أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - عبد الحسين شعبان - كوبا: رؤية ما بعد الخمسين (5).. جيفارا والمباراة المصرية- الجزائرية!















المزيد.....

كوبا: رؤية ما بعد الخمسين (5).. جيفارا والمباراة المصرية- الجزائرية!


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 2844 - 2009 / 11 / 30 - 22:10
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    



لا يستهدف هذا العنوان الإثارة الصحفية لكن ما فيه من مفارقة تعطيه أكثر من دلالة وراهنية، لاسيما وأن للحدث أساسا يمتد إلى أكثر من أربعة عقود ونيّف من الزمان، يوم صادف وجود جيفارا في الجزائر عند إجراء مباراة لكرة القدم بين الفريقين الجزائري والمصري.
في أحد تصريحاته لصحيفة فرنسية أعرب جيفارا عن ولعه بالجزائر بالقول: "هذا البلد ثوري، وحتى الفوضى فيه ثورية" ويبدو أن هذا الشغف كان متبادلاً بين جيفارا والشعب الجزائري، الذي أحبّ جيفارا وأخلص له وسمّى أحد أبرز شوارع العاصمة الجزائر باسمه، حيث تعتبر جادة جيفارا من الشوارع المهمة، والدليل على ذلك هو ما ينقله الدكتور جاد عبدالله حريكي في كتابه الموسوم "جيفارا والعرب" والصادر عن دار الفرات، العام 2007 (بمناسبة الذكرى الـ40 لرحيله) ونقلاً عن أحد الصحافيين: إن الجمهور الجزائري الذي كان يحضر مباراة بكرة القدم بينه وبين المنتخب المصري، وهي مباراة ذات أهمية كبرى، خصوصاً وقد التأمت بعد تأسيس جمهورية الجزائر الديمقراطية، المستقلة حديثاً، هذا الجمهور هتف لتشي جيفارا، حيث لم يكترث أكثر من 20 ألف جزائري لمتابعة تلك المباراة المشوّقة والمثيرة، لاسيما عندما حضر جيفارا الذي توجّهت إليه جميع الأنظار.
قلت مع نفسي وأنا أتابع ما حصل من ردود فعل واحتدامات حادة لجماهير غاضبة من الطرفين: هذا اليوم لا يشبه البارحة!! وبخاطرة سريعة وأنا أعدّ الحلقة الخامسة من انطباعات وقراءات التجربة الكوبية بعد 50 عاماً ومن خلال أميركا اللاتينية أين هو جيفارا اليوم، "ليُعقْلِن" على أقل تقدير برمزيته ووهجه الثوري، جماهير مستفزّةً ويائسة ومشحونة، وادعاءات مفرطة بالانحياز حد التعصب، واتهامات تصل إلى الإدانة، والأكثر من ذلك هناك من كان يصبّ الزيت على النار، ليبقى الفتيل مشتعلاً، لينسف جسر المودة والمحبة والتضامن بين شعبين شقيقين، كانت علاقاتهما هي الأسمى والأجمل والأنبل، منذ عقود من الزمان، يوم اجتمع عمالقة مثل عبد الناصر وأحمد بن بيلا وارنستو تشي جيفارا، ولم تكن الكرة أو غيرها تفرّق ثواراً من أميركا اللاتينية وإفريقيا، فما بالك بين شعبين عربيين شقيقين.
لم يجرِ في تاريخ العلاقات الجزائرية- المصرية أن تم استدعاء سفراء وإجراء اتصالات بين وزراء على أعلى المستويات وعلى هذه الدرجة من الحساسية، والسبب هو مباراة لكرة القدم، بل الأكثر من ذلك حين انطلقت دعوات للقطيعة، في ظل احتدام عاطفة بدائية وتجييش إعلامي وغياب للعقل والعقلانية وتفاقم أزمة دبلوماسية، شملت السودان أيضاً، وتدخلت فيها جامعة الدول العربية ووساطات كثيرة دون أن تجدي نفعاً، لاسيما بحدوث حالات شغب وعنف لا مبرر له على الإطلاق.
وبدت صورة "العروبة" باهتة في زمن أفل بريق الكثير من إشعاعها الذي كان يحمله رموز كبار ويتطلع إليه ثوريون كبار، وتمور جماهير واسعة مائزة ورائزة حين تهبّ لنصرة جماهير البلد الشقيق، والأكثر من ذلك فقد نكصت العروبة والأممية اللتان كانتا يوماً مساراً لطريق مشترك تم تخطيطه بين أحمد بن بيلا وجمال عبدالناصر وجيفارا.
لم ينصرف الجمهور الجزائري الذي حيّى جيفارا يوم لعبة كرة القدم قبل أربعة عقود ونيّف من الزمان عن التشجيع لمنتخبه، لكن الفارق كان كبيراً، لأنه كان ثمة ما يجمعه بالجمهور المصري المشجع أيضاً، وهو جامع مشترك ضم بين ظهرانيه أخلاق الرياضة والسياسة معاً وفي ملعب واحد، وكان الفائز بالطبع هو العروبة والحرية وعلاقة إفريقيا والعرب بأميركا اللاتينية، في حين أن الجميع خسروا مباراة العام 2009 في القاهرة أو الخرطوم لاحقاً، التي هيمن عليها العداء والكراهية ومحاولات الكيد ولغة الاتهام كلٌ على الآخر، ومن ضمنهم السودان البلد المضيف الذي أفرز أكثر من 15 ألف جندي ورجال أمن وشرطة وإداريين بعدد أكبر لحماية اللاعبين ولمنع أعمال العنف والشغب، ولم يكن له مصلحة بفوز هذا الفريق أو ذاك، سوى استضافة الأشقاء وتوفير أسباب الراحة والنجاح واللعب النظيف للجميع، بمن فيهم المشاهدون ومحبو لعبة كرة القدم، سواءً من أتى منهم من الخارج، من مصر والجزائر اللتين شجعتا وبأسعار متهاودة سفر المشجعين إلى الخرطوم، أو من أبناء السودان من محبي كرة القدم، ولعل عدد المشجعين من الخارج كان أكثر من 35 ألف مشجع.
الأحداث المأسوية المؤسفة تأكيد جديد على طغيان القُطرية والفئوية والنرجسية على حساب الوطنية والقومية والإنسانية، لدرجة أن الحكمة قد غابت من رؤوس العديد ممن كان يمكنهم إطفاء النار، وإخماد الفتنة بين شعبين شقيقين، حيث كانت الرياضة على الدوام تصلح ما تفسده السياسة، أما في حالة مصر والجزائر، فإن "الرياضة" أساءت إلى ما قدمته السياسة من مساعدات وتضحيات وعلاقات بين البلدين والشعبين، منذ إعلان مصر تبنيّها للثورة الجزائرية في العام 1954 عند اندلاعها، وحيث تحوّلت القاهرة إلى مركز جذب للثوار وعلاقاتهم، ولاسيما لجبهة التحرير الجزائرية وقياداتها، خصوصاً عند اختطاف الطائرة التي أقلّت خمسة من قيادات الثورة من جانب فرنسا.
جيفارا الذي شاهد جمهور المتفرجين في المباراة المصرية الجزائرية في الجزائر، كان حالماً وظل حلمه مستمراً، كان أمامه مثالان وتجربتان كبيرتان تعلّم منهما، ولعلهما أثّرتا في حياته وتوجهاته لاحقاً، مثلما أثّر هو الآخر فيهما. الأولى هي نموذج وتجربة الثورة المصرية، والثانية هي نموذج وتجربة الثورة الجزائرية، الأولى ضد الفساد والظلم والاستغلال، والثانية ضد الاستعمار والاستعلاء ومحاولات تدمير الهوية.
لقد شاهد جيفارا الهوية العربية الجامعة، بشقيها الجزائري والمصري من خلال لعبة كرة القدم، في حين ضعفت وخفتت ألوان هويتنا العربية بعد أربعة عقود ونيّف من الزمان، وبدلاً من مواجهة الاستعمار والرأسمالية الاحتكارية وذيولهما، لاسيما الصهيونية العالمية في عالمنا العربي وفي إفريقيا مثلما هو في أميركا اللاتينية وآسيا وشعوب البلدان النامية في كل مكان، فإذا بالاستعمار الجديد والنيوكولونيالية في عصر العولمة تسود وتهيمن، وتنقسم العائلة العربية إلى "عدوين" لدودين بسبب مباراة كرة القدم التي حملت معها أشد المشاعر سفلية وانحطاطاً، كأنها مقدمات حرب داحس والغبراء في زمن رديء.
هل نحن إزاء نستولوجيا الماضي، واستعادات الزمن الجميل؟ أم أن البحث عن مخلّص جديد واستلهام أسماء ذات وزن مثل عبدالناصر وبن بيلا وجيفارا، أمر نفتقده، خصوصاً النهج الذي ساروا عليه، لدرجة جعلنا نشعر بالفَقْدِ، لاسيما نهج التحدي!!
لعل ذلك كان هاجساً وربما هيمن على عقلنا الباطن ونحن نستعيد شكل العلاقات الثورية- الإنسانية في لحظة تصدّع وتشظٍ، مستذكرين الصداقة المديدة التي صهرت هؤلاء الثوار، من أرض المليون شهيد، إلى أرض الكنانة ومعارك السويس والتصدي للعدوان الإسرائيلي، الأنجلو-فرنسي ومشاريع القوى الامبريالية بقيادة الولايات المتحدة، إلى أرض الأرجنتين وابنها البار الثائر الكوبي الذي وضع الثورة على كتفه وجاب بها العالم، من الكونغو إلى بوليفيا بقاعدة ثورية في الجزائر وخطوط واتصالات في القاهرة، وأساسات قوية وقويمة في هافانا، وعلاقة وطيدة ونقدية بمعسكر اشتراكي أراد له جيفارا وجهاً إنسانياً جديداً ومشاركة في دفع ثمن الثورة وسلاحها واستحقاقاتها.لم يتابع جيفارا كرة القدم العربية فحسب، بل تابع شؤون الثورة مصعّداً من نبرته الانتقادية للحلفاء السوفييت، تلك التي قد لا تكون بمعزل عن مواقف وبعض هموم عبدالناصر وبن بيلا، مثلما هي هموم السوفييت إزاء بعض مواقف البلدان النامية، لاسيما تردد بعض قيادات حركات التحرر الوطني في السلطة، وربما قلقها إزاء المستقبل.
لقد تمكّن جيفارا من تطوير خطابه الثوري، وبعد مشاهدات لمدة 6 سنوات خلص إلى باقة من الأفكار التي شكلت أهم ملامح الجيفارية أودعها في ثلاث خطب مهمة، ومن المفارقة أن هذه الخطب الثلاث كان قد ألقاها كلها في العالم العربي (باللغتين الفرنسية والإسبانية) وتحديداً في الجزائر ومصر وهذه الخطابات هي "أميركا من على الشرفة الإفريقية والآسيوية" و "الاشتراكية والإنسان في كوبا" و "خطاب الجزائر" الذي أغضب السوفييت، ووضع حداً فاصلاً بينه وبين المسؤوليات الحكومية الإدارية، متفرّغاً بعدها للثورة التي أراد إشعال أكثر من فيتنام أمام واشنطن، وأكثر من موقد لها في العالم. ولعل خطاباته وعلاقاته تلك جعلت من جيفارا كما عرفناه، الأممي الرومانسي الذي ظهر واختفى مثل شعاع، لكن ذكراه في العالم أجمع وفي العالم العربي على نحو خاص، ظلّت تحمل نكهة مستساغة، وها نحن نتذكّره في الزمن العصيب في مباراة كرة القدم بين الفريقين الجزائري والمصري، كأن خياله ما زال يظهر بين الحين والحين!!



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحزن الذهبي لرحيل المفكر محمد السيد سعيد!!
- إسرائيل- ومفارقات العنصرية -الإنسانية-
- كوبا: رؤية ما بعد الخمسين (4)
- في تجربة الفيدراليات ودلالاتها عراقياً!
- -إسرائيل- أي قانون دولي تريد؟
- كوبا: رؤية ما بعد الخمسين (3)
- بغداد - واشنطن: للعلاقة تاريخ
- الانتخابات العراقية والحل السحري
- كوبا: رؤية ما بعد الخمسين (2)
- ستراتيجية أوباما: قراءة في الثابت والمتغيّر
- بغداد - واشنطن: الحوار حول المستقبل
- كوبا: رؤية ما بعد الخمسين (1)
- 5 اتجاهات إزاء الفيدرالية في العراق
- الفيدرالية في البرلمان الكندي
- 92 عاماً على وعد بلفور
- تراثنا والمشاحنة الفكرية للمجتمع المدني
- المجتمع المدني بين الفلسفة والقانون
- كيف نقرأ إستراتيجية أوباما عربيا?
- تقرير غولدستون وقلق -إسرائيل-
- تجارة الأعضاء البشرية: أين المسؤولية؟!


المزيد.....




- نيويورك.. الناجون من حصار لينينغراد يدينون توجه واشنطن لإحيا ...
- محتجون في كينيا يدعون لاتخاذ إجراءات بشأن تغير المناخ
- التنظيمات الليبراليةَّ على ضوء موقفها من تعديل مدونة الأسرة ...
- غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب
- الرفيق حنا غريب الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني في حوار ...
- يونس سراج ضيف برنامج “شباب في الواجهة” – حلقة 16 أبريل 2024 ...
- مسيرة وطنية للمتصرفين، صباح السبت 20 أبريل 2024 انطلاقا من ب ...
- فاتح ماي 2024 تحت شعار: “تحصين المكتسبات والحقوق والتصدي للم ...
- بلاغ الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع إثر اجتماع ...
- صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 18 أبريل 2024


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - عبد الحسين شعبان - كوبا: رؤية ما بعد الخمسين (5).. جيفارا والمباراة المصرية- الجزائرية!