أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حبيب هنا - الفصل 12 من رواية حفريات على جدار القلب















المزيد.....

الفصل 12 من رواية حفريات على جدار القلب


حبيب هنا

الحوار المتمدن-العدد: 2819 - 2009 / 11 / 3 - 16:10
المحور: الادب والفن
    




ـ 12 ـ

اتسع فراغ الرحيل إلى العالم الآخر في أجواء مصحوبة بالإحباط والترقب والصدفة ، وبدأ الكل يملأ الجزء الخاص به في الانشغال عن القضايا الجوهرية ، ذات الأصول والانتماء ، بالحديث عن السينما والمسرح والفساد المستشري دون أن يكلفوا أنفسهم عناء البدء بالخطوة الأولى .. وكان حافز الهروب من المأزق أكثر بكثير من الدخول إليه ، وكأن المطلوب إفساد طعم البهجة وارتشاف مزيد من المرارة .
والمرارة هذه المرة أيلولية الشكل ، احتلالية الطعم ، دموية اللون ، عبثية التوجه ، محكومة بسقوف ثلاثة مستبعدة الخيار الرابع .. وفيما عدا ذلك ، كل شئ هادئ في سماء الوطن: الأم تلد .. والزوجة تمارس طقوسها الليلية .. والفتاة تنتظر الفارس الذي بإمكانة الدخول من أي مكان والوصول قبل غيره .. والجدة تعجن الحنة من أجل ليلة الزفاف الأبدية
وفـجأة ، قوضت تباشيَر الفجر المنبعث حبالُ الليل الطويل .. زرع الأمل في النفوس بعد أن تراءى الليل أطول من حبال مطر شباط الـذي يمتد بلا صباح على طريق يخلو من الناس ، ولا يتسع إلا للعسكر ، وبعض الدبابات التي ترابط حتى تقطع الطرق ، وتسلب الناس الدم ، والتنفس ، والحياة ..
وضاعت الأصوات المتداخلة ، ابتلعت محركات الطائرات ، وقذائفها ، الكلمات ، والحروف ، والذكريات ، وتاهت الوجوه ، والأسماء ، والمعاني في خضم صراخ سيارات الإسعاف ، وأزيز الرصاص الذي لا يميز بين مرور طفل مسالم ، ورجل يقاوم الاحتلال ..
دارت معارك حامية غير متكافئة بين الحجارة والمجنزرات في ضباب كثيف كالبياض عارٍ تماماً من السواتر ، والأشجار التي كانت تحيط بالمكان .. اشتد الأزيز ، وصوت الانفجارات ، وأصبحت الساحة مشتعلة كوجه غض لفتاة ألهبت الشمس خديها، وكانت أضواء الإسعاف الشيء الوحيد المميز في هذا الغبار الذي فاحت منه رائحة الجريمة ، والأوامر الصارمة : اقتلوا أي شيء يتحرك !
ورأى بعض الصحفيين عند خطوط التماس لوحات فنية متعددة مليئة بالتفاصيل ، والثراء المدهش ، وبمختلف اللغات .. فيها من التنوع ، والغنى ، والشمولية ، والتباين في الحضارات ، والتمايز بين الثقافات ما هو أبلغ من أي وصف مهما كان الفنان ضليعاً في التعامل مع هذه الأشكال ، لا سيما وأن هذه اللوحات تشكل شاهد عصر على المدن التي تم تسوية بعض بيوتها بالأرض ، وناسها الذين أصبحوا معاقين بعد أن حالت الأقدار بينهم وبين الظفر بالحسنى الأولى ، وحجارتها التي عانت طير أبابيل لكثرة استخدامها ، وزيتونها الذي اقتلع من الأرض فأضاء الجنة ، وبرتقالها الذي أحرق دون ذنب سوى قدرته على حماية الأطفال ، ومقاومة مختلف أنواع الأمراض ..
وفقدت لغة التفاهم قوتها على الإقناع ، وأصبح الحجر والطائرة سيديّ الموقف !.. عادت الأمور إلى بداياتها الأولى وانتصب سؤال الماضي في وجه الحاضر : متى كان العدو يفهم لغة الحوار ؟
وهكذا ، عندما ضمتنا خلوة ، أنا ولبنى ، لم أفاجأ بسؤالها :
ـ هل تذكر ماذا قلت في إحدى المحاضرات ؟ .. إنني أذكر تماماً ملامح وجهك الذي اكتسى لحظتها بالجدية ، فأعطى لصوتك رنة الواثق : بناء الجامعة ، وأثاثه موجودان منذ سنين ، لم يتغيرا ، فقط الذي يتغير أنتم أيها الطلبة والطالبات .. في العام الماضي كنت طالباً مثلكم والآن هأنذا معيد .. يتخرج فوج من الجامعة ويحل محله فوج آخر كل عام .. وكل عام تختلف الاهتمامات تبعاً للظروف التي نعيشها ، العام الماضي كنت وزملائي نتحدث عن الواقع الاجتماعي ، واحتياجنا إلى تطويره ، كي يتلاءم و المرحلة الجديدة التي ينبغي فيها أن نؤسس للمجتمع المدني بطريقة حضارية تترك مساحة الاختصاص شاغرة للأجدر والأكفأ، حتى نبني صرحنا الشامخ على قواعد سليمة لا تؤثر فيها موجات الريح ..
العام الحالي جل اهتمامنا منصب نحو تفعيل الحياة السياسية من أجل الاستقلال .. إيجاد صيغة تؤطر حولها مختلف الشرائح بغية الارتقاء بطبيعة فعلنا حتى ينسجم مع الشعارات التي نرفعها ، ويرددها معظم أبناء المجتمع ، بغض النظر عن الاختلاف في الآراء ، والمواقف الجذرية ، لا سيما وأن العمل الميداني غالباً ما يفرض شكل التعامل مع المستجدات ، ويحتم بالتالي الأخذ بالحسبان كل خطوة من شأنها تعكير مزاج الجماهير.
القوى السياسية على اختلاف أنواعها وميولها تتصارع على كسب الجماهير لصالحها ، الأكثر صدقاً وعطاءً وحرصاً على مصالحها تلتف حوله .. على ضوء هذه الاهتمامات أصبحت الأولوية للعمل السياسي على حساب الشعارات السابقة ، وهذا لا يلغي الأخيرة بل يعطل فعلها بشكل مؤقت ، ثم يسيرا جنباً إلى جنب ، ثم في مرحلة لاحقة ، متقدمة ، يتقدم عليها وتكون له الأولوية .
لقد أسهبت كثيراً في هذه المحاضرة ، وهذا ما جعلك مميزاً عن الآخرين الذين يكتفون بما هو موجود في المناهج التعليمية دون أن يعملوا أدمغتهم بما يحيط بهم من إشكاليات بحاجة إلى البحث والتمحيص ، وإعطاء الرأي حتى يشارك الجميع في صنع مستقبله بعيداً عن القوالب الجاهزة التي توصل المعلومة كما هي إرضاءً للضمير ليس إلا !
صمتت في الوقت الذي كان التفكير بالخروج من عالمي الخاص ،أو إدخال الآخرين إليه يرهقني ، وكنت أعتبره سراً ينبغي عدم الوصول إليه ، غير أن حديثها الطويل أملى عليّ الرد ، فقلت :
ـ معظم الأساتذة والمعيدين منذ زمن يستسهلون الجاهز ؛ فلطخت نظراتهم الساقطة على وجوه الطلبة والطالبات بالرثاء والشفقة التعابير المائعة التي تموج من تحت مسام الجلد ، حتى تعلن البراءة والتعاطف المتساويين بنفس المقدار ، الأمر الذي أصاب التعليم بالخيبة ، وتركه يراوح في نفس المكان دون إدخال أي تعديل عليه منذ حصولهم على الشهادات العليا من الجامعات العربية والأجنبية ..
حتى أصحاب النوايا الطيبة ، لم يفكروا مرة في تداول هذا الأمر ، ووضعه على جدول أعمال وزارة التعليم العالي ، بغية إدخال التحسينات عليه ، خشية أن يصبحوا مطالبين ببذل جهد إضافي غير مهيئين له في ظل هذا المستوى من الركون إلى تلقي المعلومة الجاهزة التي لا تحتاج إلى مزيد من الوقت والجهد .
ودخلت لبنى عالمي الخاص واطلعت على بعض أسراره .. شاركتني الهموم ورسمت على تضاريس صباحي ابتسامة أمل طمأنت نفسي .. وكان مظهرها الهادئ الرزين الذي يضفي على تصرفها العفوية ، وثيابها البسيطة التي تحاصر جسمها النحيف ، يدفعاني نحو التمسك بها .. وكنت كلما نظرت في عينيها تدب الحيوية في روحي .. أرى المستقبل يختبئ بين طبقات صوتها الرخامي ذي النبرة الحزينة التي ما فتئت تذكر اللاجئين بمأساة النكبة !
دخلت لبنى عالمي وأدخلتني عالمها .. جاءتني بدعوة من أخيها الأكبر لزيارتهم في البيت في مخيم الشاطئ .. موافقتي كانت مشروطة بعدم تحديد الزمان ، وترك هامشه كي أتحرك بحرية بعد أن عرفت أنسب الأوقات التي يكون موجودًا فيها بالبيت .. وكنت أهدف من وراء ذلك جعل الزيارة مفاجئة ودون سابق ترتيب حتى أطلع على حقيقة أوضاعهم بعيدًا عن التجميل !
أخذ اهتمامي بها شكلاً مختلفًا عن الطلبة والطالبات مع زيادة في الحرص حتى لا أقع فريسة التقولات ، والألسنة التي ترى في جديتي التعليمية إحراجًا لاستهتارهم .. أفهمتها فحوى تصرفي نحوها منذ البدء ، خوفًا من أي تفسير مغالط .. تفهمت الأمر وتعاملت معه بمنطق الحكماء ، فأكبرت بها رجاحة العقل .. ولكن بذرة السؤال التي ألقت بها التقاليد في تربة نفوسنا أخذت بالنماء : لماذا نمارس معظم قناعاتنا سرًا ونخشى علانيتها ؟ ولم أحر جوابًا .. كان وقتي لا يسمح بالبحث عن الأسباب البنيوية ، علمًا بأنني فكرت مراراً أن أجعل إحدى محاضراتي مخصصة لهذا الغرض بعد أن استعد إليها جيدًا وأشبعها بحثًا وتمحيصًا ، غير أنني منيت نفسي بالرجوع إليها يومًا لا محالة ..





#حبيب_هنا (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفصل 11 من رواية حفريات على جدار القلب
- الفصل 10 من رواية حفريات على جدار القلب
- الفصل9 من رواية حفريات على جدار القلب
- الفصل 8 من رواية حفريات على جدار القلب
- الفصل 7 من رواية حفريات على جدار القلب
- الفصل 6 من رواية حفريات على جدار القلب
- الفصل 5 من رواية حفريات على جدار القلب
- الفصل 4 من رواية حفريات على جدار القلب
- الفصل 3 من رواية حفريات على جدار القلب
- الفصل 2 من رواية حفريات على جدار القلب
- الفصل 1 من رواية حفريات على جدار القلب
- الفصل 15 من رواية الإنتفاضة العشيقة الزوجة ..
- الفصل 14 من رواية الإنتفاضة العشيقة الزوجة ..
- الفصل 13 من رواية الإنتفاضة العشيقة الزوجة ..
- الفصل 12 من رواية الإنتفاضة العشيقة الزوجة ..
- الفصل 11 من رواية الإنتفاضة العشيقة الزوجة ..
- الفصل 10 من رواية الإنتفاضة العشيقة الزوجة ..
- الفصل 8 من رواية الإنتفاضة العشيقة الزوجة ..
- الفصل 7 من رواية الإنتفاضة العشيقة الزوجة ..
- الفصل 6 من رواية الإنتفاضة العشيقة الزوجة ..


المزيد.....




- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حبيب هنا - الفصل 12 من رواية حفريات على جدار القلب