أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - غريب عسقلاني - رواية نجمة النواتي 10,11,12















المزيد.....

رواية نجمة النواتي 10,11,12


غريب عسقلاني

الحوار المتمدن-العدد: 2813 - 2009 / 10 / 28 - 21:54
المحور: الادب والفن
    




- 10 –

رجعوا من الواحات, من تنازلوا, أو من أخذوا اشتباهاً, وتوزعت الأخبار عن صمود وانهيار, وعن نزاعات كبيرة وصغيرة, وعن رجل لن يرتج حنكه تحت وطأة اللكمات, ولم يهبط صدره على صليب العروسة تحت لسعات الكرابيج السودانية المنقوعة بماء الملح.
تحدثوا عنه كيف كان يبصق في وجه المحقق, ويعانق الشرطي الذي جلده ويبكيان خلسة عن عيون إدارة السجن.. وفي يوم وفيما النواتي مضجعا في ظل المركب, رقد إلى جانبه شاب أسمر نحيف مذعور العينين.
- ما الأمر يا رجل؟ خير.
- رسول.
نهض النواتي يتبعه الشاب, وفي المصنع وبعد أن هدأ صدر الشاب,احتسيا الشاي, وكانت أم خليل تسترق السمع من خلف الباب.. سمعت الشاب يقول:
- أبو خليل يبلغكَ, أن القضية تتعلق بحكايات الشاعر, وأن الإفراج قريب
- من رجع بالأخبار؟
- أخي الذي أُخذ اشتباهاً
- من يكون أخوك؟
- لا داعي. فقد ساقوه عندما دخلوا البيت بالخطأ إثناء البحث عن جارنا, فعثروا على بعض الكتب.
- وماذا أيضاً؟
- أبو خليل يقول تابع البدوي.
- أي بدوي ومن يكون؟
- لا أدري, وأخي يؤكد أنه لا يعرف شيئاً
رمى الشاب حمله ومضى... كان غبش المساء يحط على السواطيح القرميدية الواطئة يكاد يغيبها.. والبحر يسحب ذيول أمواجه على رمل الشاطئ, طمأنها النواتي:
- هم بخير, اهتمي بالأولاد يا أم خليل.
- الله يطمئنك يا خال.
وذرفت دمعاً غزيراً, وتأست على الحال الذي عزت فيه الرجال, ما عاد الخال خالاً ولا العم عماً " كنت ظهري يوم انقطع الأهل, وها أنتَ ظلي وظل أولادي الذين يسألون عن أبيهم, لا يدركون معنى السجن:.. وزحفت إليها الأحزان.. " لا يدرك لوعة العاشق إلا العاشق,... لو يعلمون قصتك يا خال, ويعرفون حوريتكَ التي تنتظر,.. هل يعود رجا بأخبارها.."
وراحت تحدق في كتل العتمة التي حطت على صدر البحر, تلمع بين الحين والحين رغوات الموج في لجين الليل, والبحر يقذف نفاياته وبقايا أصدافه ولسان البحر على الشط..وتذكرت أسنانها التي أهملتها منذ صعدوا بالرجل إلى البوكس.. واشتاقت لأم حسن تبكي على صدرها:
- كيف تهملين اللؤلؤ في فمكِ يا عروس؟
في كل صباح تقبلها أسفل مفرق شعرها, وتؤكد:
- بحرنا جواد يا ابنتي, والله يمتحن المؤمنين.
وخزتها نسمة رعناء باردة, فانطلقت ملهوفة تلف صغارها بالأغطية.. كم حذرتها أم حسن من برد الصيف.. كيف مر الصيف بهذه السرعة؟ وتضرعت إلى الله.
"سبحان الذي ألهمنا الصبر, وعودنا على النسيان"


- 11 –

طقطقت الصاجة على النار, فألقى أبو على الأسماك على صفحتها المتوهجة,اشتعلت حواف القشور وشدت طبقة الجلد, فسَّخته وتسرب الدهن,.. فاحت رائحة الشواء.. تابع أبو علي الأسماك التي انتفخت حتى جفت رغوة زيوتها على حواف صفائح الخياشيم والفم, نضجت الأسماك تباعاً, فألقى بها إلى حمدان الذي استقبلها على صفحة الرغيف..
ينزع البحري رأس السمكة, فيسحب معه الأحشاء المنتفخة على خبثها, وعلى سحبتين بين الشفتين تصبح السمكة سفّيرة شوكية,
قال أبو علي وهو يلوك اللحم الدسم:
- المرمير ملك الشط لولا أشواكه.
- لولا أشواكه ما أصبح ملكاً
مع الفجر فردا العدة, وأخذا يرتقان عيون الشباك الممزقة تهيؤا للصيد, كالعادة يتفقدان العدة والشباك فبل النّوة, حمدان يسوي ويسلك خيوط الرتق خلف صنارة أبي علي الذي يحبك العيون الممزقة, ويتابع بطون الأمواج.. لمعت الأسماك في بطن الماء, ألقى بالصنارة لحمدان:
- سنفطر بطناًَ لذيذاً.
ومضى بشبكة الطرح حتى ضربه الموج إلى صدره, وعندما تطاولت الموجة لوح بالشبكة وطرحها, ففردت عبها وحطت على بساط الماء وغاصت.. تراجع إلى البر بجذر وسحب خيوطه وسحب سرب المرمير, وزعق:
- أوقد النار يا حمدان
وعلى الرمل ضرب حمدان كوعاً وقال:
- حدثني عن عروس البحر يا ريس.
- هذه خرافية نتناقلها كابر عن كابر, ولا أحد منا صادف العروس, أو التقى بها,
مضى حمدان إلى البحر يتخلص من زنخ الإفطار, ليعد إبريق الشاي على النار التي أكلت ما تبقى من حطب وأخذت ترسل هسيس الجمرات المتوهجة..
وعندما شقت الشمس كبد السماء, رقدا في ظل المركب, وتحدث حمدان عن الجنية التي تزور صفية في الليل تبحث عن ذكر اللوكس, وتحدثها عن العروس التي عشقت النواتي وبكت على صدره, فرق لحالهاّ فسحبته إلى عشيرتها, ثم عادت به إلى سطح الحر..
وتهامسا عن النواتي الذي يبحر في ليالي القمر إلى منارة عسقلان, يتسقط أخبار حوريته, وأخبار أخرى عن خطيبته الإنسية التي هي من لحم ودم وجدائل طويلة, تنتظر في شرفتها, وترصد البحر, سأل حمدان:
- وهل يصل إلى يافا سباحة!؟
- يصل إلى المنارة, ويراقب النورسة الواقفة على قمتها, ويقال أنه يلتقي برجلٍ في عرض البحر.
- وماذا عن الشختورة؟ لم يخرج بها للصيد ثانية.
- يركبها عندما يخلو البحر من مراكب الصيادين, وعندما يعود يذهب مباشرة إلى صديقه البدوي.
- وما قصة البدوي؟
- من عرب روبين, راعياً وقصاص أثر من عرب روبين, يقال أنه كان في شبابه قاطع طريق, يرقد هذه الأيام في خصه, وابنته تسرح بالأغنام.
وعندما جنحت الشمس صوب البحر, جمعا الغزل ومضيا كل إلى بيته, وتساءل حمدان هل تزور جنية البحر صفية مرة أخرى؟ وماذا لو فرقتهما الأيام؟هل يدرك غيرها من النساء, وهل تدرك هيب غيره من الرجال,.. واقترب من الزقاق فجذبته رائحة التمر حنة..


- 12 –
هلت البشائر..
توافد المغتربون, وطليت واجهات البيوت بالجير, وجهزت حجرات العرسان, ونشط المنجد المجدلاوي بقوسه ومدقته الخشبية" الرمانة" ينفض عن الفراش غبار عام مضى, وينشر عثا ترسب في الحشايا والوسائد.. وتنقلت وفود النساء في الحواري ناقدات خاطبات, يتسقطن من طق بزها قبل الأوان, ومن حصلت على التوجيهية العامة, أو هي في الطريق إليها.. والعرسان قادمون منهم من يتهيأ للدخلة, ومنهم من يحمل مهر الخطيبة على أن يكمل المشوار في الموسم القادم.. مفاضلة الأمهات الخاطبات بين جمال العروس وشهادتها التي تسندها وتسند زوجها في بلاد الله فيعملان يداً بيد.. ولا بأس لو أرسلت الزوجة الموظفة شيئاً من دخلها, أو تعهدت بتعليم أحد أخوتها, والسعيدة من تقع على عروس جميلة ومعها شهادة, فتضرب كل العصافير وتسقطها في حضن ابنها العريس المنتظر قالت سناء:
- أخي يلح ويلقح كلام؟
تساءل خميس:
- ولماذا العجلة؟
ضحكت وقربت وجهها من وجهه:
- سيرتنا على أفواه الناس في المخيم.
- وهل تعلموا؟
وفي المساء احتدت زوجة الأخ, واحتد الأخ, عندما طلب خميس أن يكون العرس مختصرا:
- اسمع يا خميس, متعلمة ومعلمة, لا هي عزباء ولا عامله عمله لا سمح الله, لازم تطلع مثل أحسن عروس.
- خاطرك وخاطرها كبير وعلى راسي, لكن الواجب نراعي خاطر الرجل الذي خطبها لي, يرضيك الهيصة وأبو خليل في السجن؟
أُُسقط في يد الأخ, وطأطأت زوجته تسبح في حرجها, وتداري وجهها..
- الله يخزيك يا شيطان, في هذه غلبتني يا ابن الأصول, أنا فكرت أنكما تستحلون طول الخطبة, وتسوفان.. وفي المخيم الكلام يزيد والناس فاضية لنتش سمعتكم..
وقبل أن يرحل الصيف, رجعوا من الواحات, ورجع الرجل إلى المصنع وجدد البدوي العريشة, وتناقل أهل المخيم أخبار الواحات وسجن أبو زعبل, وفرح خميس وسناء الذي بات خكاية يتناقلها الصغار والكبار, فقد كان الحمام في بيت النواتي, والجلوة وصمدة العروس في ساحة المصنع, وسهرة الرجال على الشاطئ الذي أُضئ بلوكسات البحرية, وتحدثت الصبايا عن جنون أم حسن, وعن أم خليل التي ضربت زينتها زينة العروس عندما هدلت شعرها.. رقصت أم خليل كما لم ترقص امرأة, وفاضت دموعها فاحتضنتها أم حسن ومضت بها إلى الدار:
- انتظرت عرسين يا خالة فرقصت في العرس الثالث..
وفي ما تلا من أيام انفتحت مغاليق القلب الصائم على أسراره, حضنتها أم حسن وقالت:
- خففي حملك فأنا أمكِ.
ابو خليل يراقب المرأتين ويستعيد طفلاً درج في دروب يافا, فقد أباه قبل أن يعي الأمكنة, وذاق برودة المشي حافيا بعدما طفش من الدار ليلة عرس أمه التي تزوجت تحت إلحاح الأهل.. كانت صبية وجميلة, فر من أمامها حتى بهتت ملامحها أو كادت, ثم عادت دمعة على صفحة خد الشاب الشقي.. سمع أحدهم يتساءل باستهجان:
- وهل يبكي قاطع الطريق!
يومها عرف الخوف الحقيقي, كان غريباً في الجنازة, لم يتعرف عليه أحد من أعمامه وأخواله, وعندما تفرقوا جثا على القبر ولم يصحو إلا والظلام يلف المقبرة.. ورأى أشباح الموتى تخرج عليه من قبورها, لم يغفر لأبيه ولكنه استجار بأمه, وعاهدها ألا يعود إلى الشقاوة حتى لو عمل عتالا.. وكانت معضلته كسب ثقة النواتي ابن ريس البحر, الذي يفرد ظله على البحارة وعمال الميناء..
انتبه إلى المرأتين, فمضى إلى المصنع حيث هيأ ركنا يتسع لطاولة كبيرة وبعض المقاعد, وفصل على الجدار رفوف الكتب بجوار طاولة التنس.. كان العصر يقترب, وتوافد الصبيان يطالعون ويسألون ويلعبون.. يناقشون ويستدرجون بأسئلتهم الأستاذ خميس, الذي يشرح ويوضح, ويفسر ويوبخ إذا اقتضى الأمر, ويعجز عن تلبية ما يطلبون في بعض الأحيان.. حسام العجرمي يسأل:
- أُريد كتاب الشيخ حسن سلامة يا أُستاذ.
أشار خميس إلى أبي خليل.
- أريد كتاب حسن سلامة يا عمي
- عندما يعود أبوك من السعودية..
وقف الصبي حائراً, فقد انقطعت أخبار أبيه, ونقوده منذ شهور, ولم يأت مع زوار الصيف خبرُ منه أو عنه..
- لا بأس يا ولدي, عندما تغزر شعيرات وجهك, تكون قد تعلمت من الدنيا الكثير.
- الأستاذ خميس يقول, حسن سلامة لم يُكتب في كتاب!
- من يدري قد تكون أنتَ من يكتب الكتاب..



#غريب_عسقلاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غريب عسقلاني - رواية نجمة النواتي 7,8,9
- غريب عسقلاني - رواية نجمة النواتي - 4,5,6
- رواية نجمة النواتي - 2 , 3
- غريب عسقلاني - رواية نجمة النواتي – 1 –
- عطش الندى - قصة قصيرة
- بيض اليمامة - قصة قصيرة
- رواية زمن الانتباة - سميرة - الفصل الأخير
- رلواية زمن الانتباة - حسني
- رواية زمن الانتباه - الاستاذ ناجي
- رواية زمن الانتياه - محمود
- رواية زمن الانتباه - ابو يوسف
- سحر التركواز والقراءة الموازية - - قراءة في رواية سحر التركو ...
- في فيافي الغربة - - قراءة في المجموعة القصصية - بيت العانس- ...
- فاتنة الغرة امرأة مشاغبة حتى التعب
- ترنيمة نادل الوقت - نص
- الذهاب إلى بئر الرغبات
- مارثون مفارقات القهر - - قراءة في المجموعة القصصية - إحراج - ...
- على جناح القبرة
- مقهى الذاكرة - نص مشترك
- حكاية الليلة الثانية بعد الألف..- نص مشترك مع هناء القاضي


المزيد.....




- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...
- عبر -المنتدى-.. جمال سليمان مشتاق للدراما السورية ويكشف عمّا ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- يتصدر السينما السعودية.. موعد عرض فيلم شباب البومب 2024 وتصر ...
- -مفاعل ديمونا تعرض لإصابة-..-معاريف- تقدم رواية جديدة للهجوم ...
- منها متحف اللوفر..نظرة على المشهد الفني والثقافي المزدهر في ...
- مصر.. الفنانة غادة عبد الرازق تصدم مذيعة على الهواء: أنا مري ...
- شاهد: فيل هارب من السيرك يعرقل حركة المرور في ولاية مونتانا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - غريب عسقلاني - رواية نجمة النواتي 10,11,12