أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - بهاء البطاح - عندما انتحر.. تعتدل الدنيا ج (اعتراضيات)















المزيد.....



عندما انتحر.. تعتدل الدنيا ج (اعتراضيات)


بهاء البطاح

الحوار المتمدن-العدد: 2844 - 2009 / 11 / 30 - 08:33
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


هذه رسالة وردتني على بريدي تشتمل على ملاحظات بشأن بعض أجزاء موضوع (عندما انتحر تعتدل الدنيا).
صاحب الملاحظات لم يذكر اسمه على رسالته وملاحظاته،
ولكني اعرفه واضح المعرفة بوحي بصماته وطبيعة أثره، والاثر يدل على المؤثر،
إنه شيخ جليل من أهل العلم الفضلاء، يحترم الراي الآخر، لا يهاجم ولا يصادم، ناعم رقيق في نقاشاته وحواراته، اذا لم ير في الرأي الآخر احتمالية صواب فلا يغتاظ ولا يغضب ولا يتسرب الى قلبه غل، ولي معه حوارات كثيرة كنا ربما نختلف ولكننا في ختام الحوار نلتقي في أغلب الأحيان اذا لم أقل كلها، ولكني هنا اخشى ذكر اسمه فلعله لا يرضى، وأكتفي بتناول ملاحظاته لفك الإلتباسات عبر توضيحات ولعل ذلك ينفعنا جميعا.

أولا رسالته:
----- Original Message -----
From: Ayr Erect
To: b_battah_(at)_msn.com
Sent: Sunday, November 22, 2009 12:17 PM
Subject: السلام عليكم ..سيدي

سيدي الفاضل
تحية عبقة
هناك جملة من الملاحظات وردت في مقالكم الموسوم .. انتبهوا عندما انتحر تعتدل الدنيا
واختصارا للاطالة اُجمل ملاحظاتي باهمّها اذ انها ترتبط ارتباطا وثيقا بسلامة فكر الانسان عقيديا
اولا: ورد في مقالكم ان ابليس ابى السجود لادم عليه السلام معلّلا بعدم اهلية هذا المخلوق للخلافة الالهية لان خلقته تنطوي على وجود ارضية للشر الذي ينافي الفضيلة.. وهذا لعمري لم يقله او يذهب اليه حتى اصحاب الفكر الذي يجوّز فعل المعصية على الانبياء , من المذاهب السنية لسببين اثنين الاول ذكره القران الكريم في معرض تعليل ابليس نفسه لعدم السجود اذ قال : قال ما منعك الا تسجد اذ امرتك قال انا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين .. اذن التعليل موجود في نفس الاية ولم يكن ابليس في وارد ان ادم سوف يعصي وعليه حسب فلسفته لايمكن السجود له والسبب الثاني سيدي الفاضل هو: ان ابليس وانا على يقين من معرفتكم بذلك من ان ابليس لم يكن من جنس الملائكة بل كان من الجن وهذا ايضا اشار اليه القران الكريم (فسجدوا الا ابليس كان من الجن) وكما تعرفون بان طبيعة الجن هي طبيعة مادية كذلك وعليه فان طبيعة ادم هي نفس طبيعة ابليس من ناحية (الهيولى) اذن عدم سجود ابليس ناشئ من القياس الباطل الذي جعله يظن انه افضل من ادم وليس مقصوده سبب التفاضل في تباين النشئتين
وثانيا: ورد في مقالكم الكريم : تمكن إبليس من آدم في الجنة حيث تمكن من اقناعه على الفسوق والخروج عن طاعة الله وسلوك الشر بالأكل من الشجرة الممنوعة.
وهذا ايضا اذا اُخذ المتن على ظاهره (والظاهر حجة) فسوف يخدش او يطعن بنبوة ادم وباقي الانبياء .. اذ ان جملة تمكين ابليس من اقناع ادم بالفسوق (جمع فسق) والخروج عن طاعة الله وامتثال طاعة الشيطان.. كلام لايصمد امام الايات القرانية واخبار المعصومين عليهم السلام , بل كلام فيه نوع من التاثر بالعقائد السنية التي تجعل من ذوات الانبياء المعصومين الذين يمثلون خلافة الله باجمل معانيها يجعلون منهم وكأنهم كذوات بن تيمية او بن باز .. وهذا قد يوقع قائله في التناقض او اتهامه بقلة معرفة جزئيات العقيدة والايات القرانية الكريمة والا من من العقلاء المؤمنين يقبل ان ننسب اليه فعل الفسوق فضلا عن الفسق الواحد ثم الخروج عن طاعة الله تعالى والدخول في طاعة الشيطان؟ واذا كان الامر كذلك بالنسبة لادم عليه السلام , اذن مالمانع من ان باقي الانبياء ومعاذ الله من ذلك ان يقترفوا نفس فسوق ادم ويدخلوا في طاعة الشيطان ؟ وبناءا عليه فسوف تنتفي المصلحة من بعث الانبياء لانهم في مثل هكذا حالة لايمكن ان يكونوا مثالا يقتدى به .. بل لايمكن الوثوق بهم وبما يقولوه
سيدي الفاضل انا على علم بصحة عقيدتك وحسن سريرتك الاّ ان ماورد في مقالكم لايمكن ان يأوّل الى غير ذلك امعانا الى حجية ظواهر الالفاظ
وعليه فلانعرف بايهما نأخذ فانت تذهب الى خروج ادم من طاعة الله ثم بعد ذلك مباشرة تستتبع بان ابليس قال لله تعالى:قال فبعزّتك لأغوينّهم أجمعين ، إلاّ عبادك منهم المخلصين
فهل ياترى ان ادم من عباده المخلصين؟ واذا كان الجواب نعم, فكيف يتمكن منه ابليس؟
ونحن نعلم ان في الاية اطلاق ولم تقيد او تستثني احد
سيدي الفاضل ادم خُلق للارض بدليل القران الكريم ولم يخلق للجنة وما كان مكوثه في الجنة الاّ لاعداده لتلك المهمة الشاقة ولذلك حينما يُسال الامام الصادق عليه السلام عن جنة ادم يقول: جنة من جنات الدنيا ,يطلع فيها , الشمس والقمر,ولو كان من جنان الاخرة ماخرج منها ابدا. اما نهي الواجب تبارك وتعالى لادم فهو مايطلق عليه بالنهي الارشادي وليس نهيا مولويا
سيدي الفاضل تقبل اعتذاري على الاطالة وتقبل كذلك ابداء ملاحظاتي
ولك وافر شكري.

- النظر في الملاحظات:
غفر الله لنا ولأبينا الذي ترك فعل الأولى! .. فتلقى... كلمات من ربه.. فتاب عليه، فإذا كانت التوبة تصدق فقط على من اقترف ذنبا، أي بقولهم عدم التزام (النهي المولوي)، ففي هذا ثابت لا يحتمل التأويل لغة واصطلاحا،وحقيقة ومجازاً.
أما إذا كانت التوبة تشمل ترك الاولى، وبتعبيرهم عدم التزام (النهي الارشادي) فما ضرورة التوبة هنا إذا كان ترك الاولى لا يستتبع عدم رضا الله..
ثم لماذا نمنع انفسنا من التأمل في مفردة: عصى في قوله: (وعصى ادم ربه فغوى) والأمر أخطر عندما تتأمل في قوله (فغوى) فيفسره لك قوله (ربي فبما أغويتني)..
ثم ما منعك في النظر بقوله: (ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما).. (عصى من العصيان، عكس الطاعة، كما تعلم) .. وفي قوله (..عزما) يقول الطباطبائي في معنى الآية: (لقد وصينا آدم من قبل فترك الوصية ولم نجد له قصدا جازما إلى حفظها أو صبرا عليها).
ثم انظرفي: (عهدنا): يقول الطباطبائي فيه: (والعهد المذكور - على ما يظهر من قصته (عليه السلام) في مواضع من كلامه تعالى - هو النهي عن أكل الشجرة، بمثل قوله: «لا تقربا هذه الشجرة:»
ثم أين يقع العصيان من بين المصداق الإرشادي والمولوي، والنتيجة التراتبية لكل ذنب، أو ترك أولى أو نهي ارشادي أو مولوي أو فساد وفسوق، وهل رديف العصيان هو الذنب أم هو رديف الفسق أم هو رديف ترك الاولى، أم هو رديف عدم التزام النهي الارشادي، أم هو رديف عدم التزام النهي المولوي!!
ثم اني لم انظر في فعل آدم من منظور نبوي ونسبته الى الذنب، أو نسبة الذنب اليه وعدمه ، وإنما من وجهة نظر خلقية ومنزلتها الاستخلافية، كما أن الحديث لا يختص بآدم باعتباره كائنا مستقلا، وإنما الحديث يدور حول النوع (البشرية) فبدأنا بأول نسخة منه، أو أصل هذا الكائن البشري، والحديث كله خارج عن ما ذهبت اليه من سياق.

وبالرغم من كل ذلك فإن آدم لم يكن نبياً حين كان في الجنة بغض النظر عن اسبقية علم الله بان آدم سوف يكون نبيا بعد نزوله الى الأرض، ولما لم يكن نبيا فإن عصيانه لم يصدر عن نبي معصوم، بل صدر عن مخلوق اسمه آدم ليس له بعد منزلة النبوة والعصمة وحماية (المخلَصين) بفتح اللام، والنبوة لم تُجعل للجنة لأنها لا أود ولا اعوجاج فيها فهي لا تحتاج الى تقويم عبر الانبياء، ولعل النتيجة التراتبية (المترتبة، المؤدية) هي أحد الأسباب التي أخرجت آدم من الجنة، وذلك لأنه مارس اعوجاجاً في موضع لا ينبغي فيه الإعوجاج.
حين هذا الفهم ينتفي ويكون خارج موضعه كلامك بأن ظاهر كلامي: (يخدش او يطعن بنبوة ادم وباقي الانبياء). لأن آدم لم يكن نبيا معصوماً حين العصيان.
وهذه الفجوة والغفلة عن النظر في تحري المرحلتين:
1- مرحلة عدم نبوة آدم في الجنة.
2- ومرحلة نبوته على الأرض.
إن غياب ذلك عنهم لم يوقعك أنت فقط في تخبط وتوهم واضطراب، بل إنه كان سبباً في تخبط المفسرين وارتباكهم واختلافهم واضطرابهم وشططهم في تناول قصة آدم في القرآن، وقضية عصيانه ومحاولات تبريرذلك العصيان بأساليب ساذجة، بل متحيرة وواطية.
- وفي قولك أن الصادق قال إن آدم كان في جنة من جنان الأرض، فأقول لك: لم يتناول حديثي أينية الجنة التي عصى فيها آدم ربه، ولست ممن يتحدث في غير موضع، ولكن احترامي وحبي لك يضطرني لإلفات نظرك الى إن هذا القول لا يتساوق مع قوله تعالى: (قال اهبطا منها) ولا يكون الهبوط إلا من العالي الى الداني أو من الأعلى الى الأسفل، وليس من مستوى الى نفس المستوى، أعني لا يكون الهبوط من الأسفل الى الأسفل، لغةً واصطلاحاً، ولفاً ودوراناً، اللهم ربي إلا مجازاً، عليه فالحديث مكذوب والراوي كذاب غبي، وكنت أتمنى أن يكون كذاباً ذكياً على الأقل، فهذا الإمام الصادق أبو العلم والعلماء، ولا يتعدى ولا ينطلي ولا يعبر كذب الاذكياء في شأنه فكيف بكذب الأغبياء.
ثم تأمل في قوله (فازلهما الشيطان عنها فاخرجهما مما كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الارض مستقر ومتاع الى حين) بمعنى اخرجا منها هبوطا، وقوله (ولكم في الأرض..) جلي واضح على عدم وجودهم في الأرض سابقا، بل يدل على هبوطهم من مكان رفيع عالي الى مكان آخر أسفل منه، وليس انتقالهم من بقعة في الارض الى بقعة اخرى في الارض نفسها.
والله هنا في موضع البيان ولا ينبغي الإبهام وإحتمال عدة معاني في مفردة واحدة، وإمكان دخول الأغيار، بل يقتضي استخدام مفردات تدل على مدلولاتها الحقيقية لا تقبل دخول الأغيار، وحيدة مانعة، ولا يجوز المجاز في موضع البيان ولا توجد في الآية قرينة تدل على إرادة المجاز، إنك تقول على الطائر المحلق في الأعلى: هبط اذا نزل من أعلى وحط على أسفل، على الأرض، ولا يجوز لغويا وبيانا وبلاغة أن تقول: سار أو مشى الطائر من أعلى الى اسفل، الى الأرض، بل تقول ذلك على الزواحف والمشاة على بقعة في مستوى واحد متصل جغرافيا غير منفصل، ويتسم بوحدة الكتلة.
و (قال: اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين. قال: فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون) وهذا يدل ايضا انه تعالى أهبطهم الى مكان آخر اسمه الارض بعد أن كانوا في جنه مرتفعة تقتضي الهبوط حين خروجهم منها، فهي في الأعلى والأرض في الأسفل فصح اختيار الله لمفردة هبوط، ودل على أن آدم كان في مكان آخر غير الأرض وأعلى منها.
ولا ينفع هنا الإستدلال بقوله لبني إسرائيل: (اهبطوا مصرا فان لكم ما سألتم) لأن سياق الآية واضح في أنهم كانوا في ارض مرتفعة عن أرض مصر، والحديث كله يدور في الأرض وليس الجنة فكان الهبوط متعلقاً بها من حيث المرتفعات والمنخفضات في جغرافيا الأرض.
فهناك كل السياقات تدل على انفصال جغرافيا المكان، وهنا كل السياق يدل على جغرافيا واحدة لمكان واحد.
ولعله من النافع ذكر قول الطباطبائي في جنة آدم على أنها في برزخ وليس في الارض، فراجع.
ثم ما معنى بكاء آدم بكاءا مراً طويلاً على فراقه الجنة إذا كان انتقاله من بقعة في الأرض الى اخرى فيها، هل يبكي أحدنا كل هذا البكاء المر الطويل لمجرد فراقه جنة أو بستاناً وارفاً في الأرض الى خربة في نفس الأرض، هل أن آدم يحب الدنيا الى هذا الحد الذي يقبح ويعاب على الأنبياء، خصوصا وهو يعلم أن الدنيا هي سجن المؤمن وهي مجاز وممر استثنائي ومؤقت، وإذا قلنا إن بكاءه كان ندماً على ارتكاب المعصية في حضرة الله فإن هنا المصيبة العظمى.
اني اذا اتفق معك على انها ليست جنة الخلد، على الأقل بدليل ان جنة الخلد لا سوء فيها ولا ملاعين (والشجرة الملعونة في القرآن)، وليس فيها مضلل وضلال (ابليس) وكذلك فلا عصيان فيها، وهي مستقر راحة (لا يمسّهم فيها نصب وما هم منها بمخرجين) فهي إذن ليست دار نصب وتعب وعمل أو تكليف سواء الارشادي منه أو المولوي، وغيره مما تعلم ، ولكني اتوقف امام قول من قال انها جنة من جنان الارض، وربما أميل الى ما ذهب اليه الطباطبائي من انها في برزخ.
وقولكم: (ورد في مقالكم ان ابليس ابى السجود لادم عليه السلام معلّلا بعدم اهلية هذا المخلوق للخلافة الالهية لان خلقته تنطوي على وجود ارضية للشر الذي ينافي الفضيلة.. وهذا لعمري لم يقله او يذهب اليه حتى اصحاب الفكر الذي يجوّز فعل المعصية على الانبياء , من المذاهب السنية).
وهنا اسمح لي بالتعليق على قولك هذا بالقول : إننا هنا لسنا في وارد اللقلقة والبغبغة لا في التفسير ولا في الفكر والتفكير ولا في الدين والتديين ولا في السياسة والتسييس ولا في سوى كل ذلك من تذليك.
وليس أثمن من أن تكون مبدعا ذا خلاقية من أن تكون صدى لكل صوت وظلاً لموجود غيرك، وحينها فلا تكون إلا به، فتلغي وجودك بنفسك، فأين تحقيق ذاتك هنا (وجودك الفعلي والنسبي،والهيولي وسواه) أليس هذا بمثابة قتلك لنفسك تكوينيا ووجوديا بما ينطوي عليه الإثنان من مصاديقهما على المستوى الديني والفكري والفلسفي والمعرفي والذهني واجمع الى ذلك ما سواه مما يتعلق به!؟
اما نظرك في الهيولي بقولك: (وعليه فان طبيعة ادم هي نفس طبيعة ابليس من ناحية ( الهيولى).
فقولك هذا يا شيخنا لا يحتاج الى كثير توقف، لأن الهيولي مختلف الطباع بالضرورة الخلقية بتكويناتها ومركباتها ونوعها وجنسها ووظائفها وخصائصها، بل وحتى تأثيراتها في ذاتها وفي الخارج، فليس طبع النار هو نفسه طبع الهواء أو التراب، لأن طبع النار الحرارة وملازمها الإحراق، بينما طبع الهواء البرودة وملازمها التجميد، وأنت تعلم لماذا قال الله تعالى يا نار كوني برداً... فأتبعها بقوله: (وسلاماً) .. لأن لولا قوله (سلاما) لتجمد ابراهيم ومات من التجمد، فيضيع الغرض في أمر الله وهو إنجاؤه من الموت، وهذا الكلام لا يحتاج الى اثبات لأنه اصلا ثابت دينيا وتكوينيا وعلميا وتجريبيا، وإثبات الإثبات لغو، كتحصيل الحاصل، كما أن تثبيت الثابت عبث، وإماتة الميت حمق وجهل وسقم عقل، وتفسير الماء بالماء هجر وهذر.
واعلم ايها الشيخ الكريم أن هناك من يطأ على نسقٍ سبقَ أو لحق، ويقضم المخلوق من الورق، بينما أنا لا أقفو من سبق ولحق، بل إنني أنثر الودق لأصنع ورق.
فذاك يتبع المتبوع ويلبس المصنوع، بينما أنا فإني متبوع غير تابع، أصنع المصنوع وأسبر المتبوع. (شوية تحذلق، لا تغضب، ولا تصير عصبي).

- وفي قولك: (سيدي الفاضل انا على علم بصحة عقيدتك وحسن سريرتك الاّ ان ماورد في مقالكم لايمكن ان يأوّل الى غير ذلك امعانا الى حجية ظواهر الالفاظ).
- فإني إذا جاز لي اظهار موقفي هنا فلا يضرك أن أقول إن علمك بصحة عقيدتي وحسن سريرتي، لا يصلحهما إذا ساغتا فسادا واستساغتا قبيحا، وإن علمك وعدمه في صلاحهما لا يحققهما ولا يعدمهما، وحسن ظنك بي تستحق عليه الشكر أخلاقاً، ولكنه لا يغر ولا يثر، فأرجو من الله استمراري في صراعي معهما خوفاً من الغرور الذي يقودهما الى الاتكال وتوهم الإكتمال.
- وفي قولك: (والظاهر حجة). فهذا قولك إتباعا لقولهم.
أما عندي فإن الظاهر لا يكون حجة إلا إذا اقترن عليه بقصدية تبادرية.
(والأخذ بالظاهر هذا الذي يقولون به إذا لم يُتقن تناوله (تطبيقه) بالصورة التي تنبغي فإنه يقصم الظهر، ويعقم الذهن (من العقم) ويشل التفكير، فأجيدوه، وإلا فاحذروه)

- أما كلامك (التفاضل في تباين النشئتين) وللتصحيح ينبغي أن نكتبها هكذا: (النشأتين).
ومهما يكون فإني لم أجد له محلاً في كل أجزاء الموضوع الذي لا زال يصدر على شكل أجزاء، فلا يكون لي أن أجيب على لا سؤال!

- ولكن من النافع أن احيلك الى كتابنا المعنون (النشأة الخامسة) ومن المفيد القول أن النشأءات (وليس النشوءات) كي نكون دقيقين، نقول أن النشأءات سبع، منها السابقة ومنها اللاحقة، اثنتان سبقت تكويننا،وهي العرش على الماء هذه واحدة، ثم فتق الرتق هذه الثانية واللآحقة فهي التي لحقت تكويننا وهي اربع، أما الخامسة فنحن فيها تنتهي بالقيامة وما يلحق بها، هذه سبع ونحن في السابعة عددا التي هي الخامسة تراتبا، يعني التي لحقت تكويننا، (وقد ورد عن الكوراني ما يشبهه وساق في ذلك أحاديثَ..). وليس هناك فرق بيننا من حيث حدوث تلك النشأءات، ولكن ربما هناك تنوع بيني وبينه من حيث النظر فيها.
والكل من حيث المنظور المادي ليست ذات طبيعة متشاكلة بالنظر الى الجزئي والجزيء، وتمايز مسارات وسرعة حركة واهتزازات ودوران الإلكترونات حول النواة، بل حتى النواة وخصائصها، ومنها أحادي الخلية، ومنها متعدد الخلايا، واختلافها من حيث عدد خلاياها، ثم طبيعة تعددها وكيفية تجددها وتلفها وغيره مما تعرفه ومما هو ثابت علميا بالتجربة والتحري والكشف.
ودلائل التكوينات السبعة هذه مشهور في القرآن والسنة..
وكذلك معروف فيما توصل اليه علماء الفلك، في البحوث والدراسات وما توصلوا اليه ماديا وليس ميتافيزيقيا، لذا أطنبنا عن ذكر نصوصها هنا.
- أما تعليل القرآن في سبب عدم سجود ابليس لآدم بقولك (ورد في مقالكم ان ابليس ابى السجود لادم عليه السلام معلّلا بعدم اهلية هذا المخلوق للخلافة الالهية لان خلقته تنطوي على وجود ارضية للشر الذي ينافي الفضيلة.. وهذا لعمري لم يقله او يذهب اليه حتى اصحاب الفكر الذي يجوّز فعل المعصية على الانبياء , من المذاهب السنية).
إن تعليلي هنا بما يعللون تحصيل حاصل ليس به طائل، ولست ممن يوصف بالعاطل إذا جاء بما لا طائل، بينما أنا منتج عامل، هكذا احاول.
وإنما تعليلي يتساوق مع تعليل القرآن ولا يتعارض، وذلك إذا نظرنا فيما يحتمله التعليل القرآني من مصاديق، وما يفتحه من مغاليق ، فعد وانظر.
وإني لا أقول قولا إلا وعندي به من المعرفة سلطان عتيد، فإذا لم أجد فالتوقف ضالتي، وأعوذ بالله من غلط العلماء، وشطط الجهلاء.
ويكفي هنا أن الفت نظركم الكريم الى أن استنتاجي في تعليلي لم ينافِ تعليل القرآن في عدم سجود ابليس لآدم، فلو تأملنا في قوله (أنا خير منه)، لفهمنا أن قولي والتعليل الذي جاء على لساني إنما هو امتداد وتوسع ضمن اطار تعليل القرآن وذلك اذا تعمقنا توسعا في قوله (أنا خير منه)، فهل يعني إلا امتلاكه صفات وخصائص مادية ومعنوية افضل مما يمتلك آدم، وبهذا يكون ابليس افضل ويكون آدم مفضولا، ولا يسجد الأفضل للمفضول، وهل الخصائص التي تمنح الأفضلية إلا صفات واشتمالات وملكات عنوانها العريض هو الفضيلة (الحق، الخير.. ألخ) وهل هي إلا نقيض الرذيلة ( الباطل، الشر.. ألخ)، حينها إذا طابقت كلامي في تعليل عدم السجود ستجده يتساوق مع تعليل القرآن (انا خير منه) فقارن وتوسع يوسع الله عليك.
ولعل الإشكال هنا جاء من ذهابك الى أن طبيعة النشأتين واحدة من منظور مادي (النار والطين)، ونحن نذهب الى ان الطبيعتين مختلفتين وقد مر الكلام في ذلك، ونضيف الى ما مر أن العناصر الأربعة فيها تمايز من حيث المرتبة التكوينية أيضا، وليس فقط في طباعها، فالنار ثم التراب ثم الهواء ثم الماء، لذلك قال: (خلقتني من نار وخلقته من طين)، فلعله نظر في المرتبة التكوينية (ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمإ مّسنون، والجانّ خلقناه من قبل من نار السّموم) انظر الى (من قبل)، وبما ان النار سبقت التراب من حيث المرتبة الخلقية فقد ظن انها افضل، ولعله نظر في طبيعة كل منهما فتوهم ان النار افضل أيضا.

- أما قولك: (وعليه فلانعرف بايهما نأخذ فانت تذهب الى خروج ادم من طاعة الله ثم بعد ذلك مباشرة تستتبع بان ابليس قال لله تعالى:قال فبعزّتك لأغوينّهم أجمعين ، إلاّ عبادك منهم المخلصين، فهل ياترى ان ادم من عباده المخلصين؟ واذا كان الجواب نعم, فكيف يتمكن منه ابليس؟).
الجواب: لا ادري.
ولكني لست أنا الذي قال ذلك، إنما القرآن: (فوسوس لهما الشيطان.. ) و(فوسوس اليه الشيطان) و (فازلهما الشيطان عنها فاخرجهما مما كانا فيه) وغيره.

واكرر: لم يكن الكلام في خصوص آدم كفرد، ولا كنبي، وإنما الكلام في النوع (البشرية) وهو واضح في كل الأجزاء الأربعة لحد الآن.

كما اكرر: لست أنا من قال بمعصية آدم، إنما القرآن: (وعصى ادم ربه فغوى).
ولست في وارد تبرير المعصية اذا ما كانت من باب النهي الإرشادي أوالمولوي،أو من باب ترك الأولى أو غيره، إنما الكلام في وقوعها وتحققها في الخارج، كما اني لست في وارد نبوته وعدمها، إنما الكلام في النوع والإستخلاف.

- قولنا: (واستمر الفساد وسفك الدماء حتى وصل الأمر الى النبي نوح وهو من -عبادنا المخلصين- فلبث في الناس آلاف السنين يدعوهم للفضيلة وهم يسخرون منه) فاستخدامنا عبارة (آلاف السنين) إنما أردنا به الكثرة وليس العدد، وهذا ليس بدعا منا، فلقد ورد في بلاغة اللغة العربية في صيغ المبالغة لغرض التكثير والكثرة بل حتى في نحوها بقولك:
كم شخصاً مرّ من هنا؟ تريد العدد، فظهر الفتح.
وقولك: كم شخصٍ مرّ من هنا! تريد به الكثرة، فظهر الخفض.
وورد منه في القرآن قوله تعالى: (ان تستغفر لهم سبعين مرة.. ).
قال الطباطبائي في خصوصها: (واستعمال السبعين في الكثرة المجردة عن الخصوصية كاستعمال المائة والألف فيها كثير في اللغة).

ثم لو أردنا العدد في قولنا (آلاف السنين) لذكرناه وهو مشهور بشهرة الآية، حتى لو كنا غافلين لما كان خفي علينا.

- عليه فنحن لم نحرف آية قرآنية ليُحتج علينا بنصها الصحيح بقولك في رسالتك الثالثة: (تصحيحا لما ورد فأن نوح عليه السلام لم يعش آلاف السنين بل قد اخبر القران عن ذلك بقوله: ولقد ارسلنا نوحا الى قومه فلبث فيهم ألف سنة الا خمسين عاما فاخذهم الطوفان وهم ظالمون).

- تفضلتم في رسالتكم الثالثة بما يلي: (وهناك خطأ اخر وقد يكون هو الاخر كسابقه , اي ماقُصد لم يقع وما وقع لم يُقصد وهو قولكم لذكر الاية الكريمة : (ففسق عن امر ربه ولم نجد له عزما) اذ لاتوجد كما تعلمون اية بهكذا لفظ يدل على هكذا معنى وحاشى لله ان ينسب الفسق لهكذا ذوات, انما الاية تقول: ولقد عهدنا الى ادم من قبل فنسي ولم نجد له عزما).
وللتوضيح نقول: إن ما حصرناه بين قوسين ليس آية ولم نقل أنها آية ولم نقل قال تعالى ولم نقل جاء في القرآن ولا سوى ذلك فيما يفيده، وليس كل ما جاء بين قوسين في موضوعنا هو آيات أو احاديث، إنما هي مفردات أو قل أجزاء من آيتين جاءت في القرآن فاستعرناهما أو قل اقتبسناهما بلاغياً فحصرناهما بين قوسين ربما بقصد المقارنة أو إرادة توجيه النظر في كل منهما للمقارنة أو قل للمقاربة.
أما وجه المقارنة أو المقاربة بقرينة جمع الجزئين، فهو الإتيان بما لا يريد الله، فالأول مذموم والثاني مثله، وليس قصدنا الفاعل وإنما الفعل، و (الفسق) هنا نقصده لغةً لا اصطلاحاً.
(ففسق عن أمر ربه) في إبليس، بينما (ولم نجد له عزما) فهي في آدم، في البشر.
ولعل خطأنا هنا هو عدم الفصل بينهما بفارزة أو نقاط وتركنا الأمر لنباهة القارئ فمن العيب أن نعتبره في الإبتدائية بينما هو يقرأ في علم المنطق مثلا، أو (دار، داران) بينما هو يقرأ المتنبي مثلا، لم نتصور ذلك.
- ثم انك تشبثت في معظم ملاحظاتك على حجية الظاهر، وفاتك ان الموضوع مرتكز اصلا على اللا انتماء، فنسبتني الى بعض المذاهب وهذا انتماء، بينما انا اعالج موضوعا من منظور اللا انتماء، ولا ادري هل عندك حجية الظاهر تفيد بأن اللا انتماء هو الإنتماء!
وكذلك فهل في قولي (...فهو انتحار فكري وليس انتحارا دينيا وعقائديا. جـ: 2) هل حجية الظاهر في هذا القول عندكم تفيد الانتحار الديني او العقائدي وهل النفي في (ليس) يدل عندكم على الإثبات حسب حجية الظاهر عندكم.
يا اخي انت في واد وانا في واد فأنت قرأت الموضوع على انه معالجة دينية وعقادية انتمائية، بينما نحن نعالجه من منظور فكري، وفكري لا إنتمائي، فلسنا في موضع نقاش عقائدي أودينيي، ولا نحن في مقام تفسير قرآن ولا نحن في موضع اصدار احكام فتاوى فقهية، ولا نحن في وارد اصدار احكام عقائدية ودينية قطعية، إنما الموضوع اساسا فكري لا إنتمائي، يعني تفكير لا إنتمائي، وقد قلنا في ذلك بصريح القول بظهور وقصدية لا تحتمل التأويل، فهل حجية الظاهر التي تؤكد عليها جاءت بعكس كل ذلك !
نؤكد: لقد ورد الظاهر في موضوعنا بتصريح واضح ومقصود بقولنا: (فهو انتحار فكري وليس انتحارا دينيا وعقائديا. جـ: 2) وهو عكس (امعانك في حجية الظواهر) فهل فهمت ان قولنا هذا يدل على انتحار ديني وعقائدي بما أوحت اليك (حجية الظاهر) بينما نحن نصرح بالانتحار الفكري لفظاً ومعنى ولغة وسياقاً وإرادة حقيقة اللفظ وخلوه من قرائن حتى من احتمال إرادة المجاز أو أي مدلول آخر، وهل أظهر من ذلك، فهل حجية الظاهر تعني الفهم المقلوب.
وكذلك عندما أكدنا في عدة مواضع بأن هذا الانتحار هو انتحار فكري لا إنتمائي، اي الموضوع هو عبارة عن عملية تفكير مجردة، فتأتي أنت فتفهم عكس ظاهر وواضح قولنا فتنسبنا الى هذا وذاك فتصورنا على أننا منتمين بالوقت الذي نصرح بأننا لا منتمين، فهل قلبت قولنا الى عكسه اقتداءا (بحجية الظاهر) بينما حجية الظاهر هنا تقف ضدك، وتثبت فهما عكس فهمك.
فارجو ان لا تقودك هذه القواعد والدلائل الى تطبيقها بالمقلوب، فتصير المغالطات عندك ملاحظات.
ملاحظة، وليس مغالطة:
جناب الشيخ الكريم: احذرك من محاولة اتهامي بالتطرف والتكفير والارهاب، بوسمك لي بإبن باز، فهل تريد توريطي مع الحكومة الأمريكية بحجية الظاهر هذه، وانت تعلم بأن أمريكا تشن حربا ضروسا ضد هؤلاء سواء على أراضيها أو خارجها، فحذار، من حجية ظاهر تجرك الى التسبب في دق عنق وسفك دماء انسان بريء، ولا تعتقد بأنك تكتب لي على بريدي فلا يطلع عليه سواي بينما انت تعلم ان البريد والهاتف وغيره كلها تخضع هنا للرقابة!
دع عنك هذه القواعد الجامدة العمياء، واحمل أخاك على محمل حسن.
الى هنا أرجو أن نكون قد أوفينا.
ورجاء (خلونا ننتحر براحتنا).





#بهاء_البطاح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عندما انتحر..تعتدل الدنيا ج4
- عندما انتحر..تعتدل الدنيا ج 3


المزيد.....




- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن استهداف قاعدة -عوفدا- الجو ...
- معرض روسي مصري في دار الإفتاء المصرية
- -مستمرون في عملياتنا-.. -المقاومة الإسلامية في العراق- تعلن ...
- تونس: إلغاء الاحتفال السنوي لليهود في جربة بسبب الحرب في غزة ...
- اليهود الإيرانيون في إسرائيل.. مشاعر مختلطة وسط التوتر
- تونس تلغي الاحتفال السنوي لليهود لهذا العام
- تونس: إلغاء الاحتفالات اليهودية بجزيرة جربة بسبب الحرب على غ ...
- المسلمون.. الغائب الأكبر في الانتخابات الهندية
- نزل قناة mbc3 الجديدة 2024 على النايل سات وعرب سات واستمتع ب ...
- “محتوى إسلامي هادف لأطفالك” إليكم تردد قنوات الأطفال الإسلام ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - بهاء البطاح - عندما انتحر.. تعتدل الدنيا ج (اعتراضيات)