أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - عبد الغفار شكر - إصلاح النظام الحزبى فى مصر الجزء الخامس والأخير















المزيد.....


إصلاح النظام الحزبى فى مصر الجزء الخامس والأخير


عبد الغفار شكر

الحوار المتمدن-العدد: 2835 - 2009 / 11 / 20 - 22:35
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


مداخل إصلاح النظام الحزبى
رغم الاتفاق الواسع حول برنامج الإصلاح الديمقراطى والإصلاح الحزبى إلا أن كيفية تحقيق هذا الإصلاح تختلف من طرح لآخر، وهناك آراء متعددة حول المداخل الكفيلة بوضع هذه الأفكار موضع التطبيق. ولا يوجد تعارض بين بعض هذه المداخل لأن الاختلاف يتركز أساساً حول نقطة البدء الكفيلة بتحريك عملية الإصلاح الديمقراطى وإصلاح النظام الحربى ويمكن بعدها السير على طريق الإصلاح بالجمع بين أكثر من مدخل كما سيتضح من عرضنا لهذه المداخل.
المدخل الأول: إصلاح الحزب الوطنى الديمقراطى أولاً:
حيث يرى أصحاب هذا المدخل أن المخرج الحقيقى من أزمة النظام الحزبى فى مصر هو إصلاح الحزب الوطنى الديمقراطى أولاً باعتباره الحزب الحاكم ولما يتمتع به من مكانة، خاصة وأن رئيسه هو رئيس الجمهورية الذى يتمتع بصلاحيات واسعة يمكن استخدامها فى تحقيق الإصلاح المطلوب. ويتحقق إصلاح الحزب الوطنى الديمقراطى باتخاذ مجموعة من الإجراءات مثل:-
-الفصل التام بين الحزب وأجهزة الدولة وإنهاء أى تداخل بينهما وتوفير الاستقلالية الكاملة للحزب فى أدائه السياسى والجماهيرى بعيداً عن إمكانيات الدولة.
-دعم الطابع المؤسسى للحزب.
-تعميق الديمقراطية الداخلية للحزب وانتخاب كافة هيئاته القيادية.
ويرى بعض أنصار هذا المدخل وجود إمكانية لتطوير التعددية الحزبية من خلال انقسام الحزب الوطنى إلى حزبين يعبر الأول عن تيار يمين الوسط، والثانى عن يسار الوسط،، وأن هذا الانقسام فى حالة حدوثه سينعكس بصورة كبيرة على عملية التطور الديمقراطى فى البلاد، وسيؤدى إلى بداية التحول نحو التعددية السياسية الكاملة. وأنه رغم غلبة ما يمكن تسميته بالرؤى اليمينية لدى القطاع المسيس داخل الحزب الحاكم، فهناك أيضاً تيار فى بعض قياداته الوسيطة وبين نوابه يشدد على البعد الاجتماعى ويتخذ موقفاً معارضا لكثير من السياسات الأمريكية فى المنطقة، ولعل انقسام الحزب إلى حزبين كبيرين لكل منهما منظومته الفكرية المتكاملة قد يؤدى إلى نوع من الفرز السياسى الطبيعى، وذلك بخلق تيارين للتوافق القومى والوطنى العام فى البلاد أحدهما محافظ والآخر ذو وجه تقدمى، دون أى مساس بباقى ألون الطيف الحزبى والسياسى، على أن يترك الحكم فى النهاية للمواطن عبر صناديق الانتخابات. ويرى أصحاب هذا التوجه أن تحولا كهذا سيعنى دخول الحزب الحاكم إلى عالم السياسة بمعناها الحزبى والمؤسسى عبر امتلاكه خطابا متماسكا لديه قواسم فكرية مترابطة. وأن حاجة النظام السياسى المصرى لوجود رقابة من داخله وتجديد سياسى لنخبته ومعارضة لديها فرص حقيقية لتداول السلطة مع الحزب الحاكم باتت مسألة حيوية لمستقبل البلاد، فقد أثبتت تجربة التعددية الثانية فى مصر على مدار ما يزيد على ربع قرن عدم قدرتها على أحداث تطور حقيقى وفق آلياتها الحالية (38) .
وفى سياق هذاالطرح والقول بعجز الأحزاب الحالية عن تطوير التعددية الحزبية لأسباب متعددة منها الضعف الجماهيرى والخلافات الداخلية وعدم التمايز الفكرى والسياسى الحقيقى وسيطرة قيادات سياسية وأجيال بعينها على معظم الأحزاب تعبر عن رمز تاريخى أو عن أشخاص وأسماء بعينها ولذلك فقد أخفقت الأحزاب فى استقطاب الأجيال الجديدة. هناك طرح يدعو إلى البحث عن صيغة حزبية جديدة تعيد تشكيل الخريطة القائمة بالاتجاه إلى إنشاء حزب جديد كبير، ليكون إضافة حقيقية بالتعبير عن الاتجاهات القومية الكبرى والتغيرات الجديدة التى يشهدها المجتمع المصرى والتى حدثت زمنيا وواقعيا بعد تشكيل الخريطة الحزبية الحالية.
إن الحاجة إلى حزب كبير جديد تعنى بلورة برنامج سياسى جديد تكون محدداته الرئيسية هى الديمقراطية والاقتصاد الحر، والتنوير الثقافى ومبادىء حقوق الإنسان وهى الخيارات الأساسية نفسها التى تلتزم بها الدولة وتمثل بالفعل الاتجاهات الكبرى السائدة فى المجتمع. وبذلك يجعل هذا الحزب الحرية بمختلف صورها السياسية والاقتصادية والاجتماعية محوراً رئيسياً لبرنامجه، ويستطيع بذلك أن يعبر عن الفلسفة الليبرالية التى افتقدتها التجربة الحزبية الحالية. والدعوة إلى حزب جديد تعنى الحاجة إلى قيادات حزبية جديدة لا تعبر فقط عن أجيال جديدة فى العمل السياسى وإنما أيضاً عن اتجاهات وأفكار جديدة تعبر عن القوى السياسية والاجتماعية التى برزت فى المجالين السياسى والاقتصادى على مدى العقدين الماضيين. ومن المتصور أن مثل هذا الحزب يمكن أن يضم أيضاً بعض الشخصيات والعناصر المؤمنة بالأفكار والاتجاهات الجديدة من جميع الأحزاب القائمة ومن أجيال مختلفة، وقد يؤدى الأمر إلى وجود حزب كبير يوازى الحزب الوطنى، ومن شأن هذا الأمر أن يغذى عناصر المنافسة التى يمكن أن تعيد الحيوية السياسية للحزب الوطنى نفسه (39) .
وهنا رأى آخر لا يتعارض مع الرأيين السابقين بل يكملهما لأنه يرى إن الإصلاح السياسى فى مصر لن يتحقق فقط من خلال الإجراءات التى تتخذها السلطة السياسية والأجهزة التشريعية، وإنما لا يقل أهمية عن ذلك أن النخبة المصرية المؤثرة فى اتخاذ القرار السياسى من داخل السلطة ومن خارجها لا بد أن تصل إلى درجة من التوافق حول عدد من الإشكاليات التى لا يمكن تجاوزها أو التغاضى عنها مثل إشكالية الداخل والخارج، وإشكالية العاجل والآجل، وإشكالية الثابت والمتغير، وإشكالية الماضى والحاضر، وإشكالية الشعب والحكومة، وإشكالية السياسى والاقتصادى. وأن هذه الإشكاليات تحتاج إلى مراجعة عميقة من النخبة السياسية والفكرية المصرية كأساس ضرورى للبدء فى تنفيذ برنامج للإصلاح السياسى (40).
المدخل الثانى: يرى أن الإصلاح السياسى يتطلب أن تصلح الأحزاب السياسية المعارضة أوضاعها الداخلية أولاً، وينطلق فى نظرته لقضية الإصلاح السياسى من غياب التراكم التاريخى فى مصر الذى انعكس ليس فقط على ثقافة المجتمع التى ظلت مزيجا من القيم التقليدية والأبوية والتقاليد التسلطية والنزعات الشمولية، ولكن أيضاً على تكوين النخبة السياسية والثقافية فى المعارضة والمجتمع المدنى، فقد اتسم هذا التكوين بهشاشة وضعف التقاليد الديمقراطية فيه. وقد خيبت التجربة الأمل فى أن تقود النخبة عملية استكمال التطور الديمقراطى، وظهر أن أغلبية النخبة تفتقد الحد الأدنى من القيم اللازمة لتحقيق هذا الهدف. ويرى أن المشكلة الآن هى أن الأحزاب التى تطالب بإصلاح سياسى تحتاج هى إلى إصلاح أوضاعها الداخلية على الأقل كى يصدق الناس ما تطرحه عليهم.
فالإصلاح الحزبى الداخلى ضرورى للإصلاح السياسى والدستورى، فالأحزاب تعانى من اختلالات ناجمة عن ضعف الديمقراطية داخلها بدرجات متفاوتة فيبدو حزب التجمع أفضلها حالاً، ولكن بشكل عام ثبت تجريبيا أن غياب القادة التاريخيين مؤسسى أحزاب المعارضة الرئيسية يعرض هذه الأحزاب للخطر بسبب ضعف أو غياب الممارسة الديمقراطية فى داخلها. وعندئذ تفتقد المناداة بالإصلاح السياسى والدستورى جدواها فى الوقت الذى يستقيل من الأحزاب كل يوم أعضاء وأنصار يهربون من أوضاع لا ديمقراطية يصعب عليهم تحملها ويكفون غالبا عن ممارسة العمل السياسى. فإذا كنا نريد إصلاحاً سياسياً لتوسيع قاعدة المشاركة فكيف يستقيم ذلك مع ما يحدث فى بعض الأحزاب من تضييق لهذه القاعدة (41).
المدخل الثالث: تتبناه أحزاب المعارضة الرئيسية فى الوثائق المشتركة الصادرة عنها مجتمعه وكذلك فى البيانات الخاصة بكل حزب، وينطلق هذا التوجه من أن القيود التى فرضها الحكم على التعددية الحزبية هى العامل الرئيسى فى إضعافها وأنه يتعين على الحكم اتخاذ إجراءات محددة لمعالجة هذا الوضع. وقد نوقشت هذه القضية فى مؤتمر "دفاعاً عن الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان" الذى عقد فى ديسمبر 1997 بدعوة من لجنة التنسيق بين الأحزاب والقوى السياسية والتى تضم أحزاب الوفد والتجمع والعمل والناصرى والأحرار بالإضافة إلى الشيوعيين والإخوان المسلين، وشارك فيه عدد كبير من أساتذة الجماعات والكتاب والباحثين وقادة الرأى العام ومنظمات المجتمع المدنى وأصدر هذا المؤتمر نداءً من الأحزاب والقوى السياسية إلى الأمة يتضمن برنامجاً متكاملا للإصلاح السياسى والدستورى يجسد هذا التوجه (42)، ويؤكد أن جوهر الإصلاح السياسى والديمقراطى هو فتح الباب عملياً أمام إمكانية تداول السلطة سلمياً. الأمر الذى يتطلب اتخاذ الإجراءات التالية:
ضمان الحريات والحقوق الأساسية للمواطنين، توفير ضمانات التقاضى واستقلال القضاء وتيسير إجراءات التقاضى والغاء كافة صور القضاء الاستثنائى، إلغاء حالة الطوارىء وتعديل قانون الطوارىء، ضرورة تعديل الدستور بعد فترة انتقالية تطلق فيها الحريات، توفير ضمانات حرية ونزاهة الانتخابات، تحويل الإدارة المحلية إلى حكم محلى شعبى حقيقى، إطلاق حرية التنظيمات السياسية والنقابية والجمعيات الأهلية فى إطار المقومات الأساسية للمجتمع والنظام والآداب العامة، تحرير أجهزة الإعلام والصحافة من السيطرة الحكومية والاحتكار، المواجهة الشاملة للارهاب وحماية الوحدة الوطنية، المطالبة بسياسة اقتصادية واجتماعية تحرر المواطن المصرى من الفاقة والعوز والخوف، وتضمن توزيعا عادلا للدخل القومى.
وتشير هذه الأحزاب والقوى السياسية فى ختام هذا النداء أنها مدركة أنها مطالبة بمراجعة أوضاعها الداخلية وعلاقات الأحزاب مع بعضها وعلاقتها بالمجتمع. وهى مراجعة تهدف تعميق الديمقراطية داخل الأحزاب، والتخلى عن أى بقايا للجمود الفكرى وثقافة المطلق وانكار الآخر. والإصرار على كسر الحصار المفروض على الأحزاب والقوى السياسية لمنع اتصالها وتفاعلها مع الجماهير المصرية.
ورغم هذا التأكيد على مسئولية الأحزاب والقوى السياسية عن تطوير أوضاعها وكسر الحصار المفروض عليها فإنها لم تحقق نتائج تذكر فى هذين المجالين حيث تزداد أوضاعها الداخلية سوءً ومازالت تحت الحصار.
هذا وقد عادت أحزاب المعارضة إلى التأكيد على هذا النهج فى نظرتها إلى الإصلاح السياسى فاصدرت بعد الغزو الأمريكى للعراق نداءً للتغيير" صادر عن جبهة الانقاذ الوطنى التى تضم أحزاب الوفد والتجمع والناصرى والعمل وبعض منظمات العمل الأهلى. طالبت الحكم فى هذا البيان باتخاذ نفس الإجراءات تقر يباً:
المدخل الرابع: يعيب على كل الأفكار المطروحة حول الإصلاح السياسى والدستورى إنها لا تربطه بعملية مواجهة العولمة ويرى ضرورة تناول قضية الإصلاح السياسى فى ارتباط وثيق بتحدى العولمة بحيث يساهم هذا الإصلاح فى إعداد الدولة المصرية للاستفادة من الفرص التى تطرحها العولمة والتقليل من أخطارها. ويتطلب هذا التوجه أن يشمل الإصلاح السياسى المجالات الضرورية لبلوغ هذه الغاية وهى:
-فهم العولمة من خلال إنشاء مركز علمى ومستقل يعكف على دراسة هذه الظاهرة بجوانبها المختلفة ويتابع تطورها ويتعرف على آثارها المتباينة على مجتمعنا.
-اختيار القيادات: التى تساهم فى صنع القرار ممن لهم خبرة بالعمل أو الدراسة فى الخارج وخصوصاً فى أماكن صنع التغيير فى الدول المتقدمة والشركات الدولية والمنظمات الدولية بكافة أنواعها.
-تجدد القيادات لمواكبة ما يحدث من تطور فى ظاهرة العولمة للتشجيع على تجربة اساليب جديدة وابتكار سياسات مختلفة وتجربة مناهج متعددة فى عالم لا يتوقف عن التغير.
-المرونة فى السياسات: لأن سياسات معينة قد تصلح فى ظل ظروف محددة ولا تصلح فى ظروف أخرى ويؤدى الإصرار على استمرارها إلى تبديد الموارد المالية والاقتصادية والبشرية.
-رشادة عملية صنع القرار: وسوف تكون الحاجة إلى تغيير السياسات أقل إذا كانت هذه السياسات نتاج عملية رشيدة فى اتخاذ القرار وخصوصا على أعلى مستويات هذه العملية التى يشترك فيها رئيس الدولة مع رئيس الوزراء والوزارء وأن يسبق اتخاذ القرار دراسات علمية رصينة تقوم على أساس معلومات صحيحة وتخضع لمناقشات مستفيضة لها وللبدائل، واختيار البديل الذى يحقق أعلى فائدة وتنجم عنه أقل أضرار فى الأجل البعيد.
-التجاوب مع توجهات الرأى العام العالمى بالنسبة لقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان: ولا ينبغى النظر إلى التجاوب مع دعاوى الديمقراطية على أنه استسلام لمطالب قوى خارجية لأننا فى أشد الحاجة إلى هذا التطور الديمقراطى وسوف يسمح ذلك لصانع القرار فى مصر بدرجة أوسع من الحرية وهامشاً أكبر من حرية الحركة على الصعيد الخارجى.
-استمرار الإصلاح القانونى الضرورى لمواكبة الإصلاح الاقتصادى وإطلاق طاقات المجتمع فنحن ما زلنا فى اشد الحاجة إلى الاعتراف أن التقدم على طريق وضع البنية التشريعية لاقتصاد السوق يتطلب رفع القيود عن النشاط العام للمواطنين سواء باعتبارهم أعضاء فى أحزاب سياسية أو منظمات نقابية أو جمعيات أهلية فكلها تخضع لقيود ووصلت إلى حد وقف الانتخابات فى بعض النقابات المهنية منذ منتصف التسعينيات. وسوف يكون تعديل الدستور نقلة نوعية إلى أوضاع أكثر ديمقراطية.
-زيادة فعالية القضاء: لا أمل فى كل هذه الإصلاحات السياسية والقانونية ما لم تتمع السلطة القضائية بالفعالية وإنهاء القضاء الاستثنائى (43)
المدخل الخامس: يركز على أن عملية الإصلاح السياسى والديمقراطى تتطلب توجه القوى الديمقراطية فى مصر إلى بناء الديمقراطية من أسفل بالتركيز على العمل فى مؤسسات المجتمع المدنى والمنظمات الشعبية لدعم استقلاليتها والاستناد إليها فى تكوين رأى عام ضاغط على الحكم من أجل تحقيق مزيد من الاصلاحات الديمقراطية والسياسية. وأنه لا توجد أى دلائل ملموسة تشير إلى استعداد الحكم لاتخاذ إجراءات جديدة على طريق التحول الديمقراطى، كما لا تتوفر للأحزاب الشرعية القدرة على الضغط على الحكم لتقديم تنازلات تسمح بمزيد من التطور الديمقراطى. فى الوقت الذى تكتسب المعارضة الاسلامية قدرة متزايدة على الضغط مما يعنى استمرار المواجهة يبنها ويبن النظام. وهو ما يعنى أن المجتمع المصرى يمر بأزمة سياسية حادة لا تستطيع أى من أطرافها إخراج البلاد منها حالياً. وهو ما يطرح على القوى الديمقراطية أن تجتمع معا وتتحمل مسئوليتها فى طرح قضية التحول الديمقراطى فى مصر باعتباره الإطار المناسب لإخراج البلاد من هذا المأزق. وذلك من خلال تشكيل جبهة للإصلاح الديمقراطى تتوجه للجماهير للمشاركة فى الضغط من اجل تحقيق التطور الديمقراطى المنشود والذى لا يمكن بدونه تحقيق فاعلية أكبر للأحزاب السياسية تمكنها من تجاوز أوضاعها البائسة حالياً. وقد أثبتت التجربة فى كثير من المجتمعات أن الفئات الحاكمة لا تتنازل طواعية عن امتيازاتها، وأنه لابد من الضغط الشعبى عليها للتجاوب مع مطالب الإصلاح الديمقراطى.
ويفرض هذا التوجه أن يمارس العمل مع الجماهير من خلال المنظمات الشعبية ومؤسسات المجتمع المدنى والقطاع الأهلى والتى تشمل النقابات العمالية والمهنية والاتحادات الطلابية والمنظمات النسائية والشبابية والتعاونيات والجمعيات الأهلية التنموية والثقافية، ومنظمات حقوق الإنسان ومراكز البحوث ودور النشر والصحافة المستقلة. لأن هذه المنظمات الشعبية من أهم قنوات المشاركة الشعبية، ورغم أنها لا تمارس نشاطاً سياسياً مباشراً، وأنها لا تسعى للوصول إلى سلطة الدولة، إلا أن أعضاءها أكثر قطاعات المجتمع استعدادًا للانخراط فى الأنشطة الديمقراطية السياسية، ولها صلة مباشرة ومصلحة أكيدة فى دفع التطور الديمقراطى إلى الإمام.
أن تعثر التحول الديمقراطى فى مصر يرجع فى جانب منه إلى غياب أو ضعف هذه المنظمات وسوف تساعد مشاركتها فى النضال من أجل الديمقراطية على تقويتها وتعزيز مكانتها كمجال أساسى تمارس من خلاله الديمقراطية. وعندما تصبح المنظمات الشعبية طرفا فاعلاً ومشاركاً فى الممارسة الديمقراطية فى المجتمع تنشأ إمكانية حقيقية لقيام مجتمع مدنى شعبى وديمقراطى يكون بمثابة البنية التحتية لنظام ديمقراطى فاعل فى المجتمع كله. وبذلك تصبح الديمقراطية بناءً من أسفل يشمل الشعب كله تربية وتدريباً وممارسة فى مختلف ميادين الحياة اليومية، ويصبح الشعب عندها طرفاً أساسياً فى معادلة الحكم، وتكون الديمقراطية السياسية محصلة هذا كله (44).
وهناك تحفظ على قدرة المجتمع المدنى فى مصر لأنه فى أغلب مؤسساته لا يمكن اعتباره قوة دافعة للتغيير الاجتماعى والسياسى والثقافى. وهو ينهج نهجاً اصلاحيا أكثر منه نهجاً للتغيير، وتتحرك مؤسسات المجتمع المدنى فى إطار المنهج الوظيفى والنزعة الإصلاحية وسد الثغرات فى أداء الدولة.
ويتطلب انطلاق مؤسسات المجتمع المدنى كقوى للتغيير الاجتماعى والثقافى والسياسى ثلاثة شروط أساسية أولها: توافر بنية أساسية للمجتمع المدنى تشمل الأحزاب، والمنظمات غير الحكومية (الجمعيات الأهلية)، وجماعات ونقابات مهنية وعمالية، وجماعات رجال الأعمال، ومنظمات حقوق الإنسان، وثانيها توافر بيئة تشريعية وسياسية مؤسسية تنهى التصادم مع الدولة الناجم عن تشريعات مقيدة للمجتمع المدنى، وثالثها: وهو الشرط الأكثر صعوبة المتمثل فى ضرورة توافر ثقافة ديمقراطية مدنية تلتزم بها أطراف المجتمع المدنى. ومن الضرورى فتح ملف المجتمع المدنى فى مصر، والحديث حوله بصدق وشفافية إذا كنا جادين فى تحقيق التغيير السياسى والاجتماعى وبلورة قوى تسهم فى التحديث (45).

الهوامش

1-مركز الأرض لحقوق الإنسان، تقرير ماذا جرى فى انتخابات الرئاسة عام 2005، سبتمبر 2005، القاهرة، ص 5.
2-د.حسانين توفيق، التحول الديمقراطى والمجتمع المدنى فى مصر: قراءة تحليلية فى الأدبيات 1981-2005، الحلقة النقاشية عن التربية المدنية، مركز البحوث والدراسات السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، 19-20 يوليو 2005، القاهرة ص 56.
3-أحمد ناجى قمحة وصبحى عسيلة، الرأى العام والمشاركة السياسية فى إطار التطور الديمقراطى، فى وحيد عبد المجيد (محرر) كتاب التطور الديمقراطى فى مصر، مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، القاهرة 2003، ص 247-248.
4-د.حسانين توفيق، التحول الديمقراطى والمجتمع المدنى فى مصر، مرجع سابق، ص 86-87.
5-أمانى عبد الرحمن صالح، التعددية السياسية فى الوطن العربى، دراسة للنموذج المصرى المغربى، دورية الفكر الاستراتيجى العربى، العدد 28 (أكتوبر 1991).
6-د.على الدين هلال، المشكلة السياسية فى مصر والتحول إلى تعدد الأحزاب، فى كتاب تجربة الديمقراطية فى مصر 1970-1981 (تحرير على الدين هلال)، المركز العربى للبحث والنشر، القاهرة، 1982 ص 48.
7-عصام الدين محسن حسن، نحو قانون ديمقراطى لإنهاء نظام الحزب الواحد، مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، سلسلة كراسات ابن رشد (71)، القاهرة 2005 ص 17.
8-عصام الدين محمد حسن، نحو قانون ديمراطى، المرجع السابق، ص 18.
9-عبد الغفار شكر، التحالفات السياسية والعمل المشترك فى مصر (1976-1993) سلسلة كتاب الأهالى، العدد 49 (يوليو 1994)، القاهرة ص 29.
10-د.جمال عبد الجواد، التحول الديمقراطى المتعثر فى مصر وتونس، مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، القاهرة 1999، ص 28.
11-د.جمال عبد الجواد، المرجع السابق، ص 8.
12-د.جمال عبد الجواد، مرجع سابق، ص 34.
13- إيمان محمد حسن، وظائف الأحزاب السياسية فى نظم التعددية المقيدة، دراسة حالة حزب التجمع فى مصر 1976-1991، سلسلة كتاب الأهالى العدد 54 (أكتوبر 1995)، القاهرة ص 38-51.
14-إيمان محمد حسن، وظائف الأحزاب السياسية فى نظم التعددية المقيدة، المرجع السابق، ص 373.
15-عبد الغفار شكر، المشكلات التنظيمية داخل الأحزاب السياسية، كتاب الأحزاب السياسية فى مصر الواقع والمستقبل، المؤتمر الرابع لجماعة تنمية الديمقراطية حول الأحزاب السياسية (تحرير أحمد المسلمانى)، القاهرة 1999، ص 83.
16-الدستور الدائم لجمهورية مصر العربية، 1971.
17-القانون رقم 40 لسنة 1977 بشأن الأحزاب السياسية وتعديلاته.
18-لمزيد من التفاصيل راجع:
عبد الله خليل، القوانين المقيدة للحقوق المدنية والسياسية فى التشريع المصرى، المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، القاهرة، الطبعة الأولى 1993.
19-د.إبراهيم العيسوى، مصر وقضايا المستقبل، سلسلة كتاب الأهالى العدد رقم 26/سبتمبر 1997، القاهرة ص 33.
20-د.وحيد عبد المجيد، الأحزاب المصرية من الداخل، مركز المحروسة للنشر والخدمات الصحفية والمعلومات، القاهرة 1993، ص 96.
21-د.وحيد عبد المجيد، الأحزاب المصرية من الداخل، المرجع السابق، ص 96.
22-د.وحيد عبد المجيد، الأحزاب المصرية من الداخل، المرجع السابق.
23-د.حسنين توفيق، التحول الديمقراطى والمجتمع المدنى فى مصر، مرجع سابق ص 12.
24-د.حسنين توفيق، التحول الديمقراطى والمجتمع المدنى فى مصر، مرجع سابق ص 13.
25-د.جابر جاد نصار، فى كتاب نحو قانون ديمقراطى لإنهاء نظام الواحد، مرجع سابق، ص 58.
26-حسين عبد الرازق، فى كتاب نحو قانون ديمقراطى لإنهاء نظام الحزب الواحد، مرجع سابق، ص 63.
27-د.حسنين توفيق، التحول الديمقراطى والمجتمع المدنى فى مصر، مرجع سابق ص 142
28-د.ثناء فؤاد عبد الله، مستقبل الديمقراطية فى مصر، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، الطبعة الأولى 2005 ص 287.
29-لمزيد من التفاصيل حول هذه العناصر راجع:
د.حسنين توفيق، التحول الديمقراطى والمجتمع المدنى فى مصر، مرجع سابق ص 143-148.
30-د.محمد السيد سعيد، النموذج البرلمانى للإصلاح الدستورى، ورشة عمل نحو دستور مصرى جديد، مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، القاهرة، 23-25 مايو 2005.
أنظر أيضاً أعمال الملتقى الفكرى التاسع للمنظمة المصرية لحقوق الإنسان، الإصلاح الدستورى بين التفصيل والتأجيل، القاهرة، 15-17 فبراير 2005.
31-التحالف الوطنى من أجل الإصلاح والتغيير، مشروع برنامج لائتلاف وطنى جامع لقوى المعارضة فى مصر، القاهرة، 21/9/2005 ص 9 غير منشورة.
وراجع أيضاً:
-د.مصطفى النشرتى، كيف تحكم مصر، المكتب المصرى الحديث، القاهرة، الطبعة الثانية، يناير 2005.
-د.أيمن نور، دستور مصر 2005، WWWdustour2005.com.
-الحركة المصرية من أجل التغيير (كفاية) ورقة العمل للمؤتمر الوطنى المصرى الأول، 24/5/2005 غير منشور.
-مشروع البرنامج السياسى للجبهة الوطنية للتغيير غير منشورة.
32-حسين عبد الرازق، تقرير حول انتخابات مجلس الشعب، جريدة الأهالى 4 يناير 2005.
33-حسين عبد الرزاق، تقرير حول انتخابات مجلس الشعب، المرجع السابق.
34-عصام الدين حسن، نحو قانون ديمقراطى لإنهاء نظام الحزب الواحد، مرجع سابق صـ 15.
35-د. وحيد عبد المجيد، موقع الأحزاب السياسية فى التطور الديمقراطى، كتاب التطور الديمقراطى فى مصر، (تحرير وحيد عبد المجيد) مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، بالقاهرة 2003 صـ 139.
36-د. وحيد عبد المجيد، موقع الأحزاب السياسية فى التطور الديمقراطى، المرجع السابق . صـ 140/141.
37-عبد الغفار شكر، المجتمع الأهلى ودوره فى بناء الديمقراطية، دار الفكر، دمشق، الطبعة الأولى، أبريل 2003. صــ60/61.
38-التقرير الاستراتيجى العربى، مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام عام 2003. صـ 431/432/433.
39-د. هالة مصطفى، تجديد الحياة الحزبية، صحيفة الأهرام بالقاهرة، 22 يونيو 1998
40-د. عبد المنعم سعيد، الثابت والمتغير فى السياسة المصرية، صحيفة الأهرام بالقاهرة 9، 16 يونيو سنة 2003.
41-د. وحيد عبد المجيد، إصلاح أحزاب المعارضة أولا، صحيفة الأهرام، 16/6/2006.
42-لجنة التنسيق بين الأحزاب والقوى السياسية، بيان الإصلاح السياسى والديمقراطى، ديسمبر 1997 رقم الإيداع 226 3/98.
43-د. مصطفى كامل السيد، الإصلاح السياسى والمؤسسى، ورقة غير منشورة فى إطار البرنامج البحثى "الدولة فى عالم متغير" بمركز بحوث ودراسات العالم الثالث بجامعة القاهرة.
44-لمزيد من التفاصيل راجع:
عبد الغفار شكر والدكتور محمد مورو، القطاع الأهلى ودوره فى بناء الديمقراطية، مرجع سابق.
45-د. أمانى قنديل، المجتمع المدنى والتغيير السياسى والاجتماعى فى مصر، صحيفة لأهرام، القاهرة أول سبتمبر 2003. صـ 29.



#عبد_الغفار_شكر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إصلاح النظام الحزبى فى مصر (4)
- إصلاح النظام الحزبى فى مصر (3)
- إصلاح النظام الحزبى فى مصر (2)
- إصلاح النظام الحزبى فى مصر (1)
- البنية الثقافية للنخبة المصرية ( 3)
- البنية الثقافية للنخبة المصرية ( 2)
- البنية الثقافية للنخبة المصرية (1 )
- الانتفاضة الفلسطينية: ارهاب أم مقاومة وطنية؟
- عبد الغفار شكر المتحدث بأسم التحالف الاشتراكي المصري للحوار ...
- التحالف الاشتراكى الوثيقة التأسيسية
- ثورة 23 يوليو وعمال مصر
- نشأة وتطور المجتمع المدنى: مكوناته وإطاره التنظيمي
- تجديد الحركة التقدمية المصرية - الجزء الرابع والأخير
- تجديد الحركة التقدمية المصرية - الجزء الثالث
- تجديد الحركة التقدمية المصرية - الجزء الثانى
- تجديد الحركة التقدمية المصرية - الجزء الأول
- أثر السلطوية على المجتمع المدنى - الجزء الثانى
- أثر السلطوية على المجتمع المدنى - الجزء الأول
- دور المجتمع المدنى فى بناء الديمقراطية-الجزء الرابع والأخير
- دور المجتمع المدنى فى بناء الديمقراطية- الجزء الثالث


المزيد.....




- القوات الإيرانية تستهدف -عنصرين إرهابيين- على متن سيارة بطائ ...
- الكرملين: دعم واشنطن لن يؤثر على عمليتنا
- فريق RT بغزة يرصد وضع مشفى شهداء الأقصى
- إسرائيل مصدومة.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين بجامعات أمريكية ...
- مئات المستوطنين يقتحمون الأقصى المبارك
- مقتل فتى برصاص إسرائيلي في رام الله
- أوروبا.. جرائم غزة وإرسال أسلحة لإسرائيل
- لقطات حصرية لصهاريج تهرب النفط السوري المسروق إلى العراق بحر ...
- واشنطن.. انتقادات لقانون مساعدة أوكرانيا
- الحوثيون: استهدفنا سفينة إسرائيلية في خليج عدن وأطلقنا صواري ...


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - عبد الغفار شكر - إصلاح النظام الحزبى فى مصر الجزء الخامس والأخير