أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عاطف كشك - التحايل علي المعايش استراتيجيات الفقراء للبقاء















المزيد.....

التحايل علي المعايش استراتيجيات الفقراء للبقاء


عاطف كشك

الحوار المتمدن-العدد: 857 - 2004 / 6 / 7 - 04:41
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


علي مر العصور كان هناك دائماً فقراء، وكان علي الفقراء أن يتأقلموا ويتكيفوا مع ظروفهم الاقتصادية والاجتماعية الصعبة. وكان عليهم ــ تحت ضغط الحاجة ــ أن يبتكروا ويطوروا وسائل جديدة للتكيف «أو للتحايل علي المعايش كما يسميها الفقراء المصريون»، وكانت هذه الطرق تنجح لبعض الوقت في تمكين الفقراء من تحمل الضغوط الاقتصادية والاجتماعية، وتجاوز الأزمات والهزات التي يتعرضون لها. الضغوط والأزمات التي يتعرض لها الفقراء، إما أن تكون دائمة «مثل انخفاض الدخل وضعف الاستفادة من الخدمة والحرمان من الأصول الإنتاجية والبشرية» أو تكون الضغوط والأزمات طارئة «مثل فشل المحصول أو وفاة عائل الأسرة أو التعرض للمرض أو زواج أحد الأبناء.. إلخ».

وكانت طرق ووسائل التكيف التي يبتكرها الفقراء ـ أو يضطرون لها ـ لمواجهة أزمة طارئة، تؤدي في كثير من الأحيان إلي زيادة حدة الأزمات المعرضين لها في المستقبل. يحدث ذلك مثلاً عندما يضطر الفقراء لإنجاب عدد كبير من الأبناء للحاجة إلي مساهمتهم في توليد دخل إضافي للأسرة أو كضمان للمستقبل، ويحدث ذلك عندما يضطر الفقراء إلي إخراج الأولاد من المدارس لعدم قدرتهم علي مواجهة نفقات التعليم أو ليدفعوا بالأولاد والبنات إلي سوق العمل في سن مبكرة. ويحدث أيضاً أن يضطر الفقراء في أحيان كثيرة إلي الاقتراض بشروط مجحفة، والمبالغ المقترضة تستعمل لسد حاجات استهلاكية، ولكي يمكن الفقراء من تسديد القرض القديم وفوائده، يعيدون الاقتراض مرة أخري وهكذا في دوامة مستمرة تشدهم دائماً إلي القاع وتعمق من فقرهم وحرمانهم. ويحدث ذلك أيضاً عندما يضطر الفقراء في النهاية لبيع ما يملكونه من أصول إنتاجية قليلة لمواجهة أزمات طارئة مثل بيع الحيوانات التي يملكونها أو بيع قطعة الأرض الصغيرة التي تعولهم.

وبين ساعات الليل والنهار يمارس الفقراء كثيراً من الحيل الأخري لمجرد البقاء أحياء. وكلنا يعرف أمثلة لما تفعله النساء الفقيرات لتدبير «أو تدبيق» أحوالهم حتي يمكن لهم إطعام أفراد الأسرة الفقيرة بأقل النفقات. وقد سمعنا وقرأنا وربما شاهدنا نساء يقدمن علي شراء أرجل الدجاج أو أنواع الخضار التي اقتربت من الفساد، أو الأسماك المتعفنة التي لا تجد من يشتريها، وعندما يأكل جميع أفراد الأسرة وجبتهم الأساسية من الفول أو البسارة أو الطبيخ القرديحي البايت في طبق واحد، فليس ذلك إلا محاولة للتكيف مع نقص كمية الطعام المتاحة، ويتعلم بعض أفراد الأسرة التهام الطعام بسرعة لأن البطئ لن يحصل أبداً علي ما يشبعه.

وفي الأرياف تتحايل النساء الفقيرات علي المعايش مثلاً بأن تشترك مجموعة من النساء في إعداد الخبز بالتناوب. والمرأة التي عليها الدور تعجن وتخبز ثم تعطي كميات من الخبز للجارات أو الأقارب وهكذا في محاولة لتوفير الجهد والوقود.

وفي دراسة كنا نقوم بها حديثاً عن الفقر والبيئة سجلنا حالة غريبة للتكيف الضار مع ظروف الفقر، حيث وجدنا في إحدي المصالح الحكومية عامل يمتلك والده محل جزارة وقد تطوع العامل لبيع لحوم لبعض الموظفين بالأجل. وقد حكي لنا أحد هؤلاء الموظفين أنه يضطر كل أسبوع لشراء كيلو لحم بالأجل بسعر عشرين جنيهاً ثم يبحث عمن يشتريه منه «كاش» بسعر خمسة عشر جنيهاً لأنه في حاجة إلي النقود لشراء الخبز والفول لأولاده. ومثل هذا السلوك يفعله الفلاحون الفقراء عندما يضطرون إلي الاقتراض من التجار بضمان المحصول، حيث يحصلون علي سعر متدن جداً لمحصلوهم لأنهم في حاجة للنقود لشراء مستلزمات الإنتاج أو شراء الطعام.

وقد تصاعد الاهتمام في السنوات الأخيرة بدراسة استراتيجيات تكيف الفقراء مع ظروف الفقر. وتزخر الكتابات المعاصرة بكم هائل من المعلومات حول هذا الموضوع، وخاصة في كتابات علماء الأنثروبولوجيا والاجتماع وعلماء التغذية. ولا شك أن بعض هذه الدراسات تحتوي علي معلومات مفيدة ربما تساعد في نقل خبرة الفقراء إلي زملائهم في أماكن أخري. ومع ذلك فإن تركيز الاهتمام بدراسة استراتيجيات تكيف الفقراء، وتخصيص أموال كثيرة للإنفاق علي هذه الدراسات، أمر مريب أو هو علي الأقل يثير في بعض الأذهان أسئلة تتعلق بجدوي هذه الدراسات والقصد من ورائها.

لقد دارت في ذهني مثل هذه الأسئلة في عدة مناسبات ولقاءات علمية حضرتها في السنوات الأخيرة في عدة بلاد، وكان يدهشني ما ألاحظه علي وجوه الحاضرين من علماء أوروبا وأمريكا من إعجاب وتقدير عندما يعرض الباحثون دراسات متعمقة عن أساليب مواجهة الجياع لمشاكل نقص الغذاء في بعض مناطق أفريقيا، ويصفون بإسهاب ـ وبالصور الملونة ـ أنواع الجذور والحشائش والحشرات والديدان التي نجح الفقراء والجياع في تطويع أنفسهم علي قبولها كأنواع مفيدة من الغذاء. وإزاء ما تقابل به هذه الدراسات من إعجاب وتقدير أولاً للباحث الذي قضي وقتاً طويلاً يعايش الفقراء ويسجل كيف يتكيفون مع ظروف الفقر والجوع، وثانياً للفقراء أنفسهم الذين نجحوا في ابتكار أساليب غير تقليدية للغذاء، كنت لا أملك نفسي من أن أتساءل: وماذا بعد؟ هل الرسالة المطلوب توصيلها هي أنه مادام الفقراء يستطيعون أن يأكلوا الديدان والحشرات كمصدر للبروتين الحيواني فإنهم قد استطاعوا أن يحلوا مشاكلهم؟! وأن علي الفقراء الآخرين في أي مكان أن يقلدوهم ويستعملوا مثل هذه الحلول المبتكرة؟ وأن علي الأغنياء أن يناموا مرتاحي الضمير بعد أن حشوا بطونهم بأفخر أنواع اللحوم والأسماك، لأن أشقاءهم في الإنسانية في أفريقيا قد طوروا أساليبهم الخاصة كي يحشوا بطونهم بأنواع من الأغذية لا تختلف «من حيث الجوهر» في مكوناتها الغذائية الضرورية.

وعندما طرحت بعض هذه الملاحظات في أحد المؤتمرات الدولية، استغرب كثير من الباحثين لمثل هذا الطرح، ووافقني كثير منهم علي أن مثل هذه الأسئلة ضرورية في الواقع، ولكنها لم تخطر علي بالهم. وهذا إنما يبين التناقض الذي يقع فيه بعض الباحثين في العلوم الطبيعية وحتي في العلوم الإنسانية أحياناً عندما تستغرقهم لذة الاكتشاف لكل ما هو جديد وغريب دون البحث في سياقه الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، فالباحث قد يكرس كثيراً من وقته وجهده لإجراء مثل هذه البحوث بحسن نية، ولكني أعتقد أن ممولي هذه البحوث لا تغيب عنهم هذه الفكرة الملتبسة، ففكرة البحث في استراتيجيات تكيف الفقراء تكون في أحيان كثيرة مجرد مثل آخر للحق الذي أريد به باطل، مثل فكرة تقييد مشروعات التنمية بهدف المحافظة علي البيئة، و فكرة حقوق الإنسان، وصولاً إلي أفكار مثل الأمن مقابل الأرض، أو تجويع وقتل الأطفال والنساء بحجة محاربة الإرهاب.. إلخ.

إن النظام العالمي الجديد قد أصبح ماهراً جداً في صياغة أفكار تبدو براقة ولا يستطيع أحد أن يرفضها، لأنها تبدو نبيلة الهدف سامية القصد، ولكنها عند التطبيق، وخاصة عندما يكون المطالب بها مجرد بلطجي دولي كبير يفرض ما يراه بالقوة، ويكيل بأي معيار يراه حسب الحالة، يتضح ما وراءها من أهداف حقيرة وبشعة لا هم لها إلا تكديس الثروة والقوة في أيدي قلة من المتحكمين، ونشر وتركيز الفقر والجوع والحرمان لدي الغالبية العظمي من سكان الأرض التي يسمونها أحياناً «كوكبنا المشترك».

ومثل هذا السلوك يذكرني بما كتبه جورج أورويل في «مزرعة الحيوانات» كشعار مشوه للخنازير المتحكمة في بقية الحيوانات «كل الحيوانات متساوية.. ولكن بعض الحيوانات أكثر مساواة من الأخري». وقد كان جورج أورويل ينتقد النظم الشمولية قبل سقوطها، ولكن هل هناك نظام أكثر شمولية وأبشع تحكماً مما يعيش في ظله العالم الآن؟!

أقوال أحبها كثيراً:

أعشق قراءة مسرحية «مأساة الحلاج» لصلاح عبدالصبور، ويعجبني مقطع منها جميل وبالغ الدلالة عندما كان الفقراء الذين يدافع عنهم الحلاج يحكون كيف تسببوا في الإيقاع به:

صفونا صفاً صفاً

الأجهر صوتاً والأطول

وضعوه في الصف الأول

ذو الصوت الخافت والمتواني

وضعوه في الصف الثاني

أعطوا كلاً منا ديناراً من ذهب قان

براقاً لم تمسسه يد من قبل

قالوا صيحوا

زنديق كافر

صحنا: زنديق كافر

قالوا صيحوا

إنا نحمل دمه في رقبتنا

صحنا: إنا نحمل دمه في رقبتنا

قالوا أمضوا فمضينا

الأجهر صوتاً والأطول

يمضي في الصف الأول

ذو الصوت الخافت والمتواني

يمضي في الصف الثاني

وقد قال أبوالطيب المتنبي:

ومن نكد الدنيا علي المرء أن يري عدواً له ما من صداقته بد.



#عاطف_كشك (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- مصور بريطاني يوثق كيف -يغرق- سكان هذه الجزيرة بالظلام لأشهر ...
- لحظة تدمير فيضانات جارفة لجسر وسط الطقس المتقلب بالشرق الأوس ...
- عمرها آلاف السنين..فرنسية تستكشف أعجوبة جيولوجية في السعودية ...
- تسبب في تحركات برلمانية.. أول صورة للفستان المثير للجدل في م ...
- -المقاومة فكرة-.. نيويورك تايمز: آلاف المقاتلين من حماس لا ي ...
- بعد 200 يوم.. غزة تحصي عدد ضحايا الحرب الإسرائيلية
- وثائق: أحد مساعدي ترامب نصحه بإعادة المستندات قبل عام من تفت ...
- الخارجية الروسية تدعو الغرب إلى احترام مصالح الدول النامية
- خبير استراتيجي لـRT: إيران حققت مكاسب هائلة من ضرباتها على إ ...
- -حزب الله- يعلن استهداف مقر قيادة إسرائيلي بـ -الكاتيوشا-


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عاطف كشك - التحايل علي المعايش استراتيجيات الفقراء للبقاء