أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سمرقند الجابري - قصة قصيرة














المزيد.....

قصة قصيرة


سمرقند الجابري

الحوار المتمدن-العدد: 2825 - 2009 / 11 / 10 - 04:46
المحور: الادب والفن
    


خلايا

خمسة وعشرون عاما وأنا خلية سرطانية، اتجول في رأس إمرأة من هذي البلاد ، شكرا لغباء كل حكيم أخطأ في التشخيص وفتح دماغ صاحبتي ليصلح جزءا ويخرب أجزاء ، لاستمر أنا في رحلتي أقتات على فصوص دماغها الايمن والايسر ببطء يسعدني ويؤلمها.
بدأت بخلايا المراكز العصبية ، أنال بمخالبي ما قدرت ، فصارت تُسقط من يديها صحون الغسيل وثياب الصغار ليلجأ زوجها الى الاستعانة بالاولياء والبخور ودفع الصدقات.
ما دمتُ سرطانا فأنا املك جهاتها الاربع ، أتكاسلت اسئلة الاطباء! ام ارتخى ذهن طارحها؟. لذا صارت سيدتي تتعثر في الكلام وتخطيء في المشي، وتسرف بغياب الوعي.
في العام الاول لمرضها، تقاسمت اخواتها العناية باولادها ، فصار الصغير في بيت، والابنة واخوها في بيت آخر ، بينما بقى الثلاثة الباقين في بيت ابيهم لانهم اكبر عمرا ، لتزورهم عجائز العائلة كل اسبوع مرتين تنظف وتطبخ وتلقي النصائح كنبي في العباد وتمضي .
بعد اعوام عاد الاولاد من بيوت خالاتهم ليعرفوا أن الام ما عادت تعرفهم بسبب مطارق المرض على جدران فكرها الواهن ليدق ناقوس الترقب في عائلة تركت لرحمة الاقدار!
الابنة الكبرى قادت السفينة بلا بوصلة ، قد يكون الشاطيء قريبا ، فلا نوارس تكرمت بالتحليق كي تهوّن عليها عواصف البحر ، لترزح بعبيء عائلة غاب والدها بين الذهاب الى الحرب والعودة الى محل نجارته في زقاق ما .
كلهم كبروا وسط امراض تنهش قلوبهم وتطرز تفاصيل حياتهم بخيوط سوداء فلا تتذكرهم غير قوافل الحزن وشفقة الجيران ، صاحبتي أوكلتها السماء لانعدام رحمتي كي اقتات على مراكز البصر لتعمى عيناها واحدة بعد أخرى ويثقل سمعها فلا تملك غير التحدث الى نفسها لان الاولاد كانوا يهربون أما للشارع بالاسراف في اللعب والتعب او الانزواء في غرف الدار الواسعة فصاروا كدول لا تعترف بغيرها!
صادق كان حب زوجها لها، فلم يبادلها بحسناوات يطرقن باب محله أو بعرائس تجلبهم كل حين عمات الاولاد وخالاتهم ، صار يحممها بيده ويمشط لها ضفائر يتنازع عليها الشيب، ويطعمها ما تفنن بطبخه ، ويوصي بها اولادها الذي ساروا على درب التذمر والعقوق.
لا تكرهوني لاني مرض خبيث فهذه ضرائب حياة انتم فيها ، تراني خجلت من الفتك بذكريات طفولة هذه السيدة لاعود الى اعوام لم ترى فيها والدها إلا وهو يطارح آلام سم اجتاح جسده لان والدتها ارادت ان تعيش بحبال تركت على الغارب وترحل بهم من قريتها البشعة الى مدينة يملؤها النور والمياه التي تأتي بالصنابير وارصفة لا يتسخ من يمشي عليها .
تزوجت والدتها من شاب يصغرها بفضل شعوذة سوداء وتركت اولادها لاختهم الكبرى تعيلهم بالخياطة ، كم آلمني وأنا اقرض هذا الجزء من ذكرياتها عندما زفت الى رجل يكبر والدها كي ترحم أخوتها بثياب جديدية وتدفع ايجار دارهم الصغيرة.
لا رحمة في بعض الاقدار، فالرجل الذي تزوج ضحيتي طردها ذات يوم ممطر لانها ما عادت تحتمل قسوة زوجاته وصارت تعيش بعيدة عن اولادها الثلاثة وتحاول جمع شتات اخوتها هاربة بهم من زوج امها كفرار موسى من آل فرعون.
ذات نهار شاءت رحمة السماء ان تتجول في سطر حياة امرأة لاذت بصبر محمد على قريش، وارتدت من التحمل درعا ضد البكاء ، فقابلت نجارا هرب هو الاخر من جبروت ابيه ليعمل في محل صغير ويعيش فيه .
كانت تشفق عليه لانه يصلح لها باب الدار وكراسي البيت بلا مقابل ، فترسل اليه ما جادت به قدور البسطاء ، لانها صارت تعمل في ندب الموتى بالقصائد المغناة او باحياء ذكر النبي في بعض المناسبات لتعود محملة بالفواكه والحلوى واجرة البيت الذي زارته الافراح مؤقتا كهدنة الى اشعار آخر.
للحب اعاجيب تجر النجار من ثنايا روحه لتتركه حمامة بللها العشق بيد امراة تركت الندب على من مات لتحيا معه زوجة تقاسمه زقزقة اطفال صاروا اليوم كما أخبرتكم خرز مسبحة قرب انقطاع خيطها ، لينتظرهم المجهول بسكاكين صدأة!
حللت في جسدها بلا ترحاب، غير انها كانت تلد وتلد لتعوض نفسها عن ام لم ترحمها وعن خيبات زوجها الاول ، لعلها ارادت ان تكافيء حبيبها الذي اصلح مع باب دارها رتاجات قلبها المحطم ، لكن هبوطي في رأسها غيّر مسار النهر عن البساتين لتجدب.
هكذا مضغت بقدرتي ذكرياتها فلم تعد تكنس باحة الدار ولا تخيط لاحد ، صغارها كبروا واختاروا حياتهم ،والنجار ترك مطرقته والتحق بالرحيم سريعا ، لم تظل معها غير ابنتها الكبرى ، تجلسان معا واحدة تغني والاخرى تكتب اشياء لا يفهمها احد!
على احدنا ان يتعب ، لذا لم أجد ما آكله ذلك الخميس من الذكريات ، سمعت رجاءا مختنقا من قلب مرتجف:
:-" ارحمني، فأنا صرت طوقا من نار يخرب حياة ابنتي ، ارحمني فما عدت اطيق هذا الالم ".
ابرقت الى السماء ان امرأة ما عادت تصلح لاقامتي ، فلبى "عزرائيل" عند الفجر ندائي .





#سمرقند_الجابري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- منتصف الليل
- أين ذهبت حمائم تضرعاتي ؟
- سأدّعي الخَرَس
- ازقة
- على دمي فاتكئي
- شهادة


المزيد.....




- أوركسترا قطر الفلهارمونية تحتفي بالذكرى الـ15 عاما على انطلا ...
- باتيلي يستقيل من منصب الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحد ...
- تونس.. افتتاح المنتدى العالمي لمدرسي اللغة الروسية ويجمع مخت ...
- مقدمات استعمارية.. الحفريات الأثرية في القدس خلال العهد العث ...
- تونس خامس دولة في العالم معرضة لمخاطر التغير المناخي
- تحويل مسلسل -الحشاشين- إلى فيلم سينمائي عالمي
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- ناجٍ من الهجوم على حفل نوفا في 7 أكتوبر يكشف أمام الكنيست: 5 ...
- افتتاح أسبوع السينما الروسية في بكين
- -لحظة التجلي-.. مخرج -تاج- يتحدث عن أسرار المشهد الأخير المؤ ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سمرقند الجابري - قصة قصيرة