أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - كمال الجزولي - ولو بعد دهر!















المزيد.....

ولو بعد دهر!


كمال الجزولي

الحوار المتمدن-العدد: 862 - 2004 / 6 / 12 - 08:21
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


مرَّت ، قبل أيام ، ذكرى انقلاب 25 مايو 1969م ، ليرتفع فحيح (الكير) الذى درجت على نفخه ، كالعادة ، جهات ذات مصلحة فى الابقاء على (تهمة) تدبيره مشتعلة حول الحزب الشيوعى ، لا تخبو جذوتها أو ينعس وميضها!
أغرب ما فى هذه الحملة أنها تتحرَّك بمنطقين شديدى التباين: منطق الساعين للايهام بأن الحزب لم يقبل بالديموقراطيَّة إلا ريثما يمكنه الانقضاض عليها ، ومنطق الهادفين للايحاء بأن المرحوم عبد الخالق لم يكن (ثورياً) بما يكفى لتحمُّل تبعة الانقلاب الذى شارك فى اتخاذ قراره ، فنكص عنه فى آخر لحظة ، ولكن عندما نجح وصار واقعاً سعى للاستئثار بثماره (!) وأبرز القائلين بهذا السيد أحمد سليمان الذى نركز عليه هذه الاضاءة.
ومن نماذج إيحاءاته الباكرة سعيه للربط ، بطريق غير مباشر ، بين الحزب والانقلاب ، من خلال محاولته إثبات (نفوذ) موسكو على الحزب ، ضمن كتيِّب أعده بطلب من بعض أجهزة الحركة الاسلاميَّة!
فبعد أن أطنب فى الحديث عن هذا النفوذ الذى يعنى التأثير على أدق (خيارات) الحزب ، عرض لواقعة سفر وفد عسكرى إلى موسكو قبيل الانقلاب لإتمام صفقة سلاح قائلاً عن السوفيت إنهم ".. كانوا يعلمون .. ما يدبر بليل .. وكانوا قد تحوَّطوا لكل احتمال .. فأعدوا لاستقبال الوفد .. أحسن استقبال ، ليكون ذلك شاهداً على عدم صلتهم بل ومعرفتهم بما يدور فى الخرطوم من تخطيط للاطاحة بالسلطة" (من سجل الحركة الشيوعيَّة العالميَّة .. ، دار الفكر ، الخرطوم 1985م ، ص 53).
وقال فى موضع آخر: "بالرغم من حل .. كافة الاحزاب إلا أن الحزب الشيوعى .. احتل موقعاً مميَّزاً تمثل فى قائديه العسكريين فى مجلس قيادة الثورة ، رغم أنهما لم يشتركا فى .. إسقاط الحكم السلف ، بل رغم انسحاب العسكريين الشيوعيين من .. التنظيم السرى الذى واصل التخطيط لعمليََّّة الاستيلاء على السلطة وقادها بالفعل. وكان انسحابهم هذا قبل أسبوعين فقط من ليلة الخامس والعشرين من مايو بعد أن كانوا قد قطعوا فى طريق الانقلاب شوطاً بعيداً ، وبعد أن كانوا قد أسهموا فى الزج بآخرين فى المغامرة الخطيرة. وتمثل وضع الحزب الممتاز أيضاً فى أن نصيبه من عضوية مجلس الوزراء .. كان نصيب الأسد" (المصدر ، ص 54).
ثم قال فى موضع ثالث: "واغتنم الشيوعيون المشاركة فى الحكم .. للاطاحة بالسلطة الجديدة والظهور بمظهر المالك لها ، وكذلك فعل السوفيت .. و .. بدأ عبد الخالق .. يعد .. للسيطرة عليها تماماً .. فكان هناك عاملان جعلاه لا يكتفى بالوضع الممتاز .. للحزب .. أحدهما موضوعى والآخر شخصى: أما الأول فقد كان اقتناعه بحق الحزب فى الانفراد بالسلطة .. وأما .. الشخصى فقد كان الحرص على رد الاعتبار لذكائه ومقدرته على التحليل .. فقد كان السبب الرئيس ، بل الوحيد الذى دعاه لدعوة العسكريين للانسحاب من عمليَّة التحضير .. هو خوفه .. من فشل المحاولة. وكان بعضنا قد واجهه قبل أسبوع من يوم الانقلاب وكادوا يصفوه بالجبن ويتهموه بالخور .. الخ" (المصدر ، ص 54 ـ 57).
ولكن السيد أحمد لم يقل إن الانقلاب وقع فى سياق خلاف أيديولوجىٍّ عميق داخل الحزب بين تيارين: أحدهما كان يروِّج لحل قضيَّة السلطة عن طريق العمل العسكرى ، ويمثله السيد أحمد نفسه الذى كتب مقالاً قبل شهور قليلة من الانقلاب أجمل فيه خطته بوضع ميثاق شعبى تنفذه حكومة وحدة وطنيَّة يتولى الجيش حمايتها باعتباره القوة الوحيدة القادرة على ردع المغامرين العابثين .. الخ (الأيام ، 5 ، 6 ، 8/12/1968م).
أما عبد الخالق ، فى قيادة التيار الآخر ، فقد ردَّ على المقالة فى حينها بصحيفة (أخبار الأسبوع) ، منبِّهاً لخطورة الحديث عن الجيش بوصفه الأمل الوحيد للانقاذ ، لما ينطوى عليه ذلك من تجاهل لخبرة شعبنا مع الحكم العسكرى. وشدَّد على أن ما تحتاجه بلادنا ليس محض إجراءات الضبط والربط والتنفيذ السريع. وأن الحديث عن أجهزة الدولة كقوة منفصلة عن المجتمع غير سليم ، بل ومجاف للحقيقة. وأن الأمر الجوهرى الذى أغفلته خطة السيد أحمد هو إعداد الجماهير فكرياً وتنظيمياً لاستكمال الثورة الوطنيَّة الديموقراطيَّة (نص المقالة ضمن: القدال ؛ الحزب الشيوعى السودانى وانقلاب 25 مايو ، ط 1 ، الخرطوم 1986م ، ص 74).
ولم يقل السيد أحمد ، من جهة أخرى ، إن الخلاف قديم ، حيث أفضت صعوبات العمل فى إطار الديموقراطيَّة الليبراليَّة ، والحملة التى شنتها القوى التقليديَّة ضد الحزب ، إلى بروز تياره الفاقد للثقة فى الجماهير ، اليائس من أى جدوى للعمل الصبور وسطها ، المتطلع لاختزال كلِّ أفق (للنضال!) فى النشاط الفوقى ، التآمرى ، الانقلابى.
ولم يقل السيد احمد ، من جهة ثالثة ، إن المؤتمر الرابع (أكتوبر 1967م) انتقد تياره هذا بشدَّة ، ووجَّه بالتصدِّى الحازم له ، بوصفه مجرَّد اتجاه انتهازىٍّ يسارىٍّ يبشر بأن كلَّ ما بقى للحركة الثوريَّة هو أن تنكفئ على نفسها وتقوم بعمل مسلح (الماركسية وقضايا الثورة السودانية "تقرير المؤتمر الرابع 1967م" ، دار الوسيلة ـ بدون تاريخ ، ص 208).
ولم يقل السيد احمد ، من جهة رابعة ، إن دورتى اللجنة المركزيَّة العاديَّتين فى يناير ويونيو 1968م سارتا فى نفس خط المؤتمر الرابع ، وإن الدورة الاستثنائيَّة فى مارس 1969م قد أكدت على خطورة التفكير الانقلابى وعلى أنه لا بديل عن العمل الجماهيرى.
فى المحصلة النهائيَّة فإن السيد احمد لم يقل إن تيار عبد الخالق هو الذى كان وفياً لأطروحة الحزب الأساسيَّة ، بينما كان السيد احمد ومن معه والغين فى النشاط التآمرى المنفلت من خلف ظهر الحزب!
المسألة ، إذن ، لا علاقة لها (بالجبن) و(الخور) وما إليهما! دع عنك أن السيد احمد ، عندما أراد مواصلة طرح القضيَّة فى هذا المستوى الأخلاقى ، أثناء مداخلته فى المؤتمر التداولى الذى حسم الخلاف لصالح تيار عبد الخالق فى 21/8/1970م ، متحدثاً عن أن (الشرف) يوجب على الشيوعيين مؤازرة الانقلاب ، ردَّ عليه عبد الخالق بأن ساق واقعة ضلوع السيد احمد ، قبل ذلك ، فى انقلاب على حامد عام 1959م ، وكيف أنه ، عندما فشلت تلك المحاولة، وأعدم قادتها ، وكتبت مجلة (آخر ساعة) المصريَّة أن له دوراً فيها ، سارع لرفع دعوى (ردِّ شرف) ضد المجلة (!) وختم عبد الخالق ردَّه المفحم قائلاً: أىُّ شرف هذا الذى نقرنه (بالمنتصر) ونفصله عن (المهزوم)؟!
أعدم عبد الخالق بعد ذلك بأقل من عام ، فى ملابسات انقلاب 19 يوليو 1971م ، بينما لا يزال السيد احمد ، أمدَّ الله فى عمره ، يواصل إرسال إيحاءاته حيناً ، وإفصاحاته أحياناً أخرى، حول دور الحزب فى تدبير وتنظيم انقلاب مايو. والغريب أنه ظل يثابر على ذلك طوال العقود الماضية ، برغم استماتة قائد الانقلاب نفسه جعفر نميرى فى إثبات العكس تماماً (أنظر مثلاً: النهج الاسلامى لماذا ، المكتب المصرى الحديث ، القاهرة 1980 ، ص 74 وما بعدها).
مؤخراً ، وربما لأن الأمر قد باخ من كثرة التكرار ، وأصبح محتاجاً لبعض البُهارات ، أطلق السيد احمد تصريحاً غير مسبوق أفاد من خلاله أن الحزب ظل يخطط لانقلاب مايو منذ العام 1965م! وأن عبد الخالق شخصياً هو الذى كان يتولى ذلك مع السيد بابكر عوض الله الذى أصبح فى ما بعد نائباً لرئيس مجلس الثورة ورئيساً للوزراء (أخبار اليوم ، 1/5/04).
هنا ، ولسوء حظ السيد أحمد ، قرَّر السيِّد بابكر عوض الله أن يتكلم بعد أن كان قد انسحب من دائرة الضوء تماماً ، والتزم الصمت المطبق منذ العام 1972م ، ويا له من كلام! قال: إن الأستاذ أحمد حاول أن يربط بين الحزب الشيوعى وحركة مايو ، فى حين أنه ".. هو أول من يعلم .. أن الحزب الشيوعى كان أبعد الأحزاب عن الحركة ، وكان ضدها على طول الخط ، وهذا ما دفعنى نهار 24 مايو ، بعد تسجيل كلمتى التى أذيعت فى اليوم التالى ، للذهاب إلى المرحوم عبد الخالق فى منزله ، حيث أوضحت له أن حركة مايو سوف تقوم رافضة جميع الأحزاب .. وبالرغم من يساريَّة الحركة إلا أنها ترفض الانتماء إلى الحزب الشيوعى أو الارتباط به ، فثار ثورة عارمة ، وقال لى: عاوزين ترجعونا لحكم العسكر تانى؟! والله لو أعلنتم الارتباط بالحزب الشيوعى دون غيره لرفضنا ، ونحن الآن سائرون فى الطريق الممهد للديموقراطيَّة التى لا تستند إلى أحزاب طائفيَّة" (أخبار اليوم ، 1/6/04).
صَمْتُ السيد بابكر عن هذه الحقيقة البسيطة طوال خمس وثلاثين سنة يثير ، يقيناً ، جمهرة من الأسئلة التى يتداخل فيها (السياسى) مع (الأخلاقى) ، ولكن .. أتراه يطول صَمْتُ السيِّد أحمد إزاء ما كشف عنه الرجل الثانى فى الانقلاب؟!



#كمال_الجزولي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شَريعَلْمَانيَّةُ الدَّوْلَةْ!
- -الشَّرَاكَةُ-: لَعْنَةُ مُفَاوَضَاتِ السَّلامِ السُّودانيَّ ...
- حَقْلُ الأَلغَامْ!
- القَوْسُ المُوَشَّى
- مَتاعِبُ التُّرَابِى
- إتفاق الميرغنى ـ طه حول تكريس إقتصاد السوق الحر ورفع يد الدو ...
- إيقاف (الصحافة) أجهض مبدأ قوميتها وأضر بقضية السلام
- أَيَصِيرُ الشَّعِيرُ قَمْحاً؟
- أَرْنَبٌ .. وقُمْرِيَّتانْ؟!
- العُلَمَاءُ وسِجَالُ التَّكْفير
- الإطَاحِيَّة !
- مزاجُ الجماهير!
- عَاصِمَةُ مَنْ؟!
- زِيارَةُ السَّاعاتِ الثَّلاث!
- المَصْيَدَة!
- عِبْرَةُ ما جَرَى!
- خُطَّةُ عَبدِ الجَبَّار!
- دارْفُورْ: وصْفَةُ البصِيْرةْ أُمْ حَمَدْ


المزيد.....




- الرئيس الإماراتي يصدر أوامر بعد الفيضانات
- السيسي يصدر قرارا جمهوريا بفصل موظف في النيابة العامة
- قادة الاتحاد الأوروبي يدعون إلى اعتماد مقترحات استخدام أرباح ...
- خلافا لتصريحات مسؤولين أمريكيين.. البنتاغون يؤكد أن الصين لا ...
- محكمة تونسية تقضي بسجن الصحافي بوغلاب المعروف بانتقاده لرئيس ...
- بايدن ضد ترامب.. الانتخابات الحقيقية بدأت
- يشمل المسيرات والصواريخ.. الاتحاد الأوروبي يعتزم توسيع عقوبا ...
- بعد هجوم الأحد.. كيف تستعد إيران للرد الإسرائيلي المحتمل؟
- استمرار المساعي لاحتواء التصعيد بين إسرائيل وإيران
- كيف يتم التخلص من الحطام والنفايات الفضائية؟


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - كمال الجزولي - ولو بعد دهر!