أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عبدالوهاب النعيمي - طقوس العيد في مدينة الموصل















المزيد.....

طقوس العيد في مدينة الموصل


عبدالوهاب النعيمي

الحوار المتمدن-العدد: 2840 - 2009 / 11 / 26 - 18:45
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    



هل من شيء ابهى او اجمل او اسعد من ايام العيد؟ سؤال طرحه الباحثون في اماكن متفرقة ومدن عديدة تتوزع على قارات الارض الخمس، وقد اجمعت اجابات الصغار والكبار من مواطني تلك المدن والجزر والصحارى والجبال الى ان صباحية العيد، هي صباحية السعادة المطلقة.
قال احد مواطني جزيرة في المحيط الهادي:
اجد في صباح اول يوم من ايام العيد كل سعادة السنين التي انصرمت من عمري.. اجلس على الكرسي الهزاز مع لحظة ولادة ذلك الصباح، اتأمل البحر من امامي، وخلال تلك اللحظات الهادئة اعيد عبر مخيلتي صباحات الاعياد الماضيات في عمري، كل صباح يمثل خطوة من سعادة تكمل ماسبقها من خطوات وترتبط بما يليها من لاحقات، تشكل في ترابطها ذلك الفيض الكبير المتدفق في خلايا نفسي كما الشلالات ذلك هو العيد!!

صورة العيد في زمن الاشوريين
اذا كان ذلك الشيخ في تلك الجزيرة النائية الواقعة في المحيط الهادي يجد سعادة كل سني عمره وايامها في لحظة ولادة الدقيقة الاولى من صباح اول ايام العيد، فكيف يجده العراقيون القدامى، وكيف يستقبل العراقيون اعيادهم.

وبأية طقوس؟
يأخذني الحكيم (ادابا) الى صباح اليوم الاول من اعياد رأس السنة الاشورية التي تستغرق الاحتفالات فيه احد عشر يوماً بلياليها.. يكشف الستار عن مشهد لساحة الاحتفالات الكبرى وسط مدينة نينوى عاصمة الاشوريين، كل شيء في تلك الساحة الواسعة الممتدة الى البعيد في الاطراف الاربعة يوحي بالجمال، الفرح يملأ صدور عامة الناس من كل الفئات والاعمار وهم يؤدون طقوس احتفاليتهم في الصباح الاول للعيد بكثير من السعادة والابتسامات تملأ ثغورهم، اكاليل الورود تنتشر في كل زاوية او منعطف من المناطق المطلة على الساحة، والفتيات من كل الاعمار يسرن باتجاه مبنى المعبد الكبير في صدر الساحة حاملات باقات جميلة من ورود الزينة الربيعية، وهن في وسط الساحة يظهرن كباقات اجمل من كل الورود..
بالقرب من مبنى المعبد المزدانة جدرانه باوراق الزيتون وزهرة البيبون واشرطة الورود الاخرى، تنتصب منصة الاحتفالات.
*في لحظة شروق الشمس، تتوقف عربة يترجل عنها الحكيم الاشوري (ادابا) ليقف امام مدخل المنصة باستقبال وصول الملكة والملك اللذين يترجلان من عربة كبيرة مطهمة خيولها وجوانبها بكثير من معالم الزينة والكثير من اكاليل الورود..
تقف الملكة الاشورية بثوبها الفضفاض الذي يصل حد القدمين، وعلى كتفيها شال عريض مزين بحلي دائرية، صغيرة الحجم ينتهي بشراشيب كثيفة، وقد احاطها الملك الشاب بذرعيه القويتين وهو يرتدي راداءه الاحمر الفضفاض وقد زين تاجه بشرائط من الذهب تتدلى من الاعلى على شكل زهرة البيبون.
*انها تقاليد اليوم الاول لبدء الاحتفالات في العيد.. كما تشير الرقم الطينية المتوارثة عن الاشوريين، فالملك (اسرحدون) كما يشير احد نصوص تلك الرقم احتفل مع رعيته باعياد رأس السنة، وهو العيد الرئيسي للاشوريين لمدة ثلاثة ايام متوالية في ساحة معبد (اي-شارا) فالاحتفالات كما يشير الحكيم الاشوري آدابا تحقق فرصة لاجتماع الملك بافراد شعبه لابراز عدالته واهتمامه باحوالهم وامورهم، وبالمقابل لكسب ودهم وضمان اخلاصهم وولائهم له.
وتشهد ايام العيد تكريم الابطال والحكماء في الساحة العامة، وقد خلدت تقاليد وطقوس الاحتفالية في ايام العيد على مسلات ومنحوتات كثيرة متوارثة.
*كان الاشوريون مغرمين جداً بالالعاب التي يمارسها لاعب واحد او اكثر في اعيادهم واشهرها الرماية والصيد، حيث كانوا في بعض الاحيان يصوبون سهامهم على اهداف ثابتة واحياناً نحو الطيور المحلقة بالسماء. وكذلك ركوب الخيل والمسابقات الجمالية.
*تقول بعض الترجمات الاشورية المدونة ان ملابس الاحتفالات التي يرتديها الملك والملكة والكهنة والحكماء وعامة الناس في ذلك الزمان تخدم مفاهيم سحرية خاصة، حيث لعبت الالوان دوراً مهماً في هذه المفاهيم، وبخاصة اللونين الابيض والاحمر.
فالملابس الاحتفالية للملوك وكبار الكهنة كانت تعد رمزاً للوراثة على العرش، ويتألف رداء الملك من قطعة تلف حول الجسم كالساري الهندي، بحيث يشكل احد طرفيها قميصاً والآخر غطاء للرأس والكتف، ويزين بوفرة بالحلي والمجوهرات المصاغة على شكل وردة مزخرفة بمشاهد دينية، وتصنع هذه الحلي عادة من الذهب للملك والملكة، ومن الفضة لكبار الوزراء والكهنة ومن مادة البرونز لبقية الناس الذين يرتدون في الاعياد القمصان التي تصل بطولها حد الركبة وفوقها عباءة تصنع عادة من الصوف واحياناً من الكتان او القطن، ونادراً من الجلد بالوان تتضمن الازرق والاحمر والارجواني والابيض.
اما ملابس النساء فتتكون عادة من قطعة قماش تمر بين ساقي المرأة وتربط حول وسطها، وفوقها عباءة او وزرة فضفاضة تمتد من الكتفين حتى الكامل، قصيرة الاكمام، وتشد المرأة على وسطها زنازاً وتعصب رأسها بعصابة ملونة.
واستعمل الاشوريون في الاعياد والاحتفالات الخف كحذاء يربط بسير جلدي يمر فوق القدم وحول الاصبع الكبير، فيما ارتدى الرجال والنساء على حد سواء في اعيادهم المجوهرات والحلي.
*فنساء العامة ارتدين الخلاخل وهو تقليد استمر بين النسوة الريفيات في العراق حتى الوقت الحاضر، اما نساء الاثرياء فقد ارتدين حلياً زينت صدورهن، مصنوعة من مواد نفيسة واحجار كريمة كالعقيق الابيض، وسلاسل الذهب، فيما ارتدى الرجال التعويذة السحرية في الرقبة على شكل عفريت كتب عليها عبارات سحرية لابعاد الارواح الشريرة.
وارتدى الرجال والنساء من الاغنياء الاساور في معاصمهم التي صيغت على اشكال الورود، تبدو في المعاصم وكأنها ساعات الرسغ التي نرتديها حالياً، كما ان اراتداء الاقراط للرجال والنساء كان ايضاً شائعاً وهي ذات شكل هلالي تصنع من الذهب او الفضة.
*واستعمل الاشوريون مرايا ذهبية وفضية كانت تصقل بنوع خاص من الجلد وكذلك الامشاط المصنوعة من الخشب او العاج، فضلأً عن شفرات الحلافة.
*وكما يشير الشيخ جلال الحنفي فأن العرب قبل ظهور الاسلام كانت قد أتخذ لها اعياداً خاصة بالمناسبات، وقد الغى الاسلام تلك الاعياد واكتفى بالعيدين الرئيسين وهما عيد الفطر وعيد الاضحى وجعلهما عيدين يتسمان بسمة دينية، اذ تقام عند قدوم كل منهما صلوات وتكبيرات خاصة، وتلقى فيها خطب منبرية، تنبه الناس الى امور دينهم وتحذرهم وتعمهم وترغبهم وترهبهم.
فالعيد في الاسلام على رأي الشيخ الحنفي يعد وعاءاً للاعمال الطيبة ومكارم الاخلاق اذ يصل الانسان رحمه ويذهب البغضاء.
ويحتفل المسلمون كافة باعيادهم باقامة العديد من الالعاب والمباهج الشعبية.
وتقام في بعض اطراف مدينة الموصل اماكن خاصة للاحتفالات تكون ملأى بالمراجيح والنواعير الدوارة وينشط الباعة الجوالون في تواجدهم في مثل تلك الاماكن لبيع جميع انواع الاطعمة مثل العنبة المحشوة داخل صمونة او البيض والطرشي والمخللات وانواع المكسرات (الجرزات) وانواع الشرابت كشربت عرق السوس والتمرهندي والبرتقال ونومي البصرة البارد فيما يحتوي مكان آخر سباق الخيل والعاب الفروسية والمسابقات التي لا تعتمد المراهنات النقدية، ويتواجد في تلك الاماكن الطبالون والزمارون وقد تزينوا بكثير من الاشرطة الملونة كما المهرجين في العاب السيرك.
وتعقد الدبكات وينطلق المغنون (الهواة) بالغناء بطابعه المحلي الاغنية والابوذية والمواويل، فيما يقوم اصحاب عربات الخيل (الربل) بتزيين الاحصنة وجوانب العربات باشرطة واجراس، للتأكيد على خصوصية الاحتفال بالعيد، واعظم مايسر الاطفال هو ركوبهم تلك العربات ذهاباً واياباً من منطقة (تل تريمة) في باب الجديد الى حديقة البهو (في ساحة البلدية الحالية على رقبة جسر الحرية الحالي، وكانت تسمى حديقة البهو نسبة لفصلها عن حديقة الشهداء التي انتصبت في مدينة الموصل عام 1926 وكانت واحدة من سبع حدائق معروفة في بلدان العالم وان ابواب الحديقة كانت تقفل ايام العيد على خلاف الايام الاخرى تخوفاً من قيام الاطفال بقطف ازهارها او كسر اشجارها، او العبث في تشكيلات هندستها، وهي من الاماكن التي تتجمع حوله او بداخله عوائل الموصل في المناسبات وكذلك ايام الاعياد.
اما في الساحل الايسر من مدينة الموصل، فأن تل التوبة وهو التل المجاور لمبنى جامع النبي يونس فأن مراجيح العيد معروفة هناك يؤمها الاف الاطفال منذ ساعات الصباح الاولى وحتى غروب الشمس.
فيما يتخذ الرجال من المقاهي مقرات للقاءاتهم.
يمارسون خلال جلساتهم الكثير من الالعاب مثل الدومينو والطاولي و (السي ورق) وغيرها مما يوجد في المقهى من العاب رجالية خاصة، فيما تقوم العوائل الموصلية خلال العصاري او في الامسيات بزيارات بعضهم البعض حاملين اواني المعجنات التي تتبارى النساء في جودة صنعها مثل (الكليجة، والبقلاوة والشكرلمة) وغيرها مما يتطلب وجوده على المائدة الموصلية خلال ايام العيد.
تلك هي ابرز طقوس العيد في مدينة نينوى الاشورية قبل ثلاثة الاف سنة، ومن بعدها في مدينة الموصل الحالية، والتي مايزال البعض منها قائماً، وازالت برامج الفضائيات الكثير من طقوس أخرى، لتمحي عن الخارطة الشعبية بعد سنوات لاحقة أبهى واجمل طقوسها في احتفالات العيد.. وكل عام وانتم بخير.



#عبدالوهاب_النعيمي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- واقع القصة القصيرة في الموصل
- في مشغل الفنان التشكيلي عوني سامي صياغة الواقع .. برؤية الحل ...


المزيد.....




- مسجد باريس الكبير يدعو مسلمي فرنسا لـ-إحاطة أسرة التعليم بدع ...
- جيف ياس مانح أمريكي يضع ثروته في خدمة ترامب ونتانياهو
- وثيقة لحزب الليكود حول إنجازات حماس
- رئيس الموساد: هناك فرصة لصفقة تبادل وعلينا إبداء مرونة أكبر ...
- لقطات جوية توثق ازدحام ميناء بالتيمور الأمريكي بالسفن بعد إغ ...
- فلسطينيو لبنان.. مخاوف من قصف المخيمات
- أردوغان: الضغط على إسرائيل لوقف حرب غزة
- محلات الشوكولاتة في بلجيكا تعرض تشكيلات احتفالية فاخرة لعيد ...
- زاخاروفا تسخر من تعليق كيربي المسيء بشأن الهجوم الإرهابي على ...
- عبد الملك الحوثي يحذر الولايات المتحدة وبريطانيا من التورط ف ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عبدالوهاب النعيمي - طقوس العيد في مدينة الموصل