أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - عبد الغفار شكر - إصلاح النظام الحزبى فى مصر (2)















المزيد.....


إصلاح النظام الحزبى فى مصر (2)


عبد الغفار شكر

الحوار المتمدن-العدد: 2815 - 2009 / 10 / 30 - 10:57
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


القسم الثانى
التحديات التى تواجه النظام الحزبى فى مصر
القيود الخارجية والمشاكل الداخلية
واجهت التعددية الحزبية فى مصر العديد من التحديات منذ ميلادها فى منتصف السبعينات من القرن العشرين، وعلى مدار ثلاثين عاما هى عمر هذه التعددية تزايدت التحديات التى تواجهها وكان لها أكبر الأثر فى الحد من فاعليتها والحيلولة دون نموها وتطورها، وتشكل البيئة المحيطة بالتعددية التحدى الأكبر لهذه التعددية، بل إنها سرعان ما أصابت هذه الأحزاب بمشاكل داخلية حادة، وقد ساهمت قيادات الأحزاب فى خلق بعض هذه المشاكل الداخلية، وهكذا فإن الأحزاب المصرية تجد نفسها اليوم بين شقى الرحى بين بيئة خارجية ومشاكل داخلية يتحالفان معا فى حصارها واضعافها، وأى تفكير فى إخراج النظام الحزبى من مأزقه الراهن يجب أن يهتم أولا بالتعرف على القيود الخارجية المحيطة؟ بالأحزاب، وكذلك المشاكل الداخلية التى تعانى منها هذه الأحزاب، ومن ثم يصبح بالإمكان طرح الحلول الكفيلة بمواجهة هذه التحديات سواء كانت قيودا خارجية أو مشاكل داخلية.
القيود الخارجية المحيطة بالتعددية الحزبية:
تواجه الأحزاب المصرية العديد من القيود الخارجية المحيطة بنشاطها، وهى قيود تشريعية وقانونية وإعلامية واقتصادية واجتماعية وثقافية.
1-إطار دستورى وقانونى غير ديمقراطى
واجهت التعددية الحزبية فى مصر تحديا كبيرا يحول دون ممارستها لوظائفها الأساسية ويتمثل فى الإطار الدستورى والقانونى القائم فى مصر وهو أساس استمرار النظام السياسى التسلطى والأوضاع غير الديمقراطية التى تكرسها كثير من التشريعات القائمة مثل قانون الأحزاب وقانون مباشرة الحقوق السياسية وغيرها.
طبقا للدستور يتمتع رئيس الجمهورية بصلاحيات شبه مطلقة مما يجعله محور الحياة السياسية والمهيمن على سلطات الدولة كلها فهو القائد الأعلى للقوات المسلحة والرئيس الأعلى للشرطة ورئيس المجلس الأعلى للهيئات القضائية فضلا عن رئاسته للسلطة التنفيذية، يعلن حالة الطوارىء، ويبرم المعاهدات، ويستفتى الشعب فى المسائل الهامة التى تتصل بمصالح البلاد العليا، وله طبقا للمادة (74) من الدستور إذا قام خطر يهدد الوحدة الوطنية أو سلامة الوطن أو يعوق مؤسسات الدولة عن أداء دورها الدستورى أن يتخذ الإجراءات السريعة لمواجهة هذا الخطر، ويوجه بيانا إلى الشعب ويجرى الاستفتاء على ما اتخذه من إجراءات خلال ستين يوما من اتخاذها. وقد أتاح هذا النص لرئيس الجمهورية أن يعتقل فى سبتمبر 1981 أكثر من 1600 شخصية سياسية يمثلون جميع قيادات الأحزاب والقوى السياسية المعارضة والمنظمات الجماهيرية والقيادات الصحفية وأغلق جميع دور الصحف والنشر الحزبية وكثير من الجمعيات الأهلية وليس هناك ما يمنع من تكرار هذا الإجراء فى أى وقت.
وتتضمن صلاحيات رئيس الجمهورية طبقا للدستور تعيين نائب الرئيس وإعفاءه من منصبه، وتعيين رئيس الوزراء والوزراء وإعفاءهم من مناصبهم، وتعيين الموظفين المدنيين والعسكريين والممثلين السياسيين (السفراء) وعزلهم. وإصدار اللوائح التنفيذية للقوانين وإصدار القوانين فى غيبة مجلس الشعب، وليس لمجلس الشعب (السلطة التشريعية) دور رقابى حقيقى على السلطة التنفيذية.
والنتيجة الطبيعية لهذه الأوضاع الدستورية هى قدرة رئيس الجمهورية والسلطة التنفيذية على السيطرة على الحياة السياسية بما فيها الأحزاب السياسية والتحكم فى مسارها.
يعزز هذا الوضع ما ورد من قيود على حرية تأسيس ونشاط الأحزاب السياسية فى قانون الأحزاب السياسية الصادر سنة 1977 وما أدخل عليه من تعديلات بعد ذلك لإحكام سيطرة الدولة على الأحزاب السياسية.
يشترط قانون الأحزاب أن تمارس الأحزاب نشاطها على أساس الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعى والنظام الديمقراطى.
ويتضمن قانون الأحزاب شروطا قاسية ومتناقضة لتأسيس الأحزاب واستمرارها مثل:
أن تكون للحزب برامج تمثل إضافة للحياة السياسية وفق أهداف وأساليب محددة، هذا ويتضمن قانون الأحزاب تشكيل لجنة شئون الأحزاب بقرار من رئيس الجمهورية تضم رئيس مجلس الشورى ووزيرين بالإضافة إلى ثلاثة من رجال القضاء السابقين وثلاثة من الشخصيات العامة أى أن أغلبيتها لأعضاء من الحكومة تقدم إليها طلبات تأسيس الأحزاب فإذا ثبت لها مخالفة اى شرط من الشروط السابقة ترفض اللجنة قيام الحزب. وللمؤسسين أن يلجأوا إلى محكمة خاصة تتضمن عدداً من الشخصيات العامة يعينهم وزير العدل للتظلم من قرار لجنة شئون الأحزاب برفض تأسيس الحزب.
ومن سلطة لجنة شئون الأحزاب أن توقف نشاط الأحزاب السياسية وتوقف إصدار الصحف الحزبية وتوصى بحل الأحزاب السياسية فى حالة مخالفة هذه الشروط.
وينص قانون الأحزاب على معاقبة كل من يخالف هذا القانون بالسجن لمدة تصل إلى خمسة وعشرين سنة وغرامات مالية كبيرة (17) .
ولا يقتصر الإطار التشريعى القائم على القيود التى جاء بها قانون الأحزاب بل هناك أيضاً عدد كبير من القوانين الموروثة من العهود السابقة أو التى صدرت خلال السنوات التى تلت قيام الأحزاب تتضمن قيودًا إضافية تحرم النشاط السياسى الجماهيرى وحق التجمع السلمى والاجتماعات العامة وتعطى للسلطات حق اعتقال المشتبه فيهم، وفرض قيود على حرية إصدار الصحف والمطبوعات بالقانون 96 لسنة 1996 والقانون 3 لسنة 1998 وقانون التجمهر 10 لسنة 1914 وقانون الاجتماعات والمظاهرات رقم 14 لسنة 1923 وقوانين الجمعيات الأهلية والتعاونية والنقابات العمالية والنقابات المهنية التى تضعها جمعياً تحت سيطرة الأجهزة الإدارية وتعطى لهذه الأجهزة حق الاعتراض على تأسيس الجمعيات الأهلية وإلغاء قراراتها وحلها. كما يلعب القضاء الاستثنائى دوراً خطيراً فى التأثير على فاعلية الأحزاب السياسية من خلال محاكمة أصحاب الرأى أمام محاكم أمن الدولة طوارىء ومحاكم أمن الدولة وتشكيل دوائر خاصة بها عناصر غير قضائية فى القضاء الإدارى للنظر فى المنازعات حول قانون الأحزاب. ويلعب التطبيق المستمر لقانون حالة الطوارىء رقم 162 لسنة 1958 لمدة 25 سنة دوراً سلبياً للغاية بالنسبة لنشاط الأحزاب السياسية حيث يعطى القانون للسلطات حق فرض قيود على حرية الأشخاص فى الاجتماع والانتقال والإقامة والمرور، والقبض على المشتبه فيهم واعتقالهم وتفتيش الأشخاص والأماكن دون التقيد بأحكام قانون الإجراءات الجنائية، وللسلطات أيضاً طبقا لهذا القانون حق الأمر بمراقبة الرسائل والصحف والنشرات والمطبوعات وكافة وسائل التعبير والدعاية والإعلان قبل نشرها. وضبطها ومصادرتها وتعطيلها. وحق تحديد فتح المحال العامة بما فيها مقرات الأحزاب والجمعيات والنقابات والنوادى. ويمكن فرض هذه القيود بأوامر شفوية تعزز كتابة خلال ثمانية أيام. ويحاكم المتهمون بمخالفة قانون الطوارىء أمام محاكم أمن الدولة طوارىء التى يشترك فيها ضباط من القوات المسلحة والتى تشكل بعض دوائرها من ضباط فقط فهى محاكم عسكرية يحاكم أمامها مواطنون مدنيون متهمون بارتكاب مخالفات تدخل ضمن القوانين العادية.
وليس هناك ما يبرر عدم محاكمتهم أمام قاضيهم الطبيعى. وقد كان لهذا التطبيق المستمر لقانون الطوارىء نتائج خطيرة لا تقتصر فقط على مخالفة المواثيق والمعاهدات الدولية لحقوق الإنسان التى وقعت عليها مصر بل ساهمت فى إضعاف الحياة السياسية وانصراف المواطنين عن العمل العام خوفا من الأذى، وإضعاف فرص التطور الديمقراطى السلمى للمجتمع الذى يتطلب احترام حقوق الإنسان المصرى، وفتح قنوات شرعية للتعبير السلمى عن الرأى، واتاحة الفرصة أمام المواطنين للمشاركة فى الحياة السياسية ودعم المنافسة السياسية السلمية.
وهكذا يتضح أن التعددية الحزبية تعانى من مأزق شديد، وأهم ما يعترضها هو طبيعة النظام السياسى السائد الذى ظل محتفظا بالكثير من الخصائص التى ورثها من المرحلة السابقة رغم التحول فى اتجاهاته السياسية فالنظام ما زال محتفظاً بطابعه السلطوى الذى يتجسد فى هيمنة جهاز الدولة، أى الحكومة وعلى رأسها مؤسسة الرئاسة والجهاز البيروقراطى، مقابل ضعف المجتمع المدنى، ومن الجدير بالذكر أن الحكم قد استخدم آلية التشريع لضمان إحكام السيطرة على التعددية الحزبية.
سواء بإصدار قوانين جديدة أو تعديل القوانين القائمة. وقد كان صدور قانون الأحزاب السياسية نفسه أوضح مثل لذلك وما تضمنه من أحكام سبق الإشارة إليها تضمن سيطرة الحكم على إنشاء الأحزاب الجديدة ونشاط الأحزاب القائمة، وخلال عمر التعددية صدرت قوانين جديدة وعدلت قوانين قائمة لسد الثغرات التى كشف عنها التطبيق ومثال ذلك تعديل قانون الأحزاب السياسية لتجريم أى نشاط للأحزاب تحت التأسيس عندما نجح الحزب الاشتراكى الناصرى تحت التأسيس أن يمارس نشاطا سياسياً واسعاً وفعالاً قبل التصريح له بقيام الحزب. وكذلك صدور القانون رقم 2 لسنة 1977 بعد انتفاضة 19،18 يناير 1977 لوضع قيود جديدة على النشاط السياسى الجماهيرى. وصدور قوانين الاشتباه وحماية الجبهة الداخلية والسلام الاجتماعى فى مواجهة تصاعد النشاط السياسى الجماهيرى للأحزاب السياسية عام 1978. وتعـديـل قـوانين المطبوعات والنشر أكثر من مرة للحد من فاعلية الصحف الحزبية (18) .
وعندما صدر قانون الشركات المساهمة تضمن نصاً يشترط موافقة مجلس الوزراء على تأسيس الشركات المساهمة التى تعمل فى مجال الصحافة والنشر لضمان التحكم فى صدور الصحف الجديدة، كما صدر القانون رقم 100 لسنة 1993 الذى أدى إلى تجميد أوضاع غالبية النقابات المهنية وعدم إجراء انتخابات لهيئاتها القيادية. وتعديل قانون النقابات العمالية بما يعطى لقياداتها العليا الموالية للحكومة حق الاستمرار فى نشاطها بعد احالتها للمعاش إذا قدمت عقودًا جديدة للعمل فى القطاع الخاص. وحقها فى الاستمرار لدورات جديدة دون الترشيح فى اللجان النقابية القاعدية وبذلك تواصل أداء دورها فى السيطرة على النقابات العمالية فى إطار التوجهات الحكومية.
نظام انتخابى فاسد: حيث يعتبر النظام الانتخابى المطبق فى مصر من أهم معوقات تطور التعددية الحزبية وتحقيقها للهدف الأساسى من قيامها وهو تداول السلطة من خلال انتخابات حرة. فالنظام الانتخابى فى مصر لا يوفر ضمانات حقيقية لحرية الانتخابات وتعبيرها بصدق عن إرادة الناخب. حيث تجرى الانتخابات تحت إشراف وزارة الداخلية فعليا رغم نقلها أخيرا إلى وزارة العدل وهى هيئة حكومية غير محايدة فهى التى تعد جداول الناخبين وتشرف على كل مراحل العملية الانتخابية ابتداء من فتح باب الترشيح حتى إعلان النتائج، مما يعطى قوات الشرطة فرصة كبيرة للتدخل فى الانتخابات وقد تأكدت هذه الحقيقة فى انتخابات سنة 2005 رغم الإشراف القضائى.
وتمتلىء الجداول الانتخابية بأسماء المتوفين والمجندين والمهاجرين كما تحفل بالأسماء المتكررة، ويجد الناخبون صعوبة فى التعرف على لجان التصويت وغالباً، ما يمنع الناخبون من الوصول إلى هذه اللجان ويتعرضون للتهديد والضغط حتى لا يصوتوا لمرشحى المعارضة. ورغم تعديل نظام الانتخابات مؤخراً وإشراف القضاء على مرحلة التصويت وفرز الأصوات إلا أن النظام الانتخابى فى مجمله ما يزال يعطى للحكومة الدور الأكبر فى إدارتها لصالح مرشحى الحزب الحاكم. ورغم تقدم أحزاب المعارضة بمشروعات قوانين جديدة لتعديل هذا النظام بحيث تكون الانتخابات تحت إشراف هيئة قضائية محايدة غير قابلة للعزل فى كل مراحلها إلا أن الحكومة لم تستجب لهذه الرغبة، وما يزال نظام الانتخابات من أهم التحديات التى تواجه التعددية الحزبية ويحول دون تحقيق الهدف الأساسى منها وهو تداول السلطة من خلال انتخابات دورية حرة ونزيهة.
احتكار الإعلام الجماهيرى:
ولضمان الحيلولة دون التواصل بين الأحزاب السياسية والقواعد الجماهيرية الواسعة صدرت العديد من القوانين فى مقدمتها قانون اتحاد الإذاعة والتليفزيون الذى يضع أجهزة الإعلام الجماهيرى كالاذاعة والتليفزيون تحت سيطرة حكومية كاملة بما يؤدى إلى حرمان الأحزاب السياسية المعارضة من الاستفادة من هذه الأجهزة لطرح برامجها ومواقفها على المواطنين. فى حين يتمتع الحزب الحاكم بفرص واسعة فى هذا المجال. ثم تنظيم ملكية ونشاط الصحف المملوكة للدولة تحت مسمى الصحف القومية بوضعها تحت سيطرة مجلس الشورى الذى يعمل بتوجيهات حكومية ويتم من خلاله تعيين رؤساء مجالس إدارة ورؤساء تحرير هذه الصحف بحيث أصبحت أداة للحكومة وتوجهاتها لا تستطيع الأحزاب المعارضة استخدامها لطرح توجهاتها السياسية أو شرح مواقفها للرأى العام إزاء التطورات والأحداث السياسية الهامة. وينطبق الوضع نفسه على أنشطة الثقافة الجماهيرية ومراكز الإعلام بالمحافظات وباحتكار الحكومة وحزبها لأجهزة الإعلام الجماهيرية لم يعد بوسع المواطن أن يتمتع بحقه فى الحصول على المعلومات والبيانات من مصادر متعددة تمكنه من الحكم على الأحداث واختيار الموقف الصحيح من التطورات والاختيار السليم بين البدائل السياسية المطروحة عليه لأنه لا يعرف بدقة هذه البدائل، بل يتعرف عليها من خلال تقييم الحكومة لها فى وسائل الإعلام الجماهيرية التى غالباً ما تشوه هذه البدائل ولا تعرضها بصورتها الحقيقية.
السيطرة على مؤسسات المجتمع المدنى:
ونظراً لأهمية مؤسسات المجتمع المدنى فى التنشئة الديمقراطية واجتذاب المواطنين إلى ساحة العمل العام وإمكانية الاستفادة منها فى توفير الشروط الضرورية فى المجتمع للاهتمام بالعمل السياسى، فإن الحكومة تحرص على وضع هذه المنظمات تحت سيطرتها وتصر على عدم تعديل القوانين القائمة التى تكفل للأجهزة الإدارية السيطرة على هذه المنظمات، وخاصة الجمعيات الأهلية والنقابات العمالية والنقابات المهنية والجمعيات التعاونية والأندية الرياضية ومراكز الشباب. ورغم تنوع هذه المنظمات إلا أن قوانينها تعطى للحكومة إمكانية كبيرة فى التحكم فى معظمها حيث للجهة الإدارية حق الاعتراض على قيام الجمعيات الأهلية والتعاونية ومراكز الشباب، وحق الاعتراض على المرشحين لمجالس إداراتها، وتعطيل قراراتها واقتراح حلها. ويتضح موقف الحكم من هذه المنظمات والإصرار على وضعها تحت الوصاية الإدارية أنه رغم صدور حكم المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية قانون الجمعيات الأهلية الصادر سنة 2000 إلا أن الحكومة عاودت إصداره بنفس مواده استيفاء للشكل فقط، وكذلك ما تزال الحكومة تصر على استمرار العمل بالقانون رقم 100 للنقابات المهنية الذى جمد هذه النقابات وحال دون انتخاب مجالس إدارتها لمدة تقرب من عشر سنوات. ينطبق نفس الأمر على القوانين المنظمة للجمعيات التعاونية والأندية ومراكز الشباب وبذلك تضمن الحكومة ألا يتحول المجتمع المدنى إلى إطار يساهم فى توسيع الممارسة الديمقراطية فى المجتمع ويزود الأحزاب السياسية بعضوية جديدة وقيادات جديدة.
تصاعد العنف السياسى:
فقد شهدت البلاد تصاعدا ملحوظا فى العنف السياسى بواسطة جماعات الإسلام السياسى خلال حقبتى الثمانينيات والتسعينيات من القرن العشرين، وأثرت المواجهة بين الحكم وهذه الجماعات على العمل السياسى بسبب القيود الكثيرة التى فرضت عليه والتى كان من نتيجتها منع المؤتمرات والمسيرات الجماهيرية ومنع توزيع البيانات الحزبية على المواطنين، وتزايد حالات الاعتقال السياسى للمشتبه فى صلتهم بالجماعات التى نظمت عمليات اغتيال واسعة النطاق لرؤساء الجمهورية والوزراء وكبار ضباط الشرطة والصحفيين والكتاب والقيادات الحزبية والسياح الأجانب. وصدرت العديد من القوانين التى تعطى لأجهزة الأمن حرية أكبر فى التعامل مع المعارضة السياسية وخاصة التى تلجأ للعنف. وقد أضرت هذه المواجهة بالحياة الحزبية وكان لها تأثير سلبى على إمكانيات التطور الديمقراطى. ورغم توقف أعمال العنف مؤخرا إلا أن هذه التأثيرات السلبية لم تتوقف بعد.
الأزمة الاقتصادية الاجتماعية:
واجهت البلاد خلال حقبتى الثمانينات والتسعينيات أيضا مشكلات اقتصادية واجتماعية كان لها تأثيرها الكبير على مستوى معيشة المواطنين وذلك نتيجة لتطبيق سياسات التثبيت والتكيف الهيكلى والتى كان من آثارها انخفاض نصيب الأجور فى الناتج المحلى الاجمالى من 50% سنة 1970 إلى أقل من 25% سنة 2000. وارتفاع نسبة الفقراء إلى 48% من السكان يحصلون على اقل من 20% من الناتج المحلى الاجمالى فى الوقت الذى يستحوذ أغنى 10% من السكان على 35% من الناتج المحلى الاجمالى، (19) وقد تزايدت فى نفس الفترة معدلات البطالة بين الشباب وأغلبهم من المتعلمين حيث وصلت إلى 17% من قوة العمل حسب تقرير البنك الدولى لعام 2000، واتسع نطاق الفئات المهمشة، سكان الأحياء العشوائية بالمدن الكبرى المحرومين، من الخدمات الأساسية ومن مصدر دخل منتظم حيث بلغ حجمهم ما يقرب من 3 ملاين مواطن.
وترتب على هذه الأزمة الاقتصادية والاجتماعية تزايد التوتر فى المجتمع والذى يعود أيضا إلى أن هذه الفترة شهدت صدور العديد من القوانين التى تعيد صياغة العلاقات الاجتماعية لصالح الملاك كما حدث بالنسبة للعلاقة الايجارية للأرض الزراعية والمساكن. وتزايدت حالات الإضراب والاعتصام فى المصانع وحركات الاحتجاج فى الريف. وأصبحت الأحياء العشوائية مناطق نفوذ لجماعات العنف الإسلامية. وكان لهذه التطورات الاقتصادية والاجتماعية آثارها السلبية أيضا على الحياة السياسية بصفة عامة والتعددية الحزبية بصفة خاصة. وأعلن كبار المسئولين فى الدولة أنه لا يمكن اتخاذ إجراءات جديدة لتحقيق مزيد من التطور الديمقراطى قبل حل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية الحادة. وأنه طالما بقيت مشكلة البطالة والفقر فإنه لا يمكن المغامرة بتحقيق مزيد من التطور لا تهز استقرار المجتمع. ويضرب كبار المسئولين المثل دائما بالاتحاد السوفيتى عندما تعجل جوربا تشوف الإصلاح السياسى قبل أن تحل المشكلة الاقتصادية فأنهار الاتحاد السوفيتى. ولذلك فإننا نرى أنه طالما استمرت هذه السياسات الاقتصادية التى أنتجت هذه المشاكل فإن الأمل ضعيف فى أن تبادر الحكومة إلى اتخاذ إجراءات فعلية للانتقال من التعددية الحزبية المقيدة إلى تعددية حزبية حقيقية.
غياب تصور متكامل للانتقال الديمقراطى:
لم يكن قيام التعددية الحزبية فى مصر جزءً من تصور متكامل للانتقال إلى الديمقراطية بل جاء كما أوضحنا من قبل لإنقاذ النظام من أزمته وتوفير شرعية جديدة له، وإعطائه مظهراً ديمقراطياً أمام الغرب. من هنا فإنه لا يمكن أن تزدهر التعددية الحزبية فى مناخ غير ديمقراطى وبمعزل عن توافر واحترام الحقوق والحريات السياسية والمدنية للمواطنين واستقلال القضاء ووحدته وحرية الصحافة ومدى تغلغل القيم الديمقراطية والسلوك الديمقراطى فى مؤسسات المجتمع المختلفة، وإنهاء وصاية الأجهزة الإدارية على المنظمات الاجتماعية والجماهيرية.. الخ. ولما كان الإطار السياسى والقانون للمجتمع غير ديمقراطى، والعلاقات بين الدولة والمواطن غير ديمقراطية والعلاقات بين الدولة والمؤسسات الأخرى غير ديمقراطية، فإنه لا يمكن أن تنضج التعددية الحزبية أو تحقق الهدف من قيامها وهو أن تكون إطاراً للمنافسة الديمقراطية السلمية بين مختلف القوى الاجتماعية والسياسية، وتداول السلطة بينها من خلال انتخابات حرة ونزيهة.
ميراث السلطوية:
وهكذا يمكن القول بأن ميراث السلطوية فى المجتمع المصرى يمثل تحديا كبيرا لتطور التعددية الحزبية، خاصة وأن السلطوية تقوم على وجود حزب مهيمن على السلطة يحتكر الحكم باستمرار، كما تقوم على احتكار الدولة لوسائل الإعلام، ووصايتها على منظمات المجتمع المدنى، وحرصها على تأمين سطوتها من خلال ترسانة من القوانين التى تكفل لها إحكام قبضتها على كل مناحى الحياة فى المجتمع. وبدون تصفية ميراث السلطوية فى المجتمع لا يمكن تصور إمكانية قيام نظام تعددى حزبى ديمقراطى.



#عبد_الغفار_شكر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إصلاح النظام الحزبى فى مصر (1)
- البنية الثقافية للنخبة المصرية ( 3)
- البنية الثقافية للنخبة المصرية ( 2)
- البنية الثقافية للنخبة المصرية (1 )
- الانتفاضة الفلسطينية: ارهاب أم مقاومة وطنية؟
- عبد الغفار شكر المتحدث بأسم التحالف الاشتراكي المصري للحوار ...
- التحالف الاشتراكى الوثيقة التأسيسية
- ثورة 23 يوليو وعمال مصر
- نشأة وتطور المجتمع المدنى: مكوناته وإطاره التنظيمي
- تجديد الحركة التقدمية المصرية - الجزء الرابع والأخير
- تجديد الحركة التقدمية المصرية - الجزء الثالث
- تجديد الحركة التقدمية المصرية - الجزء الثانى
- تجديد الحركة التقدمية المصرية - الجزء الأول
- أثر السلطوية على المجتمع المدنى - الجزء الثانى
- أثر السلطوية على المجتمع المدنى - الجزء الأول
- دور المجتمع المدنى فى بناء الديمقراطية-الجزء الرابع والأخير
- دور المجتمع المدنى فى بناء الديمقراطية- الجزء الثالث
- دور المجتمع المدنى فى بناء الديمقراطية - الجزء الثانى
- دور المجتمع المدنى فى بناء الديمقراطية-الجزء الأول
- نحو ثقافة عربية ديمقراطية


المزيد.....




- ما هو مصير حماس في الأردن؟
- الناطق باسم اليونيفيل: القوة الأممية المؤقتة في لبنان محايدة ...
- ما هو تلقيح السحب وهل تسبب في فيضانات دبي؟
- وزير الخارجية الجزائري: ما تعيشه القضية الفلسطينية يدفعنا لل ...
- السفارة الروسية لدى برلين: الهوس بتوجيه تهم التجسس متفش في أ ...
- نائب ستولتنبرغ: لا جدوى من دعوة أوكرانيا للانضمام إلى -النا ...
- توقيف مواطن بولندي يتهم بمساعدة الاستخبارات الروسية في التخط ...
- تونس.. القبض على إرهابي مصنف بأنه -خطير جدا-
- اتفاق سوري عراقي إيراني لتعزيز التعاون في مجال مكافحة الإرها ...
- نيبينزيا: كل فيتو أمريكي ضد وقف إطلاق النار في غزة يتسبب بمق ...


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - عبد الغفار شكر - إصلاح النظام الحزبى فى مصر (2)