أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية - نجيب الخنيزي - اليمن إلى أين؟















المزيد.....

اليمن إلى أين؟


نجيب الخنيزي

الحوار المتمدن-العدد: 2830 - 2009 / 11 / 15 - 18:24
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية
    


ربطتني ومعي الكثير من السعوديين علاقة حب ومودة مع شعب اليمن الشقيق وخصوصا في جنوب اليمن (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية سابقاً) الذي يتسم بالحيوية والعصامية والتضامن والقدرة التي لا تكل على العمل، والتي نعرف منهم مئات النماذج الناجحة في جميع المجالات في بلادنا.
كما أن عشرات الآلاف منهم أصبحوا جزءا لا يتجزأ من النسيج الوطني في بلادنا. كما أشير إلى تلك العلاقة الودية والحميمة التي جمعتنا مع نخبه السياسية والثقافية، والتي ترسخت على مدى سنوات، وذلك في ضوء التوافقات والمنطلقات السياسية والأيديولوجية المشتركة آنذاك. ذلك التوافق العام لم ينف عدم وجود خلافات وتباينات بيننا وبعضها حاد لا يمكن التوفيق بينها، إزاء جملة من القضايا، وخصوصا ما يتعلق منها بالموقف من مناطق جنوب الوطن، وبالذات عسير حيث كانت (ولا تزال) هناك أطروحات وتطلعات قوية لدى جهات وأطراف يمنية كثيرة، ومن الاتجاهات كافة، نحو المساس بكياننا الوطني الذي أرسى دعائمه القائد المؤسس الملك عبدالعزيز.
وفقا لتلك العلاقة في ذلك الحين (التي أصبحت جزءا من التاريخ) أتيح لي التعرف عن قرب مع قيادات سياسية، نقابية، اجتماعية، وثقافية بارزة من بينها الأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني والرئيس السابق عبدالفتاح إسماعيل (وهو بالمناسبة ينحدر من شمال اليمن) الذي كان يتسم بولعه القوي نحو التنظير الفكري والسياسي والطريف أن لديه حس أدبي (شاعر) مرهف، غير أن نزعته الثورية الرومانسية وتقديمه لأولوية الفكر والنظرية على الواقع جعلته أسيرا للنزعة الارادوية، وقافزاً إلى حد كبير على الواقع (الزمكان) المعقد والمتناقض الذي يعيشه اليمن، حيث التخلف الاجتماعي، الاقتصادي، والثقافي المريع، ونزعة المحافظة والتقاليد القبلية والمناطقية القوية التي تخترقه من جهة، والأخذ بقيم الحداثة والعصرنة حتى مدياتها القصوى (الاشتراكية) من دون المرور بالمرحلة الانتقالية، التمهيدية. الموضوعية والضرورية من حيث مهماتها ومتطلباتها الاقتصادية، الاجتماعية، السياسية، والثقافية من جهة أخرى.
وهو ما نجم عنها ما يمكن وصفه بـ الماركسية الرثة حيث تداخل الصراع الحزبي والسياسي مع التوجه القبلي والمناطقي القوي الحضور، والذي غالباً ما يتم حسمه عبر أسلوب التأمر والاصطفاف على أرضية الفئوية، القبيلية، والمناطقية، ومن خلال منطق الصراع الدموي والقوة العسكرية المجردة بعيداً عن الأطر الحزبية والتنظيمية الشرعية الحديثة المتعارف عليها. كما تسنى لي التعرف على خلفه الرئيس علي ناصر محمد الذي أقر بأنه يتحلى بقدر كبير من شخصية رجل الدولة كما يتسم بالواقعية (البراغماتية) التي تسعى إلى التوفيق بين متناقضات الواقع الحزبي، السياسي، والاجتماعي المعقد في جنوب اليمن، غير أنه لم يسلم من التورط في دوامة العنف والصراع الداخلي العنيف التي اتسم بها اليمن عموماً.
لقد عانى الشعب اليمني الشقيق الكثير من المآسي والكوارث والمحن على امتداد تاريخه الطويل سواء في مرحلة حكم الإمامة في الشمال والعهد الاستعماري البريطاني في الجنوب أو بعد قيام الجمهورية العربية اليمنية إثر ثورة سبتمبر/ أيلول 1962 في الشمال التي وضعت حداً لنظام الإمامة (القروسطوي)، واندلاع ثورة 14 أكتوبر/ تشرين الأول التي طردت القوات البريطانية من الجنوب وقيام جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (1968م). يكفي أن نذكر أن الزعماء والرؤساء كافة الذين تعاقبوا على السلطة في الشمال والجنوب كان مصيرهم القتل أو الاغتيال أوالإبعاد القسري ففي الشمال تم إبعاد المشير عبدالله السلال قائد ثورة الجيش وأول رئيس للجمهورية وما لبث أن عزل خلفه القاضي عبدالرحمن الأرياني من رئاسة مجلس الرئاسة. أما الرئيس الثالث المقدم إبراهيم الحمدي فكان مصيره الاغتيال (1977م) في ظروف غامضة، ويعتقد بأن العقيد الغشمي الذي خلفه كان متورطاً فيها، ولم يستمر خليفته العقيد الغشمي في السلطة سوى فترة قصيرة إذ اغتيل بدوره في العام 1978م، ووجهت أصابع الاتهام بضلوع الرئيس اليمني الجنوبي آنذاك سالم ربيع علي (سالمين) في مقتله إثر تسلمه لحقيبة مفخخة من قبل ممثل الرئيس سالمين، ولم يكن الوضع في الجنوب بأفضل حالاً إذ تم إبعاد الرئيس قحطان الشعبي في العام 6819م إثر اندلاع صراع حاد بينه وبين التيار اليساري في الجبهة القومية الحاكمة، غير أنه سرعان ما دب النزاع والخلاف بين الرئيس سالمين ومعظم أعضاء المكتب السياسي وذلك لأسباب شخصية وفئوية وأيديولوجية وتم إعدام سالمين بعد فشل محاولته في تصفية أعضاء اللجنة المركزية ومكتبها السياسي. إثر انعقاد المؤتمر التأسيسي الأول للحزب الاشتراكي اليمني الذي وحد الفصائل اليسارية الرئيسية في حزب تبنى الاشتراكية العلمية انتخب الأمين العام للحزب عبدالفتاح إسماعيل رئيساً لمجلس الدولة، وذلك على غرار النموذج السوفيتي في توحيد قيادة الحزب والدولة بيد الأمين العام، غير أنه سرعان ما دب الخلاف بين أعضاء القيادة الجديدة ودفع الصراع المحتدم إلى استقالة عبدالفتاح إسماعيل (إبريل/ نيسان 1980) من منصبي الأمانة العامة ورئاسة مجلس الرئاسة لأسباب صحية واختار موسكو لتكون منفاه الاختياري غير أن الصراع تجدد بعد فترة هدوء وترقب استمر بضع سنوات، ولم تنفع محاولات التهدئة والمصالحة التي قامت بها بعض الأحزاب في الدول الاشتراكية السابقة، والكثير من الأحزاب الاشتراكية واليسارية العربية، كما لم تؤد عودة عبدالفتاح إسماعيل مجدداً من منفاه إلى اليمن إلى تخفيف حدة الصراع بين علي ناصر محمد وأنصاره من جهة، وخصومه الذين انضم إليهم عبدالفتاح إسماعيل الذي تولى منصبا فخريا، يتمثل في رئاسة الحزب الاشتراكي من جهة أخرى. بلغ الصراع ذروته في أحداث يناير/ كانون الثاني 8619 الدامية والتي أدت إلى مصرع الكثير من القيادات التاريخية للثورة والحزب (عبدالفتاح إسماعيل، صالح مصلح، وعلي عنتر )، إلى جانب مقتل وجرح الآلاف من الطرفين، واضطر الرئيس علي ناصر محمد والآلاف من أنصاره إلى المغادرة إلى صنعاء، ثم استقر به المطاف في دمشق، مما مهد الطريق لانتخاب علي سالم البيض خلفاً له في قيادة الحزب الاشتراكي ورئاسة الدولة في اليمن الديمقراطية.
اليمن: حرب.. وحدة.. حرب!


عانى اليمن (شماله وجنوبه) حالة من الفوضى وعدم الاستقرار من جراء الحروب الأهلية والمناطقية والحدودية، واستمرار التصفيات بين أجنحة الحكم المتصارعة، في ظل حال التشطير والتخلف الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، السائد بين الغالبية الساحقة من الشعب، كما جرى تدمير المنجزات المادية (وهي متواضعة) التي تحققت بعرق وكدح أبنائه، واستنزاف الموارد الضخمة على القطاعات العسكرية والأمنية، مما أدى إلى تعطيل مسيرة التنمية والبناء، وعودة انبعاث وترسيخ الانتماءات (ما قبل الوطنية) الفرعية التقليدية من قبلية وطائفية ومناطقية. العلاقات بين اليمن الجنوبي والشمالي كانت على الدوام متوترة رغم الكثير من الاتفاقات الوحدوية التي لم تر النور، وذلك في أعقاب كل معركة طاحنة بينهما، وأشير هنا إلى اتفاقيتي الوحدة التي أعقبت حربي 1972 و,1979 والتي كان اليمن الجنوبي فيهما متفوقاً من الناحية العسكرية، كما احتضن القوات التابعة للجبهة الوطنية الديمقراطية القوية الحضور والنفوذ في الشمال. يستحضرني هنا جدل حاد (قبل ثلاثة عقود) اندلع بيني وبين بعض قادة الجبهة، حول ما اعتبرته مساسا بالوحدة الوطنية لبلادنا، بناء على تقييمهم لأوضاع تاريخية قديمة لبعض المناطق الجنوبية، رغم تغير الظروف والمعطيات والحقائق الموضوعية بعد تأسيس وتوحيد المملكة، بما في ذلك ترسخ المشاعر والارتباطات والمصالح الوطنية للسكان في مختلف المناطق في السعودية، الذين اندمجوا وتداخلوا اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، مع عدم إغفال ما يعتري الوضع الداخلي من اختلالات وتشوهات (لأسباب وعوامل مختلفة) من بينها العودة القوية للانتماءات والهويات (القبلية، المناطقية، المذهبية) الفرعية. هناك عوامل عدة سرعت بقيام الوحدة اليمنية في 22 مايو/ أيار ,1990 من بينها الضعف العام الذي عانى منه النظام والمجتمع في اليمن الجنوبي، من جراء استمرار الصراعات والاستقطابات الحادة الداخلية بين أجنحة الحزب والدولة، وخصوصاً في أعقاب أحداث 13 يناير/ كانون الثاني 1986 الدموية، حيث نزح الآلاف من أنصار الرئيس السابق علي ناصر محمد (غالبيتهم من الكوادر الحزبية والعسكرية) إلى اليمن الشمالي، كما لا يمكن تجاهل إفراز انهيار المعسكر الاشتراكي السابق، وتوقف الدعم السوفيتي القوي لليمن الجنوبي. إزاء الوحدة الاندماجية الشاملة بين الشمال والجنوب كان هناك بعض التحفظات من قبل بعض القيادات الجنوبية، حيث كانوا يطرحون أفكارا مغايرة مثل التدرج، المرحلة الانتقالية، الكونفدرالية، أو الفيدرالية، التي تحافظ على الخصائص السياسية، الاجتماعية، الاقتصادية، والثقافية المتباينة بين الجنوب والشمال، غير أن فكرة الوحدة الاندماجية الكاملة انتصرت، وقد بادر إلى تحقيقها وصنعها القيادات اليمنية في الشمال والجنوب على حد سواء، كما حظيت الوحدة في البداية بالتفاف وتأييد وحماس شعبي واسع، باعتبارها الإطار السليم والصحيح لتجاوز حالة التشطير والانقسام والاحتراب، وإعادة التلاحم والاستقرار وبناء الوحدة الوطنية الراسخة، عبر تصفية احتكار الحزب أو الجيش للسلطة، والاستناد إلى التعددية السياسية، وإطلاق الحريات العامة وبناء دولة القانون والمؤسسات وترسيخ دعائم المجتمع المدني، ومكافحة مظاهر الفساد والتسيب الإداري والمالي، وإعادة تفعيل العملية التنموية من أجل رفع وتحسين مستوى حياة الشعب المعيشية والتعليمية والصحية، وعلى الصعيد الخارجي أعطي الاهتمام لتطبيع العلاقات مع دول مجلس التعاون والدول العربية والانفتاح على مختلف دول العالم.
تلك الأهداف والمشروعات الكبيرة التي علق عليها الشعب اليمني الكثير من الآمال أصيبت بانتكاسة خطيرة نتيجة استمرار المنافسة والمناكفة بين الأحزاب الرئيسية، وما اعتبره الحزب الاشتراكي (الشريك الثاني في صنع الوحدة) اليمني تهميشا له ولمناطق وأهل الجنوب في هياكل السلطة والاقتصاد والتنمية، في ضوء احتكار السلطة من قبل الرئيس اليمني وحاشيته، التي تتكون بالدرجة الأساسية من عائلته وقبيلته ومناصريه، تحت يافطة حزب المؤتمر. كل ذلك أدى إلى غياب روح الثقة والتعاون، بين القيادات اليمنية وبالتحديد بين الرئيس اليمني علي عبدالله صالح ونائبه علي سالم البيض، وبين حزب المؤتمر والحزب الاشتراكي الشريكين الرئيسيين في صنع الوحدة وفي السلطة، إلى جانب وجود عوامل ومسببات أخرى تتعلق باختلاف وتناقض التقييمات إزاء الكثير من القضايا والمشكلات الرئيسة المطروحة، وسبل معالجتها وعدم مراعاة المصالح والمكتسبات التي تحققت في الجنوب، وعدم تقدير الخصائص والاختلافات والحساسيات المناطقية والقبلية ذات الطابع الموضوعي والتاريخي، مما خلق رد فعل قوي لدى الشارع والنخب السياسية في الجنوب، التي شعرت بالتهميش والتمييز والإقصاء. وقد أدى فشل تطبيق وثيقة العهد المبرمة في العاصمة الأردنية (عمان) في فبراير/ شباط 1994 بين الحزب الاشتراكي وحزب المؤتمر، إلى انفجار الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب في 27 أبريل/ نيسان 1994م، وعلى نحو أشد ضراوة ودموية حيث خلفت عشرات الآلاف من القتلى والجرحى والمنفيين، إلى جانب الخسائر المادية التي قدرت بأكثر من عشرة مليارات دولار. مع أن الحرب توقفت، وانتصر خيار الوحدة عن طريق القوة والحسم العسكري من الشمال، غير أن الجراح والمآسي والإفرازات التي خلفتها تلك الحرب ظلت ولا تزال ماثلة وقوية وخصوصاً في الجنوب.

اليمن: الصراع.. الوحدة.. التجزئة


يشهد اليمن الذي يعد من أفقر الدول العربية مظاهر متزايدة لعدم الاستقرار الأمني وتزايد حدة الاضطرابات السياسية والاجتماعية والاقتصادية. فإلى تمرد الحوثيين في الشمال منذ العام 2004 على أرضية مطالب اقتصادية واجتماعية ودينية واتهامات لنظام الرئيس علي صالح (وهو بالمناسبة زيدي) بإهمال مناطقهم ودعم السلفيين المتشددين، هناك الدور المتنامي والخطير الذي يمارسه جناح تنظيم القاعدة في اليمن الذي غيّر اسمه إلى القاعدة في شبه الجزيرة العربية في فبراير/شباط الماضي. هذا الدور الذي ينذر بتحويل اليمن إلى موقع متقدم لها على الصعيد اللوجستي، الإيواء، التدريب، التخطيط، ومركز لانطلاق وتنفيذ عملياتها الإرهابية، مستفيدة من ضعف وغياب السلطة المركزية عن مناطق واسعة، وهو ما يشكل خطورة جدية بنقل الصراع والإرهاب إلى البلدان المجاورة (وخصوصاً السعودية) والعالم. لا يمكن أيضاً تجاهل ما تمارسه بعض الجماعات القبلية المهمشة من عمليات تخريب وخطف مسلح للأجانب بغرض الضغط على السلطة المركزية لتحسين أوضاع مناطقها أو بهدف الحصول على الفدية.
غير أني أزعم أن الأخطر في تصوري في كل ما يحصل، هو تصاعد حدة التوتر واندلاع المظاهرات والمواجهات الدامية في المحافظات الجنوبية والتي تفجرت في 28 أبريل/ نيسان الماضي، لإحياء ذكرى الحرب الأهلية اليمنية العام 1994 والتي هزمت فيها قوات الشمال القوات الجنوبية في ما كان يعرف قبل اتفاق الوحدة للعام 1990 باسم جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية. حيث يشكو سكان الجنوب الذي يوجد به معظم المنشآت النفطية اليمنية منذ فترة طويلة من أن سكان الشمال أساؤوا استغلال اتفاق الوحدة لانتزاع مواردهم، وسلب ممتلكاتهم وأراضيهم، وممارسة الإقصاء والتمييز ضدهم. وقد تحولت مظاهرات بشأن معاشات التقاعد للجيش إلى أعمال عنف في عدن العام .2007 وتطورت احتجاجات بشأن الوظائف في الجنوب إلى مصادمات عنيفة مع الأجهزة الأمنية اليمنية العام الماضي.
تلك الحوادث الدامية التي لاتزال مستمرة حتى يومنا هذا، واجهتها أجهزة الأمن بقسوة، ما أسفر عنها سقوط العشرات من القتلى والجرحى، واعتقال المئات من المتظاهرين، والناشطين السياسيين، كما أقفلت كثيراً من الصحف المحسوبة على المعارضة. وهو ما دفع كلا من الرئيس اليمني الجنوبي السابق علي سالم البيض، ورئيس الوزراء السابق حيدر أبوبكر العطاس اللذين يعيشان في الخارج، إلى الدعوة علناً إلى الانفصال عن الشمال، علماً أن الحزب الاشتراكي لم يتبنَّ عملياً أو رسمياً هذه الدعوة. هذه الأوضاع الخطيرة والمعقدة التي يعيشها اليمن، تتطلب نبذ الخيار العسكري والأمني، والبحث عن حلول سياسية وسلمية في إطار اليمن الواحد، مع بحث الخيارات الأخرى كالفيدرالية أو الكونفدرالية (اللامركزية) أو غيرها من الخيارات المتفق عليها، التي تستجيب مع مصالح الشعب اليمني (في الجنوب والشمال) على اختلاف مكوناته وتوجهاته وأطيافه.
يتعين وقبل كل شيء إيجاد حلول عملية وواقعية للوضع الأمني والسياسي والاقتصادي والاجتماعي المتدهور، حيث طالت البطالة نحو 35% من السكان، كما يعيش 45% من اليمنيين دون خط الفقر، إلى جانب ارتفاع نسبة التضخم التي تصل إلى 12%، كما انخفض مستوى الدخل الفردي من 680 دولاراً العام 1994 إلى 300 دولاراً في الوقت الحاضر، في حين تصل الأمية إلى نحو 60%. كما تتدهور الأوضاع الصحية على نحو خطير، إذ تعاني نسبة كبيرة من السكان من الأمراض المعدية، والافتقار إلى المياه النظيفة للشرب والمجاري الصحية، والذي من أسبابه تفاقم الفساد والنهب للمال العام، وتفشي المحسوبية وفقاً لاعتبارات قبلية ومناطقية، وغياب التوازن في التنمية ما بين المناطق، وتركز السلطات الرئيسة كافة عملياً بيد الرئيس، الذي يحكم اليمن على مدى أكثر من ثلاثة عقود، والذي لجأ إلى فرض تغيير بعض مواد الدستور في العام ,2007 لضمان إعادة انتخابه لدورة رئاسية جديدة، مع توجهات لا تخفى نحو توريث الرئاسة.
هذه الأوضاع المتردية دفعت بأكثر من ثلاثة ملايين يمني للهجرة إلى الخارج، للبحث عن العمل والإقامة والاندماج في كثير من البلدان. القضايا والتحديات الرئيسة التي تجابهها اليمن عديدة وكبيرة، يأتي في مقدمتها، العمل على طي ملف الحرب نهائياً، عبر اعتماد طريق المصالحة الوطنية الشاملة، واستعادة الوئام والوحدة المجتمعية، والسلم الأهلي، وتجاوز مظاهر التشطير والتمييز المناطقي والقبلي والطائفي كافة، والتخلي عن عقلية وروح المنتصر، ونبذ سياسة الاحتواء، الإلحاق، والصهر، وضمان حق المشاركة في السلطة واتخاذ القرار للجميع، وذلك بإنهاء احتكار السلطة، وإقرار دولة القانون والمؤسسات، والفصل بين السلطات، وتأكيد مبدأ النزاهة والحياد والمساواة والعدل والمواطنة المتساوية ورفع القيود عن مؤسسات المجتمع المدني، وضمان حرية التنظيم والعمل السياسي والنقابي، وحرية النشر والتعبير والفكر والعقيدة للجميع، إلى جانب وضع الخطط التنموية الشاملة والمتوازنة، لتطوير المناطق والمحافظات على قدم المساواة كافة.
هذه الخطوات والإجراءات الضرورية، من شأنها قطع الطريق أمام ظهور النزعات والتوجهات الانفصالية، وإنهاء الفوضى وعدم الاستقرار والانفلات الأمني، وتمدد بؤر الإرهاب والجماعات الخارجة على الدولة والقانون وانتعاش الولاءات والارتباطات الفرعية (التقليدية) والأجنبية، على حساب الولاء والانتماء الوطني. ومن دون توافر هذه الأرضية الصلبة للوحدة اليمنية فإن نقيضها الحتمي (طال الوقت أم قصر) هو الفوضى والانقسام والتجزئة، التي تتغذى على الظلم والتمييز والتخلف والفساد والديكتاتورية. وفي الواقع فإن هذه المستلزمات الموضوعية لتجاوز الأزمة لا تخص اليمن فقط، بل تنطبق على كل الأوضاع المماثلة، سواء في البلدان العربية أو غيرها من البلدان الأخرى.
كاتب سعودي
جريدة الوقت البحرينية



#نجيب_الخنيزي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اليوم العالمي للديمقراطية


المزيد.....




- ماذا قالت إسرائيل و-حماس-عن الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين ف ...
- صنع في روسيا.. منتدى تحتضنه دبي
- -الاتحاد الأوروبي وسيادة القانون-.. 7 مرشحين يتنافسون في انت ...
- روسيا: تقديم المساعدات الإنسانية لقطاع غزة مستحيل في ظل استم ...
- -بوليتيكو-: البيت الأبيض يشكك بعد تسلم حزمة المساعدات في قدر ...
- -حزب الله- يعرض مشاهد من رمايات صاروخية ضد أهداف إسرائيلية م ...
- تونس.. سجن نائب سابق وآخر نقابي أمني معزول
- البيت الأبيض يزعم أن روسيا تطور قمرا صناعيا قادرا على حمل رأ ...
- -بلومبرغ-: فرنسا تطلب من الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات جديدة ض ...
- علماء: 25% من المصابين بعدم انتظام ضربات القلب أعمارهم تقل ع ...


المزيد.....

- واقع الصحافة الملتزمة، و مصير الإعلام الجاد ... !!! / محمد الحنفي
- احداث نوفمبر محرم 1979 في السعودية / منشورات الحزب الشيوعي في السعودية
- محنة اليسار البحريني / حميد خنجي
- شيئ من تاريخ الحركة الشيوعية واليسارية في البحرين والخليج ال ... / فاضل الحليبي
- الاسلاميين في اليمن ... براغماتية سياسية وجمود ايدولوجي ..؟ / فؤاد الصلاحي
- مراجعات في أزمة اليسار في البحرين / كمال الذيب
- اليسار الجديد وثورات الربيع العربي ..مقاربة منهجية..؟ / فؤاد الصلاحي
- الشباب البحريني وأفق المشاركة السياسية / خليل بوهزّاع
- إعادة بناء منظومة الفضيلة في المجتمع السعودي(1) / حمزه القزاز
- أنصار الله من هم ,,وماهي أهدافه وعقيدتهم / محمد النعماني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية - نجيب الخنيزي - اليمن إلى أين؟