أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حبيب هنا - الفصل 13 من رواية حفريات على جدار القلب















المزيد.....

الفصل 13 من رواية حفريات على جدار القلب


حبيب هنا

الحوار المتمدن-العدد: 2821 - 2009 / 11 / 6 - 16:56
المحور: الادب والفن
    



ـ 13 ـ

أنهيت آخر محاضراتي يوم الأربعاء الساعة الثالثة تقريبًا .. دخلت مكتبي أرتب أوراقي قبل أن أغادر الجامعة ، فإذا بلبنى تقرع الباب وتدخل خلفي .. نظرت إليها وعرفت من فوري فحوى السؤال الذي ارتسم على شفتيها تتحين الفرصة كي تطرحه عليّ.. قلت :
ـ هل لديك مانع أن تصحبيني إلى بيتكم اليوم أشارككم الغداء والحديث ؟
ـ كأنك تقرأ أفكاري ‍
ـ وسبب مجيئك إلى مكتبي اليوم السؤال عن موعد الزيارة ..
ـ بالضبط .
ـ ولكن هل أخوك الكبير موجود ؟
ـ حسب العادة المتبعة ، نعم .
ـ إذن لحظات حتى استكمل ترتيب أوراقي ونذهب ..
جلست إلى جواري ولم نذهب إلى البيت من فورنا .. طوت السيارة العديد من الشوارع واستوقفتنا حالة عشق وآهة لوعة عبر عنها صمتنا البليغ وتقاطع العيون ، وأحيانًا أصابع يد توضع فوق اليد الأخرى تداعبها بلمسة حنان … وعندما نزف الوجد ، وتاهت العيون في المدى تبحث عن حقيقة خالصة ، طرحت عليّ سؤال اليقين ، فأذاب شكوك الجليد :
هل ما زلت تذكر ميسون ولبنى ؟ هل بقايا حبهما عالق في وجدانك ؟
أوقفت السيارة تحت ظل شجرة تنتصب أمام منزل في شارع محايد ، وأطفأت محركها .. خرجت من صدري آهة ألم انتظرت طويلاً فرصة مناسبة لإخراجها .. تضرجت وجنتاها بالحمرة وشعرت بارتباك .. قالت على غير توقع :
ـ أعتذر عن أي ألم سببته لك !
انفتح في صفيح عقلي ثغرات يصعب على أمهر الحدادين سدها بأدواتهم البدائية . قلت :
ـ جاء سؤالك متأخرًا ، فلم ينكأ جراحًا توقعت نكأها فأقدمتِ على الاعتذار .. ولو جاء في لحظات التعارف الأولى لما توطدت العلاقة بيننا .. كنت وقتها أعاني من فراغ الصدمة والفشل وقد أوشكت على الانهيار .. كان حبي لهما جنوناً يعصف بتوازن سلوكي ويفقدني الصواب أحيانًا .. ربما لا تعرفين حجم المعاناة التي تعرضت لها ، وربما لم يعرف أحد ، ولن يعرف ، مقدار العذاب مهما أتقنت الوصف .. لقد كنت غابة من المشاعر الجياشة اشتعلت بأعواد ثقاب الحب ، ولم أكن أتوقع أن تأتي عليّ ليال صقيعها يطفئ نيران روحي التواقة للحظة دفء !
عندما عرفتك ، كانت بقايا اليأس في داخلي تتلاشى ، ولما توطدت العلاقة معك قلت في سري :
هذه هي التي ستعوضني عنهما .. وكان دائمًا حدسي صادقًا !
أعترف إليك ، أنني كلما مرت واحدة من أمامي ورأيت صفاء بشرتها كنت أذكرهما فورًا .. كلما مرت واحدة قوامها ممشوق ، وخصرها نحيف تذكرت اللحظات التي جمعت بيننا وتلاشت الآن .. أعترف أنني كلما رأيت واحدة تتدثر بالشال بنفس طريقة ميسون عشت معها ، وأخذ عقلي يستذكر كل ما دار بيننا حتى أدق التفاصيل .. وكلما سمعت واحدة تتحدث بعفوية ، وتمرح ببراءة طفولية يحدوني الأمل برؤية لبنى مرة ثانية .
قد تعتقدين أنني أراهما فيك ولكن هذا ليس صحيحًا .. ربما كنت في لحظة من لحظات الفراغ والخوف امتدادًا طبيعيًا لهما ، غير أنني لم ألبسك وجه أي منهما .. هناك خصوصية تميز وجهك عن سواه : انسياب الملامح مثل خرير المياه !
تجربتك قائمة على الإفادة من الآخرين .. انضباط قوامك مثل عسكر الأتراك .. وجود جذرك في التربة لم يكن اصطناعيًا ، كان بفعل منطق وقواعد وقوانين الانحدار الناظم للأنماط والقواعد التي تؤكد العلاقة التراكمية بين مختلف الأشياء وصولاً إلى انتهاك المعيار .
توقفت عن الحديث فجأة ، ونظرت إليها .. شدها التوقف .. نظرت إليّ .. وضعت ذراعها على كتفي واقترب رأسها من صدري ، وعندما أوشكت على دفنه بين ضلوعي ، أدرت محرك السيارة وانطلقنا ..
دارت الأفكار في عقلي : لو كانت واحدة غيرها لبكت في هذه اللحظة بالذات !
وصلنا البيت وترجلنا .. قرعت الباب ودخلت ، فيما أخذت عيناي تجوب المكان ويرسم عقلي للمخيم ملامح مدينة .. بوابتها عند بيتهم الذي يرابط فوق كتف البحر عند المدخل الشمالي ..
بيت متواضع لا يوحي بالطمأنينة ، لكنه يذكر بالنكبة .. يرفض العطف ولا ينفرك من المكان .. منه تشتم رائحة الملوحة والتمسك بحق العودة ..
خرج الأخ الأصغر يدعوني للدخول .. صرت وسط الساحة ، شد انتباهي العناية الفائقة من الداخل : ورود مختلفة الألوان والحجم والرائحة مزروعة وسط البيت ، النعنع والريحان وبعض أعواد قصب السكر تؤكد المخزون الهائل للإصرار على الحياة ..
دخلت في الغرفة التي أشار نحوها .. نهض الجالسون عن مقاعدهم .. صافحتهم بالأيدي على التوالي ..
كانوا عشرة أشخاص عرفت من بينهم الأخ الأكبر .. مسحت عيناي الجدران الأربعة سريعًا ولاحظت صور بعض الشهداء تزين أحد الجدران ، فيما كان الجدار المقابل تتوسطه صورة كبيرة جمعت داخلها أعلام الدول العربية .. الجدار الثالث يحـتوي بعض الآيات القرآنية المؤطرة بالخشب والمغطاة بالزجاج .. أما الجدار الرابع ، فقد علقت عليه صور بعض القادة الفلسطينيين والعرب وإلى جوارهم أهـم ثلاثة شخصيات عالمية لعبـت دورًا في التاريخ . .
دعوتهم إلى استكمال حديثهم بعد أن رحبوا بي لعلي أستطيع المشاركة في هذا الجو من الحوار الهادئ ، إذا كان كذلك .. تحدث واحد من الحضور فبدا كأنه يتابع ما توقف عنه عند دخولي :
ـ أنتم تعرفون أيها الزملاء أنه تمر فترة في حياة كل جيل ، على الأقل ، يسأل فيها نفسه بعد أن يزداد القمع الذي يتعرض له : إلى متى سنبقى صامتين على هذا ؟ ومتى ينطق بهذه العبارة يكون صادقًا ومستعدًا لتقديم أغلى ما يملك من أجل ألاّ تخرج من أعماقه زفرة عميقة أو تقتله الحسرة ..
على مدار مائة العام الماضية كان يدور الحديث نفسه بين الأجيال المتعاقبة ، وإن كان بأساليب مختلفة ، وعادة هذا الحديث يدور بين أجيال ثلاثة في نفس المرحلة : جيل الشباب وفيه ينصبون باللائمة على الذين سبقوهم ولم يفعلوا شيئًا .. وجيل الآباء الذين فتك بهم الجوع ولم يستطيعوا تغيير شيء متذرعين بشتى الذرائع ، ثم يبدأون بذكر الأسباب .. وجيل الأجداد الذين يحاولون إطفاء النار قبل أن يشتد لهيبها في الوقت الذي ينظرون فيه مرة إلى قيودهم ومائة مرة إلى الذين تسببوا في إدامتها ..
كان حديثه مثل شلال الماء الذي جاء من نبع مجهول اليقين ، ولكنه بالتأكيد موروث عن الأجيال السابقة ولما صمت ، خيم على المكان جو أشبه ما يكون بمواصلة الحديث بالصمت .. كيف يحدث هذا ؟ أخذ كل منهم يسترجع الكلمات والأفكار التي وصلت أذنيه في سكون لا يعكر صفوه سوى الأنفاس .. فكرة جديدة تلتمع أدلي بها شخص .. فكرة تتبلور يتم حذف بعض المفردات منها وإضافة مفردات قادرة على إغنائها .. طريقة مبتكرة للتخلص من الأقوال التي طال الحديث فيها على مدار الأجيال دون نقلها إلى أرض الواقع .. ويتصل الحديث مجدداً بعد أن يفاجئنا أحد الحضور بما توصل إليه من أفكار تعيد نسج الحوار من النقطة التي تقطعت عندها الخيوط ..
استمعت إليهم باهتمام ، وكأن نفسي صحراء مترامية الأطراف وراء بحيرة ماء ، الوصول إليها من أجل ري الظمأ يكلف الحياة نفسها ! وقلت في سري : لقد نصب شعبي حبال مشنقته بيديه بين لحظتين : الأولى ، عندما انصاع لمشيئة غيره، واستسلم أمام إرادته ، والثانية ، عندما خنق في أعماقه كل أمل للتجديد والنجاة ! غير أن حديث الأخ الأكبر باغتني وحدد لحظة الحسم عندما قال :
ـ ماذا ينتظرون من شعب يتعرض للمجازر يوميًا ، ويعيش حتى الآن ؟ لابد أن يكون عمره قد تجاوز المفترض من الحياة فأصبح يعيش عمرًا إضافيًا ، أي أنه يمكن اعتباره شهيدًا منذ زمن ، وما ينطبق على باقي شعوب الأرض لا ينطبق عليه ، وبالتالي لا يضيره الاستشهاد في كل لحظة ..
حددوا الخطوات المقبلة ، ووزعوا المهام .. فيما كانت الأفكار تتقاذفني بين الثقة التي منحوني إياها بسماحهم لي بالجلوس بينهم وهم يناقشون حساسية الوضع المتفجر ، ويرسمون ملامح المستقبل ، وبين عدم إفرازهم دور لي أسوة بهم .. وقبل مغادرتهم البيت نظر إليّ الأخ الأكبر وأردف قائلاً :
ـ أما الأستاذ عادل فدوره لا يقل أهمية عن أدوارنا .. الجامعات دون استثناء ترفدنا بالنواة القادرة على حمل مشاعل الحرية والمضي قدمًا حتى بناء الدولة والمجتمع المدني ..
صمت لحظة ثم أضاف :
ـ لن نصادر حقهم في مناقشة الأمر في إطار المؤسسة ، وإيجاد الصيغة التي تضمن المشاركة الفاعلة بما يتفق مع دورهم التعليمي حتى لا نقع في خطأ التجهيل القاتل ،كما حدث في الانتفاضة الأولى ‍!



#حبيب_هنا (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفصل 12 من رواية حفريات على جدار القلب
- الفصل 11 من رواية حفريات على جدار القلب
- الفصل 10 من رواية حفريات على جدار القلب
- الفصل9 من رواية حفريات على جدار القلب
- الفصل 8 من رواية حفريات على جدار القلب
- الفصل 7 من رواية حفريات على جدار القلب
- الفصل 6 من رواية حفريات على جدار القلب
- الفصل 5 من رواية حفريات على جدار القلب
- الفصل 4 من رواية حفريات على جدار القلب
- الفصل 3 من رواية حفريات على جدار القلب
- الفصل 2 من رواية حفريات على جدار القلب
- الفصل 1 من رواية حفريات على جدار القلب
- الفصل 15 من رواية الإنتفاضة العشيقة الزوجة ..
- الفصل 14 من رواية الإنتفاضة العشيقة الزوجة ..
- الفصل 13 من رواية الإنتفاضة العشيقة الزوجة ..
- الفصل 12 من رواية الإنتفاضة العشيقة الزوجة ..
- الفصل 11 من رواية الإنتفاضة العشيقة الزوجة ..
- الفصل 10 من رواية الإنتفاضة العشيقة الزوجة ..
- الفصل 8 من رواية الإنتفاضة العشيقة الزوجة ..
- الفصل 7 من رواية الإنتفاضة العشيقة الزوجة ..


المزيد.....




- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...
- رسميًا.. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات ...
- بعد إصابتها بمرض عصبي نادر.. سيلين ديون: لا أعرف متى سأعود إ ...
- مصر.. الفنان أحمد عبد العزيز يفاجئ شابا بعد فيديو مثير للجدل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حبيب هنا - الفصل 13 من رواية حفريات على جدار القلب