، والذي يدين إسرائيل إدانة صريحة، معتبرا "‏ كل التدابير والإجراءات التشريعية والإدارية التي اتخذتها إسرائيل،‏ بما في ذلك مصادرة الأراضي والممتلكات والتي تسعي إلي تغيير الوضع القانوني للقدس‏ باطلة".‏ وكذلك القرار المتخذ عام 1980عقب اتخاذ إسرائيل خطوات لجعل القدس الموحدة عاصمة لها ‏ مؤكدا أن هذا الإجراء الإسرائيلي يعد انتهاكا صريحا للقانون الدولي ولا يؤثر،‏ بالرغم من استمراره‏،‏ علي انطباق اتفاقية جنيف الرابعة لعام‏1949(‏ والتي تمثل الإطار القانوني لوضعية الأراضي المحتلة‏)‏ علي مدينة القدس‏.‏
وتتراكم الأغبرة على الإدانات التي صدرت عن المنظمة الدولية، ومنها إدانة مجلس الأمن في عام‏1994‏ المذبحة التي ارتكبت في مدينة الخليل في قراره رقم‏994‏ الذي تضمن فقرة تمهيدية تصف القدس من جديد بأنها مدينة محتلة‏.‏ وطبيعي أن لا تعير وزيرة خارجية الولايات المتحدة أي اعتبار لقرار الجمعية العمومية عام‏، 1997 حيث‏ أعادت الجمعية العامة تأكيد عدم شرعية الانتهاكات الإسرائيلية في القدس،‏ فأصدرت قرارا صوتت لصالحه‏130‏ دولة في مواجهة دولتين فقط‏، هما الولايات المتحدة وإسرائيل، و‏يؤكد القرار"‏ أن إسرائيل تشكل قوة قائمة بالاحتلال وأنها تخالف الأحكام الدولية واتفاقية جنيف في سياساتها الاستيطانية‏،‏ وأن القدس الشرقية مازالت جزءا من الأراضي المحتلة الخاضعة للقانون الدولي وأحكامه الملزمة‏".
وفي يناير‏2000‏ أعلنت الجمعية العامة بوضوح عدم شرعية قرار إسرائيل فرض قوانينها وولايتها وإدارتها علي مدينة القدس الشريف.‏

منذ عدوان حزيران تتصرف حكومات إسرائيل بموجب استراتيجية الضم الزاحف للأراضي العربية المحتلة؛ وهناك اتفاق بين الأحزاب الصهيونية كافة على خطة موحدة بشأن تهويد مدينة القدس ينتهي تنفيذها عام 2025. وفي تسعينات القرن الماضي ركبت الصهيونية اليهودية والصهيونية المسيحية موجة الصراع الحضاري المزعوم، الذي طرحه هنتينغتون من موقع ثقافة الامبريالية، وراحت تسقط وتغيب موضوع الاحتلال وتروج للصراع المسيحي ـ اليهودي ضد الإسلام . ونشطت جهود الاحتلال لتطفيش المسيحيين من فلسطين كي تؤكد موضوعة الصراع الحضاري . وشارك الجهلة من الدعاة وخطباء المساجد والوعاظ ويشاركون عبرالفضائيات في التركيز على هذا الطابع المزيف للصراع في فلسطين. ولدى إعلان إدارة بوش في الولايات المتحدة الحرب على الإرهاب انضم شارون إلى الائتلاف المعادي للإرهاب وحشر النضال الفلسطيني ضمن جبهة الإرهاب. وأفلح شارون بتكتيك عسكري إعلامي وسياسي، وبنهج مغامرغير مرشد من بعض أعدائه، في قلب موضوع الصراع من حقوق مشروعة للشعب الفلسطيني يجري انتهاكها إلى حق إسرائيل في الأمن.
وعندما قرر شارون تفكيك مستوطنات غزة والانسحاب من قطاع غزة أعلنها صريحة أنه سوف يتفرغ لتهويد القدس والضفة، ومضى في الحال ينفذ الخطة بين تهليل العالم ل "رجل السلام" شارون. أما بعض الفصائل الفلسطينية فانشغلت عن فضح ومقاومة المشروع التهويدي بالتبجح بنجاحها في " طرد" الاحتلال من غزة . ثم راحت في أوج حماسها، وقد صدقت مزاعمها، تسهل خطة شارون لإثارة الضجيج العقيم حول غزة وحصارها وتجويع جماهيرها لتوفير الغطاء لعمليات تهويد القدس والتوسع الاستيطاني بالضفة. وعادت تحت ضربات العنف الإسرائيلي تتحدث عن الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة؛ وبعد مجزرة جماعية مدبرة ومخطط لها اقتُرفت ضد سكان غزة تقبل هذه الفصائل بتهدئة الأوضاع في ظروف الحصار المشدد والتجويع المنهك . فأي تخبط سياسي هذا؟!
يقابل تخبط الإجراءات الفلسطينية غير المرشدة نسق منسجم متكامل من الإجراءات الإسرائيلية ترشده استراتيجية يلتزم بها الطيف الصهيوني بكامله تنطوي على تكتل المجتمع الإسرائيلي حول الآلة الحربية وإبقائها على أهبة الاستعداد كي تدخل غمار الحروب بين فينة وأخرى. يجري في إسرائيل مأسسة العنف ضد العرب، حيث تعمل ماكنة تعمل باستمرار لزرع المخاوف والشكوك والكراهية تجاه العرب بين الإسرائيليين. ويجري على الدوام إحياء عقد الإبادة ونفسية المحرقة وإدخالها في منهج التدريس،كما يجري تعميم ذهنية الأمن والولاء للجيش، صاحب "الاختصاص" في القضية الأمنية. لدرجة أن المحكمة العليا تلتزم بالأوامر العسكرية وتعتبر مصدرها "أهل الاختصاص". وقد لونت هذه التجربة الأليمة ردود أفعال الناس بين الخنوع والتحدي العنيف.
فالعنف العسكري أداة سياسية واقتصادية وثقافية لتكتيل المجتمع حول القوات المسلحة وتلبية احتياجات الحلف الاستراتيجي الدولي للحركة الصهيونية ودولة إسرائيل. في مقابلة مع جينيه شارب، أحد أبرز النشطاء المعاصرين من أجل اللاعنف، ونشرت في كراس تحت عنوان "نضال اللاعنف ـ تكتيك فعال للنشاط السياسي"، يقول: "سألت إسرائيليين من مختلف المشارب ماذا يحصل إذا ما تحول الفلسطينيون إلى اللاعنف. وبدون استثناء أجابوا: إن هذا سيخلق متاعب للحكومة أعظم مما يجلبه العنف". في الحقيقة والواقع تستدرج السياسة الإسرائيلية العنف من جانب الفلسطينيين وتستثمره لتنفيذ مآربها. إنه ميدان المواجهة المفضل لدى إسرائيل، وفيه تحقق تفوقها المطلق، ومن خلاله أنجزت لدى قيامها استراتيجية الحركة الصهيونية قي إقامة الدولة شبه النقية من الأغيار ثم توسيع رقعة الدولة وفتح احتمالات التوسع من جديد والحفاظ على علاقات متوترة وقابلة للالتهاب مع الجيران. وهذه ملابسات عسكرة الحياة الاجتماعية. واليوم تراود اليمين الإسرائيلي في مناخات العنف أطماع تهجير العرب من فلسطين. وهذا ما تنطوي عليه مطالبة نتنياهو الاعتراف بيهودية دولة إسرائيل:
يعني الاعتراف بيهودية دولة إسرائيل إجبار الشعب الفلسطيني والعرب كافة على تنكر غير مسبوق للتاريخ العربي في فلسطين اقتصاديا وثقافيا واجتماعيا، والتبرؤ منه، والإقرار بناء عليه بشرعية المجازر المقترفة لتطهير الدولة من سكانها الأصليين عامي 1948 و 1949، وسائر المجازر المقترفة بعد ذلك. إن ذلك يتناقض تماما مع حقيقة التاريخ العربي ، الاجتماعي والثقافي والاقتصادي، في فلسطين كافة والتي تحدد الهوية والانتماء؛ ويتجاوب مع الزعم الصهيوني المبني على الخرافات التلمودية بأن فلسطين تجمد تاريخها وسكن منذ أن فارقها اليهود، حتى النكبة وقيام دولة إسرائيل. ولعل الهدف الأساسي لمطلب نتنياهو هو حرمان الفلسطينيين الذين هجروا سنة 1948 من وطنهم من استمرار التمسك بحق العودة إلى أرضهم وأملاكهم، وإن كانت رغبة الفلسطينيين في العودة لا تعني القضاء على الطابع اليهودي لإسرائيل.

يلتقي المشروع الصهيوني في فلسطين مع العقلية الاستعمارية التي كثفت الجهود منذ بروز النزعة الاستعمارية في الغرب الأوروبي لانتزاع فلسطين من محيطها وتحويلها إلى " واجهة لحضارة الغرب" بوجه "البربرية العربية". فقد قفزت فكرة الدولة اليهودية إلى ذهن نابليون عندما استعصت عليه عكا داخل أسوارها ، وهو الذي ما استعصت أمام زحف جنوده مدينة اوروبية؛ فأصدر بيانه الشهير داعيا اليهود إلى الهجرة إلى فلسطين وإقامة دولتهم في فلسطين. وفيما بعد تعللت السياسات الاستعمارية لبلدان اوروبا الغربية للسيطرة على الموقع الاستراتيجي للمنطقة العربية بلاهوت الأصولية المسيحية المنطوي على ضرورة الهجرة وقيام دولة إسرائيل وبناء الهيكل الثالث؛ فأوصى اللورد بالمرستون وزير خارجية بريطانيا عام 1940 بأن تبذل السلطات العثمانية كلّ جهد ممكن من أجل تشجيع وتسهيل عودة يهود أوروبا إلى فلسطين، ليعقبه اللورد شافتزبري عام 1853، بنحت العبارة الشهيرة عن فلسطين " أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض ". أولى الخرائط عن فلسطين رسمها البريطاني كاتروود عام 1838 واستبدل الأقصى وقبة الصخرة ب" جبل الهيكل"، مستوحيا في ذلك خرافات التلمود. في عام 1838 أيضا تأسس تحت رعاية ملكة بريطانيا صندوق اكتشاف فلسطين، كي تكون له القوة والسلطة المعنوية. وجاء في وثيقة أهداف الصندوق إنه "جمعية تستهدف الدراسة الدقيقة والمنهجية لآثار فلسطين وطبوغرافيتها وجيولوجيتها وجغرافيتها العينية وطبائع وعادات الأرض المقدسة بغرض تصوير الكتاب المقدس، أي (تحقيقه على الواقع). وبدون انتظار معطيات الاستكشاف شرعوا إلباس شوارع القدس والهضاب أسماء منزوعة من خرافات التلمود كذلك. بدأ التنقيب في مدينة القدس تحت الأقصى عام 1867. شرعت الأبحاث الأثرية تنقب عما أسمته " مدينة الملك العظيم" و"الهيكل"، بقصد فرض الحلم والصورة التوراتيين.
أنجزت كل هذه الإجراءات ولم تتشكل بعد حركة صهيونية ؛ كانت لم تزل فكرة تراود أذهان دعاة التوسع الكولنيالي للامبريالية التي بلورها التطور الاقتصادي في أواخر القرن التاسع عشر مشروعا سياسيا أوروبيا للتوسع الكولنيالي.
في بداية القرن العشرين أثمرت الجهود المتواصلة التي بادر بها القس وليم هتشلر لجمع هيرتزل مع لورد بيلفور ودشن عهد التحالف الصهيوني ـ الامبريالي للسيطرة على فلسطين. ومنذ ذلك التاريخ تحول لاهوت المسيحية الأصولية إلى تيار فكري للحركة الاستعمارية، وباتت تدرس في الأكاديميات العسكرية وتتحول إلى قاعدة فكرية لقادة جيوش الغزو الاستعمارية. يجمع اللاهوت المبني على الخرافات، التي دحضتها الأبحاث الأثرية، بين عودة اليهود إلى فلسطين وإقامة دولة إسرائيل وإعادة بناء الهيكل؛ وبذا فالمطلب الثالث جوهري في نظر المسيحية الأصولية، الأمر الذي يوجب التصدي له بجدية وبلا تهاون.
وفي الولايات المتحدة انتعش لاهوت المسيحية الأصولية مع إرهاصات العولمة لدى بدايات تجلي الأزمة الهيكلية للرأسمالية وتركيز الرأسمالية على الخصخصة واقتصاد السوق وهدم كل الحواجز الماثلة أمام اندفاعة الرأسمال في أسواق العالم. برزت الحركة خلف ريغان وأوصلته إلى سدة الرئاسة ، ثم أعادت الهجوم مع بوش الابن ووجهت مجمل سياساته الخارجية والداخلية. وكانت المسيحية الصهيونية هي المبادرلوضع مطلب عدم الانسحاب من الأراضي العربية المحتة بندا في برنامج نتنياهو الانتخابي عام 1996. وتحرص الأكاديميات العسكرية في الولايات المتحدة على تدريس كتب المؤرخ الأمريكي برنارد لويس، المتساوقة مع لاهوت الأصولية المسيحية. وتآمر التيار الرئيس للإعلام الأمريكي مع خطة شارون أثناء ما دعي الانتفاضة الثانية فصمت عن جرائم العسكر الإسرائيليين وروج العمليات الانتحارية ضد المدنيين في إسرائيل. وبالنتيجة خرج العالم الرسمي بعد مجازر " الانتفاضة الثانية" يطالب بالأمن لإسرائيل ويتجاهل حقوق الشعب الفلسطيني. وبوسع المراقب رصد حملات دانييل بايبس، أحد أقطاب اليمين وركيزته داخل الحياة الأكاديمية الأمريكية، الذي نظم شبكة من الجواسيس للتبليغ عن كل محاضر جامعي ينتقد سياسات إسرائيل أو يتضامن مع الشعب الفلسطيني. لم يوفّر بايبس جهداً في تأثيم أوباما أثناء أطوار الترشيح والحملات الانتخابية؛ وهو يحصر العلاقات الأمريكية ـ الإسرائيلية داخل إطار الصهيونية المسيحية او المسيحية الأصولية! وبالنظر إلى أهمية مواقف اليمين الأمريكي المسيحي الذي يخطط لإسرائيل دورا أساسيا في الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط ، و يتبنى مواقف متشددة تبدو خيارات ساسة إسرائيل حمائمية تماماً إلى جانبها. وهذا يوضح أن السياسة الأمريكية تجاه الصراع في المنطقة تتأثر مباشرة بالصراع الداخلي للولايات المتحدة . فاليمين لم يستسلم وهو يشن الهجوم ضد أي تغيير في السياسات الأمريكية. هكذا تطور ترتيب القوى بصدد الصراع على فلسطين عبر المتغيرات الدولية وقيام النظام الدولي للعولمة.

تتحمل الفصائل الفلسطينية مسئولية إعادة الاعتبار للحقوق الوطنية المشروعة بموجب القرارات والمواثيق الدولية . وليس من سبيل لإسماع الصوت الفلسطيني في العالم سوى نهج المقاومة الشعبية؛ فصوت الشعب أكثر إقناعا من صوت المتفجرات، وأكثر استقطابا للنزعات الإنسانية والمواقف التضامنية، وهو الوسيلة والأداة لاستعادة الصحة النفسية للجماهير المقهورة والمصدومة بالهزائم وانتكاسات النضال. لا يجوز أن تنفرد الحملات الإعلامية التي تنفذها السياسة الإسرائيلية بالفضاء السياسي الدولي ؛ إذ ينبغي أن يرتفع هدير المقاومة الشعبية الفلسطينية بوجه عمليات الاستيطان وهدم البيوت وبناء الجدار ، وضد الدعاية الرسمية وغير الرسمية من جانب إسرائيل والتي تلقى الرواج عبر القنوات الإعلامية المنحازة للاستراتيجية الامبريالية .
كان مؤملا أن تلهب سياسة الاستيطان الإسرائيلية موجات تتعاظم باستمرار من الحركات الشعبية. فالمجتمع الفلسطيني يعيش ظروفا قاهرة يمكن أن تجعل منه رأس حربة النضال ضد الامبريالية ومن اجل إرساء النفوذ الجماهيري وتعظيمه في سياسات المنطقة. لكن المستغرب أن قادة الفصائل الوطنية استنكفوا عن ولوج خيار المقاومة الشعبية نظرا لأن الجماهير المقهورة أكثر ميلا إلى دوي العنف، رغم اتضاح ثمار العنف السياسي وأثره السلبي بشكل لافت على الحالة الفلسطينية . جرى التحريض ضد عبثية العنف المسلح كشكل للمقاومة دون تعهد وتنشيط المقاومة السلمية؛ فغدا الموقف تقويضا للمقاومة، وبات الانقسام في الصف الفلسطيني يمضي بين المقاومة بمضمون عسكري وبين استجداء الحل السلمي.
ان اغتراب الجماهير الشعبية عن تيار التغيير الديمقراطي الفلسطيني فد أضعف الطرفين وأدخل الجماهير الشعبية في حالات من اليأس وتبخيس الذات وورطها في الجريمة والتعلق بفنون التسلية وداء كرة القدم ، الأمر الذي دمر النفسية الاجتماعية وفاقم من اختلالاتها. في علم الصحة النفسية يشكل قبول إنسانية الإنسان المدخل لعلاج سلوكاته واضطراباته. وبينت تجارب الرجعية في ترويض البشر في ظروف الهزيمة والانتكاس أن ترويض الإنسان يتجاوز السلوك الظاهري الحركي وصولا إلى تشكيل الإدراك والأفكار والقناعات والعواطف ، بحيث يمثل امتلاك الإنسان من الداخل ، وعلى مستوى الوعي الذاتي وخبرة الحياة العملية المعيشة أعلى مراحل التحكم.
يتضح مقدار الهدر الوجودي الذي يصيب الشباب حين لا يشعرون بأنهم سادة مجالهم الحيوي وحماته وصانعو قوته ومنعته. يظل الشباب في مأزق فوق طاقة الاحتمال تعوض ببطولات زائفة في برامج تلفزيونية، من أمثال" سوبر ستار" و" ستار أكاديمي" ، وكذلك مباريات كرة القدم التي حولها الإعلام الموجه إلى دين جديد للشباب المحبَط والمهمش.
من الطبيعي أن يضعف هذا المناخ أحزاب اليسار ويهمش دورها في الحياة السياسية. يتجلى على نحو ساطع ضعف وهشاشة أحزاب اليسار وعدم قدرتها على تفعيل دورها كطرف رئيسي فى تعزيز عملية مقاومة الاحتلال عبر حركة جماهيرية تعزز دور الجماهير في الحياة السياسية للتمسك بالثوابت الوطنية وحماية حق العيش الكريم.
يتطلب الخروج من المأزق الراهن تنشيط المقاومة الشعبية وإعادة الاعتبار لفن الاتصال بالجماهير والتفاعل معها وسيلة لاكتساب ثقتها وزبادة وعيها بمجالها الحيوي وإنهاضها إلى العمل السياسي المثابر والمتصاعد. يبدو أن الفصائل السياسية ، وخاصة قوى اليسار قد أضاعت خبرة غنية للعمل بين الجماهير وتنظيمها في هيئات جماهيرية نقابية ومطلبية ورفع سوية وعيها السياسي، وذلك في ظروف تتسع حيالها دائرة النشاط الجماهيري لتشمل قضايا حقوقية وبيئية وأخلاقية، ثم قضايا الدفاع عن حق العيش الكريم والتصدي لسياسة التجويع والإفقار وجعل المعيشة لا تطاق كي تسرع عملية التهجير. إن استمرار حالة التدهور العام فى مختلف المجالات وتفاقم حدة المشكلات لاقتصادية والاجتماعية يؤدى إلى زيادة الاحتقان السياسي والاجتماعي، ويخلق بيئة ملائمة لتزايد معدلات الجريمة والعنف المجتمعي فضلا عن احتمال تكرر العودة إلى العنف المدفوع باليأس وانسداد أفق الخلاص. هنا تتطلب الضرورة تفعيل دور اليسار الفلسطيني في التركيز أولاً على مهمة التنشئة السياسية من خلال الممارسة العملية ، وما تطلبه من تثقيف الأعضاء الحزبيين وتربيتهم فكرياً وعملياً على قيم الممارسة الديمقراطية واكتشاف القيادات الشابة ودفعها للانخراط في صفوف الجماهير واستنهاضها إلى النشاط السياسي الواعي. هكذا يصبح بإمكان الأحزاب القيام بوظيفتها الطليعية. قيام الحزب بالتنشئة السياسية لأعضائه يقترن بسعيه للتنشئة السياسية فى المجتمع كله والتركيز على نشر الثقافة الديمقراطية بين المواطنين. وهذا يكسب النضال الفلسطيني السمعة العالية والتعاطف على صعيد العالم كله.



#سعيد_مضيه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محو التاريخ اوهام تبددها شواهد التاريخ الثقافية والاجتماعية
- إنهم فاشيون إرهابيون وليسوا مجرد متطرفين
- اليسار حركة وتغيير وليس مجرد تسجيل مواقف
- الاحتلال والتهجير والجرائم الملازمة هي عناوين الحالة الفلسطي ...
- هذا الجدل العقيم دخان يحجب ما خلفه 3
- هذا الجدل العقيم دخان يحجب ما خلفه-2
- هذا الجدل العقيم دخان يحجب ما خلفه
- إسرائيل إذ تمثل دور الضحية
- زوبعة أبو اللطف
- تخبط وارتجال ي مواجهة المنهجية المتماسكة والمثابرة
- من اجل فلسطين نظيفة من دنس الاحتلال وجداره ومستوطناته
- لقدس مجال تدافع ثقافي
- أوباما : بشير تحولات أم قناع تمويه؟
- خطة استراتيجية للتحرر الوطني الفلسطيني
- الجدار نقتلعه أم يقتلعنا(3من3)
- الجدار ..نقتلعه أم يقتلعنا(2من3)
- الجدار ..نقتلعه أم يقتلعنا
- المجد لكم يا حراس الأرض
- الدفاع عن الأرض دفاع عن الوطن
- علم النفس الإيجابي وبناء الاقتدار بوجه الهدر


المزيد.....




- -جريمة ضد الإنسانية-.. شاهد ما قاله طبيب من غزة بعد اكتشاف م ...
- بالفيديو.. طائرة -بوينغ- تفقد إحدى عجلاتها خلال الإقلاع
- زوجة مرتزق في أوكرانيا: لا توجد أموال سهلة لدى القوات المسلح ...
- مائتا يوم على حرب غزة، ومئات الجثث في اكتشاف مقابر جماعية
- مظاهرات في عدة عواصم ومدن في العالم دعمًا لغزة ودعوات في تل ...
- بعد مناورة عسكرية.. كوريا الشمالية تنشر صورًا لزعيمها بالقرب ...
- -زيلينسكي يعيش في عالم الخيال-.. ضابط استخبارات أمريكي يؤكد ...
- ماتفيينكو تؤكد وجود رد جاهز لدى موسكو على مصادرة الأصول الرو ...
- اتفاق جزائري تونسي ليبي على مكافحة الهجرة غير النظامية
- ماسك يهاجم أستراليا ورئيس وزرائها يصفه بـ-الملياردير المتعجر ...


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - سعيد مضيه - لا يطلبون سوى الإقرار بأن الفلسطينيين دخلاء في وطنه