أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني - يحيى بوافي - تدريس الفلسفة بالثانوي بين لوك فيري و أ.ك.سبونفيل















المزيد.....

تدريس الفلسفة بالثانوي بين لوك فيري و أ.ك.سبونفيل


يحيى بوافي

الحوار المتمدن-العدد: 2819 - 2009 / 11 / 4 - 04:02
المحور: الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني
    


تدريس الفلسفة بالثانوي بين لوك فيري و أ.ك.سبونفيل

ترجمة وتقديم :يحيى بوافي
تقديم :
لوك فيري من مواليد 1951 فيلسوف ووزير سابق للتربية الوطنية في حكومة جون رفران مابين 2002و2004 ، له العديد من المؤلفات منها "la philosophie politique الذي ألفه بالتعاون مع Alain Renaut (في ثلاث مجلدات )و l’homme –dieu ou le sens de la vie (صدرت ترجمته من طرف محمد هشام عن أفريقيا الشرق تحت عنوان :الإنسان المؤله أو معنى الحياة )، إضافة إلى كتاب :philosophier à dix –huit ans (ترجمت مقتطفات منه ضمن العددين 14و 16- من مجلة مدارات فلسفية ) وهو الكتاب الذي يبقى وثيق الصلة بموضوع الحوار الموالي . و الفلسفة ،بالنسبة للوك فيري، تبقى في وجه من وجوهها مذهبا للخلاص ،مما يجعلها منافسة للديانات الكبرى ،وهي لا تكتسب معناها و لا تزداد امتلاء ماهويا إلا بقدر ما تبتعد عن الإله وتصير فلسفة ملحدة .
أما دورها فيتمثل في إدراك النضج و بلوغه باعتباره "شرط الإمكان الأقصى لتحقيق تميز أصيل لوجودنا في هذه الحياة مما يجعل الفلسفة وجاء يقي المرء من مجرد المرور في هذه الحياة مرور الكرام ،لأنها تجعل منها(الحياة) ذات معنى،فتحقيق أصالة التميز للوجود و إضفاء المعنى عليه هو شرط كل تفهم و كل محبة .
إلا أن تحقيق هذه الغاية لا يمكن أن يتم دون معرفة بتاريخ الفلسفة ،و دون كبير تعمق ،و لو في فلسفة فيلسوف واحد على الأقل و هو أضعف الإيمان ،مما يفسر مناداة لوك فيري –في نص الحوار –بضرورة تغيير المقرر الحالي،مادام لاينفتح على تاريخ الفلسفة ، و هو الأمر الذي جر عليه الكثير من الانتقادات ،لعل أبرزها انتقاد زميلته الفيلسوفة Catherine kintzler ،التي ترى ،في ردها على مضمون الحوار ،أن تاريخ الفلسفة في المقرر الحالي غير مقصي ،مثلما يعتقد لوك فيري ،لأن جل أساتذة الفلسفة لهم تكوين فلسفي جامعي [باكالوريا +5سنوات في الأغلب الأعم ]و هو ما لا يمكن بداهة أن يظل بمعزل عن ممارستهم الصفية ، إلى جانب كون تاريخ الفلسفة يظل بمثابة السند الديداكتيكي لوضع المفاهيم في سياقها و توضيحها ،كما أن ملامسة تاريخ الفلسفة تتم بشكل صريح من خلال الدراسة المستمرة للنصوص الفلسفية.
ذاك بإيجاز ما أرتبط بلوك فيري ، أما الفيلسوف أ. ك. سبونفيل ،فمن مواليد 1952 ، تلميذ و صديق للويس ألتوسير ، شغل وظيفة أستاذ محاضر بالسوربون (جامعة باريس الأولى) قبل أن يستقيل منها سنة 1998 ، ليتفرغ للكتابة و للمحاضرات التي يقدمها خارج الجامعة ،أما التفلسف بالنسبة له فهو:"أن يفكر المرء في حياته و أن يحيا فكره" ،وهو يقترح من خلال فلسفته ميتافيزيقا مادية و إثيقا إنسانية ثم روحانية من دون إله. و النسيج الذي تشكله هذه الأقطاب الثلاث يكون "حكمة لوقتنا "و هي الحكمة التي يعرفها بقوله :أقصى مايمكن من السعادة ،وأقصى ما يمكن من الوضوح" وقد حاول بلورة هذه القسمات المميزة لفلسفته من خلال العديد من المؤلفات كان آخرها Du corps ,puf,2009 .( لكنه في الحقيقة أول ماكتبه سبونفيل في سن شبابه لذلك وضع له مقدمة ركز فيها على الفاصل الزمني بين تاريخ الكتابة و تاريخ النشر ).
أما ما يجمع الفيلسوفين، عدا السن و الفلسفة ، فيتمثل في أن كلاهما أكسب الفلسفة مذاق الراهن و جعل منها حكمة للحاضر و ل"الهنا و الآن " ،كما تعاونا معا في عمل واحد هو كتاب "حكمة المحدثين"la sagesse des modernes ،إلا أن الخاصية الأبرز التي تميزهما هي وضوح كتابتهما و نزعتهما البيداغوجية التي مكنتهما من تقريب الفلسفة لمدارك الأغلبية ،مما جعلهما من أكثر الفلاسفة شعبية داخل الفضاء الثقافي الفرنسي ، و خاصية كهاته وحدها كفيلة بأن تمنح لرأيهما بصدد تدريس الفلسفة في الثانوي وزنه و راهنيته .
لكن لئن مثل الحواران معا نموذجا للنقاش الذي تولده تجربة تدريس الفلسفة بالثانوي في الضفة الأخرى ، و الذي يحتل تدريسنا ،بإزائها وضع السيمولاكر ،إن من حيث المقررات أو طرق التدريس،بل حتى من حيث الذوات المتفلسفة ،وإن ارتاب أحد ما ،فما عليه إلا أن يلقي ولو مجرد نظرة سطحية على قائمة المفاهيم المدرسة في كلا المقررين ،و أن يقارن مقارنة ،و لو بسيطة، حتى بين النصوص الواردة في الكتب المدرسية هنا و هناك ، و بعدها فليختم بإلقاء نظرة على أسماء من مروا من المدرسة العليا الفرنسية و حجم إنتاجهم الفلسفي ،و كيف تقتصر مهمة "عتاة "مِؤلفينا في مجال الفلسفة على مجرد شرحه و تقريبه.
لئن صح ذلك فإن العنصر المضاف إلى النسخة المشوهة و الغائب في الأصل هو الصمت المطبق حول إشكالية تدريس الفلسفة أو في أحسن الأحوال سطحية النقاش و تأرجحه بين الشكوى من الإقصاء أو الارتياح لانتشار له ما له و عليه ما عليه!
وما عقد من لقاءات من طرف المنسقية المركزية لمادة الفلسفة حول ما يطرحه المقرر الجديد للسنة الثانية من إشكالات ، ظل حبيس من حضروا في لقاءات أشبه ما تكون بحلقات للسحرة و معلمي الأسرار !، أو في أحسن الأحوال الاقتصار على تبليغ ما طبع من طرف المفتشين ، و كأننا في عصر "الرقاصة " لا في عصر يعمي فيه هول التواصل الأبصار ! لكن شأن العيون الكفيفة ألا تهتز أجفانها ؛حتى و إن كانت تدعي حيازة التحديق الفلسفي ! و كأن الأمر لا يتعلق بمادة منذ انبجاسها كنمط تفكير، لم تشهد الانتعاش إلا في الفضاءات العمومية و لم ترسخ و تتوطد أقدامها إلا عندما كانت مساحات النقاش تزداد اتساعا و رحابة .
قد يكون وهج النقاش لديهم و خفوته لدينا له علاقة بالفرق بين من يمتلك و يتملك و بين من يكتفي بالنقل، فالإبداع شرط مناقشة ما تم إبداعه و الدنو مما يطرحه من أسئلة وإشكالات ، لذلك لا غرو إن هي خفتت حرارة العلاقة بالمحتوى و المنتج كلما ضاعف النقل من مساحة الانفصال و النأي عنه .لهذا السبب ظلت القيمة المضافة لدينا ، هي التساؤل عن جدوى الفلسفة !!
و هو التساؤل الذي يزداد تكلسا لانطلائه بالماء المنبعث من المرشة الماضوية للفكر الأصولي ،و باللعاب الفقهي الذي ازبدت به الشفاه عبر التاريخ العربي الاسلامي ، وهي تتوعد بالويل و الثبور واصمة كل تفلسف بالكفر على قاعدة "من تنمطق تزندق"،الشيء الذي أحال كل محاولة لفلح التربة الاجتماعية بقصد استنبات الفلسفة إلى فريسة للفشل . و هذا الإرث التليد في اقصاء العقل الحر، يضع حاملي الخطاب الفلسفي المتشبعين بالرؤية الفلسفية و أفقها الحر ،وجها لوجه أمام تحدي البحث الجدي (بدل الخلود للصمت أو للنقاش المنغلق)عن صيغ توطد الفلسفة كقاعدة لبلورة المشروع المجتمعي لا كمجرد أداة للتوظيف السياسي تبعا لما تقتضيه الظرفية ،و النأي عن مجرد النسخ و الترديد الببغائي لما يستجد لدى الآخر في هذا الباب ، فلئن كان الهدف من الدرس الفلسفي –مثلما يردد عادة – هو الأخذ بيد المتعلم كي يكون ذاته؛ بأن يصير ذاتا حرة ديدنها العقل و النقد الذي لا يعرف حدودا إلا ذاته و أفقها الاستقلال الذاتي، فالأولى و الأحرى أن يكون مسوقو الموديلات البيداغوجية و قطع الغيار الديداكتيكية مثالا مجسدا لما ينادون به في موقفهم إزاء ما يستجد في هذا المضمار بدل أن يقوموا بدور الوسيط الذي لا يكلف نفسه حتى تعرية المنتوج من أغلفته الأولى ، فما بالك برفع بعده التوصيلي .
وإن نحن عدنا إلى نص الحوارين ،فإن ما يستوقفنا هو أن النقطة المركزية التي يتفقان عندها ،هي تلك التي تمحور البعد الغائي للفلسفة في إضفاء المعنى على حياة الفرد من خلال تفلسفه و بالتالي ضمان حياة قاعدتها الوضوح و غايتها تحقيق السعادة ،مما يطرح السؤال عريضا ،في علاقة بذلك ، عن موقع الفلسفة لدى من يدرسها و يتعلمها داخل مجتمع تبرع في مخياله الفرشاة الفقهية راسمة لوحة الحياة السعيدة ،بينما الفلسفة لا تمثل بين تضاعيف هذا المخيال –في أحسن الأحوال – إلا العين التي تشوه رونق اللوحة و تزرع البلبلة في مكوناتها ،مرجحة كفة الزيغ و الضلال ،لا السداد و الرشاد ، لأن من يحدقون بها أنذروا بسوء الميعاد، مادام "خبطهم طويل و نزاعهم كثير (...)و طرقهم متباعدة متدابرة (...) يحكمون بظن و تخمين ،من غير تحقيق و يقين ،و يستدلون على صدق علومهم الإلهية بظهور العلوم الحسابية و المنطقية و يستدرجون به ضعفاء العقول .... " على حد عبارة أبو حامد الغزالي في كتابه "تهافت الفلاسفة ".
نص الحوارين:
أ.ك.سبونفيل :
حين يصير كل شيء سطحيا ، يصبح تخصيص وقت للتأمل أمرا مستعجلا .
هل مقرر الفلسفة في الأقسام النهائية ملائم في نظرك؟
أعتقد أنه مقرر جيد ،و إن كان من الصعب معالجته كاملا ، و هو ما لا يمنع من تغييره جزئيا ،لكنه لا يبقى في نظري الأكثر أهمية بالصورة التي هو عليها .إن مشكل التعليم ،سواء في مادة الفلسفة أو غيرها ،ليس هو المقرر ،بل يرتبط بالتلاميذ و الأساتذة بشكل كلي . و الحال أنه ليس بمقدورنا إصلاح جميع التلاميذ ولا استبدال الأساتذة بآخرين .
ومع ذلك يطرح تدريس الفلسفة مشكلين نوعيين:أولهما يرتبط بالتجريد -بالمعنى السليم للفظ،- و هو ما يتم عبر الكلمات ،و لكن بواسطة المفاهيم أيضا.و الحال أن الكثير من الشباب لا يتحكمون في لغتهم(أو يمتلكونها بشكل سيء) إن شفويا أو كتابيا .مما يجعلهم غير مرتاحين للتجريد . و بالتالي فجذور المشكل تعود إلى ما قبل القسم النهائي ؛فحينما يصل التلميذ إلى المستوى الإعدادي من دون أن يعرف القراءة بيسر و سهولة ،و عندما لا يقرأ عمليا أي كتاب في السنة ،و عندما يقضي هذا التلميذ نصف حياته أمام التلفاز أو ألعاب الفيديو، علينا إذاك ألا نندهش إن واجهنا صعوبة في جعله شغوفا بنص لأفلاطون أو كانط.
بيد أن هذا ليس مبررا لكي نستبدل الفلسفة بعرض للدردشة .
أما المشكل الثاني فهو مشكل التقويم خصوصا في الباكالوريا ، فالفلسفة مادة جد ممتعة ، لكن من الصعب تقويمها بشكل موضوعي مع أنها تلعب دورا مهما( على هذا المستوى ) ضمن الباكالوريا،على الأقل بالنسبة لبعض الشعب .من هنا منبع الشعور بالريبة و بانعدام العدل و الذي غالبا ما يكون مبالغا فيه ،غير انه لا يعدم بشكل كلي ما يبرره .
فإن كان من شيء يجب إصلاحه ،فهو هذا الجانب ،و ذاك ما تمت محاولة فعله مِؤخرا،إلا أن الكثير من أساتذة الفلسفة عارضوه ،لماذا؟لخشيتهم من أن تستبدل الفلسفة بأسئلة الدرس أو بسجال للآراء ،وهم محقون (لهذه الأسباب) في رفض ذلك الإصلاح، لكن مقاصد رواد الإصلاح لم تكن كذلك بحسب ما أعتقد معرفتة .
هكذا فالسؤال الذي سيظل مطروحا على الدوام هو:كيف نوفق بين حرية التأمل التي تميز الفلسفة و بين مقتضيات للتقويم تكون أقرب ما يمكن من الموضوعية؟ بالطبع لا أملك وصفة خارقة كي أقترحها ،لكن من حق التلاميذ أن ينتظروا منا التقدم في هذا الاتجاه .
أمن اللازم تدريس الفلسفة بالثانوي ؟ألا يمكن تدريسها قبل ذلك ؟ ثم ألا يمكن مواصلة تدريسها فيما بعد الثانوي ؟
أن يكون لكل تلامذة الأقسام النهائية دروس في الفلسفة ،ذاك ما يبقى ذا أهمية كبرى و من الواجب صيانته و الحفاظ عليه ، لأن الفلسفة مدرسة للتأمل و لتعلم الصرامة و الحرية و التسامح ......و لا أحد يمكنه الإقرار بأن ذلك يبقى دون جدوى اليوم .
أما فيما يخص البدء بشكل مبكر في تعليم الفلسفة كأن يبتدئ ذلك في السنة الثانية مثلا ،فأنا و إن كنت غير معارض له ،فإن ذلك يبدو لي صعب التنفيذ ،فان أردنا إعادة إضافة ساعات للفلسفة في السنة الثانية و السنة الأولى ،سيكون من الواجب أخذهما من مادة أخرى ...فما هي هذه المادة يا ترى ؟ و لماذا هي تحديدا ؟
أ تعتقدون أن مستوى تلاميذ الثانوي جيد في اللغة الفرنسية أو في التاريخ بحيث يكون بمقدورنا الخصم من الساعات المخصصة لهاتين المادتين ؟
لهذا سيكون من الأكثر حكمة و من الأكثر يسرا الاستمرار في تدريس الفلسفة مدة أطول ؛ بمعنى إدماج تعليم إجباري للفلسفة ضمن التكوينات العليا ؛ فليس من الطبيعي ألا يكون للطالب في الطب أو في الاقتصاد أو في الرياضيات أي تكوين نوعي في الفلسفة ، فممارسة التأمل في الصحي و المرضي ،في العمل و في الغنى ،و كذلك ممارسة التأمل بخصوص الحقيقي و الخاطئ ،كل ذلك يكشف ،و لو في جزء منه، عن الفلسفة !
بماذا يمكن أن تفيد الفلسفة شابا في سن 18أو 20 سنة ؟
تفيده بنفس ما تفيده به في سن الأربعين أو في الستين :أن يفكر بشكل أحسن كي يعيش بشكل أفضل !فكل كائن إنساني في حاجة إلى أن يفكر في حياته ،و إلى أن يحيا فكره، و إلى أن يفكر في العالم و في المجتمع الذي يعيش في كنفه ،وإلى أن يقاوم في مواجهة سيادة الأنماط و الآراء و وسائل الإعلام و أشكال التعصب ......و هو ما يظل ذا أهمية قصوى عندما نكون شبابا ، لأن كل ما يتبقى لنا من العمر ،نكون فيه تابعين لسن الشباب خاضعين له ، ذلك أن و لوج حياة الرشد و مسؤوليات المواطنة المرتبطة بها ،يبقى من دون شك ، الأكثر أهمية بالنسبة لعصرنا :فالعالم صار أكثر تعقيدا ،كما أن ثقل الصورة صار أكثر فحشا ، و محاولة الانتقال من قناة إلى أخرى صارت أكثر ضغطا ، وهو ما يشكل سببا إضافيا للتفلسف ،فحين يتسارع الكل أو يصير كل شيء سطحيا يكون من المستعجل تخصيص وقت للتأمل !
عن موقع: http://www.larepublique.comو قد نشر الحوار بتاريخ 17يونيو 2002 .






لوك فيري :
الفلسفة تدرس بشكل سيئ في أقسامنا!

إن الفلسفة تظل المادة الدراسية الأقل حبا من قبل تلاميذ الثانوي ،فما سبب هذا الانزعاج بنظرك ؟
بالطبع يوجد هنا وهناك أساتذة ذوا مواهب عالية ،إلا إن الفلسفة بالإجمال تبقى مادة سيئة التدريس ،و إن نحن أردنا دليلا على ذلك يكفينا البحث فيما يحيط بنا فبعد عشرين سنة أو ثلاثين سنة من دراستها (الفلسفة )،ليس للناس فكرة عما تكونه....,وعما إذا كانت تعني موجة فكر نقدي أم فنا للتأمل، فهل تعتقدون بشكل جدي أن رياضيا أو صحفيا لا يتأمل أو يفتقد للفكر النقدي غير أنهما مع ذلك ليسافيلسوفين .إن ما يظل أكيدا هو أن الفلسفة ليست لها علاقة بما ندرسه في الأقسام النهائية .
غالبا ما تكون للتلاميذ مؤاخذات على غموض المقررات والتنقيط المشكوك فيه ضمن الباكالوريا ،فهل من تبرير لذلك؟

للأسف ،هم على حق بشكل كلي،بالطبع نحن نقول لكم العكس في كل مكان لكن بوصفي وزيرا(سابقا) كان لي منفذ للأبحاث غير المنشورة , و بمقدوري القول (بناء على ذلك)بإن الفوارق من خمس إلى ست نقط هي فوارق شبه متواترة ، فعلى الرغم من لجان ملاءمة النقط ،كان بإمكاني أن أرى بأم عيني أن نفس الورقة قد تم منحها نقطة ثلاثة من قبل مصحح ، بينما يمنحها مصحح آخر سبعة عشر كنقطة

ألا يجب أن تؤخذ هذه المحنة الضرورية في الباكالوريا بعين الاعتبار؟

نعم إن نحن قمنا بتغيير المقرر جذريا و إلا فمن اللازم و الأفضل تقريبا حذفها ........


هل من اللازم التوجه ،مثلما هو عليه الحال في دول أخرى ،نحو تاريخ للأفكار؟


هذا بديهي , وهو ما سيكون فاتنا بالنسبة للتلاميذ ، ولن يكون مثل هذا التمرين الشاسع ل"الاندهاش"،و ل "التأمل " أو ل"الفكر النقدي" و الذي نطالبهم بامتلاكه حول مفاهيم المقرر _المكان ،الزمان ،الجميل ،الحقيقي ، العدالة ......_بل سيكون اكتشافا لرؤى العالم الكبرى التي طبعت تاريخ الفكر .
و الواقع أن مقررنا هو بمثابة كارثة لانتصار المسيحية على الفلسفة الإغريقية ففي العصور القديمة لم تكن الفلسفة خطابا و إنما تعلما للحكمة وبحثا عن حياة جميلة .و الحال أن المسيحية قد تملكت امتياز هذا البحث عن الخلاص و خلال القرون الوسطى منعت الفلسفة من الانشغال بالأسئلة النهائية ، فقد أريد لها أن تختزل إلى مجرد" سكولائية (نزعة مدرسية) " و إلى دراسة للمفاهيم .إن الجمهورية الحديثة اكتفت بإضافة حفنة من الفكر النقدي . و أخيرا صارت الفلسفة في أقسامنا رواية للتهذيب و( التثقيف) المدني على نحو مختلف،و هو ما سيجعل سبينوزا و كانط او نتشه يقهقهون ضحكا ، لأنهم في مجموعهم بحثوا لأجل فهم العالم بغية إيجاد سبل لحياة جيدة و خالية مما يكدرها .
فلو قيل لهم بأن الفلسفة تتمثل( اليوم ) في دراسة المفاهيم ،مع التظاهر بالاندهاش منها( المفاهيم) بغرض كتابة إنشاءات ،لكانوا سقطوا من على كراسيهم ..........
باعتباركم وزيرا سابقا ألم تعيشوا تجربة استحالة إصلاح هذا التدريس ؟
لقد بذلت كل جهدي لكنني كنت سيئ التموقع ،إذ عاتبوني في الحال على كوني حكما وطرفا في نفس الوقت ،وعلى أنني أريد فرض آرائي الفلسفية بشكل قبلي لقد كان ذلك بمثابة عبث لكنه كان ذا فعالية .
ألم يكن إدخال الفلسفة في القسم النهائي خطأ ؟ثم ألا يمكننا تصور استئناس بها يكون أكثر تبكيرا ؟
يمكننا الاستئناف ثانية وهو ما سيكون جيدا ،لكنني بالمقابل أعادي كل تعليم للفلسفة في المدرسة الأولية ،فالتلاميذ لازالوا صغارا عن أن يكونوا فريسة لتعليم شاخ روحيا ،وان نحن أخذنا باهتمامهم حول "مواضيع كبرى "،فمن الأجدى أن يكون حريا بنا الحديث عن التهذيب المدني بدل الحديث عن الفلسفة.
بماذا ستجيب تلميذا بالثانوي إن هو سألكم عما تعنيه الفلسفة ؟
سأجيبه بأنه سيعثر على أفضل الإجابات عن سِؤاله في الأوديسا ،فلما وجد عوليس نفسه سجينا ل calypso الجليلة ، فهذه الإلهة الجميلة كانت مجنونة بحبه،وكانت جزيرتها جنة وحتى تحتفظ به ، كانت مستعدة لأن تمنحه الخلود و الشباب الأبدي . لكن، عكس كل توقع، رفض عوليس ذلك لأنه فضل إيجاد جزيرته ITHAQUE و أقاربه ،إنه مشهد بعمق (دلالي) من دون قرار،فهو يدل على أن حياة فانية ناجحة قابلة لأن تكون مفضلة في مقابل حياة أبدية كابية ،وهذا النوع من الحكمة اللائكية هو ما تحاول تعريفه كل الفلسفات الكبرى .



#يحيى_بوافي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فنون الإعراض عن التنمية
- للضرورة أحكام
- بياض ضد فيروس السلطة


المزيد.....




- شاهد ما كشفه فيديو جديد التقط قبل كارثة جسر بالتيمور بلحظات ...
- هل يلزم مجلس الأمن الدولي إسرائيل وفق الفصل السابع؟
- إعلام إسرائيلي: منفذ إطلاق النار في غور الأردن هو ضابط أمن ف ...
- مصرع 45 شخصا جراء سقوط حافلة من فوق جسر في جنوب إفريقيا
- الرئيس الفلسطيني يصادق على الحكومة الجديدة برئاسة محمد مصطفى ...
- فيديو: إصابة ثلاثة إسرائيليين إثر فتح فلسطيني النار على سيار ...
- شاهد: لحظة تحطم مقاتلة روسية في البحر قبالة شبه جزيرة القرم ...
- نساء عربيات دوّت أصواتهن سعياً لتحرير بلادهن
- مسلسل -الحشاشين-: ثالوث السياسة والدين والفن!
- حريق بالقرب من نصب لنكولن التذكاري وسط واشنطن


المزيد.....

- روايات ما بعد الاستعمار وشتات جزر الكاريبي/ جزر الهند الغربي ... / أشرف إبراهيم زيدان
- روايات المهاجرين من جنوب آسيا إلي انجلترا في زمن ما بعد الاس ... / أشرف إبراهيم زيدان
- انتفاضة أفريل 1938 في تونس ضدّ الاحتلال الفرنسي / فاروق الصيّاحي
- بين التحرر من الاستعمار والتحرر من الاستبداد. بحث في المصطلح / محمد علي مقلد
- حرب التحرير في البانيا / محمد شيخو
- التدخل الأوربي بإفريقيا جنوب الصحراء / خالد الكزولي
- عن حدتو واليسار والحركة الوطنية بمصر / أحمد القصير
- الأممية الثانية و المستعمرات .هنري لوزراي ترجمة معز الراجحي / معز الراجحي
- البلشفية وقضايا الثورة الصينية / ستالين
- السودان - الاقتصاد والجغرافيا والتاريخ - / محمد عادل زكى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني - يحيى بوافي - تدريس الفلسفة بالثانوي بين لوك فيري و أ.ك.سبونفيل