أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - إبراهيم جركس - نظرية النشوء والتطور (الحلقة الثالثة)















المزيد.....

نظرية النشوء والتطور (الحلقة الثالثة)


إبراهيم جركس

الحوار المتمدن-العدد: 2842 - 2009 / 11 / 28 - 15:45
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


*المحاور الرئيسية في نظرية التطور

3) الانتقاء الطبيعي Natural Selection
(( الانتقاء الطبيعي يحدث في العالم كل ساعة وكل يوم، وكل تغير مهما كان ضئيلاً يرفض الصفات السلبية ويحافظ على الصفات الحسنة ويضيف إليها، وهذه التغيرات تعمل بصمت وبشكل غير محسوس، ونحن لا نرى أياً من هذه التغيرات البطيئة حتى تمر فترات زمنية طويلة وعصور سحيقة)) [تشارلز داروين، اصل الأنواع: التطور عن طريق الانتقاء الطبيعي].
بإمكاننا اختصار تعريف الانتقاء الطبيعي بما يلي ((هو عملية تطورية عمادها بقاء الأصلح، عملية طبيعية تعيش بواسطتها الأنواع التي تستطيع التكيف مع محيطها، أما التي تعجز عن التكيف فتنقرض)).
إن مساهمة داروين الأساسية كانت في اكتشافه نظرية الانتقاء الطبيعي، بقاء الأصلح والأنسب والأكثر ملائمة، التفسير المادي المبدع لعملية التطور. وقد كان هناك عدة مظاهر وأشكال لنظرية الانتقاء الطبيعي كحجج استنتاجية. هنا نورد ثلاثة: 1) جميع الكائنات تنتج أعداداً من نسلها أكثر بكثير من اللازم لاستبدالهم، إلا أن عدد أفراد كل نوع يبقى ثابتاً. لذلك، نلاحظ وجود هناك أخلاقيات تفاضلية تتمثل في: الصراع من أجل البقاء. 2) جميع الكائنات تظهر علائم تغيرات متوارثة. لذلك، تلك الكائنات تتوارث كافة التغيرات التي تساعدها في صراعها من أجل البقاء، كما أنها ستمررها إلى الأجيال التالية. 3) البيئة ليست مستقرة. لذلك، هذه التغيرات المتوارثة والتي لها الأفضلية ضمن البيئة المتغيرة هي التي سيتم اختيارها، وستتغير الأنواع كي تحافظ على تلاؤمها مع بيئتها.
تم تكييف هذه الأفكار منذ عام 1870 من قبل ألفريد رسل والاس. حيث أنها تمثل التأثيرات التي تتركها البيئات المتغيرة، والثبات الملاحظ في أعداد من الأفراد.
أورد الفيلسوف "أ. جي، فلو" نموذجاً مختصراً للنظرية: 1) المعدل الهندسي للتزايد + مصادر طبيعية محدودة = صراع من أجل البقاء. 2) صراع من أجل البقاء + تغيرات طارئة = انتقاء طبيعي 3) الانتقاء الطبيعي + فترة زمنية = تحسينات وتطويرات بيولوجية. [موسوعة العقل، ص 237]. يشدد هذا النموذج الحدود النظرية على المصادر البيئية أكثر من الأعداد السكانية الثابتة والمستقرة والبيئات المتغيرة، كما أنه يقدم لنا فكرة "التحسين Improvement". فالشيء الذي يتم تحسينه غير محدد.
هناك نموذج مختصر آخر على الشكل التالي: 1) جميع الكائنات الحية عليها أن تتكاثر 2) جميع الكائنات الحية تعرض تغيرات جينية 3) التغيرات الجينية تختلف في تأثيرها على التناسل والتكاثر4) لذلك، التغيرات الجينية التي تتميز بتأثيرات مرغوبة على عملية التناسل سوف تنجح وتستمر، أما تلك التي لم تنتج عنها أية تأثيرات مرغوبة، أو أن تأثيراتها غير مرغوب بها، فستفشل في النهاية، وستتغير أقسام من المادة الوراثية. ويؤكد هذا النموذج على جينات المتغيرة، والنجاح التناسلي أكثر من العوامل البيئية.
إذا أمكن تقديم الانتقاء الطبيعي كحجة استنتاجية حيث تتبع النتائج منطقياً المقدمات، عندها يجب أن تكون النتائج صحيحة إذا كانت المقدمات صحيحة. وإذا أثبت أن إحدى هذه المقدمات، أو الثلاثة، صحيحة بالتجربة، عندها لابد من حدوث الانتقاء الطبيعي.
لكن يجب أن نوضح تماماً ما الذي تم انتقاءه: الانتقاء الطبيعي يدور حول البقاء التفاضلي، أو بمعنى آخر، الانقراض التفاضلي. ما هي الوحدات التي ستنجو أو تنقرض، هل الجينات هي المعنية هنا، أم أجزاء معينة منها (نوكليوتيدات ثلاثية أو مفردة)، أم المقصود هنا الكروموسومات، أو الأنماط الجينية الداخلية (التعليمات الجينية للأفراد)، أو الأنماط الخارجية الظاهرية (كأن تعبر كل عضوية عن أنماطها الجينية الداخلية), أو مجموعات من الأفراد، أو الأنواع؟
تركيبة والاس عن الانتقاء تشير إلى الأنواع، وفلو ربما يشير إلى الأفراد، أما التركيبة الثالثة فهي تشير إلى الجينات: فهل هذه النماذج الثلاثة صحيحة؟... كافة التعابير التي تصف الانتقاء الطبيعي تثير تفاعلات، لأفراد الكائنات العضوية مع بيئة غير عضوية، مع الأفراد الآخرين في التناسل، مع أفراد من أجناس أخرى في علاقة المفترس ـ الفريسة، وهكذا. كما أن أوصاف الانتقاء الطبيعي تثير انقسامات وتضاعف الجينات، أو الأفراد الذين يحملون تغيرات وطفرات مرغوبة. فالمادة الوراثية والكروموسومات تطفر وتتضاعف، إلا أن _وبما أنها لا تتفاعل مع البيئة_ الانتقاء الطبيعي لا ينطبق عليها بشكل مباشر. إنها الكائنات العضوية الحية أو الأنماط الظاهرية _تواريخ الحياة_ هي التي تتفاعل مع البيئة، لكن الأنماط الجينية الداخلية لأية عضوية حية _أو مجموعة الكروموسومات بمعنى آخر_ تنفصل عن بعضها وتتغير عند إنتاج البويضة أو الحيوان المنوي، حيث أن الأفراد (بصفتهم مجموع الأنماط الظاهرية والأنماط الجينية) لا يتكاثرون أو ينقسمون هم بأنفسهم بالمعنى الحرفي للعبارة.
في شبكة العلاقات التي تربط بين السلف والخلف على مر الأجيال والتي تكلمنا عنها في الحلقة الماضية، فالوحدات التي تتمكن من البقاء تفاضلياً، أو التي يتم انتقائها، هي أجزاء من المادة الوراثية DNA الطويلة. إذا كانت هناك تغيرات انتقائية بعد عدة أجيال، فبعض أجزاء المادة الوراثية في الجيل الأصلي سيتم تقديمها في عدة نسخ إلى الجيل الأخير، وأخرى لن يتم تقديمها أو نقلها إلى الأجيال التالية على الإطلاق، لأنها انقرضت عندما فشل الكائن الذي كان يحملها بالتناسل والتكاثر. ومن أجل تلخيص التغير الذي طرأ هنا، يجب علينا استخدام تعبير "مسبح أو مستنقع الجينات". على مر الأجيال، تحدث تغيرات عديدة في مستنقع الجينات الخاص بأي نوع من الأنواع. طبعاً، لم ير أي أحد مستنقع الجينات هذا أو سبق أن غمس إصبعه فيه، فهذا تعبير مجازي ومجرد، كما أن التأثير المحسوس الذي ينجم عن التغيرات سيكون تغيراً في الأنماط الظاهرية للأفراد.
أحد التعبيرات التي تستخدم لوصف الجينات هي أنها ((جزء من الكروموسوم الذي يستمر ويحافظ على بقاءه من جيل إلى آخر، ويتصرف كوحدة أساسية في الانتقاء الطبيعي)) [موسوعة العقل، 238]. قد يبدو هذا التعريف بلا أي معنى، كما لو أننا علينا أن نفهم الانتقاء الطبيعي قبل أن نفهم الجينات، إلا أن فهم واستيعاب آليات الانتقاء الطبيعي يعتمد على استيعاب الجينات وطريقة عملها. إلا أن ذلك على الأقل يؤكد النقطة التي تقول: لأن الكروموسومات تنفصل عن بعضها بشكل عشوائي في كل جيل، فذلك يعني أنه ليس هناك أية وحدة بإمكانها البقاء سليمة ودون أن يطرأ عليها أي تغيرات على مر عدة أجيال. طبعاً، هناك نظرية "الانتقاء الطبيعي التطفلي Hitch-hiking Natural Selection" وهو تطفر محايد ومفيد قد ينتشر لأنه يحدث بالتوافق مع تطفر مفيد آخر، وعندها ينجو كلاهما ويستمر كوحدة دون انفصال أثناء الانقسام.
لأن بعض الكائنات العضوية تظهر بعض الخصائص المتميزة كالعناية الأبوية، أو التنظيم الاجتماعي بطريقة قريبة من القرابة الشاملة، فالعائلة أو المجموعة التي تربطها صلة القربى قد يكون لديها تماسك كاف للتصرف كوحدة من الانتقاء الطبيعي، أي الانتقاء العشائري كما يطلق عليه.
أما ما الذي يلي صلة القرابة فالأمر يعود إلى الهرمية الجينيالوجية للسكان والأنواع. على غرار الجماعات التي تربطها صلات القرابة، يرتبط أفرادها ببعضهم عن طريق السلالة والنسب، عن طريق مستنقع جيني مشترك، كما أنها قد تتصرف كوحدات للانتقاء، أو للبقاء التفاضلي. إنه أمر يدعو للشك في ما إذا كان أفراد نفس الأنواع يتفاعلون لدرجة قد يصبح أحد المستنقعات الجينية منقرضاً: دمج أو خلط المستنقعات الجينية عن طريق التزاوج الضمني هو النتيجة المحتملة (مع أن بعض التفاعلات بين أفراد البشر قد نتج عنها انقراض، إبادة جماعية من دون تزاوج ضمني). إلا أن الأنواع المختلفة يبدو أنها تتفاعل بنفس الشكل. ليفكر أحدكم بفناء الأجناس والأنواع المحلية في جزر غالاباغوس والقاطنين الآخرين المقربين بعد إنتاج حيوانات مثل الخنازير والماعز. في هذه الحالة، فإنكم تفكرون في انتقاء الأنواع _وسنتناول هذه النقطة في الحلقة القادمة_ وهذا بذاته يقلل من التنوع، ولا يولده.
الملاحظات التي فسرها الانتقاء الطبيعي هي "التكيف"، التصميم الظاهري للكائنات من أجل ملائمة البيئات التي تعيش فيها. إن حجة التصميم كانت إحدى الدعامات الرئيسية قبل الداروينية بالنسبة للاهوت الطبيعي: دليل على وجود خالق ومصمم ذكي. إن نظرية داروين في الانتقاء الطبيعي أسقطت أسس تلك الحجة.
إن النظرية الداروينية المحدثة للانتقاء الطبيعي بجوهرها هي أن الطفرات تظهر بشكل عشوائي، من دون إمكانية الرجوع من البيئة لتوجيه أو التأثير على نوع الطفرات الضرورية اللازمة، والتفاعل بين البيئة و الكائنات العضوية الحية يحتمل ظهور الطفرات الجيدة الناجحة أو السيئة الفاشلة. تركيبة والاس عن الانتقاء الطبيعي يؤكد على البيئة المتغيرة كقوة دافعة، ولكن من المحتمل وجود وجهة نظر بديلة، للعالم الساكن غير العضوي والذي اكتشفته الحياة عن طريق الانتقاء الطبيعي، حيث أن البيئة بشكل أو بآخر هي من صنع العضويات نفسها. فعلى سبيل المثال، من الصعب تصور التغير البيئي الذي سيقود في الأصل النباتات المائية لاستعمار اليابسة، أو الحيوانات البرية أن تصعد إلى السماء: اليابسة والسماء هما موجودتان، لكنهما لا يكونان أي جزء من البيئة القابلة للسكن حتى تقوم الكائنات العضوية بذلك. طبعاً، ما أن يصبح هناك نباتات على اليابسة، أو طيور تحلق في السماء، سيكون بإمكاننا أن نتصور بسهولة منافع أن تصبح فينا بعد أبقاراً وطيور سنونو.
لكن التكلم عن الأبقار والسنونو يجلب معه مشكلة الانتقاء الطبيعي. سمتان مختلفتان تماماً من النظرية ينبغي التفريق بينهما. أحدها متعلق بأشياء كالأبقار، السنونو، ورقبة الزرافات. أما الأخرى فهي تتعلق بمسألة الانتقاء داخل مجموعات الأفراد، وهي أساس علم الجينوم السكاني. بالنسبة للنوع الأخير، ليس هناك أدنى شك أنه ناجح وفعال. النموذج الاستنتاجي للحجة يثبت أنه ينبغي أن يكون ناجحاً، وهناك دلائل تجريبية وملاحظات على أنه يعمل فعلاً. الحالة الكلاسيكية للانتقاء الطبيعي في مجتمعات الأفراد تتضمن افتراس الطيور لحشرات العث الوامضة والمعتمة في بريطانيا الصناعية والريفية [Evolution: The history of an idea. Bowler 1984]، تطوير المناعة في البكتريا ضد المضادات الحيوية/ الأنتي بيوتيكس، والحشرات ضد المبيدات، والفئران ضد سموم الفئران. والعلاقة بين فقر الدم المنجلي عند البشر والملاريا في أفريقيا. هذه الأمثلة تغطي نوعين للانتقاء. في حالة المناعة ضد المضادات الحيوية والمبيدات، فالمستنقع الجيني لمجموعات الأفراد يتغير ويتبدل: الأنماط الداخلية القاتلة والمهلكة بالنسبة للفرد يتم التخلص منها، أما تلك الهامة من أجل بقائه واستمراره فإنها تبقى وتتضاعف. هذا هو الانتقاء الموجه Directional Selection، حيث أن هناك تغيراً وانتقال من حالة إلى أخرى. الميلانين عند حشرات العث وفقر الدم المنجلي عند البشر هما أمثلة عن الانتقاء مثبت [من الثبات والرسوخ] والتطبعي [من الطبيعة] Stabilizing & Normalizing Selection، والذي لا يظهر كانتقال أو تغير، بل كحفاظ وبقاء النموذج على حاله بعد التخلص من المتغيرات. في كلا المثالين، يحدث أن يكون النموذج المستقر مجموعة أفراد متعددة ومختلفة، وفي بعض الأحيان يدعى هذا بالانتقاء المتوازن Balancing Selection. هناك نوع آخر من الانتقاء وهو واضح جداً لدرجة أننا لا نعيره أي انتباه في الحالة العادية، الأمثلة هي النجاح الإنتاجي الفقير للناس الذين يعانون خللاً وعيوب جينية والتي تبعدهم عن النموذج أو المعيار. تلك العيوب يتم التخلص منها من خلال ما يطلق عليه اسم الانتقاء التطهيري Purifying Selection. الاصطلاحات قد تبدو هنا متنوعة ومعقدة، إلا أننا بشكل عام يمكننا التفكير بالانتقاء الطبيعي على أنه إما تغير مزيل (تطهيري، موجه) أو أنه محافظ (متوازن، تثبيتي)، أو أنه أيضاً يقوم بترقية التغيرات وتحسينها (موجه) أو يحافظ على الحالة كما هي (تطهيري، مثبت).
بالنسبة للداروينيين المحدثين، إن أهم أنواع الانتقاء الطبيعي هو الانتقاء الموجه (تفسير التغيرات الناتجة) والانتقاء المتوازن كتفسير للتغيرات الملاحظة. إن أصل أو أساس التغير هو تبديل شكل من الجينات، أو جزء من الكروموسوم، بشكل جديد متطفر. وسيتم ذلك عندما يمنح النموذج المتطفر تقدماً نسبياً، وينتشر عبر الجماعات. ومعدل الانتشار يعتمد على درجة التقدم والفائدة أو ضغوط الانتقاء (معدل الوفيات الانتقائية بالجيل الواحد) وعلى ما إذا كانت الطفرة محصورة فقط بين أولئك الذين توارثوها من كلا الأبوين (متجانس Homozygous)، أو مهيمن (متباين Heterozygous وهو للتعبير إذا حصل التوريث فقط من أحد الأبوين)، أو متوسط (وهو للتعبير إذا كان التوريث من كلا الأبوي وأحدهما أكثر من الآخر). التغيرات لا يمكن إلغائها إلا في حال أن الجينات في النموذج الأصلي قد اختفت، حيث أن الطفرات تصبح أكثر ترسخاً وثباتاً، أو أنها تصبح عامة وشائعة بين أفراد الجماعة. فالترسيخ يتحقق بشكل أسرع عندما لا تكون الطفرة لا مهيمنة ولا محصورة بل متوسطة، والتي على الأرجح أنها صحيحة بالنسبة لمعظم الطفرات التي تحدث على مستوى الجزيئات والبروتينات.
يحدث الانتقاء المتوازن عندما ترث الكائنات العضوية المتباينة أشكال مختلفة من الجين من كلا الأبوين، وهو أكثر نجاحاً من الكائنات العضوية المتماثلة والمتجانسة. هنا سيقوم الانتقاء بإلغاء الكائنات المتجانسة في كل جيل، إلا أنه لن يغير توازن جزأين أو أكثر من الجينات. الانتقاء المتوازن هو التفسير الذي يعتمده أتباع الداروينية المحدثة لتفسير حدوث التباينات التي تمت ملاحتها في جماعات الأفراد الطبيعية. والافتراض هو أن الكائنات المتباينة الجنس Heterozygotes هي أصلح وأفضل من الكائنات المتجانسة أو المتماثلة الجنس Homozygotes لأنها تمتلك مصفوفة أكبر من المصادر للتعامل مع المتغيرات البيئية. هناك تفسير آخر وهو التفسير "اللا دارويني" وهو أن التغيرات اللاحظة التي طرأت على البروتينات هي تغيرات محايدة بشكل انتقائي، أي أنها لا تقدم أية فوائد حقيقية أو أعطال فعلية، كما أنها تحدث عن طريق الصدفة المحضة، عن طريق التراكم الجيني الفوضوي والعشوائي. بهذه النظرية المحايدة، إن الطفرات غير الضارة قد تنتشر وتصبح أكثر ثباتاً ورسوخاً _أو حتى أنها قد تزول_ ومن خلال الصدفة. وكما هو الحال في الانتقاء الطبيعي، تظهر لنا التجارب أن التراكم الجيني يحدث، وخصوصاً ضمن الجماعات الصغيرة حيث تكون عينات الانحراف أو التطور أكثر احتمالاً، كما أن هناك نظرية رياضية متطورة جداً تشرح كيف أن الطفرات شبه المحايدة قد تنشط ضمن الجماعات.
حتى الآن، لقد تم إثبات استحالة التمييز بين هاتين الآليتين، الانتقاء الطبيعي الدارويني التراكم المحايد، أما بشكل عام، فالحيادية قد حققت الكثير من النجاحات الحالية. جوهرياً، تتوقع الداروينية المحدثة أن أي تغير محتمل هو مرتبط بالتغيرات والتحولات البيئية، أما أنصار نظرية الطفرات المحايدة فهم يقولون ينفون ذلك. وعندما تتحدد إحدى هذه المتغيرات مع أحد التغيرات الجينية، كما حصل في الملاريا والخلايا المنجلية عند الإنسان، قد يبدو الأمر وكأنه انتصار سجل للداروينية المحدثة، إلا أن هناك آلافاً مؤلفة من البروتينات المتعددة التي ستريح بال أتباع الحيادية.
أخيراً نقول أن الانتقاء الطبيعي هو الفكرة التي تقول أن الكائنات قد تشكلت أو صممت على يد البيئة، حيث يتم التخلص من الصفات أو الخصائص غير المرغوبة، والاستعاضة عنها بخصائص جديدة أفضل منها وأكثر فعالية تساعد النوع على البقاء والاستمرار.
يقول داروين في ختام مقدمته لكتاب "أصل الأنواع" (( من من الباحثين يستطيع أن يوضح لنا سر أن نوعاً ما يكون كثير الذيوع وافر العدد، وأن نوعاً آخر يمت إليه بحبل النسب يكون قليل الانتشاء ضئيل العدد؟ وعندي أن لهذه الصلات من الشأن ما لا وراءه في الاعتبار غاية، لأنها تحدد لكل كائن يعمر. هذه الأرض نصيبه من التفوق والغلبة في هذا لزمان، وفيما سيعقبه من الأجيال. كذلك يغيب عنا ما كان من أمر هذه الصلات المتبادلة وأثرها في الكائنات الوفيرة التي عمرت الأرض خلال العصور الجيولوجية الخالية. ومهما يكن من استغلاق هذه الحقائق علينا في هذا الزمان، ومهما يكن من اعتقادي في بقائها مستغلقة دهوراً متطاولة في مستقبل الأيام، فإني بعد إذا أنفقت ما أنفقت من الوقت في البحث وتقليب الأسفار، وكثرة التأمل والاستبصار، وبما عرفت من الأحكام والاستنتاجات الجلى، وبما لي من الثقة في ذلك كله، لا يمر بي خلجة من الشك في أن ما كنت أقطع به، كما قطع الطبيعيون من القول بأن كل نوع من الأنواع قد خلق مستقلاً بذاته، خطأ محض)).

مصادر أخرى للاستزادة
• أصل الأنواع، تشارلز داروين
• الجديد في الانتخاب الطبيعي، ريتشارد دوكينز





#إبراهيم_جركس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نظرية النشوء والتطور (الحلقة الثانية)
- هذا هو ردي
- ما العدمية؟
- دكتور عالم أم شيخ مفتي؟!!
- نظرية النشوء والتطور (الحلقة الأولى)
- أوديب: بطل على مفترق طرق
- الشواش: العلم الجديد
- سيكولوجية الخضوع 2
- سيكولوجية الخضوع والطاعة (1/2)


المزيد.....




- فيديو لرجل محاصر داخل سيارة مشتعلة.. شاهد كيف أنقذته قطعة صغ ...
- تصريحات بايدن المثيرة للجدل حول -أكلة لحوم البشر- تواجه انتق ...
- السعودية.. مقطع فيديو لشخص -يسيء للذات الإلهية- يثير غضبا وا ...
- الصين تحث الولايات المتحدة على وقف -التواطؤ العسكري- مع تايو ...
- بارجة حربية تابعة للتحالف الأمريكي تسقط صاروخا أطلقه الحوثيو ...
- شاهد.. طلاب جامعة كولومبيا يستقبلون رئيس مجلس النواب الأمريك ...
- دونيتسك.. فريق RT يرافق مروحيات قتالية
- مواجهات بين قوات التحالف الأميركي والحوثيين في البحر الأحمر ...
- قصف جوي استهدف شاحنة للمحروقات قرب بعلبك في شرق لبنان
- مسؤول بارز في -حماس-: مستعدون لإلقاء السلاح بحال إنشاء دولة ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - إبراهيم جركس - نظرية النشوء والتطور (الحلقة الثالثة)