أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - داود السلمان - العلمانية والدين/الحلقة الاولى















المزيد.....



العلمانية والدين/الحلقة الاولى


داود السلمان

الحوار المتمدن-العدد: 2836 - 2009 / 11 / 21 - 15:14
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    



يصر كثير من الكتاب والباحثين على أن ((العلمانية)) تعني فصل الدين عن الدولة. أما الإسلاميون او الدينيون كما يحلو للبعض أن يسميهم، فيرون إن العلمانية معادية للدين ولا تنسجم معه. والرأي الأول يرفضه كثير من الباحثين والمفكرين، منهم الدكتور عبد الكريم سروش وله كتاب ((الدين العلماني)) حيث يرفض هذا التعريف جملة وتفصيلاً. ومنهم أيضاً الدكتور موسى محمد فهو يرفض هذا المفهوم ويعتبره خطأ شنيعاً، إذ يقول: ((وهذا تعريف مخطوء إذ انه لايمكن ـ بأي حال من الأحوال ـ فصل الدين عن أي شيء في حياة الإنسان، والصحيح هو إن الفصل هو بين السلطة السياسية والسلطة الدينية بكافة رموزها، إذ إن مصطلح العلمانية هنا يميز بين الدين بوصفه قيماً سامية وبين الدين بوصفه مظاهر ورموزاً وسلطات))( ).
والواقع إن العلمانية لا تعادي الدين ولا الدين لها خصماً، لكن إصرار معظمهم على ذلك نابع من عدم فهمهم للعلمانية، وتخوفهم هذا لا مبرر له، بل الصحيح أن الإسلاميين هم خصوم العلمانية وأعداءها الحقيقيون.
العلمانية تريد أن لا يقحم الدين في السياسة حتى لا يتشظى وتستغله فئة معينة لصالح أهدافها وطموحاتها الشخصية، فهي من خلال الدين ترتقي إلى مناصب سياسية عليا، او إنها تتخذ الدين ذريعة لبلوغ أهدافها، كما نجده الآن في واقعنا السياسي في عراق ما بعد التغيير.
فهناك من يتكلم بالدين وبأسم المرجعية الدينية، ومن بعض المعممين تحديداً، وهو يشغل منصبا سياسيا، لكنه يعمل بالسياسة أكثر من الدين، وقد يستغل منصبه الذي هو فيه. فهؤلاء اذا فصلتهم عن مناصبهم السياسية، والتي حصلوا عليها من خلال استغلال الدين، لأصبحوا لاشيء وليس لهم وجود يذكر في المحافل السياسية.
ومن هذا نستطيع القول: ان فصل الدين عن السياسة هو من مصلحة الدين أولاً، وعدم خلط الاوراق ثانياً.
وبتعبير آخر حتى نحافظ على الدين وقدسيته وكي نميز السياسي من رجل الدين. فالسياسي نراه احياناً يكذب او يراوغ من اجل اهداف ومصالح سياسية، ويرى السياسي، من خلال هذا الكذب والمراوغة خدمة لمصلحة الوطن، او مصلحة الحزب والاتجاه الذي يتبناه، وكذبه هذا قد لايحاسب عليه، بل قد يقولون عنه بانه سياسي محنك ويعرف كيف يتكلم. اما رجل الدين السياسي اذا كذب وراوغ، فأن الناس لاتحترمه ولاتثق به وتعده انساناً ازدواجياً. وهذا بطبيعة الحال يخل بالدين وينقص من منزلته وقدسيته، وبالتالي سقوطه من المجتمع، حيث يصبح المجتمع لاديني. ومن هذا المنطلق يعمل على فصل الدين عن السياسة حتى يبقى الدين مقدس في نظر المجتمع. وقد رأينا في هذا الوقت الراهن، كيف ان الناس، ولاسيما الشباب قد ابتعدت عن الدين وصارت لاتثق برجل الدين، لانه صار يكذب ويسرق ويغش باسم الدين. فالذين يطالبون بفصل الدين عن السياسة، يأتي مطلبهم انطلاقاً من الحفاظ على قدسية الدين. ولكن اصرار الدينيون على اقحام الدين في السياسة ناتج عن بلوغ مآربهم كما قلنا سلفاً.
ويمكن أن تفسر العلمانية بما يلي:
1- إنها مشتقة من العلمية.
2- المنطق العقلي في إدارة السلطة، بعيداً عن أي تأثير روحي او ديني.
3- هي مجموعة من الأفكار والممارسات الواضحة.
4- إنها رؤية تغطي بعض مجالات الحياة دون الأخرى.
5- إنها رؤية شاملة تأخذ شكل متتالية في الزمان والمكان بدرجات مختلفة وأشكال متفاوتة.
6- إن العلمانية هي العلاقة المميزة للمجتمع الحديث.
7- فصل الدين (الكنيسة) عن الدولة بحيث إن ليس للدين سلطة على القرار السياسي.
8- إنها نتاج غربي.
9- اهتمامها بمبدأ توحيد الناس ضمن الدولة.
وبكلمة إن العلمانية في مسارها التاريخي ليست ضد الدين، وإنما ضد اسلوب من يستثمر الدين في السياسة، أي ضد المستقوين بالدين في المجتمع السياسي.
واذا طبقت في مجتمع من المجتمعات يجب أن لاتكون مستبدة وظالمة، فهي بذلك تصبح دكتاتورية، وهو ما يرفضه العقل.
ومن الباحثين من يرى أن العلمانية ليس فصل الدين عن السياسة فحسب، وإنما يشمل مشاريع تأريخية تبدأ بأبسط مبادئه. ومن هؤلاء الباحثين الدكتور عبد العليم محمد، حيث يقول: ((لايقتصر مفهوم العلمانية على فصل الدين عن الدولة واستبدال الاساس الديني للعلاقة بين الفرد والدولة باساس يقوم على حقوق المواطنة بالمعنى الدستوري القانوني، وانما يمتد ليشمل مشروعاً تأريخياً قد يبدأ بأبسط مبادئه، ولكن يتسوعب التغير الحاصل في طبيعة مجتمعاتنا منذ دخولها في اطار التبعية الاقتصادية والسياسية للغرب. فحقوق المواطنة لاتقتصر فقط على حقوق التعبير الحر والاختيار المطلق للعقيدة والتعبير عنها، وانما كذلك حقوقه الاجتماعية في الاقتصاد والثقافة والسلطة أي حقوقه في اطار انتمائه الاجتماعي في اطار الاستغلال الوطني والاقتصادي عن التبعية للغرب)) ( ).
العلمانية يقابلها بالانكليزية Secular وبالفرنسية Secuirise أو Laique أو هي كما ورد في معجم العلوم الاجتماعية نسبة الى ((العلم ـ معنى العالم ـ وهو خلاف الدين او الكهنوتي، وهذه تفرقة مسيحية لاوجود لها في الاسلام، واساسها وجود سلطة روحية هي سلطة الكنيسة، وسلطة مدنية هي سلطة الولاة والامراء، والعَلمانيون يحلمون بوجه عام العقل ويراعون المصلحة العامة دون تقيد بنصوص او طقوس دينية. وكانوا في الغالب مبعث التطور والتجديد في المجتمعات الغربية، ولذا كانوا في خلاف مع الكنيسة ورجال الدين))( ).
وفي مناقشات البرلمان الفرنسي للدستور في 27 تشرين اول عام1946 ورد تعريف: ((العَلمانية بأنها عقيدة ايجابية او فلسفية تعتمدها الدولة، وتبشر بها وتعلمها وتثقف بها في وجه المعتقدات الدينية))( ).
وبعبارة موجزة: ((العَلمانية بفتح العين وتسكين اللام من العلم أي العالم او الكون... وتعني الفصل بين السياسية والدين... وهذا لايعني السياسة تعادي الدين ا وان الحاكم ملحد ا وان العَلمانية ملحدة))( ).
وفي تعبير آخر ((العلمانية تنسب على غير قياس الى العالم او العالمية Secuarism وهي نظام من المبادئ والتطبيقات يرفض كل صورة من صور الايمان الديني والعبادة الدينية. وهي اعتقاد بأن الدين والشؤون الكليركية ـ اللاهوتية والكنيسة والرهبنة ـ لاينبغي ان تدخل في اعمال الدولة وبالاخص في التعليم العام))( ).
ويتحدث بعضهم عن العلمانية بمعنى العلمنة قائلاً:
((على من يدعو الى العلمنة ان يكون علمانياً)) أو ((ان الصفة العلمية مكملة للصفة العلمانية وأساس لها، إذ لايمكن ان نعلمن المجتمع والدولة اذا كانا بعيدين عن المجالات العلمية))( ).
وتعريف آخر للعلمانية ((العلمانية ترجمة للكلمة اللاتينية (Secular) ومعناها في اللغات الاوربية لاديني... ومعنى هذا ان العلمانية، او العلمنة كما يطلقون عليها أخيراً، هي الفكرة القائلة بأنه من الممكن دراسة الانسان والمجتمع كما تدرس الاشياء، على أساس تطبيق وسائل الدرس والملاحظة التي تمارسها العلوم الطبيعية في دراسة الظواهر الاجتماعية))( ).
ويعرفها بعضهم بشيء من التوسع فيقول: ((العلمانية هي الاسم الديني للهيومانيتية أي الفلسفة الانسانية في أوربا، وتميز انتصارها بفصل الدين عن الدولة وبظهور الدولة والقومية وبإحلال القانون الوضعي، وبانحسار الحكم الالهي وانتشار الحكم بالحق الطبيعي، وهو مايميز التقدم من الثيوقراطية الى الديمقراطية، وبمناهضة الكهنوت، وبهجران الاديرة، وبالتحول من حياة التأمل الى حياة العمل، وبذبول العلوم اللاهوتية، وازدهار العلوم الوضعية)) ( ).
وفي معجم المصطلحات السياسية الدبلوماسية:
1- العلمنة السياسية موقف فكري، تنويري، قوامه الفصل بين العبودية، بين الاستبدادية والليبرالية، بين التحجر والحداثة.
2- تدل في النظام السياسي الأوربي، منذ ولادة فلسفة الفرد (كوجيتو) ونهوض الثورة الصناعية وقيام الثورة الفرنسية، إلخ على ضرورة فصل سلطة الدين عن سلطة المجتمع (على الدولة). وتكون سلطة الدين ورجالة في مجاله الخاص (الكنيسة/ الجامع)، وتكون سلطة المجتمع عامة على الدولة ومؤسساتها.
3- في فلسفة العلوم، تدل العلمانية على نظرة علمية الى العالم، مستقلة تماماً عن المأثور الديني. لكنها لا تزال في بلدان العالم الثالث، وفي العالم العربي خصوصاً، تعاني سياسياً من مواجهات الدين والسياسة، وتعاقب الزعامات أو الحركات الدينية ـ والسياسية على الحكم. كما تتأثر حركة العلمنة بالإرث المذهبي او الطوائفي للقطاعات السياسية المنبثة من المجتمع الى الدولة.
4- المذهبية والطائفية شكلان من اشكال الاصولية الدينية ـ السياسية، ممانعان ومعاكسان للعلمانية بكل معنايها ومبانيها( ).
ويشير رفيق عبد السلام الى ان مفهوم العلماني ومشتقاته الاخرى، سواء في الاستخدام الاجنبي او العربي، خضع للادعاءات الوثوقية للخطاب العلماني، اكثر مما خضع للتحقيق العلمي الجاد، الى الحد الذي غدا فيه من الصعب التمييز بين الدلالة الاصلية او الاشتقاقية لكلمة علماني ومرادفاتها وبين المضمون الذي صبغت به المنظومات العلمانية التي فرضت نفسها خلال القرنين الاخيرين. فقد بقيت العلمانية من بين اكثر المفاهيم اضطراباً والتباساً في الخطاب العربي ـ وقس على ذلك الغربي نفسه ـ ولم تكن موضع تنقيب تاريخي ومعرفي جاد الا فيما ندر، مما جعلها عرضة لتجاذبات تعريفية لاحصر لها( ).
وهذا الكلام ليس بصحيح وفيه كثير من المبالغة، اذ ان العلمانية تجري في مسارها الصحيح، على الرغم من التحديات التي تقف حيالها من قبل خصومها، لانها افضل طريقة لادارة الدولة ـ أي دولة ـ وهي منسجمة مع متطلبات ومتغيرات العصر، والذي تجددت فيه كثير من المفاهيم والمتطلبات بما يخدم مصلحة الانسان.
الدكتور عبد ه الفيلاني الانصاري فيرى: بأن العلمانية أكتشاف حديث العهد، وهي تتضمن الفصل الصارم بين ماهو سياسي وماهو ديني، وفق انماط تأقلمت مع سياقات كانت فيها المسيحية ديناً مهيمناً. وقد كان الدين في هذه السياقات ماثلاً في الكينسة، السياسية، أو بشكل أوسع وظائفها الزمنية، التي تضطلع بها. وفي العديد من المجتمعات الاسلامية كانت الامور وماتزال تسير بطريقة جداً مختلفة( ).
ويمكن تحديد العلمانية بأنها ((تجديد الوجود الطبيعي والانساني ببعدين هما الزمان والتاريخ، ومن هذه الزاوية تحديد نشأتها بعد عام 1543، ففي هذا العام بزغت عقلية جديدة بسبب نشأة علم جديد للكون عند كوبرنيك وجليليو. فكوبرنيك الف كتاباً ((في الحركات السماوية)) نشر في آخر حياته عام 1543، وفيه لم يعد الانسان مركز الكون، ولم يعد الكون يدور على الإنسان( ).
ويشير الدكتور مراد وهبة ان العلمانية جاءت لمناهضة الاصولية، إذ أن هذه الاخيرة قد طغت وتمادت، الامر الذي دعا الى نشأة ما يسمى بـ((الانسانية العلمانية)) ومبادئها عشرة:
1ـ البحث الحر وهو يعني الحق في الاختلاف ليس فقط في العلم والحياة اليومية، بل في السياسة والاقتصاد والاخلاق والدين.
2- فصل الكنيسة عن الدولة، وبذلك يتأسس مجتمع مفتوح وديمقراطي تتمتع فيه السلطة الدينية عن التشريع الاخلاقي والفلسفي والسياسي والتربوي او الاجتماعي.
3- مثال الحرية وهو لايعني فقط التحرر من القبضة الدينية، وانما ايضاً من قبضة الحكومة.
4ـ اخلاق اساسها العقل الناقد، أي اخلاق مستقلة عن الدين ومحكومة بالعقل الناقد ومناقضة للاخلاق الطلقة.
5ـ التربية الاخلاقية وهي تستلزم عدم ادعاء ملة ما بأنها قابضة على القيم الحقيقية، حتى يمكن توفير الاختيار الحر.
ولهذا فمن المفروض فرض عقيدة معينة على الشباب قبل أن يكونوا قادرين على ابداء الموافقة.
6ـ الشك الديني بمعنى الشك فيما هو فائق للطبيعة، وفي الرؤية التقليدية لله والالوهية ورفض التفسير الحر للنص الديني، ذلك ان الكون محكوم بقوى طبيعية نفهمها بالبحث العلمي.
7ـ العقل بمعنى الاهتمام بالهجوم اللاعلماني على العقل والعلم، والالتزام بالمنهج العقلاني في البحث عن الحقيقية، والانفتاح على أي تغيير للمبادئ برمتها.
8ـ العلم والتكنولوجيا بمعنى الاعتقاد في قدرة المنهج العلمي على فهم العالم ومن ثم التطلع على العلوم الطبيعية والبيولوجية والاجتماعية والسلوكية لمعرفة مكانة الإنسان في هذا العالم، والى علم الفلك والفيزياء لمعرفة الأبعاد الجديدة للكون، وذلك بفصل غزو الفضاء. اما الأضرار الناشئة من سوء استخدام التكنولوجيا، فالوعي بها مطلوب ولكن مع مقاومة التيار الذي ينشد الحد من التقدم التكنولوجي العلمي بدعوى تجنب هذه الأضرار.
9ـ التطور بمعنى الدفاع عن نظرية التطور من هجمات الاصوليين على الرغم مما يعتور هذه النظرية من ضعف. فهذه الهجمات من شأنها تهديد الحرية الاكاديمية.
10ـ التعليم بمعنى انه المنهج الاساسي لبناء المجتمعات الانسانية الحرة الديمقراطية، وان من غايته تنمية العقل الناقد في كل من الفرد والجماعة( ).
ويخطأ وهبة كل من يرى بأن العلمانية تعني فصل الدين عن الدولة، وذلك في رده على أبي الاعلى المودودي وسيد قطب والسيد الخميني. حيث يقول: "ذلك ان العلمانية، في جوهرها، التفكير في الامور الانسانية من خلال ما هو نسبي وليس من خلال ما هو مطلق، أي عدم مطلقة ما هو نسبي"( ).
ويحدد الدكتور عزيز العظمة العلمانية بالقول: ليست العلمانية شعاراً سياسياً الا فيما ندر، وهي في الواقع الغالب متساوقة ضمنية لحركة المجتمع والفكر في عصر الحداثة، تلك الحركة نحّت عن ارباب الوظائف الدينية، وبالتالي عن المرجعية الدينية، موقع المحور من قطاعات التشريع والتعليم والقضاء والثقافة، وآلت بهم الى مواقع عبادة في المصاف الاول، ولو بقيت لهم هوامش حركة اجتماعية وثقافية ليست بالقليلة( ).
أما أسباب نشوء العلمانية كمصطلح سياسي ونظام حكم، فكان بسبب هيمنة الكنيسة على كل شيء في الحياة العامة، ما جعل منها ان تمارس الهيمنة والدكتاتورية وتحجب على كثير من الافكار ا لحرة، وان خالفها احد من الناس ولاسيما من المفكرين والفلاسفة والاحرار، فأن مصير هذا المخالف الاعدام، والذي يطلع على التاريخ الاوربي يرى ان العديد من الفلاسفة قد اعدموا بمجرد انهم خالفواـ في رأي من الاراءـ ما تقول به الكنيسة. فقد حكمت على سقراط بأن يتجرع كأساً من السم لأنه قد قال كلاماً لاينسجم مع ماتدعيه. وقد ضاقت الناس ذرعاً برجال الدين المهيمنين على كل مناح الحياة... حتى قاموا بثورة عارمة اطاحت بالكنيسة وحررت الناس من هيمنة رجال الدين وابعدتهم عن دفة الحكم. وسنعود الى هذا الموضوع في فصول قادمة من هذا البحث.
((ويزداد نطاق مصطلح "العلمانية" اتساعاً في التعريفات التي يوردها معجم ـ اكسفوردـ الى ان تنتقل التعريفات تماماً من الدائرة الصغيرة الى الدائرة الشاملة الاوسع، التي تنطوي على رؤية شاملة للكون، يتفرع عنها منظومات قيمية ومعرفية، فالعلمانية تعرف باعتبارها العقيدة التي تذهب الى ان الاخلاق لابد ان تكون لصالح البشر في هذه الدنيا، وتستبعد كل الاعتبارات الاخرى المستمدة من الايمان بالاله او الحياة الاخرى (الآخرة) والعلمنة هي صنع الفنون والدراسات بصيغة علمانية غير مقدسة، ووضع الاخلاق على اسس نفعية متجاوزة للاخلاق، ورغم غموض هذا التعريف الا أنه يمكن القول بأن العلمانية تعني المادية، فمع استبعاد كل الاعتبارات الدينية لا يبقى أمامنا سوى هذه الحياة الدنيا)) ( ).
ويعود المسيري فيحدد العلمانية ويحصر مفهومها بستة نقاط رئيسية يزيح من خلالها اللبس والشوائب العالقة بهذا المفهوم:
1- انحسار ا لدين وتراجعه (الرموز والعقاد والمؤسسات "الدينية المهيمنة" نفقد مكانتها ونفوذها.
2- الفصل بين المجتمع والدين (إن ذروة هذا النوع من العلمنة هو ظهور عقيدة ذات طابع داخلي "جواني" محض، لاتؤثر فيه المؤسسات ولا في الافعال الجماعية). "وحتى الان يتعامل المعجم مع الدائرة الجزئية، ولكنه يبدأ في التعامل مع الرؤية الكلية الكامنة حتى يورده أوجه العلمانية الاخرى".
3- التركيز على الحياة المادية في الوقت الراهن بدلاً من "التطلع الى" مستقبل روحي (ان ذروة عملية العلمنة هي مجتمع مستوعب تماماً في مهام الحاضر العملية).
4- اضطلاعات منظمات غير دينية بالوظائف الدينية (المعرفة وانماط السلوك والترتيبات المؤسسة التي كان ينظر اليها "في مرحلة سابقة" باعتبارها تستند الى القوة الالهية، يعاد النظر فيها لتصبح ظواهر من ابداع الانسان وحسب، فتقع تبعتها على الانسان وحده).
5- إخفاء فكرة المقدّس (يفقد العالم تدريجياً طبيعته المقدسة عندما يصبح الانسان والطبيعة خاضعين للتفسيرات السببية العقلانية وللتوظيف).
6- احلال المجتمع العلماني محل المجتمع المقدّس (أي العمليات التي يتحول المجتمع من خلالها من مرحلة ينظر فيها الى جميع الظواهر ذات المعنى بأعتبارها مقدّسة، الى مجتمع ينظر الى جميع الظواهر تقريباً من منظور نفعي، ثم يمكن نبذها حين ينتهي نفعها) ( ).
وعلى هذا النحو، تنطوي العلمنة على الافكار والنظم التي تنبع من أصل بشري محض، لايتحدر من منطق ملهم أياً كان مصدره. وبناء عليه، لايسوغ لنا ان نعتبر كل ما لايدخل ـ على التعيين ـ في تعاليم الاسلام علمانياً، ولا كل ما يمارسه اؤلئك الذين يعتقدون الاسلام ديناً بالضرورة.
فالحكمة الفيثاغورسية الافلاطونية التي تحدرت من الاسرار الاورفية المقدسة، والتي ورثها المسلمون بعد ذلك، لايمكن ان تعتبر علمانية، وكذلك بعض ما وضعه المسلمون المستحدثون في الدفاع التبريري عن الإسلام، لا يسوغ اعتباره ديناً، حتى لو كان مفرغاً في تعابير إسلامية( ).
ان المعنى الشائع عن العلمانية بأنها "فصل الدين عن الدولة". وهذا التعريف لا يتحدث عن العلمانية كرؤية مبدئية أو طريقة في التفكير، وإنما يتحدث عن تطبيق جزئي لها يتفرع عن تطبيقها الأساسي. والإسلاميون بهذا كان وعيهم قاصراً حيث لم يدركوا المعنى الأعم والشامل للعلمانية حتى قالوا: "إن العلمانية معادية للإسلام"( ).
ويشكلون على العلمانية بأنها:
1- ماهي الا مذهب من المذاهب.
2- نشأة كرد فعل لاستبداد الكنيسة واضطهاد العلماء والمفكرين في العصور الوسطى.
3- إنها صنيعة الصليبية والصهيونية العالمية.
ونحن هنا نحاول توضيح الالتباس وحل الاشكال حتى يطلع القارئ الكريم على الوجهة التي نراها صحيحة وفق المصادر والمعلومات التي نوردها في هذا المكان.
إن كلمة "علمانية" هي ترجمة لكلمة "سكيولاريزم" Secularism الانكليزية التي لها نظائرها في اللغات الاوربية. الكلمة مشتقة من الكلملة اللاتينية "سيكولوم" Seculemوتعني العصر او الجيل او القرن. أما لاتينية العصور الوسطى فإن الكلمة تعني العالم أو الدنيا.
ويورد قاموس اكسفورد التعريفات التالية لمصطلح "علمانية" سكيولار Secular:
1- ينتمي للحياة الدنيا وأمورها.
2- مدني وعادي وزمني.
3- ينتمي الى هذا العالم الآلي والمرئي تمييزاً عن العالم الازلي والروحي.
4- يهتم بهذا العالم وحسب.
5- غير روحي( ).
اما كلمة العلمانية "سيكولاريزم" فقد عرفها المعجم تعريفاً شاملاً هو: "العقيدة التي تذهب الى ان الاخلاق لابد ان تكون لصالح البشر في هذه الحياة الدنيا، واستبعاد كل الاعتبارات الأخرى المستمدة من الإيمان بالإله أو الحياة الاخرى"( ).
وقد استخدم المصطلح لأول مرة مع نهاية حرب الثلاثين عام (1648) عند توقيع صلح (وستفاليا) وبداية ظهور الدولة القومية، وكان معنى المصطلح في البداية، محدود الدلالة، إذ أشار الى نقل ممتلكات الكنيسة الى سلطات سياسية غير دينية( ).
وكان أول من نحت المصطلح بمعناه الحديث هو جون هوليوك (1817ـ1906م) فعرف العلمانية بأنها: "الإيمان بإمكانية أصلاح حال الإنسان من خلال الطرق المادية دون التصدي لقضية الإيمان سواء بالقبول او الرفض"( ).
وقد ازاح الغبار عن مفهوم العلمانية، هنري بينا ـ رويث إذ يقول: "كل يقّر العلمانية، او يكاد، إلا إن الجميع أحيانا يلامسون شرط فهمهم لها، الى درجة إننا لانعود ندرك متطلباتها الأساسية. ومن هنا انتشرت كثرة التعابير التي تجعل العلمانية نسبية بحجة تحديدها ونفض الغبار عن مفهومها، كما هي المفاهيم الإشكالية عن العلمانية المتعددة والعلمانية المنفتحة والعلمانية التي يمكن التصويت عليها"( ).
ويوضح ـ رويث ـ : إن اصل الكلمة (العلمانية) لغوياً غني بالمعاني.
فالكلمة اليونانية Laos، تدل على وحدة السكان، وتعبر ككل غير قابل للتجزئة. فالفرد العلماني هو الفرد الواحد من الشعب الذي لاتميزه أي حقوق ممتازة عن الآخرين ولا ترفعه الى مرتبة أعلى منهم. فلا دور له معترف به كمسؤول عن الضمير ولا سلطة له ليفرض على الناس ما يجب أن يؤمنوا به. فهذا يمكن أن يكون تابعاً عادياً لأحد المذاهب الدينية، ويمكن أيضاً أن يكون شخصاً يعتنق رؤية ما للعالم الملحد، تأسست قناعته بشكل مختلف عن تلك التي اوحدت بالدين.
فوحدة اللاوس Laos، إذن في الوقت نفسه تعني مبدأ الحرية ومبدأ المساواة. فالمساواة ترتكز على حرية المعتقد المعروفة إنها الأولى ولها المدى نفسه عند الجميع. وهذا يعني ان أي قناعة روحية يجب إن لا تتمتع بأي اعتراف، او مميزات مادية او رمزية يسبب وجودها بالنتيجة تمييزاً واضحاً... فالعلمانية هي التأكيد على المصدر الشعبي لوحدة أُناس أحرار ومتساوين... ومن الغرابة إن تستطيع الحملة على العلمانية أتهام العلمنة بتخفيف الاستلهام الأخلاقي للدولة وفي الوقت نفسه تقوم بتقديس هذه الدولة... العلمانية تصدح بمثل أعلى يتضمن: حرية المعتقد والمساواة في الحقوق والصالح العام الذي يتجاوز الفروقات والثقة بمبدأ السيادة والتأكيد على التزامن على سيادة الضمير الفردي وسيادة الشعب على نفسه ومبدأ التحرر الذي يقضي بامتلاك مرجعيات ذاتية مختارة بحرية ولايسخر لها الناس بالجملة... تستهدف فكرة العلمانية بالضبط الوحدة الأصلية للشعب ذي السيادة المرتكزة على المساواة الصارمة في الحقوق بين أعضائها، تجاه كل ما يعارض هذه المساواة( ).
ويرد ـ رويث ـ على الذين يقولون إن العلمانية مرادفة لعالم خائب، بلا ثوابت أخلاقية ولا مرجعيات، إذ يقول: "ليس صحيحاً إن العلمانية مرادفة لعالم خائب، بلا ثوابت أخلاقية ولا مرجعيات، فالمثل الأعلى العلماني يوحد الناس من خلال تربيتهم وإطلاق عقالهم في الوقت نفسه: أي ان يصبح الإنسان سيد أفكاره ليكون سيد أعماله أيضاً بالشروط والثوابت التي توفرها الثقافة المنفتحة على الكون. يتعلق الأمر في الوقت نفسه بإقامة حاجز في وجه الانحرافات اللامية التي تقود الى أنماط منعزلة عن الواقع، وتنهض خصوصاً بتعليم مهتم بالثقافة وبالعقل، الاستقلالية الأصيلة للأفراد، بما يشمل أيضاً الصعيد الأخلاقي. هذه الاستقلالية أساسية في البحث عن المعنى وإبداعه، وكذلك الأمر بالنسبة للقيم التي تنير سلوك الوجود"( ).
إن الذين تجنوا على العلمانية ولم ينصفوها، او بالأحرى لم يدركوا مدلولها او مسارها الحقيقي، كثير، ولم يسمح المجال بذكرهم او ذكر معظمهم، لكننا نذكر على سبيل المثال إحسان محمد العارضي صاحب كتاب "اشكالية العلاقة بين الحرية والديمقراطية".
يقول: "العلمانية كلمة لها رائحة البارود لما تثير من استجابات متضاربة متناقضة، التناقض الذي تحركه ليس تناقضاً طبيعياً كالذي يؤلف الآراء مع فكرة واضحة او ضدها، بل هو تناقض ينال مضمون الفكرة... فالعلمانية كلمة غربية المنشأ والاستعمال وأخذت شكلها الحالي نتيجة لتطور ألتأريخي لعملية الصراع السياسي ـ الديني ـ الاجتماعي في اوربا، والذي يرتكز أساسا على ردة فعل عنيفة ومدبرة ضد التسلط الكنسي، على شكل رفض كل ماهو مقدس وغيبي في الحياة الغربية... وهكذا تطور مفهوم العلمانية ليصل الى ما وصل اليه عبر معاناة زادت على سبعة قرون من تجربة المجتمعات الغربية المريرة، وحركة وعيها الثقافي والتي شملت كل أمور الحياة مما زاد في إيمان الغرب بالعلمانية، هي النجاحات التكنولوجية والتطورات الاجتماعية المصاحبة لها والتي أوصلت الغرب الى درجة عالية من التطور التقني في العلوم والفنون، والصناعات، فعمموا هذا الاعتقاد على حركة الإنسان برمتها واعتبروه قاعدة صحيحة مطردة لازمة لتطور المجتمعات... لكن الأمر انقلب في الدول العربية والإسلامية، إذ قامت الأنظمة المختلفة في القرن العشرين على إقصاء الدين والمتدينين وحرمانهم من حقوقهم المدنية، وميزت بين المواطنين على أساس انتمائهم الديني بل والمذهبي في معظم الأحيان... وكذلك فقد قامت العلمانية في الغرب على أساس ثالث وهو فصل الدين عن الأخلاق والنظم التربوية والمجتمع بالاعتماد على التشريعات الوضعية القائمة على البعد المادي من قبل المجتمعات الغربية"( ). ويكفي في الرد على هذا الكلام ما استعرضناه في مفهوم العلمانية، بداية بحثنا، وكذلك التناقض الواضح في كلامه.
يقول الدكتور محمد عمارة: (ولما كانت "العلمانية" وارداً غربياً وغريباً، فإننا لانفضل رفضه لهذه العلة ـ علة انه " وافد" و"مستورد" و"غربي ـ كما يصنع البعض، ممن ينكرون امكانية وفائدة التفاعل بين الحضارات... وانما الذي نفضله هو النظر في نشأة "العلمانية" في بيئتها الاصلية، وظروف هذه النشأة وملابساتها واسبابها... ولقد نشأت "العلمانية" وصيغت كمقابل لـ"المقدس" ـ بمعناه الكنسي اللاهوتي الكاثوليكي ـ وليس بمعنى المقابل "للدنس" ـ كمقابل لـ"خارق الطبيعة" و"التقليدي ـ الحامد"، الذي لايراعي الجمع"النفع" وينكر "التغيير" و"التحديد".. فهي بالمقابل لما هو "ديني كهنوتي" على النحو الذي عرفته اوربا الكاثوليكية في عصرها الوسطى والمظلمة.. هذا هو معنى مصطلح "العلمانية" الذي رفض انصاره "الدولة الدينية" و"المجتمع المقدس" و"المؤسسة المقدسة" و"الاكليروس المقدس" وسلطة الكنيسة "المقدسة" وفكرها "المقدس" الذي هيمن على مختلف الوان النشاط البشري، الذهني والمادي، في اوربا في ذلك التاريخ.. لقد رفض العلمانيون هذا "المقدس")( ).
بهذا المفهوم عرفت اوربا "العلمانية" في تطورها الاول عند فلاسفة ومفركين من أمثال هوبز Hobes (1588ـ1679م) ولوك Loke (1632ـ1716م) وليبنتز Leibnrz (1646ـ1716م) وروسو Rouscau (1712ـ1778م) وليسنج Lessinc (1729ـ1871م) ( ).
ولعل اعرف تفسير لكلمة "العلمانية" هو ما فسر هذه الكلمة احمد عباس صالح حيث الى ان الكلمة اصلها "عالمانية"، لكن" المشعوذون والدجالون" هم الذين حرفوا اصل الكلمة لتصبح "علمانية" بدل "عالمانية" يقول: ((فهذه الكلمة ترجمة غير صحيحة لكلمة Secular وهي كلمة لاعلاقة لها بالعلم اطلاقاً. انها تعني العالم World او تعني الدنيا. وهي مقابل كلمة الاخرة او العالم الروحي. وهي تحدد نمط حياة يقوم على النظر في شؤون الدنيا والاخرة. وهي تعني "دنيوي" في مقابل الأخروي. وانظر كيف انقلبت الى كلمة "علمانية" وكأن الاشتقاق مأخوذ من العلم. وأنظر كيف يصبح العلم مكروهاً ومبغوضاً من ابنائنا بناء على هذا التشنج المقيت. هكذا يصبح العلم عدواً من اعدائنا وغواية خبيثة من غوايات الشيطان تستدرجنا!.
ولعل المترجم القديم كتبها "عالمانية" مشتقة من كلمة العالم وحرفها الاستعمال الى كلمة "العلمانية" وكانت هذه الكلمة لها بريق اخاذ حينما ظهرت في الاستعمال الاوربي مثل كلمة الحرية والمساواة والاخاء والعمل لأنها نزعت السلطان عن البابا كحاكم مطلق انه مفوض من الله لحكم البشر وان احكامه وآراءه لاتقبل المناقشة، في حين انه كان يتجر في صكوك الغفران ويستولي على الاراضي المزارع ويعيش حياة لم يحياها الاباطرة الاقدمون بأسم سلطان مدهم من الدين والله!.
وكلمة Secular من كلمات عصر النهضة وواحدة من المفاتيح التي نقلت اوربا من العصور الوسطى الى العصور الحديثة، واعطت للشعب حق النظر في أمور دنياه بعيداً عن سلطة الكهنوت الكنسي وانتهت الى ظهور الدول الحديثة) ( ).
والذي جاء على نظام البابوية وسار على نهجها خذ و "القذى بالقذى" في النظام الاسلام السياسي الحالي هو نظام (ولاية الفقيه) الذي جاء به خميني واتباعه.( )
وصفوة القول ان العلمانية لم تكن، في احد ابعادها خياراً ايديولجياً، بقدر ما كانت حلاً اجرائياً راجماتياً للسيطرة على مشكلة الصراعات الدينية، في حالة تاريخية اتسمت بالتصدع والازمات الخانقة، مما جعل من غير الممكن تأسيس الاجتماع السياسي والثقافة العامة على اساس وحدة الدين( ).
اما في نظر عادل ظاهر فإن الاسم الذي اشترت به العلمانية ينبغي ان يلفظ بكثير حرف العين، مما اوحى بنسبتها الى العلم. ويقول إن هذا خطأ ينبغي تصحيحه، إذ إن لفظة "علمانية" مشتقة من "عالم" وليس من "علم".
والطريقة الصحيحة للنطق بها هي بفتح حرفي العين واللام معاً.
فالعلماني (بكسر حرف العين) هو مايشار اليه عادة بلفظ العلموي غير ان هذا اللفظ لايمكن لغوياً، اشتقاقه من "علم" والاصح، لغوياً ان نقول "علماني" (بكسر حرف العين) بدل "علموي". والعلماني (بكسر العين) هو من يتخذ من المعرفة العلمية كما هي ممثلة في العلوم الطبيعية، بخاصة، نموذجا لكل انواع المعرفة. إنه يتبنى وجهة النظر الوضعية، او وجهة النظر المماثلة لها، مما يعني عدم اعترافه بامكان المعرفة الخلقية او الدينية او الميتافيزيقية لأن القضايا المزعومة لأي منها لايمكن اخضاعها، حتى من حيث المبدأ، لمعايير العلم... ان ما يعنينا هو العلمانية (بفتح حرفي العين واللام)... والاهم من كل هذا انها معينة بجعل دور الانسان في العالم مشتملاً على اكتشافه، باستقلال عن الدين، الغايات التي يجد ربه تحقيقها في هذا العالم والوسائل القمينة بتحقيقها. العلمانية بهذا المعنى هي إذن، موقف ابتسمولوجي الى الحد الذي تكون ضمنه موقفاً من طبيعة المعرفة العملية وعلاقاتها بالمعرفة الدينية. غير ان العلماني (بفتح العين واللام) ليس بالضرورة علمانياً (بكسر العين) ( ).
والذي يتفق عليه معظم الباحثين ان العلمانية هي فصل السلطة السياسية عن المؤسسة الدينية، وفتح باب أمام نزع القدسية عن النصوص المقدسة، وفي المقابل ذلك الانطلاق من الانسان كمفهوم مرجعي للممارسة النظرية والسلوك الاخلاقي والسياسي( ).
وان ((فصل المؤسسات الدينية عن مؤسسات الدولة عملية ليست مقصورة على المجتمعات العلمانية بأية حال وإنما هي عملية موجودة في معظم المجتمعات المركبات من الاشكال.
ولذا يتحدث بعض اصحاب هذا التعريف عن غياب التعارض في واقع الامر بين العلمانية والتدين وان بأمكانها التعايش معاً. وهو أمر ممكن بالفعل اذا كان المعنى هو مجرد تمايز المجال السياسي عن المجال الديني وابعاد رجال الدين والكهنوت عن مؤسسات صنع القرار السياسي. واعتقد ان كثيراً ممن يتصورون انهم اعداء للعلمانية سيقبلون هذا الفصل او التمايز، اذا ما اكدوا ان القيمة الحاكمة والمرجعية النهائية للمجتمع (وضنم ذلك مؤسسات صنع القرار) هي القيمة المطلقة (اخلاقية ـ انسانية ـ دينية) وليس صالح الدول او المصالح الاقتصادية او اية معايير نسبية اخرى، أي ان من الممكن ان يقبلوا بعلمنة المجالس السياسية طالما كانت المرجعية متجاوزة للدنيا وللرؤية النفعية المادية التي تجعل الطبيعة، المادة المرجعية الوحيدة))( ).
ولعل من اهم المعاجم المتخصصة التي حاولت ايضاح مفهوم "العلمانية والعلمنة" معجم علم الاجتماع المعاصر لمؤلفه توماس فورد هولت حيث اورد ثلاث مواد لها صلة بمصطلح "العلمانية": "علماني" و"علمنة" و"مجتمع علماني" وقد اوضح المعجم ان كلمة "علماني" لها عدة معاني:
1- الدنيوي، غير روحي، وغير ديني، وهنا يقف العلماني على طرف النقيض من المقدس.
2- ينتمي إلى ما هو عقلاني أو نفعي بشكل خالص او اساسي.
3- تستخدم كلمة "علماني" أحياناً بمعنى "مدنس" او "غير مقدس".ولكن الكلمة الاخيرة "المعادي للدين" بالانكليزية انتي ريليجيوس Amlireligious بينما كلمة "علماني" تعني في واقع الامر" لاعلاقة له بالدين". بالانكليزية: نون ريلجيوس Non.religious .
4- تستخدم الكلمة احياناً للاشارة الى تراجع وانحسار الايمان بالعقائد الدينية التقليدية في مرحلة معينة. ثم أورد المعجم ما قاله ج.م ينجر Ringer في الموضوع: من الاكثر حكمة في تقديري ان نتسخدم كلمة "علمانية لتشير الى الاعتقاد والممارسات التي لاعلاقة لها بالجوانب غير النهائية (بالانكليزية: نان التمييت nonultimat) للحياة الانسانية. ومن ثم فالعلمانية ليست معادية للدين، ولاهي بديل عن الدين، انما هي مجرد قطاع واحد من قطاعات الحياة.
ثم انتقل المعجم الى مدخل "العلمنة" فبين ان ثمة ستة استخدامات اساسية في العلوم الاجتماعية (نقلها المعجم عن مقال للاري شاينر Lary shiner بعنوان مفهوم العلمنة في البحوث التجريبية):
1- انحسار الدين وتراجعه (الرموز والعقائد والمؤسسات، "الدينية، المهنية" نفقد مكانتها ونفوذها).
2- التركيز على الحياة المادية في الوقت الراهن بدلاً من التطلع الى مستقبل روحي (ان ذروة عملية العلمنة هي مجتمع مستوعب تماماً في مهام الحاضر العملية).
3- الفصل بين المجتمع والدين (ان ذروة هذا النوع من العلمنة هو ظهور عقيدة "دينية" ذات طابع داخلي "جواني" محض، لاتؤثر لا في المؤسسات ولا في الافعال الجماعية).
4- اضطلاع منظمات غير دينية بالوظائف الدينية. اقول ان هذا الشرط قد تحقق بالفعل لدينا في العراق، حيث ان الوقفين الشيعي والسني، رغم انهما مؤسستان دينيتان، فأن اغلب هاتين المؤسستين يديرهما أناس غير دينيين، أي انهما يميلون الى العلمانية.
5- اختفاء فكرة المقدس (يفقد العالم تدريجياً طبيعته المقدسة عندما يصبح الانسان والطبيعة خاضعين للتفسيرات السببية العقلانية وللتوظيف).
6- إحلال المجتمع العلماني محل المجتمع المقدس (أي العمليات التي يتجول المجتمع من خلالها من مرحلة ينظر فيها لسائر الظواهر ذات المعنى باعتبارها مقدسة، الى مجتمع ينظر لجميع الظواهر تقريباً من منظور نفعي ومن ثم يمكن نبذها حين ينتهي نفعها).
7- (وتعريف "المجتمع العلماني" هو امتداد لكل الاستخدامات السابقة وخصوصاً الأخيرة، فالمجتمع العلماني هو المجتمع الذي يقوم أعضاؤه بإصدار أحكامهم إلى جميع العمليات ذات المعنى والمعايير والعقائد وعوامل الترابط انطلاقاً من قيم نفعية رشيدة)( ).

)) آل طويرش، الدكتور موسى محمد، العلمانية المؤمنة ط2، بغداد2009، ص17.
)) مجلة المنار، العدد50 فبراير/شباط 1989.
)) العيسمي، شبلي، العلمانية والدولة الدينية، ط1، بغداد، ص19،18، 1986.
)) المصدر السابق
)) المصدر السابق
)) المصدر السابق
)) المصدر السابق
)) المصدر السابق
)) المصدر السابق
)) احمد، الدكتور خليل، معجم المصطلحات السياسية والدبلوماسية، ص142، دار الفكر اللبناني ط1، سنة1995.
)) في العلمانية والدين والديمقراطية، مشورات الجزيرة ط1، لسنة 2008، ص18.
)) مجلة قضايا إسلامية معاصرة، السنة الثامنة، العدد26.
)) وهبة، الدكتور مراد، مجلة المنار، العدد49 يناير/كانون الثاني 1989.
)) المصدر السابق
)) المصدر السابق
)) العلمانية تحت المجهر، بحث مشترك، عبد الوهاب المسيري وعزيز العظمة، دار الفكر، دمشق، ط1، لسنة2000، ص163.
)) عبد الوهاب المسيري، المصدر السابق.
)) المصدر السابق.
)) نصر، الدكتور سيد حسن، دراسات اسلامية، ط1، بيروت سنة 1975، الدار المتحدة للنشر، ص21.
)) النقوي، الدكتور علي محمد، الاتجاه الغربي، ص474، سنة الطبع 1997 إيران، ترجمة عبد الكريم محمود.
)) مجلة البيان الصادرة عن المنتدى الاسلامي السعودي، العدد202 السنة التاسعة عشرة، يوليو/اغسطس2004.
)) المصدر السابق.
)) المصدر السابق.
)) المصدر السابق.
)) رويث ـ هنري بينا، ماهي العلمانية ص14، ترجمة ريم منصور الاطرش، ط1، 2005 سوريا.
)) المصدر السابق ـ ص24،22،21،20،19.
)) المصدر السابق، ص76.
)) العارضي، احسان محمد، اشكالية العلاقة بين الحرية والديمقراطية، منشورات مركز الشهيدين الصدرين، ط1، 2005، ص367،366،364.
)) عمارة، الدكتور محمد، العلمانية ونهضتنا الحديثة، ص12، ط1، 1986، القاهرة دار الشرق.
)) المصدر السابق، ص13.
)) مجلة المنار، العدد3، السنة الاولى، مارس/آذار 1985.
)) الخميني، ا لحكومة الاسلامية، ص141، ط1، سنة1998، سوريا.
)) رفيق عبد السلام، مصدر سابق ص29.
)) ظاهر، عادل، الاسس الفلسفية للعلمانية ص37، ط1 دار الساقي بيروت سنة 1993.
)) السيد والد اباه، قضايا التنوير والنهضة في الفكر العربي المعاصر، ص93، مركز دراسات الوحدة العربية، مجموعة باحثين.
)) المسيري، الدكتور عبد الوهاب، موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية، ط1، ص211، دار الشروق ط1، سنة1999.
)) المصدر السابق ص221.



#داود_السلمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- واقع المرأة
- لغة علي الوردي
- مفهوم الثقافة
- تزوير الشهادات
- العمليات الارهابية
- النظا م الرئاسي هل يعني عودة الدكتاتورية ؟
- متى تبدأ فترة تعلق الطفل بأبويه ؟
- الأسباب التي صنعت المستبد
- الجنة والنار
- التسامح في القرآن 1/3
- التسامح في القرآن 2/3
- التسامح في القرآن3/3
- فايروس البطالة
- صدام والوليد بن يزيد
- الغربة في شعر محمد عودة
- المجتمع المدني وعلاقته بالدولة
- الحرية الثقافية
- الفساد الإداري واقع ملموس
- القطار السريع
- مسلسل الارهاب


المزيد.....




- -الطلاب على استعداد لوضع حياتهم المهنية على المحكّ من أجل ف ...
- امتداد الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين إلى جامعات أمريكية جدي ...
- توجيه الاتهام إلى خمسة مراهقين في أستراليا إثر عمليات لمكافح ...
- علييف: لن نزود كييف بالسلاح رغم مناشداتها
- بعد 48 ساعة من الحر الشديد.. الأرصاد المصرية تكشف تطورات مهم ...
- مشكلة فنية تؤدي إلى إغلاق المجال الجوي لجنوب النرويج وتأخير ...
- رئيس الأركان البريطاني: الضربات الروسية للأهداف البعيدة في أ ...
- تركيا.. أحكام بالسجن المطوّل على المدانين بالتسبب بحادث قطار ...
- عواصف رملية تضرب عدة مناطق في روسيا (فيديو)
- لوكاشينكو يحذر أوكرانيا من زوالها كدولة إن لم تقدم على التفا ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - داود السلمان - العلمانية والدين/الحلقة الاولى