أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - توفيق أبو شومر - عملاء خمسة نجوم















المزيد.....

عملاء خمسة نجوم


توفيق أبو شومر

الحوار المتمدن-العدد: 2819 - 2009 / 11 / 4 - 10:06
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


عدتُ بذاكرتي إلى ستينيات القرن الماضي ، حين كنتُ أشارك في مظاهرات هتافاتها الرئيسة كانت تندد بالعملاء والجواسيس وكنتُ أتابع قصص اكتشاف خلايا الجواسيس والعملاء ، وأتابع محطات الإذاعة العربية بحثا عن تفصيلات عن شبكات الجواسيس والعملاء ، كنتُ أستغربُ كيف يمكن لشخص أن يبيع وطنه للأعداء ، نظير المال !
ابتسمتُ وأنا أقارن بين جواسيس وعملاء الأمس ، وبين جواسيس وعملاء اليوم ، فالفرق بين النوعين لا يكمن في طريقة الجوسسة التقليدية التي كانت تعتمد على كشف عدد الجنود وأماكن السلاح وخطط القادة فقط ، فهذه الجوسسة العتيقة لم تعد موجودة ، لأنها اليوم لا تحتاج إلى جواسيس لرصدها بل ترصدها آلاف العيون الإلكترونية في كل لحظة من اللحظات، بل إن الفرق يكمن في أن جواسيس الأمس كانوا مظلومين بالقياس بجواسيس وعملاء الألفية الثالثة .
وضحكتُ عندما قارنتُ بين عميل الأمس المريض نفسيا واجتماعيا ، وبين العمالة في عالم اليوم والتي أصبحت ( صناعة وتكنلوجيا) في الألفية الثالثة !
وقهقهت أيضا وأنا أقارن بين جاسوس عصر الدويلات العربية في الخمسينيات والستينيات ، وهو الجاسوس الذي كان يسعى للإطاحة بالنظام الحاكم والاستيلاء عليه ، وما إن يفشل في خطته حتى يتحول عند منافسيه إلى جاسوس وعميل للأعداء، وبين جواسيس الألفية !
سبب ابتساماتي يعود إلى حالنا اليوم ، فقد تغيرت أنماط الجوسسة وتعددت فروع العمالات ، ولم تعد كلمة ( عميل) كلمة سيئة كما كانت ، بل أصبحت حتى البنوك تطلقها على زبائنها !
وصرنا جميعنا عملاء لمنظمات التجارة العالمية .
ودخلت كلمة (عمولة) في النشاط التجاري وصار يسعى إليها الطامحون بالثراء .
وأصبحت العمولات نشاطا حضاريا محببا يدخل في صميم العولمة ، ومن لم تعجبه الكلمة فعليه أن (يغور) من ظاهر الأرض إلى باطنها .
وفي القرون الوسطى كان الناس يتمنون أن يكونوا قادة جيوش ثم صاروا في القرن التاسع عشر يتمنون أن يكونوا فنانين أو مفكرين وفلاسفة وقادة رأي، ثم أصبحوا في بداية الألفية يطمحون أن يكونوا مديري بنوك ورؤساء شركات تجارية ، أو وسطاء وسماسرة .
وأخشى أن تتحول أمنيات كثير من شبابنا المحبطين المغفلين من حسابات أوطانهم فيما سيأتي من وقت فيتمنوا أن يكونوا عملاء وجواسيس وعيونا على أوطانهم !
لقد اهتدت بعض الدول الكبيرة إلى مفتاح ٍ يضمن لها استمرار التفوق على بقية بلدان العالم ، ويمنحها السيطرة المطلقة ، بوسيلة بسيطة ، وهي نشر شباكها في الأوطان الصغيرة لاصطياد الفرائس من الشباب بمنحهم المغريات وتحقيق مطالبهم وإشباع نزواتهم المكبوتة في أوطانهم ، وتحقيق أحلامهم ، ففردت بعض الدول القوية شباكها وتمكنت من غربلة كثير من الأوطان من شبابها النابغين الأذكياء المتفوقين ، ونثرت لهم الطعوم المختلفة الأشكال والألوان من المنح والزيارات ، إلى الإقامات والمشاريع ، وأبقت (الزوان) لتلك الأوطان ، أي أبقت فيها الشباب المصابين بالعاهات والأمراض الاجتماعية .
وتمكنت هذه الدول بعد أن غربلت الشباب الطامحين والأذكياء اللامعين أن تترك الأوطان المنهوب شبابها جثة تفوح منها روائح العفونة والفساد ، وينتشر فيها الاستبداد والظلم ، ظلم الحاكم للمحكومين واستبداد الآباء بالأبناء ، وامتهان النساء باعتبارهن أضعف من الرجال ، وإلزامهن بالعفة والنقاء والطهر بينما يمارس الرجال كل ألوان الفسوق والفجور .
بعيدا عن نظريات المؤامرة ، لمن يعشقون التصنيفات التقليدية ، فقد تمكنت الدول القوية المسيطرة التي أدخلت نظام العمالة والجوسسة الجديد في نظامها الدفاعي العسكري الحربي السري لكي تتمكن من البقاء مسيطرة على الأوطان الأخرى ، فقد تمكنت من إفساد البنية الأساسية لإنسان الأوطان الضعيفة ، فتكونت شبكات عملاء وعميلات الشركات الكبرى ممن يرصدون حركة الشراء والبيع وحركة النشاط التجاري ، وأنشأ هؤلاء نظام جوسسة جديدا معترفا به ومرخصا حسب الأصول ولا يمكن إدانته أو تجريمه، وفق قوانين التجارة العالمية !
واستطاعت كثير من الدول المنيعة الحصينة أيضا أن تنفد إلى البنية الوظيفية في كثير من الأوطان الصغيرة ، فتضع على رأس كل وزارة أو مؤسسة حكومية عميلا من عملائها ليقوم هو بتصفية الطامحين والأنقياء الأوفياء ، بعد أن ينشر هذا المشبوه مبدأ القهر الوظيفي السائد في كثير من البلدان المصابة بهذا الداء !
وهكذا فإن هذا المسؤول المشبوه سينفذ بنود الخطة ، والتي تعني إبقاء المشوهين الموالين المنافقين ومنحهم المسؤوليات والدرجات والحوافز الوظيفية ، وإقصاء الأوفياء المخلصين ، حتى تظل رائحة العفونة تنبعث في أجواء تلك الأوطان .
أما في مجال السياسة والسياسيين فالأمر أكثر خطورة في عالم اليوم بعد أن أصبح رؤساء وحكامٌ عديدون يعترفون صراحة بأن ولاءهم للدول الكبيرة القوية مقدمٌ على ولائهم لأوطانهم ، وسفسطوا الخيانة والعمالة وألبسوها قالب الديماغوجية الوطنية ، وأصبح العملاء والجواسيس السياسيون يخضعون لتدريبات ودورات علنية في الدول القوية، وأصبح كثير منهم يفخرون بأنهم خريجو دفيئات الأوطان الكبرى القوية ، وأنهم عندما يسافرون إلى تلك البلدان يحظون بخدمة من نوع (خمسة نجوم) ! وحظروا على أبناء أوطانهم الاتصال بالجهات التي يتصلون هم بها ووضعوا العقوبات على كل من يتصل بهذه الجهات من البسطاء من أبناء شعبهم ،وصار تعاونهم مع الأعداء مبرَّرا، وتأسيسهم الشركات مناصفة معهم نشاطٌا وطنيا ، أما لقاء البسطاء مع الأعداء فهو تطبيعٌ مقيتٌ، وخيانة وطنية !
فإذا اتصل مسؤولٌ كبيرٌ بدولة أجنبية أو بعدو من الأعداء ، فله العذرُ والسماح لأنه يؤدي (مهمة وطنية) !!
إما إذا ضبط مواطن صغير يتصل بالأعداء لتسهيل أموره فالويل والثبور له فهو الجاسوس المدسوس !
وما أزال أحفظ أبيات النابغة جبران خليل جبران الذي سوف يظل حيا يُرزق بفكره وعقله في مستقبلنا حين قال:
الموتُ والسجنُ للجانين إن صغُروا
والعزُ والمجدُ والإثراءُ إن كبروا
فسارقُ الزهر مذمومٌ ومحتقرٌ
وسارقُ الحقلِ لا تدري به البشر
وأنا دائما كنت أغير الشطر الأخير قائلا:
وسارق الحقل يُعلي قدرَه البشرُ
فقد تحولت صيغة المختار التقليدية الذي يقوم بعملية تعريف الحكومة على أفراد عائلته وعشيرته ، إلى صيغة العميل الذي يعرف أبناء وطنه على الأعداء ويمنحهم شهادة حسن السلوك أو سوء السلوك .
وأصبحت بعض الأوطان تتزاحم على أي الأطراف فيها يمكنه أن ينال حظوة الأعداء ليعترفوا به ، فيكون هو الأقرب للجلوس معهم ، وفق الحكمة الجديدة التي نَحَتُّها:
كل من لم يحظ باعتراف دول الأقوياء ، فهو في وطنه من سقط المتاع !
وأخيرا فإن أخطر أمراض العصر ليست هي الإنفلونزات والفايروسات والإيدزات ولكنها هي أمراض العمالة التي تصيب العمود الفقري للأمم فتشل عقولها ولا تُبقي لها سوى أفواهها لتتكلم وتستهلك الطعام فقط .






#توفيق_أبو_شومر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تلحين نشرات الأخبار
- المعلقة النعلية
- فلسطين وطن الحروب والمعارك
- من قصص الإذلال في غزة
- طفولة بريئة جدا
- لماذا تكرهون ليبرمان؟
- فلسطينيو الرياستين والوزارتين
- بطلان من السويد بوستروم وبرنادوت
- انفجار الأبناء في وجه الآباء
- صديقي الأطرش العربي
- حردنة إسرائيل
- جودنرين وعربنرين
- إعلام صوت إسرائيل وإعلام العروبة
- استرجاع الذاكرة الفلسطينية
- نتنياهو بين جامعة القاهرة وبار إيلان
- نساؤنا الذهبيات
- إسرائيل دولة المستوطنات
- قطار خرافات الألفية الثالثة
- لا تهدروا رصيد مستقبلكم
- الاحتفال ببلوغ القضية الفلسطينية سن التقاعد


المزيد.....




- شاهد..قرية تبتلعها الرمال بعد أن -تخلى- عنها سكانها في سلطنة ...
- الأمن الروسي يعتقل 143 متورطا في تصنيع الأسلحة والاتجار بها ...
- وزارة الخارجية الروسية تصر على تحميل أوكرانيا مسؤولية هجوم م ...
- الحرب على غزة| وضع صحي كارثي في غزة وأيرلندا تنظم إلى دعوى ا ...
- ضغوط برلمانية على الحكومة البريطانية لحظر بيع الأسلحة لإسرائ ...
- استمرار الغارات على غزة وتبادل للقصف على الحدود بين لبنان وإ ...
- تسونامي سياسي يجتاح السنغال!!
- سيمونيان لمراسل غربي: ببساطة.. نحن لسنا أنتم ولا نكن لكم قدر ...
- قائد الجيش اللبناني يعزّي السفير الروسي بضحايا هجوم -كروكوس- ...
- مصر تعلن موعد تشغيل المفاعلات النووية


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - توفيق أبو شومر - عملاء خمسة نجوم